إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تعليم الكبار في تونس: التحديات.. الفرص.. وعلاقة التعليم النظامي بغير النظامي في رؤية مستقبلية

 

 

بقلم منذر عافي باحث في علم الاجتماع والتربية

تعد السوسيولوجيا واحدة من الحقول العلمية التي تشهد تنوعاً واسعاً وتفرعاً كبيراً، حيث ظهرت تخصصات جديدة تلبي احتياجات البحث الاجتماعي في مختلف المجالات. ومن بين هذه التخصصات، نجد السيسيولوجيا الخاصة بالتكوين، التي بدأت تأخذ مكانها ببطء ولكن بثبات داخل المشهد الأكاديمي. ولكن هذا التخصص ما زال يثير جدلاً حول شرعيته ومدى استقلاليته كحقل بحثي منفصل.

هناك من يعتقد أن "السوسيولوجيا التكوينية" بدأت تفرض نفسها كمنظور أكاديمي متماسك يهتم بدراسة مختلف جوانب التكوين والتعليم المستمر، سواء من حيث السياسات التعليمية أو الآثار الاجتماعية لهذه البرامج. وعلى الرغم من ذلك، تبقى هذه الرؤية محل خلاف بين الباحثين. فمنهم من يعتبر أن هذا التخصص لم ينضج بعد ليصبح فرعاً مستقلاً، ويرون فيه امتداداً لمجالات أخرى مثل سيسيولوجيا العمل أو سوسيولوجيا التعليم.

إذا نظرنا إلى التكوين كموضوع اجتماعي، نجد أنه كان منذ فترة طويلة موضوعاً هامشياً داخل السيسيولوجيا، حيث اهتمت الدراسات الأكاديمية أكثر بالقضايا الكلاسيكية مثل العمل، والتعليم المدرسي، والمدينة، والسياسة. ومع ذلك، بدأت الدراسات المتعلقة بالتكوين تكتسب بعض الزخم في السنوات الأخيرة، خاصة مع تزايد الاهتمام بالتكوين المستمر ودوره في تحسين فرص العمل ومكافحة البطالة.

من أبرز الاتجاهات الحديثة في دراسة التكوين، نجد اهتماماً متزايداً بتحليل الفوارق الاجتماعية في الوصول إلى فرص التكوين والاستفادة منها. هذا الاهتمام ينبع من قناعة بأن التكوين ليس مجرد عملية تعليمية بل هو عامل مهم في إعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية. فمن خلاله، يتاح للأفراد تحسين مهاراتهم والحصول على فرص أفضل في سوق العمل ولكن هذه الفرص ليست متاحة للجميع بالتساوي. هنا يأتي دور السيسيولوجيا في كشف هذه الفوارق وتحليل العوامل التي تؤدي إلى تهميش بعض الفئات الاجتماعية في هذا المجال.

ومن منظور تاريخي، تطورت السوسيولوجيا التكوينية بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة، متأثرة بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المجتمعات الحديثة. فمع تزايد العولمة والتحولات في سوق العمل، أصبح التكوين أداة رئيسية للتكيف مع هذه التغيرات. ولهذا السبب، بدأ الباحثون في التركيز على دراسة سياسات التكوين المهني وتحليل مدى فعاليتها في تحقيق أهدافها.

بالإضافة إلى ذلك، بدأت الدراسات في هذا المجال تأخذ بعين الاعتبار البعد الثقافي والاجتماعي للتكوين. فعلى سبيل المثال، يتمحور جزء من الأبحاث حول كيفية تأثير الثقافة التنظيمية داخل الشركات على فعالية برامج التكوين، وكيفية تفاعل الأفراد مع هذه البرامج بناءً على خلفياتهم الاجتماعية والثقافية.

ومن بين الدراسات الرائدة في هذا المجال، نجد أبحاث فريتشه (1971) التي سلطت الضوء على دور التكوين في تعزيز التفاوتات الاجتماعية. فقد أشار إلى أن التكوين، رغم أنه يُقدم كوسيلة لتعزيز الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أنه قد يسهم في بعض الأحيان في تعميق الفوارق بين الفئات الاجتماعية المختلفة. فعلى سبيل المثال، تكون الفرص المتاحة للتكوين غالباً موجهة للفئات التي تمتلك أصلاً موارد ومهارات تمكنها من الاستفادة منها، بينما تبقى الفئات الأكثر تهميشاً محرومة من هذه الفرص.

