إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في ظل ارتفاع أسعار الشحن.. تداعيات "مقلقة" على الأسعار والتضخم والصادرات وتهديد للاقتصاد الوطني

تونس - الصباح

شهدت أسواق الشحن العالمية، خلال اليومين الماضيين، ارتفاعا غير مسبوق لأسعار الشحن، وهي الآن الأعلى بنسبة 286% مما كانت عليه في شهر جوان الماضي، وقد أثر هذا الارتفاع بشكل كبير على الاقتصادات المحلية، بما في ذلك تونس. ويشعر المستوردون التونسيون اليوم بقلق كبير نتيجة زيادة تكاليف الشحن. والتي تؤثر بشكل مباشر على سلسلة الإمدادات وتنعكس بدورها على الأسعار المحلية، مما يؤدي إلى تداعيات اقتصادية متعددة.

وتضاعفت الأسعار منذ مارس الماضي، وهي الآن أعلى بنسبة 286٪ مما كانت عليه في جوان من العام الماضي، وفقًا لمؤشر Drewry Container Index الذي يرصد متوسطات أسعار حاويات 40 قدمًا بين شنغهاي ونيويورك ولوس أنجلوس وجنوة وروتردام، وكذلك بين نيويورك وروتردام في هولندا.

وكان متوسط تكلفة الحاوية 1790 دولارًا أمريكيًا لجميع هذه الوجهات في منتصف مارس، بينما هي الآن 5937 دولارًا أمريكيًا. على الرغم من ارتفاعها، إلا أن هذا السعر بعيد عن ذروة 10377 دولارًا أمريكيًا التي تم الوصول إليها في سبتمبر 2021 خلال جائحة كورونا.

ويمكن تفسير هذا الارتفاع بالصراع في الشرق الأوسط، والهجمات على السفن بالقرب من قناة السويس، حيث أدى الصراع بهذه المنطقة إلى تحويل جزء كبير من التجارة البحرية. وأصبحت السفن تتجنب هذا المسار، وتمر عبر رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا بدلاً من ذلك لربط آسيا بأوروبا. ويؤدي هذا المسار إلى زيادة زمن العبور بشكل كبير بدلاً من 35 يومًا، إذ يستغرق الأمر 60 يومًا.

وتخلق هذه التأخيرات اختلالات في دوران السفن والحاويات لنقل البضائع في جميع أنحاء العالم. وتتم إعادة شحن عدد كبير من الحاويات البحرية الفارغة إلى آسيا، حيث تتم إعادة تحميلها لرحلة أخرى. وبالتالي فإن التأخيرات لها تأثير على قدرات النقل.

ولمواجهة ارتفاع الطلب وزيادة أوقات التسليم، قامت شركات الشحن البحري بالتكيف من خلال استئجار المزيد من الحاويات واستئجار المزيد من السفن. ومع ذلك، تستغرق هذه القرارات أسابيع قبل أن تتحقق في البحر.

زيادة الطلب على السلع

ومع تعافي الاقتصاد العالمي من تداعيات جائحة كوفيد-19، شهدت العديد من الدول زيادة في الطلب على السلع. هذا الطلب المتزايد يتطلب قدرة شحن أكبر، مما يؤدي إلى ضغط على البنية التحتية للشحن والنقل. وتسبب نقص الحاويات وازدحام الموانئ في رفع تكلفة الشحن، حيث أن العديد من الموانئ الكبرى، مثل لوس أنجلوس وشانغهاي، شهدت ازدحامًا شديدًا، مما أخر عمليات الشحن وارتفعت التكاليف. ومع زيادة أسعار النفط، ارتفعت تكلفة النقل البحري أيضًا. وتعتبر تكاليف الوقود جزءًا كبيرًا من ميزانية شركات الشحن، وأي زيادة فيها تؤدي مباشرة إلى زيادة الأسعار.

ومعلوم أن الأزمات السياسية والصراعات في بعض المناطق، مثل الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، تؤثر على الشحن الدولي. هذه التوترات تؤدي إلى زيادة المخاطر وتحفيز الشركات على رفع الأسعار.

زيادة التكاليف في تونس

وتسبب ارتفاع أسعار الشحن في زيادة تكلفة السلع المستوردة إلى تونس. هذه الزيادة تؤثر بشكل مباشر على الأسعار في الأسواق المحلية، مما يزيد من العبء على المستهلكين. ومع زيادة تكاليف الشحن، شهدت تونس ارتفاعًا في معدلات التضخم. هذا التضخم يؤثر على القوة الشرائية للمواطنين، مما يؤدي إلى تراجع مستويات المعيشة. كما تواجه الصناعات المحلية تحديات كبيرة نتيجة ارتفاع تكلفة المواد الخام المستوردة، خاصة أن العديد من المصانع تعتمد على المواد المستوردة، مما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية.

وتؤثر زيادة تكاليف الشحن على قدرة تونس على التنافس في الأسواق الدولية. وبدأت الشركات التونسية تجد صعوبة في تصدير منتجاتها بسبب ارتفاع تكاليف الشحن، مما قد يؤدي إلى تراجع الصادرات مستقبلا، رغم أن الهدف هو بلوغ أكثر من 64 مليار دينار صادرات مع موفى 2024.

تواصل ارتفاع الأسعار

وحسب ما كشف عنه بعض خبراء الاقتصاد لـ"الصباح"، فإنه من المتوقع أن تستمر أسعار الشحن في الارتفاع إذا استمرت الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية. وعلى الرغم من أن بعض المحللين يتوقعون استقرار الأسعار في المستقبل، إلا أن العوامل العالمية قد تؤدي إلى تقلبات مستمرة، ما يرفع من أسعار مختلف المواد الخام وحتى الاستهلاكية.

ومع زيادة تكاليف الشحن، شهدت تونس ارتفاعًا في معدلات التضخم. هذا التضخم أثر بشكل سلبي على الاقتصاد، حيث تراجعت القوة الشرائية للمواطنين، وزادت الضغوط الاقتصادية على الأسر. كما تعتمد العديد من الصناعات التونسية على المواد الخام المستوردة، وارتفاع تكاليف الشحن يرفع من تكلفة الإنتاج، مما يؤثر سلبًا على القدرة التنافسية للمنتجات المحلية.

وتواجه الشركات التونسية صعوبات في تصدير منتجاتها بسبب ارتفاع تكاليف الشحن. هذا الأمر قد يؤدي إلى تراجع الصادرات، مما يؤثر على الاقتصاد الوطني ويزيد من العجز في الميزان التجاري. ومع تراجع الصادرات وزيادة تكاليف الإنتاج، قد تضطر الشركات إلى تقليص عدد العمالة. هذا الأمر يزيد من معدلات البطالة، ويؤثر سلبًا على الاستقرار الاجتماعي.

جدير بالذكر، أن البيئة الاقتصادية غير المستقرة نتيجة ارتفاع أسعار الشحن، تعد عاملًا طاردًا للاستثمارات الأجنبية. الشركات قد تتجنب الاستثمار في تونس بسبب المخاطر المرتبطة بالتكاليف المتزايدة. كما إن خسائر تونس من ارتفاع أسعار الشحن عالميًا تتطلب استراتيجيات فعالة للتكيف مع هذه التغيرات، ومن الضروري تعزيز الإنتاج المحلي، وتحسين البنية التحتية للنقل والشحن، لضمان استقرار الاقتصاد وتحقيق نمو مستدام، وفق ما دعا إليه أغلب الخبراء الاقتصاديين.

وتسعى الشركات في تونس، اليوم، إلى تبني حلول شحن أكثر استدامة لتقليل التكاليف. هذا قد يشمل الاستثمار في تكنولوجيا جديدة أوتحسين كفاءة سلسلة الإمداد. ويمكن أن يكون ارتفاع أسعار الشحن دافعًا لتونس لتعزيز الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات، ويساعد في خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الاقتصاد الوطني .

وتعمل الحكومة التونسية، خلال الفترة الأخيرة، على تحسين البنية التحتية للنقل والشحن، مما يساعد على تقليل تكاليف الشحن على المدى الطويل، علما وأن ارتفاع أسعار الشحن العالمي له تداعيات كبيرة على الاقتصاد التونسي، من زيادة تكاليف السلع إلى تأثيرات سلبية على التضخم والصناعة المحلية. ويدعو جزء واسع من الخبراء، الى ضرورة أن تتبنى تونس استراتيجيات فعالة للتكيف مع هذه التغيرات، سواء من خلال تعزيز الإنتاج المحلي أو تحسين البنية التحتية. ومع استمرار التحديات العالمية، يبقى الأمل في أن تتجاوز تونس هذه العقبات، وتحقق نموًا مستدامًا في المستقبل.

سفيان المهداوي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في ظل ارتفاع أسعار الشحن..   تداعيات "مقلقة" على الأسعار والتضخم والصادرات وتهديد للاقتصاد الوطني

تونس - الصباح

شهدت أسواق الشحن العالمية، خلال اليومين الماضيين، ارتفاعا غير مسبوق لأسعار الشحن، وهي الآن الأعلى بنسبة 286% مما كانت عليه في شهر جوان الماضي، وقد أثر هذا الارتفاع بشكل كبير على الاقتصادات المحلية، بما في ذلك تونس. ويشعر المستوردون التونسيون اليوم بقلق كبير نتيجة زيادة تكاليف الشحن. والتي تؤثر بشكل مباشر على سلسلة الإمدادات وتنعكس بدورها على الأسعار المحلية، مما يؤدي إلى تداعيات اقتصادية متعددة.

وتضاعفت الأسعار منذ مارس الماضي، وهي الآن أعلى بنسبة 286٪ مما كانت عليه في جوان من العام الماضي، وفقًا لمؤشر Drewry Container Index الذي يرصد متوسطات أسعار حاويات 40 قدمًا بين شنغهاي ونيويورك ولوس أنجلوس وجنوة وروتردام، وكذلك بين نيويورك وروتردام في هولندا.

وكان متوسط تكلفة الحاوية 1790 دولارًا أمريكيًا لجميع هذه الوجهات في منتصف مارس، بينما هي الآن 5937 دولارًا أمريكيًا. على الرغم من ارتفاعها، إلا أن هذا السعر بعيد عن ذروة 10377 دولارًا أمريكيًا التي تم الوصول إليها في سبتمبر 2021 خلال جائحة كورونا.

ويمكن تفسير هذا الارتفاع بالصراع في الشرق الأوسط، والهجمات على السفن بالقرب من قناة السويس، حيث أدى الصراع بهذه المنطقة إلى تحويل جزء كبير من التجارة البحرية. وأصبحت السفن تتجنب هذا المسار، وتمر عبر رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا بدلاً من ذلك لربط آسيا بأوروبا. ويؤدي هذا المسار إلى زيادة زمن العبور بشكل كبير بدلاً من 35 يومًا، إذ يستغرق الأمر 60 يومًا.

وتخلق هذه التأخيرات اختلالات في دوران السفن والحاويات لنقل البضائع في جميع أنحاء العالم. وتتم إعادة شحن عدد كبير من الحاويات البحرية الفارغة إلى آسيا، حيث تتم إعادة تحميلها لرحلة أخرى. وبالتالي فإن التأخيرات لها تأثير على قدرات النقل.

ولمواجهة ارتفاع الطلب وزيادة أوقات التسليم، قامت شركات الشحن البحري بالتكيف من خلال استئجار المزيد من الحاويات واستئجار المزيد من السفن. ومع ذلك، تستغرق هذه القرارات أسابيع قبل أن تتحقق في البحر.

زيادة الطلب على السلع

ومع تعافي الاقتصاد العالمي من تداعيات جائحة كوفيد-19، شهدت العديد من الدول زيادة في الطلب على السلع. هذا الطلب المتزايد يتطلب قدرة شحن أكبر، مما يؤدي إلى ضغط على البنية التحتية للشحن والنقل. وتسبب نقص الحاويات وازدحام الموانئ في رفع تكلفة الشحن، حيث أن العديد من الموانئ الكبرى، مثل لوس أنجلوس وشانغهاي، شهدت ازدحامًا شديدًا، مما أخر عمليات الشحن وارتفعت التكاليف. ومع زيادة أسعار النفط، ارتفعت تكلفة النقل البحري أيضًا. وتعتبر تكاليف الوقود جزءًا كبيرًا من ميزانية شركات الشحن، وأي زيادة فيها تؤدي مباشرة إلى زيادة الأسعار.

ومعلوم أن الأزمات السياسية والصراعات في بعض المناطق، مثل الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، تؤثر على الشحن الدولي. هذه التوترات تؤدي إلى زيادة المخاطر وتحفيز الشركات على رفع الأسعار.

زيادة التكاليف في تونس

وتسبب ارتفاع أسعار الشحن في زيادة تكلفة السلع المستوردة إلى تونس. هذه الزيادة تؤثر بشكل مباشر على الأسعار في الأسواق المحلية، مما يزيد من العبء على المستهلكين. ومع زيادة تكاليف الشحن، شهدت تونس ارتفاعًا في معدلات التضخم. هذا التضخم يؤثر على القوة الشرائية للمواطنين، مما يؤدي إلى تراجع مستويات المعيشة. كما تواجه الصناعات المحلية تحديات كبيرة نتيجة ارتفاع تكلفة المواد الخام المستوردة، خاصة أن العديد من المصانع تعتمد على المواد المستوردة، مما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية.

وتؤثر زيادة تكاليف الشحن على قدرة تونس على التنافس في الأسواق الدولية. وبدأت الشركات التونسية تجد صعوبة في تصدير منتجاتها بسبب ارتفاع تكاليف الشحن، مما قد يؤدي إلى تراجع الصادرات مستقبلا، رغم أن الهدف هو بلوغ أكثر من 64 مليار دينار صادرات مع موفى 2024.

تواصل ارتفاع الأسعار

وحسب ما كشف عنه بعض خبراء الاقتصاد لـ"الصباح"، فإنه من المتوقع أن تستمر أسعار الشحن في الارتفاع إذا استمرت الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية. وعلى الرغم من أن بعض المحللين يتوقعون استقرار الأسعار في المستقبل، إلا أن العوامل العالمية قد تؤدي إلى تقلبات مستمرة، ما يرفع من أسعار مختلف المواد الخام وحتى الاستهلاكية.

ومع زيادة تكاليف الشحن، شهدت تونس ارتفاعًا في معدلات التضخم. هذا التضخم أثر بشكل سلبي على الاقتصاد، حيث تراجعت القوة الشرائية للمواطنين، وزادت الضغوط الاقتصادية على الأسر. كما تعتمد العديد من الصناعات التونسية على المواد الخام المستوردة، وارتفاع تكاليف الشحن يرفع من تكلفة الإنتاج، مما يؤثر سلبًا على القدرة التنافسية للمنتجات المحلية.

وتواجه الشركات التونسية صعوبات في تصدير منتجاتها بسبب ارتفاع تكاليف الشحن. هذا الأمر قد يؤدي إلى تراجع الصادرات، مما يؤثر على الاقتصاد الوطني ويزيد من العجز في الميزان التجاري. ومع تراجع الصادرات وزيادة تكاليف الإنتاج، قد تضطر الشركات إلى تقليص عدد العمالة. هذا الأمر يزيد من معدلات البطالة، ويؤثر سلبًا على الاستقرار الاجتماعي.

جدير بالذكر، أن البيئة الاقتصادية غير المستقرة نتيجة ارتفاع أسعار الشحن، تعد عاملًا طاردًا للاستثمارات الأجنبية. الشركات قد تتجنب الاستثمار في تونس بسبب المخاطر المرتبطة بالتكاليف المتزايدة. كما إن خسائر تونس من ارتفاع أسعار الشحن عالميًا تتطلب استراتيجيات فعالة للتكيف مع هذه التغيرات، ومن الضروري تعزيز الإنتاج المحلي، وتحسين البنية التحتية للنقل والشحن، لضمان استقرار الاقتصاد وتحقيق نمو مستدام، وفق ما دعا إليه أغلب الخبراء الاقتصاديين.

وتسعى الشركات في تونس، اليوم، إلى تبني حلول شحن أكثر استدامة لتقليل التكاليف. هذا قد يشمل الاستثمار في تكنولوجيا جديدة أوتحسين كفاءة سلسلة الإمداد. ويمكن أن يكون ارتفاع أسعار الشحن دافعًا لتونس لتعزيز الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات، ويساعد في خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الاقتصاد الوطني .

وتعمل الحكومة التونسية، خلال الفترة الأخيرة، على تحسين البنية التحتية للنقل والشحن، مما يساعد على تقليل تكاليف الشحن على المدى الطويل، علما وأن ارتفاع أسعار الشحن العالمي له تداعيات كبيرة على الاقتصاد التونسي، من زيادة تكاليف السلع إلى تأثيرات سلبية على التضخم والصناعة المحلية. ويدعو جزء واسع من الخبراء، الى ضرورة أن تتبنى تونس استراتيجيات فعالة للتكيف مع هذه التغيرات، سواء من خلال تعزيز الإنتاج المحلي أو تحسين البنية التحتية. ومع استمرار التحديات العالمية، يبقى الأمل في أن تتجاوز تونس هذه العقبات، وتحقق نموًا مستدامًا في المستقبل.

سفيان المهداوي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews