إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أعوان استقبال في الإدارات والمؤسسات .. "عنف" لفظي ونظرة استعلائية.. فمتى يتوقف النزيف؟

تونس-الصباح

أن تكون عون استقبال في إدارة.. في مستشفى، أو أمكتب بريد، أو في مؤسسة من المؤسسات العمومية أو حتى الخاصة فإن مهمتك الأساسية تتمثل في تقديم خدمات للمواطن تتوفر على الأقل على الحد الأدنى المطلوب، وهذا يعني أن تحظى ببعض المواصفات التي تؤهلك لأن تكون عون استقبال.. كأن تكون مثلا، بشوشا وتتقن فن الرد على مختلف استفسارات المواطنين وتشكيّاتهم هذا بالتوازي مع ضرورة أن تكون لبقا ولطيفا في التعامل مع الآخر..

لكن للأسف نقف اليوم في كثير من المؤسسات العمومية كما الخاصة على سٌلوكيات "مشينة" لبعض الأعوان الاستقبال الذين عادة ما يقابلون استفسارات المواطن بعنف لفظي حاد دون التّغافل على النظرة الاستعلائية التي يبديها عديدون.. ونؤكد هنا أن الأمر لا ينسحب على جميع الإدارات والمؤسسات على اعتبار أن هناك بعض الهياكل العمومية، ولئن تظل نسبية وضئيلة للغاية، إلا أنها تمارس عملها في كنف معايير الجودة المطلوبة أساسها الرقي والاحترام في التعامل حتى أنه يخيل للمواطن للحظة أنه ولج بلدا آخر ..

خلال هذه الفترة من كل سنة تكثر الحركية في بعض المؤسسات العمومية لا سيّما بالنسبة للطلبة الجدد أو ممن يرغبون في مواصلة تعليمهم في الخارج وتتدعّم هذه الحركية أكثر مع عودة التونسيين بالخارج إذ تسهم عودتهم في إضفاء حركية ونشاط على هذه المؤسسات، فغالبا ما تكون لديهم عديد الوثائق لاستخراجها.. ليتلخّص الوضع في طوابير في مختلف الإدارات ومواطنين يتنقلون من أروقة الى أخرى لقضاء شأن لا يتطلب في واقع الأمر أكثر من بضع دقائق، خاصة أنه يفترض أن جميع المؤسسات والهياكل تعتمد على الرقمنة ونحن نعيش زمن التطور التكنولوجي الذي غزا جميع المرافق لتسهيل الخدمات على المواطن.. وضعية زادت من حدتها الممارسات التي يتبناها بعض أعوان الاستقبال والموظفين الذين "يتفننون" في جعل المواطن "يفقد أعصابه" جراء سلوكيات وألفاظ يتفوّهون بها. فأن يعتمد كثير منهم عبارة "ارجع غدوة" باشمئزاز وسخط كبيرين فإن ذلك قد أضحى بمثابة العادة المتوارثة التي ألفها السواد الأعظم لكن أن يتطور الى الأمر الى حد التفوّه بعبارات نابية فإن ذلك مرفوض بتاتا ويسيء للإدارة التونسية التي برهنت على مسوؤليتها ومدى صمودها عقب الثورة.

هذه الوضعية التي تجاوزت وفقا لكثيرين كل الخطوط الحمراء تحيلنا الى جملة من الأسئلة: "هل أن أعوان الاستقبال في مختلف المرافق العمومية يفتقرون الى التأطير والتكوين اللازمين في كيفية ممارسة مهامهم وفقا للمعايير المطلوبة؟ أم أن تدني الأجور لهؤلاء الأعوان يدفعهم الى القيام بواجبهم عن مضض؟ في حين يطرح سؤال آخر بشدة: هل أن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الى جانب ضغوطات الحياة وأعبائها تجعل هؤلاء الأعوان يعملون تحت ضغط متواصل؟

تفاعلا مع هذا الطرح يشير الباحث والمختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين في تصريح لـ"الصباح" الى أن عوامل وأسباب عديدة تقف وراء السلوكيات التي يتوخاها بعض الموظفين لا سيما أعوان الاستقبال. وفسر محدثنا في هذا الجانب أن الراتب قد يكون غير مرضي ولا يلبي الحاجيات الأساسية، الأمر الذي من شأنه أن يولد شعورا بالنقص أو "إحساسا بالحقرة" ..

