محمد حيزي، المؤمن بأنّ الرواية مجازفة ومكابدة وتمرد على السائد، في رصيده 9 روايات، وكتب أيضًا مسرحية (المستوج) التي قامت بتصويرها التلفزة الوطنية وعرضتها إلى جانب مسلسل «دنيا» في إخراج لنعيم بن رحومة، وتابعه الجمهور التونسي في رمضان 2010.
كان لنا معه الحوار التالي:
*ماذا تقول عن بداية العلاقة مع الكتابة؟
-لم تكن تعنيني الكتابة مطلقًا، بما أنني عشت في بيت لا يتوفّر فيه إلا كتاب القرآن الكريم، وقصّة طويلة لجرجي زيدان، تدور أحداثها حول سيف بن ذي يزن، وقصّة أخرى حول سيرة بني هلال. كنت كلّما عدت من المدرسة، يلحّ عليّ أبي وعمّي رحمهما الله على قراءة واحدة من هاتين القصّتين المهترئتين، بصوت عالٍ. لا أدري لماذا وجدا فيهما شغفهما، وإن أدركت بعد ذلك أنّ الجانب الدراميّ، وبلوغ الأحداث حالة بالغة من التشويق، هما الجانبان المثيران في القصّتين. وما استغربت له أيضًا أنّهما سبق أن استمعا لهاتين القصّتين عشرات المرّات، ورغم ذلك يجدان فيهما لهفة متجدّدة لإعادتهما مرّة أخرى.
إلى جانب ذلك، كانت أمّي سببًا مؤثّرًا في اتّجاهي إلى الكتابة، لأنها كانت تروي لي قصصًا عديدة وأنا طفل. كانت قصصًا عجيبة ومربكة، تضيف عليها من مخيالها الكثير، إلى أن نفدت نصوصها تمامًا، وما عادت قادرة على المزيد. لذلك التجأت إلى مكتبة أطفال في وسط المدينة، لكي أتمتّع بقراءة القصص الموجّهة للأطفال، وأنا بعد في الصفّ الثالث ابتدائي. كنت أقضي بعد الدرس ساعتين في هذه المكتبة، وأعود إليها مرّة أخرى بعد نهاية الدروس. لمّا يتمكّن مني الجوع، أعود إلى البيت في لهفة إلى اليوم الموالي. لم أترك المكتبة إلا بعد أن أنهيت كلّ القصص الموجودة في تلك الرفوف؛ وهذا أدهش المشرفة على المكتبة التي طلبت منها قصصًا أخرى، إن كانت متوفّرة.
بعد ذلك اتّجهت إلى المكتبة العمومية، القائمة آنذاك فوق سوق لبيع الخضر، والغلال، واللحم، والسّمك، وانطلقت في مطالعة روايات الكبار، أمثال نجيب محفوظ، وحنّا مينه، وإحسان عبد القدّوس، وشعر نزار قبّاني وغيرهم. لمّا حصلت على شهادة ختم الدروس الابتدائية، وانتقلت إلى المعهد الثانوي، وجدت نفسي أكتب بعض الخواطر، وما يشبه الشعر. كنت أعرض ذلك على أصدقائي، فاكتشفوا قدراتي باكرًا، وحفّزوني كثيرًا، كما كنت أحصل آنذاك على أعداد مميّزة في التعبير الكتابي، مما حيّر معلّميّ وأساتذتي بعد ذلك. وتمكّنت وأنا في السنة الأولى ثانوي، أي السابعة أساسي اليوم، من نشر خواطر وشعر، إلى أن اشتدّ عودي، وصرت أنشر قصصًا قصيرة في صحفنا التونسية، وبعض المجلات سواء كانت تونسية أو عربية.
بعد نشر عدد هائل من القصص القصيرة، تحوّلت في ثمانينات القرن الماضي إلى كتابة أولى رواياتي، كانت تحت عنوان «الباب الخلفي لمدينة والدّهشة». هذه الرواية كانت قصّة قصيرة تحت عنوان «على أرصفة الاكتواء». لم أسعَ إلى نشر قصصي القصيرة في مجموعات، بل اعتبرتها تجربة لبداية كتابة الرواية؛ وها أنا أبلغ حوالي تسع روايات منشورة، وآخرها رواية أشتغل عليها هذه الأيام.
*بعد هذه المسيرة الطويلة في عالم الكتابة؛ كيف تنظر اليوم إلى ذكرياتك القديمة مع أول نصّ لك؟
-بهجتي بلغت أوجها وأنا أنشر قصّة قصيرة في صفحة جريدة وطنية. زد على ذلك مشاركاتي العديدة في المهرجانات والملتقيات الأدبية في عدة مدن تونسية آنذاك، وفوزي الدائم في أغلبها، مما جرّ بعضها إلى بعث جوائز كبرى لتثمين أعمالي. وأذكر أن هذا حصل مثلًا في سيدي بوزيد، وبني خلّاد وغيرهما.
كانت التجارب الأولى سببًا في شغفي الفارق بالكتابة، إلى أن صرت روائيًا معروفًا، وكتبت عنّي عدة دراسات نقدية في تونس وخارجها، كما أن العديدين وجدوا في أعمالي مجالًا لإعداد دراساتهم في الجامعات التونسية للحصول على الماجستير والدكتوراه. كما أن هناك من كتب دراسة مطوّلة في كتاب عنوانه «النصّ والاختلاف في روايات محمد حيزي».
*ما الذي يشغلك في كل نصّ روائيّ تكتبه؟
-أنا أقرب إلى قنّاص. متى راودتني فكرة، أتوقعها ملفتة، ولم تطرق بعد، أنهمك فيها بعد نحت شخصياتها جيدًا. أتركها لحين داخلي، حتى أحسّ أنّها تراءت وتشكّلت ملامحها، ومتى استوت، أنطلق في قطافها كشجرة زيتون، بعد تسميدها وسقيها وتقليمها، لكي تكون معطاءً، كلّما حان الجني.
الرواية ليست نزوة عابرة، بل هي مجازفة، تحتاج لصبر وجلَد ومشقّة وبدون هذا تكون مجرّد هدر للوقت والورق والحبر، إلى جانب إساءتها للكاتب في نفس الوقت. إنّها حالة طويلة من المكابدة، لكي تجد لها موقعًا في مشهدنا الروائيّ. لا بدّ أن تلفت انتباه القارئ، الذي ينتظر منك نصًا مخالفًا للسابق، كما يجب عليك أن تثير انتباه ناقد، فيجد نفسه مجبرًا على تناول كتاباتك، سواء كان ناقدًا مشتغلا على ما هو قائم، أو ذلك الطالب الجامعيّ الذي يحتاج لنصوص مهمّة للحصول على الماجستير أو الدكتوراه.
وعادة ما يميلون إلى التجارب المعاصرة لتناولها في دراساتهم، وهناك عدد مهم منهم انساق لتناول أعمالي.
*هل من الضروريّ الاستنجاد بالتاريخ لصياغة نصّ سرديّ مهمّ، يجمع بين الإقناع، والإمتاع؟
-أنت والحالة التي تفرض نفسها عليك. إن وجدت تلك اللهفة قائمة فيك، فيمكن أن تجازف، وتتناول التاريخ في رواية ما، لكنّه ليس التاريخ بالمفهوم العلمي الدقيق، بل من خلال انعكاس فترة منه عليك، وتأثيرها فيك، وما راكمته من أسئلة داخلك. ولعلّني صغت هذا في رواية «حرير الوجد»، من خلال استدعاء الماضي لكن بطريقة سحرية وعجائبية. كما تناولت شخصية مناضلة ومتمردة، عاشت نضالًا شرسًا ضد المستعمر الفرنسي، ومرت بنكسة 1967 وحرب 1973 وحرب الخليج، وذلك في ثلاثية «مسافات الغبار»، و»ذاكرة الملح»، و»صهيل الفوات».
*أيّ حضور للمكان في كتاباتك السّرديّة؟
- عادة ما تكون مدينتي هي المكان الذي أهبه لشخصياتي الروائية، إلى جانب تونس العاصمة. بين الهامش والمركز، يتبدّى السرد في جلّ أعمالي تقريباً، لكن هناك رواية وحيدة، دارت أغلب أحداثها في مدينة الحمّامات، فتناولت ما قام فيها بطريقة سحرية، محاولاً أن أطرحها على شاكلة عجائبية. «حرير الوجد»، كانت رواية تحرّرت من المكان وثارت على سجني الطويل في مدينتي أو في العاصمة، ومكّنتني من زيارة فضاء آخر مختلف تماماً. كانت تجربة فريدة ومبهجة مع شخصيات فارقة، طوّحت بي بعيداً، واستولت عليّ، وقادتني إلى مطارح بهيّة، وبدّدت تلك الجهمة، وذلك القلق البالغ، وتلك الأسئلة الضاربة في أعمالي السابقة، وحوّلتني إلى كائن آخر ظلّ خفيّاً داخلي ومكبّلاً أيضاً إلى أن حان إطلاق سراحه فجأة. فعشت بذخاً لم أتوقّعه سواء على مستوى الأحداث أو الشخصيات أو المكان أو اللغة التي استفحلت في أبهى تجلياتها أثناء الكتابة. ذلك يعني أنّ المعجم اللغوي المستعمل في هذا النص الروائي، مختلف عن ما تعوّدت عليه في بقية أعمالي السابقة، لأن الأمكنة تحتاج بدورها إلى انتقاء عالمها اللغوي الخاصّ بها.
*كيف تحدد معايير الرواية الجيّدة بالنسبة لك؟
- بالنسبة لي، فإن معايير الرواية الجيّدة تشمل مجموعة من العناصر التي تجعل القارئ يتفاعل مع النص ويشعر بالارتباط به على مستوى الشخصيات والعالم الذي يتمّ تقديمه، كالعمق النفسي والحفر العميق في الذات والتعرية والتشريح المستمرّ، إلى جانب التطوّر والنموّ من خلال الأحداث، إضافة للتنوّع والصراع وتفاعلات الأبطال مع البيئة، دون سهو عن الإثارة والخروج عن ما هو مطروق. زد على ذلك تناول المسكوت عنه، دون فرض قيود، وما شابه ذلك. كما تعنيني اللغة وجمالياتها ودلالاتها وحركتها ووظيفتها من خلال خلفية كل شخصية وإمكانياتها في استعمال معجم لغوي مخالف لغيرها. كما أراهن على فكرتي الهادفة التي تأسّس عليها النص الروائي وقد تظهر في الأثناء سياقات أخرى، لكنني في الغالب أطوّعها لتخدم ما أنجزه. كما أراوغ القارئ أحياناً وأخرج عن توقّعاته وهو بصدد القراءة من خلال مباغتته في الغالب، لكن بطريقة لا تفقده ذلك التوهّج أو تخيّب ظنّه، بل تتوفّر له تلك اللهفة أكثر وهو يعيش مغامرة القراءة في أبهى تجلياتها.
* نشر الإبداع شعراً أو سرداً على وسائل التواصل الاجتماعي؛ هل له إمكانية إلغاء الكتاب الورقي من وجهة نظرك؟
- من غير الممكن أن نقول إن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تُلغي الكتاب الورقي بشكل كامل، لكن لا شك أنّها أحدثت تحوّلاً كبيراً في طريقة نشر وتوزيع الأدب والإبداع بشكل عام. في الماضي، كان الكتاب الورقي هو الوسيلة الأساسية للوصول إلى القارئ، بينما اليوم أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منبراً قوياً للإبداع الأدبي سواء كان شعراً أو سرداً. هذه الوسائل الرقمية سهّلت الوصول إلى جمهور أوسع، حيث يمكن للكتّاب والشعراء نشر أعمالهم بسرعة وبأقلّ تكلفة، ما يتيح لهم التواصل مع القرّاء من جميع أنحاء العالم. ومن خلال منصّات مثل «فيسبوك»، «تويتر»، «إنستغرام»، و»تيك توك»، أصبحت النصوص الأدبية تجد صدى واسعاً، خاصّة في الأوساط الشابّة التي باتت تفضّل وسائل الإعلام الرقمية على الكتب الورقية. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الكتاب الورقي. الكتاب الورقي ليس مجرّد وسيلة لنقل المعرفة، بل هو تجربة حسّيّة كاملة تتيح للقارئ التفاعل مع النص عبر الحواس من لمسة الورق إلى رائحة الكتاب. هذه التجربة لا يمكن أن تعوّضها الشاشات خصوصاً أنّ الكثير من القراء يجدون متعة في الاحتفاظ بالكتب واكتشاف الكتب المادية في المكتبات. الكتاب الورقي يظلّ بمثابة أثر ثقافيّ ورمز من رموز الأدب والإبداع وقدرة على التأثير في المجتمع. كما أنّ بعض الأدباء والمبدعين يفضّلون الكتاب الورقي كوسيلة لتوثيق أعمالهم حيث يعتبرونه وسيلة أكثر رسمية واحتراماً من النشر الإلكتروني. في هذه السياقات، يبقى الكتاب الورقي ذا قيمة كأثر فنّي مستدام. وفي الوقت نفسه، فإن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون مكملّة للكتاب الورقي، لا بديلاً عنه، فهي توفّر فرصاً أكبر لانتشار النصوص، ولكنها لا تلغي الحاجة إلى النسخة الورقية التي لا تزال تحافظ على قيمتها في عالم الأدب. الكتاب الورقي يمكن أن يتكامل مع الوسائل الرقمية ليمنح القارئ خيارات متعدّدة.
*المهرجانات والملتقيات الأدبية والفكرية والشعرية الوطنية والدولية؛ هل يمكن لها أن تقدّم لنا مبدعاً جيداً؟
-لا شكّ أنّ المهرجانات الأدبية، والملتقيات الفكرية والشعرية، سواء كانت وطنية أو دولية، تلعب دوراً مهماً في تطوير الإبداع الأدبي ودعم المبدعين الجدد. هذه الفعاليات ليست فقط مكاناً للاحتفال بالإبداع، بل هي منصات حيوية تسمح للأدباء بالتفاعل مع جمهور واسع والتعرف على أعمال جديدة ومناقشة قضايا الأدب والفكر بعمق. يمكن القول إنّ هذه الملتقيات تمثّل فرصة للمبدعين الناشئين لإظهار مواهبهم، مما يمنحهم الظهور في المشهد الأدبي سواء على المستوى الوطني أو الدولي. من خلال هذه الفعاليات، يحصل المبدعون على تقدير من الوسط الثقافي ويتمكنون من بناء علاقات مع نظرائهم من الكتاب والنقاد، وهو ما يمكن أن يسهم في تطوير مسارهم الأدبي. على سبيل المثال، كما تهبهم الملتقيات الأدبية فرصة التفاعل المباشر مع جمهورهم، وهو ما يفتح الباب أمام نقد بنّاء وتبادل للأفكار التي قد تؤثر بشكل إيجابي على عمل الكاتب.
كما أنّ هذه المهرجانات تشجّع على التنوّع وتساعد في تقديم أدب غير مركزي. لكن في ذات الوقت، من المهم أن نلاحظ أنّ المهرجانات الأدبية قد لا تكون دائماً القناة المثلى لاكتشاف المبدع الجيد، إذ يمكن أن تنحصر بعض الملتقيات في حضور أسماء معروفة أو تتأثّر بالمسائل السياسية والاقتصادية. علاوة على ذلك، فإن اختيار الأعمال الأدبية في مثل هذه الفعاليات قد تكون أحياناً مرهونة بالمصالح والصّداقات والإخوانيات أو بالأسماء المعروفة، مما يجعل من الصعب اكتشاف إبداع حقيقي. ومع ذلك، تبقى هذه الفعاليات مهمة في دعم الأدب وتقديم فرص للأدباء الجدد ليكونوا جزءاً من الحوار الثقافي. كما يمكن القول إن المهرجانات الأدبية لا تنتج مبدعاً جيداً بالضرورة، ولكنّها تسهم في تعزيز مكانة المبدعين، وتسليط الضوء على أعمالهم، مما يمكن أن يساعد في إطلاق مسارات أدبية واكتشاف أصوات جديدة.
* أن تكون مبدعاً روائياً وكاتباً مسرحياً وتلفزيونياً بعيداً عن العاصمة، فإلى أيّ حدّ، يمثّل هذا البعد جانباً سلبياً للتعريف بهذه الإنتاجات بشكل لافت؟
- بالنسبة للمسرح، فإن أمري معه عابر ولم أنتج سوى مسرحية واحدة تحت عنوان «المستوج»، لكن الأمر يختلف مع السيناريو. أنا عاشق لهذا الفن بامتياز ويمكن أن أضيف للدراما والكوميديا الكثير. مصيبتنا في هذا المجال أنّنا لا نمتلك عادات وتقاليد تمضي بنا قدماً إلى الأمام، حيث صارت العملية محصورة في نطاق عائلي أو علاقات موظّفة لخدمة هذا أو ذاك، ودون خروج عن دائرة ضيّقة وأسماء بعينها، كما أنّها تحوّلت إلى ساحة، يلجها الكلّ وكما اتّفق، أي كلّ من هبّ ودبّ ويفرض علينا ما يراه مختلفاً مما ضرب إنتاجاتنا في مقتل وهمّشها إلى حدّ بائس وتمّ الحسم مع تجربة امتدّت لسنوات، وكان يمكن أن ترتقي بأعمالنا إلى مستوى فارق. والغريب أنّ هناك كتّاباً متميّزين أدركوا أنّ لا فرص لهم وسط هذا التهميش المتعمّد لإقصائهم من المشهد الدرامي عنوة، إضافة إلى عدم احترام هذه القدرات واعتبارهم قاصرين ولا يمكن أن يضيفوا شيئاً، فكانت النتيجة أعمالاً فاشلة، تتناول قضايا دون عمق ورؤية ما أو تأثير فيه إضافة أو خروج عن ما هو مألوف. لي عمل في 36 حلقة يتناول عدة ظواهر في تونس لم يتم التطرّق لها بعد؛ وهو مزيج درامي وهزلي. هذا العمل في انتظار من ينظر فيه لإنجازه، وأدرك جيداً مدى إضافته لأنني اشتغلت عليه طيلة سنوات، وراكمت فيه كلّ ما هو مختلف.
* إلى أيّ حدّ يمكن القول، أنّ النقد أنصف تجربتك السرديّة؟
- هناك كتاب نقديّ أنجزه الأستاذ أحمد الغرسلّي تحت عنوان «النصّ والاختلاف: قراءة في أعمال محمد حيزي الروائية»، إلى جانب عدد مهمّ من الدراسات النقدية تناول فيها الناقد عبد الدائم عمري كلّ رواياتي، ونشرها في الحياة الثقافية دون سهو عن مجهود فارق من الدكتورة شيراز بلعبريّة التي تناولت بعض أعمالي، وكذلك الدكتور محمود طرشونة في تناوله لروايتي «طفل ذلك القاع» و»هذا الدون». ولعلني محظوظ في جامعاتنا التونسية التي اهتمّت برواياتي من خلال دراسات أكاديمية عديدة أنجزها الطلبة للحصول على الماجستير أو الدكتوراه، إلى جانب دراسات أخرى قام بها بعض النقّاد العرب في ندوات وملتقيات تهتمّ بالرواية العربية.
حوار: محسن بن أحمد
محمد حيزي، المؤمن بأنّ الرواية مجازفة ومكابدة وتمرد على السائد، في رصيده 9 روايات، وكتب أيضًا مسرحية (المستوج) التي قامت بتصويرها التلفزة الوطنية وعرضتها إلى جانب مسلسل «دنيا» في إخراج لنعيم بن رحومة، وتابعه الجمهور التونسي في رمضان 2010.
كان لنا معه الحوار التالي:
*ماذا تقول عن بداية العلاقة مع الكتابة؟
-لم تكن تعنيني الكتابة مطلقًا، بما أنني عشت في بيت لا يتوفّر فيه إلا كتاب القرآن الكريم، وقصّة طويلة لجرجي زيدان، تدور أحداثها حول سيف بن ذي يزن، وقصّة أخرى حول سيرة بني هلال. كنت كلّما عدت من المدرسة، يلحّ عليّ أبي وعمّي رحمهما الله على قراءة واحدة من هاتين القصّتين المهترئتين، بصوت عالٍ. لا أدري لماذا وجدا فيهما شغفهما، وإن أدركت بعد ذلك أنّ الجانب الدراميّ، وبلوغ الأحداث حالة بالغة من التشويق، هما الجانبان المثيران في القصّتين. وما استغربت له أيضًا أنّهما سبق أن استمعا لهاتين القصّتين عشرات المرّات، ورغم ذلك يجدان فيهما لهفة متجدّدة لإعادتهما مرّة أخرى.
إلى جانب ذلك، كانت أمّي سببًا مؤثّرًا في اتّجاهي إلى الكتابة، لأنها كانت تروي لي قصصًا عديدة وأنا طفل. كانت قصصًا عجيبة ومربكة، تضيف عليها من مخيالها الكثير، إلى أن نفدت نصوصها تمامًا، وما عادت قادرة على المزيد. لذلك التجأت إلى مكتبة أطفال في وسط المدينة، لكي أتمتّع بقراءة القصص الموجّهة للأطفال، وأنا بعد في الصفّ الثالث ابتدائي. كنت أقضي بعد الدرس ساعتين في هذه المكتبة، وأعود إليها مرّة أخرى بعد نهاية الدروس. لمّا يتمكّن مني الجوع، أعود إلى البيت في لهفة إلى اليوم الموالي. لم أترك المكتبة إلا بعد أن أنهيت كلّ القصص الموجودة في تلك الرفوف؛ وهذا أدهش المشرفة على المكتبة التي طلبت منها قصصًا أخرى، إن كانت متوفّرة.
بعد ذلك اتّجهت إلى المكتبة العمومية، القائمة آنذاك فوق سوق لبيع الخضر، والغلال، واللحم، والسّمك، وانطلقت في مطالعة روايات الكبار، أمثال نجيب محفوظ، وحنّا مينه، وإحسان عبد القدّوس، وشعر نزار قبّاني وغيرهم. لمّا حصلت على شهادة ختم الدروس الابتدائية، وانتقلت إلى المعهد الثانوي، وجدت نفسي أكتب بعض الخواطر، وما يشبه الشعر. كنت أعرض ذلك على أصدقائي، فاكتشفوا قدراتي باكرًا، وحفّزوني كثيرًا، كما كنت أحصل آنذاك على أعداد مميّزة في التعبير الكتابي، مما حيّر معلّميّ وأساتذتي بعد ذلك. وتمكّنت وأنا في السنة الأولى ثانوي، أي السابعة أساسي اليوم، من نشر خواطر وشعر، إلى أن اشتدّ عودي، وصرت أنشر قصصًا قصيرة في صحفنا التونسية، وبعض المجلات سواء كانت تونسية أو عربية.
بعد نشر عدد هائل من القصص القصيرة، تحوّلت في ثمانينات القرن الماضي إلى كتابة أولى رواياتي، كانت تحت عنوان «الباب الخلفي لمدينة والدّهشة». هذه الرواية كانت قصّة قصيرة تحت عنوان «على أرصفة الاكتواء». لم أسعَ إلى نشر قصصي القصيرة في مجموعات، بل اعتبرتها تجربة لبداية كتابة الرواية؛ وها أنا أبلغ حوالي تسع روايات منشورة، وآخرها رواية أشتغل عليها هذه الأيام.
*بعد هذه المسيرة الطويلة في عالم الكتابة؛ كيف تنظر اليوم إلى ذكرياتك القديمة مع أول نصّ لك؟
-بهجتي بلغت أوجها وأنا أنشر قصّة قصيرة في صفحة جريدة وطنية. زد على ذلك مشاركاتي العديدة في المهرجانات والملتقيات الأدبية في عدة مدن تونسية آنذاك، وفوزي الدائم في أغلبها، مما جرّ بعضها إلى بعث جوائز كبرى لتثمين أعمالي. وأذكر أن هذا حصل مثلًا في سيدي بوزيد، وبني خلّاد وغيرهما.
كانت التجارب الأولى سببًا في شغفي الفارق بالكتابة، إلى أن صرت روائيًا معروفًا، وكتبت عنّي عدة دراسات نقدية في تونس وخارجها، كما أن العديدين وجدوا في أعمالي مجالًا لإعداد دراساتهم في الجامعات التونسية للحصول على الماجستير والدكتوراه. كما أن هناك من كتب دراسة مطوّلة في كتاب عنوانه «النصّ والاختلاف في روايات محمد حيزي».
*ما الذي يشغلك في كل نصّ روائيّ تكتبه؟
-أنا أقرب إلى قنّاص. متى راودتني فكرة، أتوقعها ملفتة، ولم تطرق بعد، أنهمك فيها بعد نحت شخصياتها جيدًا. أتركها لحين داخلي، حتى أحسّ أنّها تراءت وتشكّلت ملامحها، ومتى استوت، أنطلق في قطافها كشجرة زيتون، بعد تسميدها وسقيها وتقليمها، لكي تكون معطاءً، كلّما حان الجني.
الرواية ليست نزوة عابرة، بل هي مجازفة، تحتاج لصبر وجلَد ومشقّة وبدون هذا تكون مجرّد هدر للوقت والورق والحبر، إلى جانب إساءتها للكاتب في نفس الوقت. إنّها حالة طويلة من المكابدة، لكي تجد لها موقعًا في مشهدنا الروائيّ. لا بدّ أن تلفت انتباه القارئ، الذي ينتظر منك نصًا مخالفًا للسابق، كما يجب عليك أن تثير انتباه ناقد، فيجد نفسه مجبرًا على تناول كتاباتك، سواء كان ناقدًا مشتغلا على ما هو قائم، أو ذلك الطالب الجامعيّ الذي يحتاج لنصوص مهمّة للحصول على الماجستير أو الدكتوراه.
وعادة ما يميلون إلى التجارب المعاصرة لتناولها في دراساتهم، وهناك عدد مهم منهم انساق لتناول أعمالي.
*هل من الضروريّ الاستنجاد بالتاريخ لصياغة نصّ سرديّ مهمّ، يجمع بين الإقناع، والإمتاع؟
-أنت والحالة التي تفرض نفسها عليك. إن وجدت تلك اللهفة قائمة فيك، فيمكن أن تجازف، وتتناول التاريخ في رواية ما، لكنّه ليس التاريخ بالمفهوم العلمي الدقيق، بل من خلال انعكاس فترة منه عليك، وتأثيرها فيك، وما راكمته من أسئلة داخلك. ولعلّني صغت هذا في رواية «حرير الوجد»، من خلال استدعاء الماضي لكن بطريقة سحرية وعجائبية. كما تناولت شخصية مناضلة ومتمردة، عاشت نضالًا شرسًا ضد المستعمر الفرنسي، ومرت بنكسة 1967 وحرب 1973 وحرب الخليج، وذلك في ثلاثية «مسافات الغبار»، و»ذاكرة الملح»، و»صهيل الفوات».
*أيّ حضور للمكان في كتاباتك السّرديّة؟
- عادة ما تكون مدينتي هي المكان الذي أهبه لشخصياتي الروائية، إلى جانب تونس العاصمة. بين الهامش والمركز، يتبدّى السرد في جلّ أعمالي تقريباً، لكن هناك رواية وحيدة، دارت أغلب أحداثها في مدينة الحمّامات، فتناولت ما قام فيها بطريقة سحرية، محاولاً أن أطرحها على شاكلة عجائبية. «حرير الوجد»، كانت رواية تحرّرت من المكان وثارت على سجني الطويل في مدينتي أو في العاصمة، ومكّنتني من زيارة فضاء آخر مختلف تماماً. كانت تجربة فريدة ومبهجة مع شخصيات فارقة، طوّحت بي بعيداً، واستولت عليّ، وقادتني إلى مطارح بهيّة، وبدّدت تلك الجهمة، وذلك القلق البالغ، وتلك الأسئلة الضاربة في أعمالي السابقة، وحوّلتني إلى كائن آخر ظلّ خفيّاً داخلي ومكبّلاً أيضاً إلى أن حان إطلاق سراحه فجأة. فعشت بذخاً لم أتوقّعه سواء على مستوى الأحداث أو الشخصيات أو المكان أو اللغة التي استفحلت في أبهى تجلياتها أثناء الكتابة. ذلك يعني أنّ المعجم اللغوي المستعمل في هذا النص الروائي، مختلف عن ما تعوّدت عليه في بقية أعمالي السابقة، لأن الأمكنة تحتاج بدورها إلى انتقاء عالمها اللغوي الخاصّ بها.
*كيف تحدد معايير الرواية الجيّدة بالنسبة لك؟
- بالنسبة لي، فإن معايير الرواية الجيّدة تشمل مجموعة من العناصر التي تجعل القارئ يتفاعل مع النص ويشعر بالارتباط به على مستوى الشخصيات والعالم الذي يتمّ تقديمه، كالعمق النفسي والحفر العميق في الذات والتعرية والتشريح المستمرّ، إلى جانب التطوّر والنموّ من خلال الأحداث، إضافة للتنوّع والصراع وتفاعلات الأبطال مع البيئة، دون سهو عن الإثارة والخروج عن ما هو مطروق. زد على ذلك تناول المسكوت عنه، دون فرض قيود، وما شابه ذلك. كما تعنيني اللغة وجمالياتها ودلالاتها وحركتها ووظيفتها من خلال خلفية كل شخصية وإمكانياتها في استعمال معجم لغوي مخالف لغيرها. كما أراهن على فكرتي الهادفة التي تأسّس عليها النص الروائي وقد تظهر في الأثناء سياقات أخرى، لكنني في الغالب أطوّعها لتخدم ما أنجزه. كما أراوغ القارئ أحياناً وأخرج عن توقّعاته وهو بصدد القراءة من خلال مباغتته في الغالب، لكن بطريقة لا تفقده ذلك التوهّج أو تخيّب ظنّه، بل تتوفّر له تلك اللهفة أكثر وهو يعيش مغامرة القراءة في أبهى تجلياتها.
* نشر الإبداع شعراً أو سرداً على وسائل التواصل الاجتماعي؛ هل له إمكانية إلغاء الكتاب الورقي من وجهة نظرك؟
- من غير الممكن أن نقول إن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تُلغي الكتاب الورقي بشكل كامل، لكن لا شك أنّها أحدثت تحوّلاً كبيراً في طريقة نشر وتوزيع الأدب والإبداع بشكل عام. في الماضي، كان الكتاب الورقي هو الوسيلة الأساسية للوصول إلى القارئ، بينما اليوم أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منبراً قوياً للإبداع الأدبي سواء كان شعراً أو سرداً. هذه الوسائل الرقمية سهّلت الوصول إلى جمهور أوسع، حيث يمكن للكتّاب والشعراء نشر أعمالهم بسرعة وبأقلّ تكلفة، ما يتيح لهم التواصل مع القرّاء من جميع أنحاء العالم. ومن خلال منصّات مثل «فيسبوك»، «تويتر»، «إنستغرام»، و»تيك توك»، أصبحت النصوص الأدبية تجد صدى واسعاً، خاصّة في الأوساط الشابّة التي باتت تفضّل وسائل الإعلام الرقمية على الكتب الورقية. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الكتاب الورقي. الكتاب الورقي ليس مجرّد وسيلة لنقل المعرفة، بل هو تجربة حسّيّة كاملة تتيح للقارئ التفاعل مع النص عبر الحواس من لمسة الورق إلى رائحة الكتاب. هذه التجربة لا يمكن أن تعوّضها الشاشات خصوصاً أنّ الكثير من القراء يجدون متعة في الاحتفاظ بالكتب واكتشاف الكتب المادية في المكتبات. الكتاب الورقي يظلّ بمثابة أثر ثقافيّ ورمز من رموز الأدب والإبداع وقدرة على التأثير في المجتمع. كما أنّ بعض الأدباء والمبدعين يفضّلون الكتاب الورقي كوسيلة لتوثيق أعمالهم حيث يعتبرونه وسيلة أكثر رسمية واحتراماً من النشر الإلكتروني. في هذه السياقات، يبقى الكتاب الورقي ذا قيمة كأثر فنّي مستدام. وفي الوقت نفسه، فإن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون مكملّة للكتاب الورقي، لا بديلاً عنه، فهي توفّر فرصاً أكبر لانتشار النصوص، ولكنها لا تلغي الحاجة إلى النسخة الورقية التي لا تزال تحافظ على قيمتها في عالم الأدب. الكتاب الورقي يمكن أن يتكامل مع الوسائل الرقمية ليمنح القارئ خيارات متعدّدة.
*المهرجانات والملتقيات الأدبية والفكرية والشعرية الوطنية والدولية؛ هل يمكن لها أن تقدّم لنا مبدعاً جيداً؟
-لا شكّ أنّ المهرجانات الأدبية، والملتقيات الفكرية والشعرية، سواء كانت وطنية أو دولية، تلعب دوراً مهماً في تطوير الإبداع الأدبي ودعم المبدعين الجدد. هذه الفعاليات ليست فقط مكاناً للاحتفال بالإبداع، بل هي منصات حيوية تسمح للأدباء بالتفاعل مع جمهور واسع والتعرف على أعمال جديدة ومناقشة قضايا الأدب والفكر بعمق. يمكن القول إنّ هذه الملتقيات تمثّل فرصة للمبدعين الناشئين لإظهار مواهبهم، مما يمنحهم الظهور في المشهد الأدبي سواء على المستوى الوطني أو الدولي. من خلال هذه الفعاليات، يحصل المبدعون على تقدير من الوسط الثقافي ويتمكنون من بناء علاقات مع نظرائهم من الكتاب والنقاد، وهو ما يمكن أن يسهم في تطوير مسارهم الأدبي. على سبيل المثال، كما تهبهم الملتقيات الأدبية فرصة التفاعل المباشر مع جمهورهم، وهو ما يفتح الباب أمام نقد بنّاء وتبادل للأفكار التي قد تؤثر بشكل إيجابي على عمل الكاتب.
كما أنّ هذه المهرجانات تشجّع على التنوّع وتساعد في تقديم أدب غير مركزي. لكن في ذات الوقت، من المهم أن نلاحظ أنّ المهرجانات الأدبية قد لا تكون دائماً القناة المثلى لاكتشاف المبدع الجيد، إذ يمكن أن تنحصر بعض الملتقيات في حضور أسماء معروفة أو تتأثّر بالمسائل السياسية والاقتصادية. علاوة على ذلك، فإن اختيار الأعمال الأدبية في مثل هذه الفعاليات قد تكون أحياناً مرهونة بالمصالح والصّداقات والإخوانيات أو بالأسماء المعروفة، مما يجعل من الصعب اكتشاف إبداع حقيقي. ومع ذلك، تبقى هذه الفعاليات مهمة في دعم الأدب وتقديم فرص للأدباء الجدد ليكونوا جزءاً من الحوار الثقافي. كما يمكن القول إن المهرجانات الأدبية لا تنتج مبدعاً جيداً بالضرورة، ولكنّها تسهم في تعزيز مكانة المبدعين، وتسليط الضوء على أعمالهم، مما يمكن أن يساعد في إطلاق مسارات أدبية واكتشاف أصوات جديدة.
* أن تكون مبدعاً روائياً وكاتباً مسرحياً وتلفزيونياً بعيداً عن العاصمة، فإلى أيّ حدّ، يمثّل هذا البعد جانباً سلبياً للتعريف بهذه الإنتاجات بشكل لافت؟
- بالنسبة للمسرح، فإن أمري معه عابر ولم أنتج سوى مسرحية واحدة تحت عنوان «المستوج»، لكن الأمر يختلف مع السيناريو. أنا عاشق لهذا الفن بامتياز ويمكن أن أضيف للدراما والكوميديا الكثير. مصيبتنا في هذا المجال أنّنا لا نمتلك عادات وتقاليد تمضي بنا قدماً إلى الأمام، حيث صارت العملية محصورة في نطاق عائلي أو علاقات موظّفة لخدمة هذا أو ذاك، ودون خروج عن دائرة ضيّقة وأسماء بعينها، كما أنّها تحوّلت إلى ساحة، يلجها الكلّ وكما اتّفق، أي كلّ من هبّ ودبّ ويفرض علينا ما يراه مختلفاً مما ضرب إنتاجاتنا في مقتل وهمّشها إلى حدّ بائس وتمّ الحسم مع تجربة امتدّت لسنوات، وكان يمكن أن ترتقي بأعمالنا إلى مستوى فارق. والغريب أنّ هناك كتّاباً متميّزين أدركوا أنّ لا فرص لهم وسط هذا التهميش المتعمّد لإقصائهم من المشهد الدرامي عنوة، إضافة إلى عدم احترام هذه القدرات واعتبارهم قاصرين ولا يمكن أن يضيفوا شيئاً، فكانت النتيجة أعمالاً فاشلة، تتناول قضايا دون عمق ورؤية ما أو تأثير فيه إضافة أو خروج عن ما هو مألوف. لي عمل في 36 حلقة يتناول عدة ظواهر في تونس لم يتم التطرّق لها بعد؛ وهو مزيج درامي وهزلي. هذا العمل في انتظار من ينظر فيه لإنجازه، وأدرك جيداً مدى إضافته لأنني اشتغلت عليه طيلة سنوات، وراكمت فيه كلّ ما هو مختلف.
* إلى أيّ حدّ يمكن القول، أنّ النقد أنصف تجربتك السرديّة؟
- هناك كتاب نقديّ أنجزه الأستاذ أحمد الغرسلّي تحت عنوان «النصّ والاختلاف: قراءة في أعمال محمد حيزي الروائية»، إلى جانب عدد مهمّ من الدراسات النقدية تناول فيها الناقد عبد الدائم عمري كلّ رواياتي، ونشرها في الحياة الثقافية دون سهو عن مجهود فارق من الدكتورة شيراز بلعبريّة التي تناولت بعض أعمالي، وكذلك الدكتور محمود طرشونة في تناوله لروايتي «طفل ذلك القاع» و»هذا الدون». ولعلني محظوظ في جامعاتنا التونسية التي اهتمّت برواياتي من خلال دراسات أكاديمية عديدة أنجزها الطلبة للحصول على الماجستير أو الدكتوراه، إلى جانب دراسات أخرى قام بها بعض النقّاد العرب في ندوات وملتقيات تهتمّ بالرواية العربية.