وعليه، فإن السوسيولوجيا التكوينية اليوم أمام تحديات كبيرة. فهي مطالبة بتطوير أدواتها النظرية والمنهجية لفهم طبيعة التكوين كعملية اجتماعية معقدة تتداخل فيها العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية. كما أنها مدعوة لتحليل الأبعاد الأخلاقية والسياسية للتكوين، خاصة في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها سوق العمل وتأثيراتها على العمال.

باختصار، يمكن القول إن السيسيولوجيا التكوينية تمثل أحد الفروع الواعدة في علم الاجتماع، رغم أنها لا تزال بحاجة إلى المزيد من البحث والتطوير لتتمكن من تحقيق استقلاليتها التامة كحقل أكاديمي. ومن خلال تحليل الفوارق الاجتماعية في الوصول إلى التكوين وتأثيرها على إعادة إنتاج الهياكل الاجتماعية، يمكن لهذا التخصص أن يساهم في تقديم رؤى جديدة حول دور التكوين في تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستديمة

تعليم الكبار ومحو الأمية يعدان من القضايا الأساسية في مسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية لتونس. على الرغم من أن التعليم النظامي يحتل مكانة محورية في السياسات التعليمية، فإن تعليم الكبار وبرامج محو الأمية يشكلان جزءًا هامًا من الرؤية الوطنية نحو تطوير رأس المال البشري. ومع تزايد التحديات الاجتماعية والاقتصادية، تبرز أهمية إعادة التفكير في استراتيجيات تعليم الكبار، مع التركيز على تعزيز التكامل بين التعليم النظامي وغير النظامي لتحقيق أهداف التنمية المستديمة.

التحديات الحالية في مجال تعليم الكبار ومحو الأمية

تواجه تونس تحديات ملحوظة في مجال تعليم الكبار، أبرزها:

 الفجوة في الوصول إلى التعليم: رغم الجهود المبذولة، لا تزال بعض الفئات تعاني من صعوبة الوصول إلى برامج تعليم الكبار، خاصة في المناطق الريفية والنائية. هذه الفجوة تؤثر على فرص تعلم العديد من الأفراد، مما يعيق تطورهم الشخصي والمهني.

 ضعف البنية التحتية والدعم المادي: تعاني برامج تعليم الكبار من نقص في الموارد المادية والبنية التحتية، مما يؤثر على جودة التعليم ويحد من إمكانية توسيع نطاق هذه البرامج.

 التصورات الاجتماعية السلبية: لا يزال هناك تصور بأن التعليم يقتصر على فئة الشباب فقط، مما يشكل عائقًا أمام تفعيل برامج تعليم الكبار بشكل فعّال.

  مقاربات الدولة في مجال تعليم الكبار

قامت تونس بتبني عدد من السياسات والبرامج التي تهدف إلى تعزيز تعليم الكبار ومحو الأمية، ومنها:

 البرامج الوطنية لمحو الأمية: أطلقت الدولة برامج مثل "العودة إلى المدرسة" التي تسعى إلى دمج الكبار في نظام التعليم. هذه البرامج تسهم في تقليص نسبة الأمية وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة.

دعم مفهوم التعلم مدى الحياة: تعتبر تونس أن التعليم ليس مقتصرًا على مرحلة عمرية معينة، بل هو عملية مستمرة طوال الحياة. هذا المفهوم يدعم برامج تعليم الكبار ويوفر لهم فرصًا لاكتساب المهارات والمعرفة.

الشراكة بين القطاعين العام والخاص: تلعب الشراكات دورًا مهمًا في تمويل وتنفيذ برامج تعليم الكبار، مما يسهم في استدامة هذه المبادرات.

  العلاقة بين التعليم النظامي وغير النظامي

في سياق التعليم التونسي، يجب النظر بعمق في العلاقة بين التعليم النظامي (الرسمي) والتعليم غير النظامي (غير الرسمي). هذه العلاقة تعتبر حيوية لتحقيق تكامل فعّال بين مختلف أنواع التعليم.

 تكامل الأدوار: يلعب التعليم النظامي دورًا رئيسيًا في تأسيس الأسس التعليمية للأفراد منذ الصغر، بينما يوفر التعليم غير النظامي فرصًا لتطوير المهارات والمعرفة لدى الكبار الذين لم يتمكنوا من استكمال تعليمهم النظامي. هذا التكامل يمكن أن يسهم في بناء مجتمع أكثر شمولية وعدالة.

تعزيز الروابط: يجب أن تكون هناك آليات واضحة لتعزيز الروابط بين التعليم النظامي وغير النظامي. يمكن للمدارس والمؤسسات التعليمية أن تتعاون مع برامج تعليم الكبار لتوفير مسارات تعليمية مرنة وشاملة.

 التعليم المهني: يعتبر التعليم غير النظامي، وخاصة التعليم المهني، أداة فعالة لربط التعليم بسوق العمل. يمكن لتونس أن تستفيد من تكامل التعليم المهني مع التعليم النظامي لتزويد المتعلمين بالمهارات التي يحتاجها سوق العمل.

  رؤية مستقبلية لتعليم الكبار ومحو الأمية في تونس

لتعزيز تعليم الكبار وتحقيق أهداف التنمية المستديمة، يجب على تونس تبني رؤية مستقبلية شاملة تشمل:

 الابتكار التكنولوجي: يمكن للتكنولوجيا أن تسهم بشكل كبير في توسيع نطاق تعليم الكبار من خلال التعلم عن بعد والمنصات الرقمية، مما يسهل الوصول إلى التعليم لجميع الفئات.

 تطوير المناهج: ينبغي أن تكون مناهج تعليم الكبار مرنة ومصممة لتلبية احتياجات المتعلمين الكبار، مع التركيز على المهارات العملية والتطبيقية.

 تغيير التصورات الاجتماعية يجب تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية تعليم الكبار ومحو الأمية كجزء من التنمية الشاملة، مع تسليط الضوء على فوائد التعليم للجميع في مختلف مراحل الحياة.

 التكامل مع سوق العمل يتعين على برامج تعليم الكبار أن تكون متكاملة مع احتياجات سوق العمل، مما يعزز من فرص تحسين المهارات وزيادة التوظيف.

يعتبر تعليم الكبار ومحو الأمية في تونس جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات التنمية الاجتماعية والاقتصادية. من خلال تعزيز العلاقة بين التعليم النظامي وغير النظامي، وتبني سياسات شاملة ومبتكرة، يمكن لتونس أن تحقق تطورًا مستديمًا في هذا المجال. الرؤية المستقبلية يجب أن تركز على الشمولية، الابتكار، وتكامل الجهود لتحقيق مجتمع متعلم ومزدهر.

 

 

 

 

 

 تعليم الكبار في تونس: التحديات.. الفرص.. وعلاقة التعليم النظامي بغير النظامي في رؤية مستقبلية

 

 

بقلم منذر عافي باحث في علم الاجتماع والتربية

تعد السوسيولوجيا واحدة من الحقول العلمية التي تشهد تنوعاً واسعاً وتفرعاً كبيراً، حيث ظهرت تخصصات جديدة تلبي احتياجات البحث الاجتماعي في مختلف المجالات. ومن بين هذه التخصصات، نجد السيسيولوجيا الخاصة بالتكوين، التي بدأت تأخذ مكانها ببطء ولكن بثبات داخل المشهد الأكاديمي. ولكن هذا التخصص ما زال يثير جدلاً حول شرعيته ومدى استقلاليته كحقل بحثي منفصل.

هناك من يعتقد أن "السوسيولوجيا التكوينية" بدأت تفرض نفسها كمنظور أكاديمي متماسك يهتم بدراسة مختلف جوانب التكوين والتعليم المستمر، سواء من حيث السياسات التعليمية أو الآثار الاجتماعية لهذه البرامج. وعلى الرغم من ذلك، تبقى هذه الرؤية محل خلاف بين الباحثين. فمنهم من يعتبر أن هذا التخصص لم ينضج بعد ليصبح فرعاً مستقلاً، ويرون فيه امتداداً لمجالات أخرى مثل سيسيولوجيا العمل أو سوسيولوجيا التعليم.

إذا نظرنا إلى التكوين كموضوع اجتماعي، نجد أنه كان منذ فترة طويلة موضوعاً هامشياً داخل السيسيولوجيا، حيث اهتمت الدراسات الأكاديمية أكثر بالقضايا الكلاسيكية مثل العمل، والتعليم المدرسي، والمدينة، والسياسة. ومع ذلك، بدأت الدراسات المتعلقة بالتكوين تكتسب بعض الزخم في السنوات الأخيرة، خاصة مع تزايد الاهتمام بالتكوين المستمر ودوره في تحسين فرص العمل ومكافحة البطالة.

من أبرز الاتجاهات الحديثة في دراسة التكوين، نجد اهتماماً متزايداً بتحليل الفوارق الاجتماعية في الوصول إلى فرص التكوين والاستفادة منها. هذا الاهتمام ينبع من قناعة بأن التكوين ليس مجرد عملية تعليمية بل هو عامل مهم في إعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية. فمن خلاله، يتاح للأفراد تحسين مهاراتهم والحصول على فرص أفضل في سوق العمل ولكن هذه الفرص ليست متاحة للجميع بالتساوي. هنا يأتي دور السيسيولوجيا في كشف هذه الفوارق وتحليل العوامل التي تؤدي إلى تهميش بعض الفئات الاجتماعية في هذا المجال.

ومن منظور تاريخي، تطورت السوسيولوجيا التكوينية بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة، متأثرة بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المجتمعات الحديثة. فمع تزايد العولمة والتحولات في سوق العمل، أصبح التكوين أداة رئيسية للتكيف مع هذه التغيرات. ولهذا السبب، بدأ الباحثون في التركيز على دراسة سياسات التكوين المهني وتحليل مدى فعاليتها في تحقيق أهدافها.

بالإضافة إلى ذلك، بدأت الدراسات في هذا المجال تأخذ بعين الاعتبار البعد الثقافي والاجتماعي للتكوين. فعلى سبيل المثال، يتمحور جزء من الأبحاث حول كيفية تأثير الثقافة التنظيمية داخل الشركات على فعالية برامج التكوين، وكيفية تفاعل الأفراد مع هذه البرامج بناءً على خلفياتهم الاجتماعية والثقافية.

ومن بين الدراسات الرائدة في هذا المجال، نجد أبحاث فريتشه (1971) التي سلطت الضوء على دور التكوين في تعزيز التفاوتات الاجتماعية. فقد أشار إلى أن التكوين، رغم أنه يُقدم كوسيلة لتعزيز الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أنه قد يسهم في بعض الأحيان في تعميق الفوارق بين الفئات الاجتماعية المختلفة. فعلى سبيل المثال، تكون الفرص المتاحة للتكوين غالباً موجهة للفئات التي تمتلك أصلاً موارد ومهارات تمكنها من الاستفادة منها، بينما تبقى الفئات الأكثر تهميشاً محرومة من هذه الفرص.

وعليه، فإن السوسيولوجيا التكوينية اليوم أمام تحديات كبيرة. فهي مطالبة بتطوير أدواتها النظرية والمنهجية لفهم طبيعة التكوين كعملية اجتماعية معقدة تتداخل فيها العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية. كما أنها مدعوة لتحليل الأبعاد الأخلاقية والسياسية للتكوين، خاصة في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها سوق العمل وتأثيراتها على العمال.

باختصار، يمكن القول إن السيسيولوجيا التكوينية تمثل أحد الفروع الواعدة في علم الاجتماع، رغم أنها لا تزال بحاجة إلى المزيد من البحث والتطوير لتتمكن من تحقيق استقلاليتها التامة كحقل أكاديمي. ومن خلال تحليل الفوارق الاجتماعية في الوصول إلى التكوين وتأثيرها على إعادة إنتاج الهياكل الاجتماعية، يمكن لهذا التخصص أن يساهم في تقديم رؤى جديدة حول دور التكوين في تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستديمة

تعليم الكبار ومحو الأمية يعدان من القضايا الأساسية في مسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية لتونس. على الرغم من أن التعليم النظامي يحتل مكانة محورية في السياسات التعليمية، فإن تعليم الكبار وبرامج محو الأمية يشكلان جزءًا هامًا من الرؤية الوطنية نحو تطوير رأس المال البشري. ومع تزايد التحديات الاجتماعية والاقتصادية، تبرز أهمية إعادة التفكير في استراتيجيات تعليم الكبار، مع التركيز على تعزيز التكامل بين التعليم النظامي وغير النظامي لتحقيق أهداف التنمية المستديمة.

التحديات الحالية في مجال تعليم الكبار ومحو الأمية

تواجه تونس تحديات ملحوظة في مجال تعليم الكبار، أبرزها:

 الفجوة في الوصول إلى التعليم: رغم الجهود المبذولة، لا تزال بعض الفئات تعاني من صعوبة الوصول إلى برامج تعليم الكبار، خاصة في المناطق الريفية والنائية. هذه الفجوة تؤثر على فرص تعلم العديد من الأفراد، مما يعيق تطورهم الشخصي والمهني.

 ضعف البنية التحتية والدعم المادي: تعاني برامج تعليم الكبار من نقص في الموارد المادية والبنية التحتية، مما يؤثر على جودة التعليم ويحد من إمكانية توسيع نطاق هذه البرامج.

 التصورات الاجتماعية السلبية: لا يزال هناك تصور بأن التعليم يقتصر على فئة الشباب فقط، مما يشكل عائقًا أمام تفعيل برامج تعليم الكبار بشكل فعّال.

  مقاربات الدولة في مجال تعليم الكبار

قامت تونس بتبني عدد من السياسات والبرامج التي تهدف إلى تعزيز تعليم الكبار ومحو الأمية، ومنها:

 البرامج الوطنية لمحو الأمية: أطلقت الدولة برامج مثل "العودة إلى المدرسة" التي تسعى إلى دمج الكبار في نظام التعليم. هذه البرامج تسهم في تقليص نسبة الأمية وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة.

دعم مفهوم التعلم مدى الحياة: تعتبر تونس أن التعليم ليس مقتصرًا على مرحلة عمرية معينة، بل هو عملية مستمرة طوال الحياة. هذا المفهوم يدعم برامج تعليم الكبار ويوفر لهم فرصًا لاكتساب المهارات والمعرفة.

الشراكة بين القطاعين العام والخاص: تلعب الشراكات دورًا مهمًا في تمويل وتنفيذ برامج تعليم الكبار، مما يسهم في استدامة هذه المبادرات.

  العلاقة بين التعليم النظامي وغير النظامي

في سياق التعليم التونسي، يجب النظر بعمق في العلاقة بين التعليم النظامي (الرسمي) والتعليم غير النظامي (غير الرسمي). هذه العلاقة تعتبر حيوية لتحقيق تكامل فعّال بين مختلف أنواع التعليم.

 تكامل الأدوار: يلعب التعليم النظامي دورًا رئيسيًا في تأسيس الأسس التعليمية للأفراد منذ الصغر، بينما يوفر التعليم غير النظامي فرصًا لتطوير المهارات والمعرفة لدى الكبار الذين لم يتمكنوا من استكمال تعليمهم النظامي. هذا التكامل يمكن أن يسهم في بناء مجتمع أكثر شمولية وعدالة.

تعزيز الروابط: يجب أن تكون هناك آليات واضحة لتعزيز الروابط بين التعليم النظامي وغير النظامي. يمكن للمدارس والمؤسسات التعليمية أن تتعاون مع برامج تعليم الكبار لتوفير مسارات تعليمية مرنة وشاملة.

 التعليم المهني: يعتبر التعليم غير النظامي، وخاصة التعليم المهني، أداة فعالة لربط التعليم بسوق العمل. يمكن لتونس أن تستفيد من تكامل التعليم المهني مع التعليم النظامي لتزويد المتعلمين بالمهارات التي يحتاجها سوق العمل.

  رؤية مستقبلية لتعليم الكبار ومحو الأمية في تونس

لتعزيز تعليم الكبار وتحقيق أهداف التنمية المستديمة، يجب على تونس تبني رؤية مستقبلية شاملة تشمل:

 الابتكار التكنولوجي: يمكن للتكنولوجيا أن تسهم بشكل كبير في توسيع نطاق تعليم الكبار من خلال التعلم عن بعد والمنصات الرقمية، مما يسهل الوصول إلى التعليم لجميع الفئات.

 تطوير المناهج: ينبغي أن تكون مناهج تعليم الكبار مرنة ومصممة لتلبية احتياجات المتعلمين الكبار، مع التركيز على المهارات العملية والتطبيقية.

 تغيير التصورات الاجتماعية يجب تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية تعليم الكبار ومحو الأمية كجزء من التنمية الشاملة، مع تسليط الضوء على فوائد التعليم للجميع في مختلف مراحل الحياة.

 التكامل مع سوق العمل يتعين على برامج تعليم الكبار أن تكون متكاملة مع احتياجات سوق العمل، مما يعزز من فرص تحسين المهارات وزيادة التوظيف.

يعتبر تعليم الكبار ومحو الأمية في تونس جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات التنمية الاجتماعية والاقتصادية. من خلال تعزيز العلاقة بين التعليم النظامي وغير النظامي، وتبني سياسات شاملة ومبتكرة، يمكن لتونس أن تحقق تطورًا مستديمًا في هذا المجال. الرؤية المستقبلية يجب أن تركز على الشمولية، الابتكار، وتكامل الجهود لتحقيق مجتمع متعلم ومزدهر.

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews