من دمار وخراب غزة وما جرى فيها لمدة فاقت الخمسة عشر شهرا، تحولت الأنظار الى مستقبل غزة وخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الغريبة التي تهدف إلى تهجير سكان القطاع والاستيلاء على الأرض، وتحويل غزة إلى منطقة سياحية. هذه الفكرة، التي وصفها الكاتب الأمريكي توماس فريدمان بأنها «الأكثر حماقة وخطورة في التاريخ»، لا تعكس فقط انحيازًا أعمى لإسرائيل، بل تعكس جهلًا عميقًا بتعقيدات القضية الفلسطينية وتداعياتها الجيوسياسية على المنطقة والعالم وضربا لكل المبادئ الدولية وحقوق الشعوب.
وتتضمن خطة التهجير القسري نقل أكثر من مليوني فلسطيني من قطاع غزة إلى دول مجاورة، مثل مصر والأردن، بالإضافة إلى دول أخرى قد تحتاج إلى مساعدات اقتصادية أو اعتراف من الولايات المتحدة، مثل المغرب وصوماليلاند وبونتلاند في الصومال. وقد أعرب قادة هذه الدول عن رفضهم العلني لاستقبال سكان غزة المهجرين. كما تقترح الخطة أن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على القطاع، وتعمل على إعادة تأهيله دون تدخل عسكري، مع إمكانية مشاركة دول أخرى في عملية إعادة الإعمار.
بين الطوباوية والتهور السياسي
منذ أن كان ترامب في السلطة في فترة ولايته الأولى، اعتمد نهجًا غير تقليدي في التعامل مع ملف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بدءًا من خطة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وصولًا إلى «صفقة القرن» التي فشلت في تحقيق أي اختراق حقيقي. واليوم، تأتي فكرة تهجير مليوني فلسطيني من غزة كاستمرار لهذا النهج، ولكن بأسلوب أكثر تطرفًا وتهورا وعنجهية، حيث يطرح صاحب الفكرة ومؤيدو هذه الخطة تصورًا خياليًا عن تحويل القطاع إلى وجهة سياحية بعد تفريغه من سكانه، متجاهلين العواقب الإنسانية والسياسية الكارثية لهذا المقترح متجاهلين التاريخ والحق في الأرض والدولة.
مقترح ترامب لم يلاق أي رد فعل دولي لا بالسلب ولا بالإيجاب حتى من قبل الدول والحكومات المقربة من الإدارة الأمريكية على غرار بريطانيا والدول الغربية وهو ما يفسر غرابة الطرح وطوباوية الفكرة.. وردود الفعل الوحيدة جاءت من مصر والأردن اللتين وجدتا نفسهما في الواجهة خاصة وأن فكرة ترامب وخطته تقتضي أو تفرض احتضان الغزاويين من قبل الجارتين. فمصر والأردن تعدّان أبرز الدول المتأثرة مباشرة بأي تغيير في ديموغرافية قطاع غزة، لذلك جاء موقفهما حاسمًا في رفض أي محاولة لفرض حلول على حساب الفلسطينيين. فالقاهرة تعتبر غزة جزءًا من الأمن القومي المصري، وأي محاولة لتهجير سكانها إلى سيناء مرفوضة تمامًا، حيث سبق أن أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مرارًا أن بلاده لن تقبل بأي حلول على حساب أراضيها أو سيادتها. كما أن مثل هذه الخطة قد تؤدي إلى تصعيد أمني خطير على الحدود، وإضعاف السلطة الفلسطينية مقابل تعزيز سلطة الاحتلال الإسرائيلي.
أما الأردن فهو يدرك جيدا أن أي تهجير قسري للفلسطينيين يمثل تهديدًا مباشرًا لاستقراره، خاصة مع وجود أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه. وقد حذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة من خطورة أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية عبر ترحيل السكان، مشددًا على ضرورة حل الدولتين كخيار وحيد لإنهاء النزاع.
تداعيات الخطة على الولايات المتحدة والعالم
خطة ترامب الغريبة، حركت معارضيه داخل الولايات المتحدة وحتى الشارع الأمريكي وهو ما أحدث انقسامًا حادًا داخل الولايات المتحدة، حيث تواجه هذه الخطة معارضة واسعة من قبل الدبلوماسيين والمحللين الذين يرون أنها تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، وتؤدي إلى تصاعد موجات العنف والتطرف.
كما أن المحللين أكدوا أن ترامب يعمل عن قصد أو غير قصد على تأجيج الصراع في الشرق الأوسط خاصة وأن تهجير سكان غزة يعني عمليًا إشعال فتيل حرب جديدة في المنطقة، حيث ستواجه إسرائيل مقاومة فلسطينية شرسة، إضافة إلى احتمال تدخل أطراف إقليمية مثل إيران وحزب الله مجددا رغم إضعافهما بعد ما جرى لهما خلال حرب غزة الأخيرة.
إضافة الى هذا، فإن مشروع ترامب سيتسبب في ضرر للعلاقات الأمريكية مع الحلفاء العرب وسيزيد من توتر العلاقات بين واشنطن ودول المنطقة بسبب سياسات ترامب السابقة والمضي قدمًا في مثل هذه الخطة قد يؤدي إلى قطيعة دبلوماسية مع دول عربية رئيسية، مثل السعودية والإمارات، التي تسعى للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الإقليمي.
وصفة للفوضى وليست للسلام
وبات من الواضح والمؤكد أن خطة ترامب لتهجير سكان غزة ليست سوى وهم سياسي يفتقد للواقعية، وهي بمثابة قنبلة موقوتة تهدد بإشعال صراع جديد في الشرق الأوسط، مع تداعيات خطيرة على الولايات المتحدة نفسها. ويبقى الحل الوحيد القابل للتطبيق هو العودة إلى المسار الدبلوماسي، ودعم حل الدولتين وفق القرارات الدولية، بدلًا من الانخراط في مشاريع عبثية تزيد من تعقيد المشهد.
سفيان رجب
من دمار وخراب غزة وما جرى فيها لمدة فاقت الخمسة عشر شهرا، تحولت الأنظار الى مستقبل غزة وخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الغريبة التي تهدف إلى تهجير سكان القطاع والاستيلاء على الأرض، وتحويل غزة إلى منطقة سياحية. هذه الفكرة، التي وصفها الكاتب الأمريكي توماس فريدمان بأنها «الأكثر حماقة وخطورة في التاريخ»، لا تعكس فقط انحيازًا أعمى لإسرائيل، بل تعكس جهلًا عميقًا بتعقيدات القضية الفلسطينية وتداعياتها الجيوسياسية على المنطقة والعالم وضربا لكل المبادئ الدولية وحقوق الشعوب.
وتتضمن خطة التهجير القسري نقل أكثر من مليوني فلسطيني من قطاع غزة إلى دول مجاورة، مثل مصر والأردن، بالإضافة إلى دول أخرى قد تحتاج إلى مساعدات اقتصادية أو اعتراف من الولايات المتحدة، مثل المغرب وصوماليلاند وبونتلاند في الصومال. وقد أعرب قادة هذه الدول عن رفضهم العلني لاستقبال سكان غزة المهجرين. كما تقترح الخطة أن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على القطاع، وتعمل على إعادة تأهيله دون تدخل عسكري، مع إمكانية مشاركة دول أخرى في عملية إعادة الإعمار.
بين الطوباوية والتهور السياسي
منذ أن كان ترامب في السلطة في فترة ولايته الأولى، اعتمد نهجًا غير تقليدي في التعامل مع ملف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بدءًا من خطة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وصولًا إلى «صفقة القرن» التي فشلت في تحقيق أي اختراق حقيقي. واليوم، تأتي فكرة تهجير مليوني فلسطيني من غزة كاستمرار لهذا النهج، ولكن بأسلوب أكثر تطرفًا وتهورا وعنجهية، حيث يطرح صاحب الفكرة ومؤيدو هذه الخطة تصورًا خياليًا عن تحويل القطاع إلى وجهة سياحية بعد تفريغه من سكانه، متجاهلين العواقب الإنسانية والسياسية الكارثية لهذا المقترح متجاهلين التاريخ والحق في الأرض والدولة.
مقترح ترامب لم يلاق أي رد فعل دولي لا بالسلب ولا بالإيجاب حتى من قبل الدول والحكومات المقربة من الإدارة الأمريكية على غرار بريطانيا والدول الغربية وهو ما يفسر غرابة الطرح وطوباوية الفكرة.. وردود الفعل الوحيدة جاءت من مصر والأردن اللتين وجدتا نفسهما في الواجهة خاصة وأن فكرة ترامب وخطته تقتضي أو تفرض احتضان الغزاويين من قبل الجارتين. فمصر والأردن تعدّان أبرز الدول المتأثرة مباشرة بأي تغيير في ديموغرافية قطاع غزة، لذلك جاء موقفهما حاسمًا في رفض أي محاولة لفرض حلول على حساب الفلسطينيين. فالقاهرة تعتبر غزة جزءًا من الأمن القومي المصري، وأي محاولة لتهجير سكانها إلى سيناء مرفوضة تمامًا، حيث سبق أن أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مرارًا أن بلاده لن تقبل بأي حلول على حساب أراضيها أو سيادتها. كما أن مثل هذه الخطة قد تؤدي إلى تصعيد أمني خطير على الحدود، وإضعاف السلطة الفلسطينية مقابل تعزيز سلطة الاحتلال الإسرائيلي.
أما الأردن فهو يدرك جيدا أن أي تهجير قسري للفلسطينيين يمثل تهديدًا مباشرًا لاستقراره، خاصة مع وجود أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه. وقد حذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة من خطورة أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية عبر ترحيل السكان، مشددًا على ضرورة حل الدولتين كخيار وحيد لإنهاء النزاع.
تداعيات الخطة على الولايات المتحدة والعالم
خطة ترامب الغريبة، حركت معارضيه داخل الولايات المتحدة وحتى الشارع الأمريكي وهو ما أحدث انقسامًا حادًا داخل الولايات المتحدة، حيث تواجه هذه الخطة معارضة واسعة من قبل الدبلوماسيين والمحللين الذين يرون أنها تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، وتؤدي إلى تصاعد موجات العنف والتطرف.
كما أن المحللين أكدوا أن ترامب يعمل عن قصد أو غير قصد على تأجيج الصراع في الشرق الأوسط خاصة وأن تهجير سكان غزة يعني عمليًا إشعال فتيل حرب جديدة في المنطقة، حيث ستواجه إسرائيل مقاومة فلسطينية شرسة، إضافة إلى احتمال تدخل أطراف إقليمية مثل إيران وحزب الله مجددا رغم إضعافهما بعد ما جرى لهما خلال حرب غزة الأخيرة.
إضافة الى هذا، فإن مشروع ترامب سيتسبب في ضرر للعلاقات الأمريكية مع الحلفاء العرب وسيزيد من توتر العلاقات بين واشنطن ودول المنطقة بسبب سياسات ترامب السابقة والمضي قدمًا في مثل هذه الخطة قد يؤدي إلى قطيعة دبلوماسية مع دول عربية رئيسية، مثل السعودية والإمارات، التي تسعى للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الإقليمي.
وصفة للفوضى وليست للسلام
وبات من الواضح والمؤكد أن خطة ترامب لتهجير سكان غزة ليست سوى وهم سياسي يفتقد للواقعية، وهي بمثابة قنبلة موقوتة تهدد بإشعال صراع جديد في الشرق الأوسط، مع تداعيات خطيرة على الولايات المتحدة نفسها. ويبقى الحل الوحيد القابل للتطبيق هو العودة إلى المسار الدبلوماسي، ودعم حل الدولتين وفق القرارات الدولية، بدلًا من الانخراط في مشاريع عبثية تزيد من تعقيد المشهد.