غدا الاثنين، ستكون أولى جلسات الاستئناف في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد، وفق ما جاء في بلاغ هيئة الدفاع في ملفي الشهيدين بلعيد والبراهمي. طور جديد من التقاضي بعد إحدى عشر سنة من الأبحاث والجلسات وطور ابتدائي، قضت فيه الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس بأحكام مختلفة وصلت حد الإعدام في قضية اغتيال شكري بلعيد .. طور ابتدائي انتهى بكل سجالاته وصراعاته ومساراته التي اشتبك فيها السياسي بالقضائي وخلق دوامات شكّ حول بعض الحقائق والأدلة وشبهات تلاحق كبار المسؤولين في الدولة في الفترة السابقة وطور استئنافي يبدأ غدا في مناخات مختلفة سياسيا وقضائيا، ولكن بنفس قناعات هيئة الدفاع التي ما زالت تتمسّك رغم الأحكام الابتدائية بوجود حقائق مبتورة وأشخاص مورطين في الاغتيال لم تطلهم بعد يد العدالة !
وفي انتظار مآل ما ستفضي إليه جلسة يوم غد، أمام الدائرة الجنائية المختصّة بالنظر في جرائم الإرهاب بمحكمة الاستئناف بتونس، مازالت الى اليوم عملية اغتيال الشهيد شكري بلعيد تخلط الأوراق وتثير الأسئلة وتتشابك فيها المسارات وتلتبس فيها الحقائق في غياب إجابات مقنعة وشافية على كمّ من الأسئلة شغلت الرأي العام على مدى 11 سنة من محاولات إثبات الحقيقة كما هي ودون تزيّد والإجابة بشكل نهائي على سؤال بسيط تعقّد على مدار كل تلك السنوات الماضية، والسؤال من خطّط لعملية الاغتيال؟ والطور الاستئنافي ربما سيقدّم إجابات جديدة ويكشف عن حقائق أخرى بعد معرفة كل عناصر التنفيذ وربما أيضا سيقف الطور الاستئنافي عند النقطة التي انتهى إليها الطور الابتدائي.. وفي كل ذلك هناك فراغات كثيرة في الملف مازالت تطرح أسئلة !
أحكام الطور الابتدائي: الإعدامات لا تكشف كل الحقيقة!
في مارس الماضي قضت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس بأحكام تتراوح بين الإعدام والسجن المؤبد في حق 6 متهمين بالمشاركة في قتل نفس بشرية عمدا مع سابقية الإضمار، ونال عزالدين عبد اللاوي ومحمد العكاري ومحمد العوادي ومحمد أمين القاسمي أحكاما بالإعدام وحكم على محمد علي دمق وعبد الرؤوف الطالبي بالسجن المؤبد وعلى كريم القلاعي وصابر المشرقي وخميس ظاهري بالسجن لمدة 20 عاما. وحكم أيضا على رياض الورتاني مدة 10 سنوات بتهمة توفير معلومات لأشخاص لهم علاقة بتنظيم إرهاب وحكم على ياسر المولهي 12 سنة سجنا بتهمة المساعدة على عدم الكشف عن عناصر إرهابية وحكم على محمد علي النعيمي ومعاذ الحمايدي وسيف العرفاوي وحمزة العرفاوي وقيس مشالة بعدم سماع الدعوى.
كما اعتبرت الدائرة الجنائية الوثائق والأقراص المضغوطة التي تمسّكت هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي بتقديمها ورقة من أوراق الملف وأدمجتها في القضية وتهم هذه الوثائق والأقراص المضغوطة معطيات تهم علاقات جمعت قيادات من حركة النهضة ومسؤولين أمنيين بملف الاغتيال وفق تأكيد هيئة الدفاع.
وهذا القرار القضائي جعل حركة النهضة تسارع بعد سويعات قليلة بعد صدور الحكم الابتدائي في قضية اغتيال شكري بلعيد إلى اعتبار الحكم تبرئة لقياداتها، مطالبة بالكف عما أسمته "متاجرة بدم الشهيد" إلا أن هيئة الدفاع ظلّت متمسّكة بموقفها بشأن تورّط قيادات سياسية من حركة النهضة في ملف اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي، ومتمسّكة بما توصّلت إليه في قضية الاغتيالات في علاقة بما يسمّى بالجهاز السرّي والغرفة السوداء سيكشف تورّط الحركة في هذه الاغتيالات جنائيا بالإضافة الى مسؤوليتها السياسية .