وفي تفسيره لهذه المعضلة أورد عز الدين أن هنالك دراسة أنجزت في فرنسا خلال فترة الثمانينات تولى القيام بها عالم الاجتماع الفرنسي ميشال كروزي تتطرق من خلالها الى أنواع التشغيل في المؤسسات الفرنسية والتي تنقسم الى قسمين: سلطة شكلية وأخرى لا شكلية. وكشفت هذه الدراسة أن السلطة الهرمية تكون وفقا للشهائد المتحصل عليها وتكون العلاقة الشغلية تحكمها التراتيب المهنية كما أن جل المؤسسات التشغيلية تعتمد على السلطتين سالفتي الذكر .

وأضاف محدثنا أنه وفق هذه الدراسة فإنه من الضروري أن يكون هنالك توازن بين السلطة الشكلية واللاشكلية وذلك من خلال التفاوض والتعبير عن مختلف الآراء الأمر الذي من شأنه أن يخلق توازنا بين مختلف السلط.. كما يٌؤشر الى تثمين كل العاملين في المؤسسة وتحفيزهم على العمل إلى جانب تقديرهم لمجهوداتهم.. وبالتالي فإن هذا الطرح لا يعتمد في مؤسساتنا، الأمر الذي يفسر مثل هذه السلوكيات، زد على ذلك أعباء وضغوطات الحياة.

وبالتوازي مع تصريحات المختص في علم الاجتماع جدير بالذكر أن العامل النفسي له دور جوهري أيضا وفي هذا الخصوص قد يتفق علماء النفس أن المواطن في حال كان يشعر بالغبن أو الحيف أثناء ممارسة عمله أو يتعرض الى هرسلة من قبل رئيسه المباشر في العمل فإن الأمر سينعكس سلبا على أدائه الوظيفي من خلال جملة من التصرفات والسلوكيات التي عادة ما تكون كردة فعل على ما يعيشه من ضغوطات.

الحديث عن سٌلوكيّات أعوان الاستقبال يحيلنا الى الخوض في مسألة لا تقل أهمية تتعلق بمؤسسة الموفق الإداري، هذه الآلية التي تعمل على تعزيز مناخ الثقة بين المواطن والإدارة من خلال الارتقاء بجودة الخدمات الإدارية وإصلاح المؤسسات العمومية. ويتم اللجوء الى الموفق الإداري مباشرة دون أي إجراء شكلي خاص. وبوسع كل مواطن الاتصال بمصالح الموفق الإداري دون وساطة وذلك سواء بالحضور بمقرها أو بمراسلتها عبر البريد. كما تعدّ مؤسسة التوفيق مرصدا يستشفّ سلوك الإدارة ويقيّم مدى جودة وفاعليّة خدماتها عبر شكاوى المواطنين وتعمل هيكل التوفيق على إرساء تقاليد تعامل حضاري بين المواطن والإدارة فضلا عن كونها تمثّل سندا له.

من هذا المٌنطلق واستنادا الى الإحصائيات المتوفرة في الموقع الرسمي للموفق الإداري جدير بالذكر أن العدد الجملي للمتصلين -استنادا الى التقرير لسنوي لسنة 2020 - قد بلغ 5722 متصلا مركزيا وجهويا، وذلك سواء عن طريق الزيارات المباشرة أو عن طريق البريد أو عن طريق الهاتف وذلك في حدود 48 % مركزيا و52 % جهويا.. علما أنه تم في سنة 2019 فتح 1697 ملفا منها 1023 على المستوى المركزي بنسبة 65 % و674 ملفا على المستوى الجهوي وذلك بنسبة 35 بالمائة .

وفي هذا الخضم يبقى السؤال الذي يطرح بإلحاح: ماذا بعد التشكيات وفتح الملفات هل من إصلاحات جوهرية ستطال المرفق العمومي حتى يستعيد بريقه وألقه؟

منال حرزي

 

 

 

 

 

أعوان استقبال في الإدارات والمؤسسات .. "عنف" لفظي ونظرة استعلائية.. فمتى يتوقف النزيف؟

تونس-الصباح

أن تكون عون استقبال في إدارة.. في مستشفى، أو أمكتب بريد، أو في مؤسسة من المؤسسات العمومية أو حتى الخاصة فإن مهمتك الأساسية تتمثل في تقديم خدمات للمواطن تتوفر على الأقل على الحد الأدنى المطلوب، وهذا يعني أن تحظى ببعض المواصفات التي تؤهلك لأن تكون عون استقبال.. كأن تكون مثلا، بشوشا وتتقن فن الرد على مختلف استفسارات المواطنين وتشكيّاتهم هذا بالتوازي مع ضرورة أن تكون لبقا ولطيفا في التعامل مع الآخر..

لكن للأسف نقف اليوم في كثير من المؤسسات العمومية كما الخاصة على سٌلوكيات "مشينة" لبعض الأعوان الاستقبال الذين عادة ما يقابلون استفسارات المواطن بعنف لفظي حاد دون التّغافل على النظرة الاستعلائية التي يبديها عديدون.. ونؤكد هنا أن الأمر لا ينسحب على جميع الإدارات والمؤسسات على اعتبار أن هناك بعض الهياكل العمومية، ولئن تظل نسبية وضئيلة للغاية، إلا أنها تمارس عملها في كنف معايير الجودة المطلوبة أساسها الرقي والاحترام في التعامل حتى أنه يخيل للمواطن للحظة أنه ولج بلدا آخر ..

خلال هذه الفترة من كل سنة تكثر الحركية في بعض المؤسسات العمومية لا سيّما بالنسبة للطلبة الجدد أو ممن يرغبون في مواصلة تعليمهم في الخارج وتتدعّم هذه الحركية أكثر مع عودة التونسيين بالخارج إذ تسهم عودتهم في إضفاء حركية ونشاط على هذه المؤسسات، فغالبا ما تكون لديهم عديد الوثائق لاستخراجها.. ليتلخّص الوضع في طوابير في مختلف الإدارات ومواطنين يتنقلون من أروقة الى أخرى لقضاء شأن لا يتطلب في واقع الأمر أكثر من بضع دقائق، خاصة أنه يفترض أن جميع المؤسسات والهياكل تعتمد على الرقمنة ونحن نعيش زمن التطور التكنولوجي الذي غزا جميع المرافق لتسهيل الخدمات على المواطن.. وضعية زادت من حدتها الممارسات التي يتبناها بعض أعوان الاستقبال والموظفين الذين "يتفننون" في جعل المواطن "يفقد أعصابه" جراء سلوكيات وألفاظ يتفوّهون بها. فأن يعتمد كثير منهم عبارة "ارجع غدوة" باشمئزاز وسخط كبيرين فإن ذلك قد أضحى بمثابة العادة المتوارثة التي ألفها السواد الأعظم لكن أن يتطور الى الأمر الى حد التفوّه بعبارات نابية فإن ذلك مرفوض بتاتا ويسيء للإدارة التونسية التي برهنت على مسوؤليتها ومدى صمودها عقب الثورة.

هذه الوضعية التي تجاوزت وفقا لكثيرين كل الخطوط الحمراء تحيلنا الى جملة من الأسئلة: "هل أن أعوان الاستقبال في مختلف المرافق العمومية يفتقرون الى التأطير والتكوين اللازمين في كيفية ممارسة مهامهم وفقا للمعايير المطلوبة؟ أم أن تدني الأجور لهؤلاء الأعوان يدفعهم الى القيام بواجبهم عن مضض؟ في حين يطرح سؤال آخر بشدة: هل أن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الى جانب ضغوطات الحياة وأعبائها تجعل هؤلاء الأعوان يعملون تحت ضغط متواصل؟

تفاعلا مع هذا الطرح يشير الباحث والمختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين في تصريح لـ"الصباح" الى أن عوامل وأسباب عديدة تقف وراء السلوكيات التي يتوخاها بعض الموظفين لا سيما أعوان الاستقبال. وفسر محدثنا في هذا الجانب أن الراتب قد يكون غير مرضي ولا يلبي الحاجيات الأساسية، الأمر الذي من شأنه أن يولد شعورا بالنقص أو "إحساسا بالحقرة" ..

وفي تفسيره لهذه المعضلة أورد عز الدين أن هنالك دراسة أنجزت في فرنسا خلال فترة الثمانينات تولى القيام بها عالم الاجتماع الفرنسي ميشال كروزي تتطرق من خلالها الى أنواع التشغيل في المؤسسات الفرنسية والتي تنقسم الى قسمين: سلطة شكلية وأخرى لا شكلية. وكشفت هذه الدراسة أن السلطة الهرمية تكون وفقا للشهائد المتحصل عليها وتكون العلاقة الشغلية تحكمها التراتيب المهنية كما أن جل المؤسسات التشغيلية تعتمد على السلطتين سالفتي الذكر .

وأضاف محدثنا أنه وفق هذه الدراسة فإنه من الضروري أن يكون هنالك توازن بين السلطة الشكلية واللاشكلية وذلك من خلال التفاوض والتعبير عن مختلف الآراء الأمر الذي من شأنه أن يخلق توازنا بين مختلف السلط.. كما يٌؤشر الى تثمين كل العاملين في المؤسسة وتحفيزهم على العمل إلى جانب تقديرهم لمجهوداتهم.. وبالتالي فإن هذا الطرح لا يعتمد في مؤسساتنا، الأمر الذي يفسر مثل هذه السلوكيات، زد على ذلك أعباء وضغوطات الحياة.

وبالتوازي مع تصريحات المختص في علم الاجتماع جدير بالذكر أن العامل النفسي له دور جوهري أيضا وفي هذا الخصوص قد يتفق علماء النفس أن المواطن في حال كان يشعر بالغبن أو الحيف أثناء ممارسة عمله أو يتعرض الى هرسلة من قبل رئيسه المباشر في العمل فإن الأمر سينعكس سلبا على أدائه الوظيفي من خلال جملة من التصرفات والسلوكيات التي عادة ما تكون كردة فعل على ما يعيشه من ضغوطات.

الحديث عن سٌلوكيّات أعوان الاستقبال يحيلنا الى الخوض في مسألة لا تقل أهمية تتعلق بمؤسسة الموفق الإداري، هذه الآلية التي تعمل على تعزيز مناخ الثقة بين المواطن والإدارة من خلال الارتقاء بجودة الخدمات الإدارية وإصلاح المؤسسات العمومية. ويتم اللجوء الى الموفق الإداري مباشرة دون أي إجراء شكلي خاص. وبوسع كل مواطن الاتصال بمصالح الموفق الإداري دون وساطة وذلك سواء بالحضور بمقرها أو بمراسلتها عبر البريد. كما تعدّ مؤسسة التوفيق مرصدا يستشفّ سلوك الإدارة ويقيّم مدى جودة وفاعليّة خدماتها عبر شكاوى المواطنين وتعمل هيكل التوفيق على إرساء تقاليد تعامل حضاري بين المواطن والإدارة فضلا عن كونها تمثّل سندا له.

من هذا المٌنطلق واستنادا الى الإحصائيات المتوفرة في الموقع الرسمي للموفق الإداري جدير بالذكر أن العدد الجملي للمتصلين -استنادا الى التقرير لسنوي لسنة 2020 - قد بلغ 5722 متصلا مركزيا وجهويا، وذلك سواء عن طريق الزيارات المباشرة أو عن طريق البريد أو عن طريق الهاتف وذلك في حدود 48 % مركزيا و52 % جهويا.. علما أنه تم في سنة 2019 فتح 1697 ملفا منها 1023 على المستوى المركزي بنسبة 65 % و674 ملفا على المستوى الجهوي وذلك بنسبة 35 بالمائة .

وفي هذا الخضم يبقى السؤال الذي يطرح بإلحاح: ماذا بعد التشكيات وفتح الملفات هل من إصلاحات جوهرية ستطال المرفق العمومي حتى يستعيد بريقه وألقه؟

منال حرزي

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews