إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح".. من التشخيص.. إلى الإنقاذ والإصلاح

 

يعيش التونسيون خلال هذه الأيام، على وقع مستجدات حملة الانتخابات الرئاسية، وما يرافقها من أحداث وجدل ونقاش، بل وأيضا على وقع عودة مدرسية وجامعية لم تشذ – كعادتها- عن المألوف والسائد والروتين المتكرّر من حديث لا ينتهي عن أزمة التعليم وضرورات الإصلاح، وعن الصعوبات التي مازالت ترافق القطاع وترهقه، وعن تردي البنية التحتية للمؤسسات التربوية والجامعية، وعن تكلفة عالية وشرسة لنفقات التلاميذ والطلبة، لا ترحم جيوب الأسر المنهكة أصلا بارتفاع تكاليف المعيشة..

من الطبيعي أن يستحوذ الحدثان على اهتمامات الناس ومشاغلهم في الفترة الراهنة، فهي تمس صميم الحياة اليومية لجل التونسيين وتؤثر بشكل مباشر على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.. لكنهما، في الواقع، حدثان متصلان وغير منفصلين.

لا يختلف اثنان في أن الشأن الانتخابي هو فرصة متجددة لتقييم السياسات، وساحة للتطارح والنقاش على برامج وأفكار وحلول مبتكرة وبديلة، من أجل واقع معيشي أفضل، وتنمية مستدامة تعم كل الجهات، وتطوير الخدمات، وتجاوز للنقائص والصعوبات التي تعاني منها عديد القطاعات، منها الصحة والنقل والتعليم..

بالعودة إلى الحياة المدرسية والجامعية، فإن الحديث عن الصعوبات التي يواجهها القطاع ومنها خاصة ما يهم كلفته العالية، والارتفاع المستمر لنفقات الأسر التونسية لتأمين تعليم أبنائها، لا يمكن حصره أو عدّه.

ورغم مجانية التعليم العمومي، خرجت نفقات وكلفة بعض جوانب التعليم والتكوين عن السيطرة، وخاصة في ما يهم المستلزمات المدرسية، على غرار ما يحدث مثلا في أسعار الحقائب المدرسية التي قفزت إلى مستويات عجيبة فاقت بعض أنواعها أسعار خروف العيد، وقسْ على ذلك من أنواع متعددة من الأدوات المدرسية والكراسات ذات النوع الرفيع، والكتب التعليمية الموازية، وذلك رغم محاولات السيطرة عليها والتخفيف من حدتها ومراقبة مسالك إنتاجها وتوزيعها.

وكدليل على وجود حالة من الانفلات الأخلاقي والمادي، استشرت في السنوات الأخيرة، ظاهرتان بشكل فاحش، وهما الدروس الخصوصية التي تكبد التونسيين مصاريف باهظة وخاصة بالنسبة لتلاميذ الباكالوريا، واستغلال الطلبة، الباحثين عن سكن، لتحقيق أرباح خيالية..

ويؤكد العارفون بالمجال، أن رقم معاملات الدروس الخصوصية لكل المستويات فاق ثلاثة مليار دينار سنويا.. وتطورت أشكاله وأساليبه وأصبح تجارة قائمة الذات تعرض خدماتها حضوريا وحتى عن بعد (عبر المحامل الرقمية)، وذلك رغم محاولات تقنينها من قبل الدولة (تحديد أسعارها وحصرها داخل المؤسسات التربوية) ووضع سلم عقابي لمن يثبت تجاوزه للقانون من بعض المربين من الأساتذة والمعلمين..

وتتمثل الظاهرة الثانية، في البروز "المتوحش" لمبتزين انتهازيين لا تعرف قلوبهم الرحمة، يستغلون حاجة الطلبة والطالبات لسكن آمن وقريب من محيط المؤسسات الجامعية، لفرض أسعار خيالية لكراء منازل وشقق، ويفرضون على الطلبة شروطا مجحفة يعجز عن تلبيتها الكثير من الأولياء مثل فرض دفع تسبقة بشهرين، أو اشتراط الكراء للإناث دون الذكور..

في المحصّلة، هناك أزمة متعددة الأبعاد والأوجه تنهك قطاع التربية والتعليم بكافة مستوياته، وهي متراكمة منذ سنوات وأسبابها معلومة، وهناك إشكاليات عالقة وصعوبات جمّة سبق أن شخصتها هياكل الدولة، ليبقى السؤال الحقيقي هو عن توقيت المرور من حالة التشخيص إلى تنفيذ مخطط إنقاذ وإصلاح مدروس وشامل يهتم بتطوير جوانب البيداغوجيا والمناهج والتكوين، وأيضا بما يتصل بتوفير اعتمادات لتطوير البنية التحتية وتأمين الموارد البشرية من مكونين ومربين ومتخصصين..

ولعل إحداث المجلس الأعلى للتربية ووضع نص قانوني ينظم مهامه ومجالات تدخله، قد يكون مدخلا لمزيد الحوار والنقاش في الشأن التربوي، ومنطلقا لإصلاح جذري وشامل للمسألتين التربوية والتعليمية بشكل عام..