قبل الحكم الابتدائي كانت الندوة الصحفية التي عقدتها هيئة الدفاع في جوان 2022 مفصلية في مسار قضية الاغتيالات وكانت مواصلة لسلسلة من الندوات الصحفية التي دأبت هيئة الدفاع عن الشهيدين على عقدها منذ أكتوبر 2018 ، تلك الندوة التي أتت على خلفية القرار القضائي القاضي بمنع السفر على 34 شخصا محالين في قضية ما يعرف بالجهاز السرّي لحركة النهضة ومن بينهم راشد الغنوشي الذي أثار قرار منعه من السفر ضجة كبيرة، بسبب ما وُصف بالتوظيف السياسي لقضية الاغتيالات من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد، وقد كشفت تلك الندوة على تطورات مهمة تتعلّق بصدور قرار قضائي يمنع راشد الغنوشي من السفر حيث أكدت هيئة الدفاع أنها هي من توجهت بطلب لوزيرة العدل حتى تتم إحالة بقية الأشخاص من الذين اتهمتهم هيئة الدفاع بالتورط في قضية الجهاز السري لحركة النهضة بعد أن اكتفى وكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي بإحالة 16 مشتبها بهم دون البقية، وأن هؤلاء تم صدور قرار بمنع السفر عليهم وإضافة 18 شخصا بينهم راشد الغنوشي بعد ذلك وكلهم مشمولون بالبحث .
شخصيات وشبهات ..
وفق الوثائق والأقراص المضغوطة التي تناولت وجود شبهة ما بين بعض الشخصيات النهضوية ومنفذي عملية الاغتيال وقدمتها هيئة الدفاع الى المحكمة وتم تضمينها بالملف نجد رضا الباروني الذي اختفى بعد ذلك، حسب ما كشفته هيئة الدفاع. والباروني كان ملازما بالجيش الوطني وخلال سنة 1987 تعلقت به قضية تعرف بمجموعة الإنقاذ الوطني إلا أنه غادر البلاد إلى إسبانيا أين حصل على اللجوء السياسي بالخارج متنقلا بين إسبانيا وألمانيا وبعد الثورة عاد الى تونس وعند الإعلان عن تأسيس حزب حركة النهضة أصبح عضوا بالمكتب التنفيذي بها يشرف على إدارة الشؤون المالية والإدارية. ومنذ مؤتمر 2016 أصبح الباروني عضوا بالمكتب التنفيذي الجديد لحركة النهضة مكلفا بالتعبئة بعد أن كان مكلفا خلال مؤتمر 2012 بالشؤون المالية والإدارية. وقد أكدت هيئة الدفاع أن مصطفى خذر اعترف بأنه كان يتواصل معه بشكل دائما ..
ومن الشخصيات التي ذكرتها هيئة الدفاع أيضا كمال العيفي، وهو قيادي بحركة النهضة. حيث أن الشخصين اللذين كانا مع فتحي دمق في ذلك الفيديو الشهير الذي تناول التخطيط لعملية الاغتيال وهما بلحسن النقّاش وعلي الفرشيشي اللذان قدّما كـ«مخبرين» للاستعلامات واللذين اتضح أنهما ينتميان لروابط حماية الثورة ولحركة النهضة، تفيد التحقيقات والتحرّيات والتصريحات أنهما قد تقدّما طواعية لجهاز الاستعلامات بواسطة القيادي في حركة النهضة وعضو مكتبها في باريس كمال العيفي ليكشفا عن نية فتحي دمق القيام بعمليات اغتيال وتصفية، وطلب منهما الضابط الذي تولّى القضية قيس بكّار أن يصوّرا لقاءاتهما مع دمق وأن يواصلا اللعبة معه إلى حين تكوين ملف كاف لتقديمه للقضاء.
وفي حوار تلفزي لم ينف كمال العيفي صلته بفتحي دمق قائلا إنه يعرف فتحي دمق وهو صديقه وأن ابن فتحي دمق جاره في فرنسا، كما لم ينف في نفس المقابلة الصحفية معرفته بكل من بلحسن النقاش وعلي الفرشيشي في حين نفى أن يكون على علم بهذه التطوّرات أو أن يكون «المخبران» أعلماه أن فتحي دمق يخطّط لعمليات اغتيال..
ومن الشخصيات المثيرة للجدل نجد مصطفى خذر الذي غادر السجن منذ مدة والذي تشير بعض المصادر انه هرب من تونس ولا وجود له في أي مكان.. ومنطلق الأبحاث ضد مصطفى خذر الذي كان يملك محلا لتعليم السياقة بعد الثورة، هو ما تم ضبطه داخل ذلك المحل من وثائق رسمية ذات طابع أمني بالإضافة الى محجوزات غريبة ولا تمت الى عمله بصلة، وكان خذر أواخر الثمانينات ملازما بالجيش الوطني وقد تعلقت به سنة 1991 القضية المعروفة باسم «براكة الساحل» حيث حكم بـ4 سنوات سجنا و5 سنوات مراقبة إدارية، وبعد مغادرته السجن أعد محلا لتعليم السياقة خلال بداية سنة 2006.
ومن تصريحاته المثيرة أمام قاضي التحقيق انه «كان يتولى الإجابة على البريد الخاص لوزير الداخلية علي لعريّض! وفق تأكيدات هيئة الدفاع.. وبعد التحقيقات في شكوى مالكة العقّار والمحجوزات الغريبة التي عُثر عليها بحوزته صدر حكم عن الدائرة الجنائية الرابعة على مصطفى خذر بالسجن مدة 8 سنوات وشهر في القضية عدد 30591/4 بجلسة 13 نوفمبر 2015 من أجل "اختلاس أوراق وأشياء مودعة بخزينة محفوظات ومسلمة لأحد أعوان السلطة العمومية".
وعند مداهمة مدرسة تعليم السياقة التي على ملكه قام أعوان الفرقة الأمنية بحجز 14 «كردونة» تحتوي على وثائق سرية تابعة لوزارة الداخلية وفق ما صرّحت به هيئة الدفاع، لكن عند تحرير محضر التسليم إلى وزارة الداخلية تم التنصيص على تسلّم «4 كرادن» فقط تحتوي على مجموعة من الوثائق الإدارية تسلمها ممثل عن وزارة الداخلية تابع لمصلحة التوثيق ضابط الشرطة المساعد محمد الزواوي الذي أمضى على محضر التسليم.
هذه الوثائق المختفية أو «المسروقة» نقلتها، وفق رواية هيئة الدفاع، 4 سيارات الى مقرّ وزارة الداخلية، لتشكل بعد ذلك هذه الوثائق ما يسمّى بمحتويات الغرفة السوداء التي عاينها بعد ذلك قاضي التحقيق 12 بعد أن رفض وكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي معاينتها أو الاعتراف بوجودها.
ومن الشخصيات التي مثلت إشكالية في قضية الاغتيالات والتي انقسمت حولها الآراء بين من يرى انه كان السبب في ملاحقة المحكومين ابتدائيا بأحكام وصلت الى الإعدام وبين هيئة الدفاع التي تصرّ على إدانته نجد وكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي المودع اليوم بالسجن والذي تم إيقافه في 2021 من طرف مجلس القضاء العدلي عن العمل وإحالة ملفه إلى النيابة العمومية بسبب اتهامه بالتستر على ملفات متعلقة بالإرهاب، ومنها اتهامه بالتستر على المتهم في قضية الشهيد شكري بلعيد، شكري بن عثمان بعد سماعه والإبقاء عليه في حالة سراح مما مكنه من الهروب.
ومنذ صدور الحكم الابتدائي في قضية شكري بلعيد دعا عدد كبير من المحامين والقضاة الى إنصاف العكرمي معتبرين أن الأحكام التي نطق بها القضاء في ملف الاغتيال جاءت بعد العمل الذي قام به العكرمي وهو ما تستنكره هيئة الدفاع وتتهم بشير العكرمي بأنه هو من أطلق سراح 12 متهما في قضية الاغتيال قبل أن تستأنف دائرة الاتهام قراره وتحكم عليهم بـ30 عاما سجنا كما تواصل الهيئة اتهامه بالتلاعب بأدلة الجريمة ومنها إخفاء السيارة التي استعمالها في اغتيال بلعيد ومسدّس الاغتيال بغاية إخفاء الحقيقة وطمسها !
والى اليوم لم يتم إثبات كل هذه التهم في حكم قضائي يدين بشير العكرمي ولم توجّه إليه أي إدانة في الأحكام الابتدائية مثل غيره من الشخصيات السياسية التي تتمسّك هيئة الدفاع بفكرة تورطهم في عملية الاغتيال، ودون شك فإن الطور الاستئنافي في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد سيكون حاسما في إظهار حقيقة المورطين في عملية الاغتيال !
منية العرفاوي
تونس-الصباح
غدا الاثنين، ستكون أولى جلسات الاستئناف في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد، وفق ما جاء في بلاغ هيئة الدفاع في ملفي الشهيدين بلعيد والبراهمي. طور جديد من التقاضي بعد إحدى عشر سنة من الأبحاث والجلسات وطور ابتدائي، قضت فيه الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس بأحكام مختلفة وصلت حد الإعدام في قضية اغتيال شكري بلعيد .. طور ابتدائي انتهى بكل سجالاته وصراعاته ومساراته التي اشتبك فيها السياسي بالقضائي وخلق دوامات شكّ حول بعض الحقائق والأدلة وشبهات تلاحق كبار المسؤولين في الدولة في الفترة السابقة وطور استئنافي يبدأ غدا في مناخات مختلفة سياسيا وقضائيا، ولكن بنفس قناعات هيئة الدفاع التي ما زالت تتمسّك رغم الأحكام الابتدائية بوجود حقائق مبتورة وأشخاص مورطين في الاغتيال لم تطلهم بعد يد العدالة !
وفي انتظار مآل ما ستفضي إليه جلسة يوم غد، أمام الدائرة الجنائية المختصّة بالنظر في جرائم الإرهاب بمحكمة الاستئناف بتونس، مازالت الى اليوم عملية اغتيال الشهيد شكري بلعيد تخلط الأوراق وتثير الأسئلة وتتشابك فيها المسارات وتلتبس فيها الحقائق في غياب إجابات مقنعة وشافية على كمّ من الأسئلة شغلت الرأي العام على مدى 11 سنة من محاولات إثبات الحقيقة كما هي ودون تزيّد والإجابة بشكل نهائي على سؤال بسيط تعقّد على مدار كل تلك السنوات الماضية، والسؤال من خطّط لعملية الاغتيال؟ والطور الاستئنافي ربما سيقدّم إجابات جديدة ويكشف عن حقائق أخرى بعد معرفة كل عناصر التنفيذ وربما أيضا سيقف الطور الاستئنافي عند النقطة التي انتهى إليها الطور الابتدائي.. وفي كل ذلك هناك فراغات كثيرة في الملف مازالت تطرح أسئلة !
أحكام الطور الابتدائي: الإعدامات لا تكشف كل الحقيقة!
في مارس الماضي قضت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس بأحكام تتراوح بين الإعدام والسجن المؤبد في حق 6 متهمين بالمشاركة في قتل نفس بشرية عمدا مع سابقية الإضمار، ونال عزالدين عبد اللاوي ومحمد العكاري ومحمد العوادي ومحمد أمين القاسمي أحكاما بالإعدام وحكم على محمد علي دمق وعبد الرؤوف الطالبي بالسجن المؤبد وعلى كريم القلاعي وصابر المشرقي وخميس ظاهري بالسجن لمدة 20 عاما. وحكم أيضا على رياض الورتاني مدة 10 سنوات بتهمة توفير معلومات لأشخاص لهم علاقة بتنظيم إرهاب وحكم على ياسر المولهي 12 سنة سجنا بتهمة المساعدة على عدم الكشف عن عناصر إرهابية وحكم على محمد علي النعيمي ومعاذ الحمايدي وسيف العرفاوي وحمزة العرفاوي وقيس مشالة بعدم سماع الدعوى.
كما اعتبرت الدائرة الجنائية الوثائق والأقراص المضغوطة التي تمسّكت هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي بتقديمها ورقة من أوراق الملف وأدمجتها في القضية وتهم هذه الوثائق والأقراص المضغوطة معطيات تهم علاقات جمعت قيادات من حركة النهضة ومسؤولين أمنيين بملف الاغتيال وفق تأكيد هيئة الدفاع.
وهذا القرار القضائي جعل حركة النهضة تسارع بعد سويعات قليلة بعد صدور الحكم الابتدائي في قضية اغتيال شكري بلعيد إلى اعتبار الحكم تبرئة لقياداتها، مطالبة بالكف عما أسمته "متاجرة بدم الشهيد" إلا أن هيئة الدفاع ظلّت متمسّكة بموقفها بشأن تورّط قيادات سياسية من حركة النهضة في ملف اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي، ومتمسّكة بما توصّلت إليه في قضية الاغتيالات في علاقة بما يسمّى بالجهاز السرّي والغرفة السوداء سيكشف تورّط الحركة في هذه الاغتيالات جنائيا بالإضافة الى مسؤوليتها السياسية .
قبل الحكم الابتدائي كانت الندوة الصحفية التي عقدتها هيئة الدفاع في جوان 2022 مفصلية في مسار قضية الاغتيالات وكانت مواصلة لسلسلة من الندوات الصحفية التي دأبت هيئة الدفاع عن الشهيدين على عقدها منذ أكتوبر 2018 ، تلك الندوة التي أتت على خلفية القرار القضائي القاضي بمنع السفر على 34 شخصا محالين في قضية ما يعرف بالجهاز السرّي لحركة النهضة ومن بينهم راشد الغنوشي الذي أثار قرار منعه من السفر ضجة كبيرة، بسبب ما وُصف بالتوظيف السياسي لقضية الاغتيالات من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد، وقد كشفت تلك الندوة على تطورات مهمة تتعلّق بصدور قرار قضائي يمنع راشد الغنوشي من السفر حيث أكدت هيئة الدفاع أنها هي من توجهت بطلب لوزيرة العدل حتى تتم إحالة بقية الأشخاص من الذين اتهمتهم هيئة الدفاع بالتورط في قضية الجهاز السري لحركة النهضة بعد أن اكتفى وكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي بإحالة 16 مشتبها بهم دون البقية، وأن هؤلاء تم صدور قرار بمنع السفر عليهم وإضافة 18 شخصا بينهم راشد الغنوشي بعد ذلك وكلهم مشمولون بالبحث .
شخصيات وشبهات ..
وفق الوثائق والأقراص المضغوطة التي تناولت وجود شبهة ما بين بعض الشخصيات النهضوية ومنفذي عملية الاغتيال وقدمتها هيئة الدفاع الى المحكمة وتم تضمينها بالملف نجد رضا الباروني الذي اختفى بعد ذلك، حسب ما كشفته هيئة الدفاع. والباروني كان ملازما بالجيش الوطني وخلال سنة 1987 تعلقت به قضية تعرف بمجموعة الإنقاذ الوطني إلا أنه غادر البلاد إلى إسبانيا أين حصل على اللجوء السياسي بالخارج متنقلا بين إسبانيا وألمانيا وبعد الثورة عاد الى تونس وعند الإعلان عن تأسيس حزب حركة النهضة أصبح عضوا بالمكتب التنفيذي بها يشرف على إدارة الشؤون المالية والإدارية. ومنذ مؤتمر 2016 أصبح الباروني عضوا بالمكتب التنفيذي الجديد لحركة النهضة مكلفا بالتعبئة بعد أن كان مكلفا خلال مؤتمر 2012 بالشؤون المالية والإدارية. وقد أكدت هيئة الدفاع أن مصطفى خذر اعترف بأنه كان يتواصل معه بشكل دائما ..
ومن الشخصيات التي ذكرتها هيئة الدفاع أيضا كمال العيفي، وهو قيادي بحركة النهضة. حيث أن الشخصين اللذين كانا مع فتحي دمق في ذلك الفيديو الشهير الذي تناول التخطيط لعملية الاغتيال وهما بلحسن النقّاش وعلي الفرشيشي اللذان قدّما كـ«مخبرين» للاستعلامات واللذين اتضح أنهما ينتميان لروابط حماية الثورة ولحركة النهضة، تفيد التحقيقات والتحرّيات والتصريحات أنهما قد تقدّما طواعية لجهاز الاستعلامات بواسطة القيادي في حركة النهضة وعضو مكتبها في باريس كمال العيفي ليكشفا عن نية فتحي دمق القيام بعمليات اغتيال وتصفية، وطلب منهما الضابط الذي تولّى القضية قيس بكّار أن يصوّرا لقاءاتهما مع دمق وأن يواصلا اللعبة معه إلى حين تكوين ملف كاف لتقديمه للقضاء.
وفي حوار تلفزي لم ينف كمال العيفي صلته بفتحي دمق قائلا إنه يعرف فتحي دمق وهو صديقه وأن ابن فتحي دمق جاره في فرنسا، كما لم ينف في نفس المقابلة الصحفية معرفته بكل من بلحسن النقاش وعلي الفرشيشي في حين نفى أن يكون على علم بهذه التطوّرات أو أن يكون «المخبران» أعلماه أن فتحي دمق يخطّط لعمليات اغتيال..
ومن الشخصيات المثيرة للجدل نجد مصطفى خذر الذي غادر السجن منذ مدة والذي تشير بعض المصادر انه هرب من تونس ولا وجود له في أي مكان.. ومنطلق الأبحاث ضد مصطفى خذر الذي كان يملك محلا لتعليم السياقة بعد الثورة، هو ما تم ضبطه داخل ذلك المحل من وثائق رسمية ذات طابع أمني بالإضافة الى محجوزات غريبة ولا تمت الى عمله بصلة، وكان خذر أواخر الثمانينات ملازما بالجيش الوطني وقد تعلقت به سنة 1991 القضية المعروفة باسم «براكة الساحل» حيث حكم بـ4 سنوات سجنا و5 سنوات مراقبة إدارية، وبعد مغادرته السجن أعد محلا لتعليم السياقة خلال بداية سنة 2006.
ومن تصريحاته المثيرة أمام قاضي التحقيق انه «كان يتولى الإجابة على البريد الخاص لوزير الداخلية علي لعريّض! وفق تأكيدات هيئة الدفاع.. وبعد التحقيقات في شكوى مالكة العقّار والمحجوزات الغريبة التي عُثر عليها بحوزته صدر حكم عن الدائرة الجنائية الرابعة على مصطفى خذر بالسجن مدة 8 سنوات وشهر في القضية عدد 30591/4 بجلسة 13 نوفمبر 2015 من أجل "اختلاس أوراق وأشياء مودعة بخزينة محفوظات ومسلمة لأحد أعوان السلطة العمومية".
وعند مداهمة مدرسة تعليم السياقة التي على ملكه قام أعوان الفرقة الأمنية بحجز 14 «كردونة» تحتوي على وثائق سرية تابعة لوزارة الداخلية وفق ما صرّحت به هيئة الدفاع، لكن عند تحرير محضر التسليم إلى وزارة الداخلية تم التنصيص على تسلّم «4 كرادن» فقط تحتوي على مجموعة من الوثائق الإدارية تسلمها ممثل عن وزارة الداخلية تابع لمصلحة التوثيق ضابط الشرطة المساعد محمد الزواوي الذي أمضى على محضر التسليم.
هذه الوثائق المختفية أو «المسروقة» نقلتها، وفق رواية هيئة الدفاع، 4 سيارات الى مقرّ وزارة الداخلية، لتشكل بعد ذلك هذه الوثائق ما يسمّى بمحتويات الغرفة السوداء التي عاينها بعد ذلك قاضي التحقيق 12 بعد أن رفض وكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي معاينتها أو الاعتراف بوجودها.
ومن الشخصيات التي مثلت إشكالية في قضية الاغتيالات والتي انقسمت حولها الآراء بين من يرى انه كان السبب في ملاحقة المحكومين ابتدائيا بأحكام وصلت الى الإعدام وبين هيئة الدفاع التي تصرّ على إدانته نجد وكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي المودع اليوم بالسجن والذي تم إيقافه في 2021 من طرف مجلس القضاء العدلي عن العمل وإحالة ملفه إلى النيابة العمومية بسبب اتهامه بالتستر على ملفات متعلقة بالإرهاب، ومنها اتهامه بالتستر على المتهم في قضية الشهيد شكري بلعيد، شكري بن عثمان بعد سماعه والإبقاء عليه في حالة سراح مما مكنه من الهروب.
ومنذ صدور الحكم الابتدائي في قضية شكري بلعيد دعا عدد كبير من المحامين والقضاة الى إنصاف العكرمي معتبرين أن الأحكام التي نطق بها القضاء في ملف الاغتيال جاءت بعد العمل الذي قام به العكرمي وهو ما تستنكره هيئة الدفاع وتتهم بشير العكرمي بأنه هو من أطلق سراح 12 متهما في قضية الاغتيال قبل أن تستأنف دائرة الاتهام قراره وتحكم عليهم بـ30 عاما سجنا كما تواصل الهيئة اتهامه بالتلاعب بأدلة الجريمة ومنها إخفاء السيارة التي استعمالها في اغتيال بلعيد ومسدّس الاغتيال بغاية إخفاء الحقيقة وطمسها !
والى اليوم لم يتم إثبات كل هذه التهم في حكم قضائي يدين بشير العكرمي ولم توجّه إليه أي إدانة في الأحكام الابتدائية مثل غيره من الشخصيات السياسية التي تتمسّك هيئة الدفاع بفكرة تورطهم في عملية الاغتيال، ودون شك فإن الطور الاستئنافي في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد سيكون حاسما في إظهار حقيقة المورطين في عملية الاغتيال !