إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ممنوع من الحياد.. شيء ما يتغير من حولنا..

 

لا نعرف صراحة إلى أين يمكن أن يقودنا ما نستشعره من تغيير في رياح النظام العالمي الجديد، ولا نعرف ما ستؤول إليه عملية المخاض المعقدة، لهذا النظام الذي يزداد توحشا بعد أن أسقطت حرب الإبادة المستمرة في غزة كل الأقنعة وفضحت هشاشة وقابلية القوانين الدولية والقيم الإنسانية للتطويع والتلون بألوان القوى المتنفذة.. تماما كما لا نعرف ما إذا سيكون هذا النظام العالمي مولودا سقيما بشعا أو مولودا قابلا للحياة. ولكن ما نعرفه أن هناك تحولا في أنفاس العالم وتحديدا في أنفاس الشعوب التي تواصل انتفاضتها ضد محاولات تجميد العقول واستغلالها وتسجل صحوة، يمكن لها إذا ما تدعمت واستمرت أن يكون لها تأثيرها على الكثير من صناع القرار في العالم المحكومين بعقلية الهيمنة والوصاية والاستقواء على الأضعف.. بين تلك المؤشرات أن بريطانيا راعية وعد بلفور المشؤوم تعتزم سحب التحفظ، الذي قدمته حكومة حزب المحافظين السابقة إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ضد طلب إصدار مذكرات اعتقال دولية ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، يوآف غالانت، بشبهة ارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب على غزة.. خطوة إذا ما التزمت بها الحكومة البريطانية الجديدة سيكون لها وقعها وتأثيرها على حكومات أوروبية أخرى لم يعد بإمكانها أن تحول أنظارها عن جرائم وفظاعات كيان الاحتلال ليس حبا في الفلسطينيين ولكن تحسبا لمواطنيها ولغضب دافعي الضرائب وتحركات الشارع ..

لقد عملت حكومة المحافظين السابقة طوال عشرة أشهر بتنسيق وثيق مع الحليف الأمريكي في دعمها لهذا الكيان.. ويمكن اعتبار أن تراجع بريطانيا عن اعتبار الأونروا منظمة إرهابية واستئنافها دعم هذه المنظمة يعد خطوة مهمة وجب الانتباه لها دون تحميلها أكثر مما تحتمل .. نقطة أخرى ليست أقل أهمية مما سبق وهي تتعلق بدعوة سبع نقابات أمريكية عمالية، الرئيس جو بايدن إلى وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل، خطوة ما انفكت تتفاعل على عديد الجبهات وقد أعربت هذه النقابات عن إحساسها بالرعب من أن أموال الضرائب تمول هذه المأساة المستمرة في فلسطين".

وتشمل النقابات التي وقعت على الرسالة اتحاد المضيفين والمضيفات، ونقابة عمال البريد الأمريكية، والاتحاد الدولي للرسامين، والرابطة الوطنية للتعليم، والاتحاد الدولي لموظفي الخدمة، والاتحاد الأمريكي لعمال السيارات، ونقابة عمال الكهرباء المتحدون.

رئيس نقابة عمال البريد مارك ديموندستين قال "نقاباتنا تسمع صرخات الإنسانية مع استمرار هذه الحرب الشرسة، وإن العمال ونقاباتنا مرعوبون من أن أموال ضرائبنا تمول هذه المأساة المستمرة، ونحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار الآن، وأفضل طريقة لتأمين ذلك هي قطع المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل".

دعوة النقابات الأمريكية سبقتها دعوة منظمة العفو إلى فرض حظر أسلحة على إسرائيل قبل خطاب رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس، بعد أن ثبت استخدامها في انتهاكات خطيرة ..

واقع الحال أن زيارة نتنياهو إلى واشنطن وخطابه أمام الكونغرس لم يكن حفلا فنيا، فقد لاحقته الاحتجاجات والشعارات التي تتهمه بأنه مجرم حرب، في كل مكان يتجه إليه.. ولا شك أنه لن يكون بإمكان المسؤولين الأمريكيين مهما تظاهروا بدعمه تجاهل ذلك، وقد استشعرت كمالا هاريس الأمر وربما تكون احتسبت إمكانية عزوف شريحة واسعة من الشباب عن التصويت لها فكان موقفها واضحا إزاء نتنياهو أنه يجب إنهاء الحرب وإيقاف الكارثة الإنسانية في غزة.. لكن هل يعني ذلك أن المشهد سيتغير قريبا في غزة؟ طبعا لا شيء يبدو حتى الآن محسوما، وليس بمثل هذه التحولات تتوقف الحرب ويتغير الحال.. ولكن قد تدفع هذه المؤشرات الى تضاعف الخطوات التي يمكن أن تعزز صحوة الضمير العالمي وتحرك المجتمعات القادرة على التأثير وطبعا نحن لا نتحدث لا عن المطبعين ولا عن المتخاذلين الذين يعتبرون القضية الفلسطينية ورقة مقايضة ..

لعل الأهم من كل التحديات الكبيرة التي تفرضها الحرب الإسرائيلية على أهالي غزة صمود هؤلاء رغم حجم المحنة التي اختزلت على مدى عشرة أيام النكبة والنكسة معا..

أهل غزة يصرون على التمسك بالحياة ومن العدم يصنعون ما يساعدهم على البقاء، فشباب غزة تمكنوا من إعادة خدمات الكهرباء والانترنت وافتتحوا مقهى يؤمه الطلبة والأساتذة والإعلاميون لمواصلة الدراسة أو تقديم البحوث أو تقديم رسائل الدكتوراه كما كانوا يفعلون بعد الحرب.. لا نقول إن الأمر هين أو دون مخاطر ولكنهم بذلك يواجهون الاحتلال وترسانته ومخططات التهجير والتقتيل وطمس الهوية..

آخر ما نختتم به هذه التحولات في المشهد أنه بين الخراب والدمار الذي ارتكبه الاحتلال يبدع أطفال غزة في مسرح الدمى ويقدمون عروضهم التي تمثل متنفسا لهم ولغيرهم من الأطفال النازحين رغم أزيز الطائرات والمدافع والغارات الإسرائيلية، ومشاهد القتل والدمار المتكررة يوميا.

كل شيء مطلوب لصنع الدمى، علب فارغة، بعض الورق والخيوط، التي تصنع الفرحة على وجوههم وتنسيهم ولو لبعض الوقت جبن الاحتلال وفظاعاته ..

آسيا العتروس

 

 

ممنوع من الحياد..   شيء ما يتغير من حولنا..

 

لا نعرف صراحة إلى أين يمكن أن يقودنا ما نستشعره من تغيير في رياح النظام العالمي الجديد، ولا نعرف ما ستؤول إليه عملية المخاض المعقدة، لهذا النظام الذي يزداد توحشا بعد أن أسقطت حرب الإبادة المستمرة في غزة كل الأقنعة وفضحت هشاشة وقابلية القوانين الدولية والقيم الإنسانية للتطويع والتلون بألوان القوى المتنفذة.. تماما كما لا نعرف ما إذا سيكون هذا النظام العالمي مولودا سقيما بشعا أو مولودا قابلا للحياة. ولكن ما نعرفه أن هناك تحولا في أنفاس العالم وتحديدا في أنفاس الشعوب التي تواصل انتفاضتها ضد محاولات تجميد العقول واستغلالها وتسجل صحوة، يمكن لها إذا ما تدعمت واستمرت أن يكون لها تأثيرها على الكثير من صناع القرار في العالم المحكومين بعقلية الهيمنة والوصاية والاستقواء على الأضعف.. بين تلك المؤشرات أن بريطانيا راعية وعد بلفور المشؤوم تعتزم سحب التحفظ، الذي قدمته حكومة حزب المحافظين السابقة إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ضد طلب إصدار مذكرات اعتقال دولية ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، يوآف غالانت، بشبهة ارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب على غزة.. خطوة إذا ما التزمت بها الحكومة البريطانية الجديدة سيكون لها وقعها وتأثيرها على حكومات أوروبية أخرى لم يعد بإمكانها أن تحول أنظارها عن جرائم وفظاعات كيان الاحتلال ليس حبا في الفلسطينيين ولكن تحسبا لمواطنيها ولغضب دافعي الضرائب وتحركات الشارع ..

لقد عملت حكومة المحافظين السابقة طوال عشرة أشهر بتنسيق وثيق مع الحليف الأمريكي في دعمها لهذا الكيان.. ويمكن اعتبار أن تراجع بريطانيا عن اعتبار الأونروا منظمة إرهابية واستئنافها دعم هذه المنظمة يعد خطوة مهمة وجب الانتباه لها دون تحميلها أكثر مما تحتمل .. نقطة أخرى ليست أقل أهمية مما سبق وهي تتعلق بدعوة سبع نقابات أمريكية عمالية، الرئيس جو بايدن إلى وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل، خطوة ما انفكت تتفاعل على عديد الجبهات وقد أعربت هذه النقابات عن إحساسها بالرعب من أن أموال الضرائب تمول هذه المأساة المستمرة في فلسطين".

وتشمل النقابات التي وقعت على الرسالة اتحاد المضيفين والمضيفات، ونقابة عمال البريد الأمريكية، والاتحاد الدولي للرسامين، والرابطة الوطنية للتعليم، والاتحاد الدولي لموظفي الخدمة، والاتحاد الأمريكي لعمال السيارات، ونقابة عمال الكهرباء المتحدون.

رئيس نقابة عمال البريد مارك ديموندستين قال "نقاباتنا تسمع صرخات الإنسانية مع استمرار هذه الحرب الشرسة، وإن العمال ونقاباتنا مرعوبون من أن أموال ضرائبنا تمول هذه المأساة المستمرة، ونحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار الآن، وأفضل طريقة لتأمين ذلك هي قطع المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل".

دعوة النقابات الأمريكية سبقتها دعوة منظمة العفو إلى فرض حظر أسلحة على إسرائيل قبل خطاب رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس، بعد أن ثبت استخدامها في انتهاكات خطيرة ..

واقع الحال أن زيارة نتنياهو إلى واشنطن وخطابه أمام الكونغرس لم يكن حفلا فنيا، فقد لاحقته الاحتجاجات والشعارات التي تتهمه بأنه مجرم حرب، في كل مكان يتجه إليه.. ولا شك أنه لن يكون بإمكان المسؤولين الأمريكيين مهما تظاهروا بدعمه تجاهل ذلك، وقد استشعرت كمالا هاريس الأمر وربما تكون احتسبت إمكانية عزوف شريحة واسعة من الشباب عن التصويت لها فكان موقفها واضحا إزاء نتنياهو أنه يجب إنهاء الحرب وإيقاف الكارثة الإنسانية في غزة.. لكن هل يعني ذلك أن المشهد سيتغير قريبا في غزة؟ طبعا لا شيء يبدو حتى الآن محسوما، وليس بمثل هذه التحولات تتوقف الحرب ويتغير الحال.. ولكن قد تدفع هذه المؤشرات الى تضاعف الخطوات التي يمكن أن تعزز صحوة الضمير العالمي وتحرك المجتمعات القادرة على التأثير وطبعا نحن لا نتحدث لا عن المطبعين ولا عن المتخاذلين الذين يعتبرون القضية الفلسطينية ورقة مقايضة ..

لعل الأهم من كل التحديات الكبيرة التي تفرضها الحرب الإسرائيلية على أهالي غزة صمود هؤلاء رغم حجم المحنة التي اختزلت على مدى عشرة أيام النكبة والنكسة معا..

أهل غزة يصرون على التمسك بالحياة ومن العدم يصنعون ما يساعدهم على البقاء، فشباب غزة تمكنوا من إعادة خدمات الكهرباء والانترنت وافتتحوا مقهى يؤمه الطلبة والأساتذة والإعلاميون لمواصلة الدراسة أو تقديم البحوث أو تقديم رسائل الدكتوراه كما كانوا يفعلون بعد الحرب.. لا نقول إن الأمر هين أو دون مخاطر ولكنهم بذلك يواجهون الاحتلال وترسانته ومخططات التهجير والتقتيل وطمس الهوية..

آخر ما نختتم به هذه التحولات في المشهد أنه بين الخراب والدمار الذي ارتكبه الاحتلال يبدع أطفال غزة في مسرح الدمى ويقدمون عروضهم التي تمثل متنفسا لهم ولغيرهم من الأطفال النازحين رغم أزيز الطائرات والمدافع والغارات الإسرائيلية، ومشاهد القتل والدمار المتكررة يوميا.

كل شيء مطلوب لصنع الدمى، علب فارغة، بعض الورق والخيوط، التي تصنع الفرحة على وجوههم وتنسيهم ولو لبعض الوقت جبن الاحتلال وفظاعاته ..

آسيا العتروس

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews