◄ انتعاش صادرات الفسفاط.. والعالم العربي على رأس المستوردين للمنتجات التونسية
◄ أكثر من 2 مليار دينار عجز تجاري مع الصين وفائض مع فرنسا وألمانيا
في تطور لافت للمبادلات التجارية التونسية، سجلت الصادرات خلال الشهرين الأولين من سنة 2025 ما قيمته 10,169.2 مليون دينار، فيما بلغت الواردات 13,687.1 مليون دينار، ما أدى إلى تسجيل عجز تجاري بقيمة (-3,517.9 مليون دينار) مقارنة بـ(-1,779.9 مليون دينار) خلال نفس الفترة من سنة 2024. وشهدت الصادرات انخفاضًا بنسبة (-4.4 %) مقارنة بالسنة الماضية، في حين ارتفعت الواردات بنسبة (+10.2 %)، مما أدى إلى تراجع نسبة تغطية الواردات بالصادرات إلى 74.3 % مقابل 85.7 % في 2024، وذلك وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن معهد الإحصاء الوطني لشهر مارس الجاري.
تراجع في بعض القطاعات الحيوية
يعود الانخفاض المسجل في الصادرات إلى تراجع أداء بعض القطاعات الأساسية، مثل قطاع الطاقة الذي انخفض بنسبة (-5.1 %) نتيجة تراجع صادرات المواد المكررة، حيث انخفضت من 345.9 مليون دينار في 2024 إلى 59 مليون دينار في 2025.
كما سجل قطاع المنتجات الفلاحية والغذائية انخفاضًا بنسبة (-16.5 %)، متأثرًا بتراجع مبيعات زيت الزيتون من 1,323.9 مليون دينار إلى 1,007.6 مليون دينار. كما سجل قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية انخفاضًا بنسبة (-5 %)، في حين لم يتأثر قطاع النسيج والملابس والجلد بشكل كبير، حيث كان التراجع طفيفًا بنسبة (-0.6 %). في المقابل، سجل قطاع الفسفاط ومشتقاته نموًا بنسبة (+9 %)، مما يعكس انتعاشًا في صادرات هذا القطاع الحيوي.
العالم العربي يعزز حضوره
على مستوى التوزيع الجغرافي، لاتزال دول الاتحاد الأوروبي الشريك الأول لتونس حيث استحوذت على 69.7 % من إجمالي الصادرات، إلا أن الصادرات التونسية نحو الاتحاد الأوروبي شهدت تراجعًا بنسبة (-6.9 %) خلال الشهرين الاولين من سنة 2025، حيث انخفضت الصادرات نحو فرنسا بنسبة (-7.9 %) إيطاليا بنسبة **(-3 %)
وإسبانيا بنسبة (-43.9 %). في المقابل، سجلت الصادرات نموًا مع ألمانيا (+10.7 %)، وهولندا (+34 %).
أما على الصعيد العربي، فقد سجلت الصادرات التونسية انتعاشًا ملحوظًا، حيث ارتفعت مع ليبيا (+51.6 %)، والمغرب (+40.6 %)
والجزائر (+11.8 %)، ومصر (+149.1 %). ويعكس النمو الملحوظ في الصادرات العربية تحسن العلاقات التجارية بين تونس وجيرانها، بالإضافة إلى تطور الطلب على المنتجات التونسية في الأسواق الإقليمية. على مستوى الواردات، استحوذ الاتحاد الأوروبي على 42.2 % من إجمالي الواردات، حيث بلغت قيمتها 5,770.4 مليون دينار، مسجلة ارتفاعًا بنسبة (+1.6 %)، مع زيادات متفاوتة حسب الدول، وشهدت الواردات من الصين قفزة كبيرة (+70.9 %)، مما يعكس تزايد الاعتماد على المنتجات الصينية، سواء في قطاع التكنولوجيا أو المواد الأولية. كما ارتفعت الواردات من روسيا (+5.1 %)، والهند (+6.2 %)، وتركيا (+15.6 %).
العجز التجاري.. الصين وروسيا في مقدمة الدول
وبلغ العجز التجاري الإجمالي (-3,517.9 مليون دينار)، وكان السبب الرئيسي في هذا العجز هو الفارق الكبير بين الصادرات والواردات مع بعض الدول، وأبرزها الصين (-2,077.8 مليون دينار)، وروسيا (-1,092.3 مليون دينار)، والجزائر (-583.9 مليون دينار)، وتركيا (-483.7 مليون دينار)، واليونان (-273.7 مليون دينار)، والهند (-193.2 مليون دينار).
في المقابل، سجل الميزان التجاري فائضًا مع دول أخرى، من بينها فرنسا (+712.6 مليون دينار)، وإيطاليا (+511.7 مليون دينار)، وألمانيا (+475.7 مليون دينار)، وليبيا (+395.2 مليون دينار)، والمغرب (+143.6 مليون دينار.
خفض الواردات غير الضرورية
رغم تجاوز الصادرات التونسية سقف 10 مليار دينار خلال الشهرين الأولين من 2025، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، وأبرزها الضغط على الميزان التجاري، حيث ان ارتفاع العجز التجاري يشير إلى الحاجة إلى سياسات تدعم زيادة الصادرات وخفض الواردات غير الضرورية، وتنويع الأسواق التصديرية، فرغم التراجع في الصادرات نحو الاتحاد الأوروبي، فإن الأسواق العربية أظهرت نموًا واعدًا، ما يستوجب تعزيز العلاقات التجارية معها. كما ان تطوير القطاعات الإنتاجية خاصة في مجالات الطاقة والزراعة والصناعات الميكانيكية والكهربائية، يسمح لهذه القطاعات من ان تلعب دورًا أكبر في زيادة الصادرات. كما من الضروري العمل مستقبلا على تقليص التبعية للواردات الصينية، والتي ارتفعت الى (+70.9 %)، مما يحتم وضع استراتيجيات لتقليل الاعتماد على المنتجات الصينية، سواء عبر تعزيز الإنتاج المحلي أو البحث عن بدائل أخرى اقل كلفة.
ويُعدّ تجاوز صادرات تونس عتبة 10 مليارات دينار خلال شهرين إنجازًا اقتصاديًا هامًا يعكس تحسن الأداء التجاري للبلاد وقدرتها على تعزيز مكانتها في الأسواق الخارجية. هذا التطور يحمل دلالات إيجابية على عدة مستويات، سواء من حيث دعم النمو الاقتصادي، أو تحسين الميزان التجاري، أو تعزيز احتياطي النقد الأجنبي، كما أن زيادة الطلب على المنتجات التونسية في الأسواق الخارجية تعني دعم الإنتاج المحلي، ما يساهم في خلق فرص عمل جديدة، وتحفيز الاستثمار في القطاعات المصدّرة. وعندما تحقق الصادرات نموًا ملحوظًا، فإن ذلك يساهم في تقليص العجز التجاري، مما يخفف الضغوط على المالية العمومية ويحسن استقرار الاقتصاد الوطني.
وتُساهم العائدات المتأتية من الصادرات في زيادة احتياطي العملة الصعبة، ما يعزز قدرة البلاد على تغطية حاجياتها من الواردات وسداد ديونها الخارجية. كما يساعد هذا التحسن في استقرار سعر الصرف وتقليل الضغوط التضخمية، ويعكس قدرة المؤسسات التونسية على المنافسة والجودة، مما يفتح آفاقًا أوسع للتوسع في الأسواق العالمية.
وتمثل هذه الأرقام مؤشرًا هامًا على تطور المبادلات التجارية التونسية، لكنها في الوقت ذاته تعكس تحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالعجز التجاري ،والاعتماد على بعض الأسواق الخارجية. ولضمان استدامة النمو الاقتصادي، يتوجب على تونس تعزيز تنافسية صادراتها، تنويع شركائها التجاريين، ودعم القطاعات الإنتاجية المحلية لتقليل الفجوة بين الصادرات والواردات.
سفيان المهداوي