رفيق بن عبد الله

 

 

 

 

 

 

يعيش التونسيون خلال هذه الأيام، على وقع مستجدات حملة الانتخابات الرئاسية، وما يرافقها من أحداث وجدل ونقاش، بل وأيضا على وقع عودة مدرسية وجامعية لم تشذ – كعادتها- عن المألوف والسائد والروتين المتكرّر من حديث لا ينتهي عن أزمة التعليم وضرورات الإصلاح، وعن الصعوبات التي مازالت ترافق القطاع وترهقه، وعن تردي البنية التحتية للمؤسسات التربوية والجامعية، وعن تكلفة عالية وشرسة لنفقات التلاميذ والطلبة، لا ترحم جيوب الأسر المنهكة أصلا بارتفاع تكاليف المعيشة..

من الطبيعي أن يستحوذ الحدثان على اهتمامات الناس ومشاغلهم في الفترة الراهنة، فهي تمس صميم الحياة اليومية لجل التونسيين وتؤثر بشكل مباشر على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.. لكنهما، في الواقع، حدثان متصلان وغير منفصلين.

لا يختلف اثنان في أن الشأن الانتخابي هو فرصة متجددة لتقييم السياسات، وساحة للتطارح والنقاش على برامج وأفكار وحلول مبتكرة وبديلة، من أجل واقع معيشي أفضل، وتنمية مستدامة تعم كل الجهات، وتطوير الخدمات، وتجاوز للنقائص والصعوبات التي تعاني منها عديد القطاعات، منها الصحة والنقل والتعليم..

بالعودة إلى الحياة المدرسية والجامعية، فإن الحديث عن الصعوبات التي يواجهها القطاع ومنها خاصة ما يهم كلفته العالية، والارتفاع المستمر لنفقات الأسر التونسية لتأمين تعليم أبنائها، لا يمكن حصره أو عدّه.

ورغم مجانية التعليم العمومي، خرجت نفقات وكلفة بعض جوانب التعليم والتكوين عن السيطرة، وخاصة في ما يهم المستلزمات المدرسية، على غرار ما يحدث مثلا في أسعار الحقائب المدرسية التي قفزت إلى مستويات عجيبة فاقت بعض أنواعها أسعار خروف العيد، وقسْ على ذلك من أنواع متعددة من الأدوات المدرسية والكراسات ذات النوع الرفيع، والكتب التعليمية الموازية، وذلك رغم محاولات السيطرة عليها والتخفيف من حدتها ومراقبة مسالك إنتاجها وتوزيعها.

وكدليل على وجود حالة من الانفلات الأخلاقي والمادي، استشرت في السنوات الأخيرة، ظاهرتان بشكل فاحش، وهما الدروس الخصوصية التي تكبد التونسيين مصاريف باهظة وخاصة بالنسبة لتلاميذ الباكالوريا، واستغلال الطلبة، الباحثين عن سكن، لتحقيق أرباح خيالية..

ويؤكد العارفون بالمجال، أن رقم معاملات الدروس الخصوصية لكل المستويات فاق ثلاثة مليار دينار سنويا.. وتطورت أشكاله وأساليبه وأصبح تجارة قائمة الذات تعرض خدماتها حضوريا وحتى عن بعد (عبر المحامل الرقمية)، وذلك رغم محاولات تقنينها من قبل الدولة (تحديد أسعارها وحصرها داخل المؤسسات التربوية) ووضع سلم عقابي لمن يثبت تجاوزه للقانون من بعض المربين من الأساتذة والمعلمين..

وتتمثل الظاهرة الثانية، في البروز "المتوحش" لمبتزين انتهازيين لا تعرف قلوبهم الرحمة، يستغلون حاجة الطلبة والطالبات لسكن آمن وقريب من محيط المؤسسات الجامعية، لفرض أسعار خيالية لكراء منازل وشقق، ويفرضون على الطلبة شروطا مجحفة يعجز عن تلبيتها الكثير من الأولياء مثل فرض دفع تسبقة بشهرين، أو اشتراط الكراء للإناث دون الذكور..

في المحصّلة، هناك أزمة متعددة الأبعاد والأوجه تنهك قطاع التربية والتعليم بكافة مستوياته، وهي متراكمة منذ سنوات وأسبابها معلومة، وهناك إشكاليات عالقة وصعوبات جمّة سبق أن شخصتها هياكل الدولة، ليبقى السؤال الحقيقي هو عن توقيت المرور من حالة التشخيص إلى تنفيذ مخطط إنقاذ وإصلاح مدروس وشامل يهتم بتطوير جوانب البيداغوجيا والمناهج والتكوين، وأيضا بما يتصل بتوفير اعتمادات لتطوير البنية التحتية وتأمين الموارد البشرية من مكونين ومربين ومتخصصين..

ولعل إحداث المجلس الأعلى للتربية ووضع نص قانوني ينظم مهامه ومجالات تدخله، قد يكون مدخلا لمزيد الحوار والنقاش في الشأن التربوي، ومنطلقا لإصلاح جذري وشامل للمسألتين التربوية والتعليمية بشكل عام..

رفيق بن عبد الله

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews