مع انطلاق فصل الصيف وتفاقم تردي الوضع الصحي بالبلاد بسبب انتشار جائحة "كورونا" شهدت كذلك بلادنا "موجة" كبيرة من عمليات "الحرقة" خاصة خلال شهر جوان الفارط حيث أصبح يتم يوميا إيقاف المئات من "الحارقين" بفضل المجهودات الأمنية المبذولة من قبل وحدات الحرس والأمن في التصدي لهذه الظاهرة.
وحول آخر الإحصائيات التي تم تسجيلها فيما يخص الهجرة غير النظامية أكد رمضان بن عمر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريح لـ"الصباح" بأن 2910 هو عدد المهاجرين غير النظاميين التونسيين الواصلين إلى السواحل الإيطالية منذ بداية السنة الحالية وإلى حدود الشهر الفارط أي بما يمثل نسبة 15% من جملة الواصلين إلى إيطاليا والذين وصل عددهم إلى 19794.
وأضاف بن عمر بأنه منذ بداية شهر جوان الفارط وإلى حدود يوم 28 من نفس الشهر تم إحباط 131 عملية اجتياز ومنع 1716 مجتازا من الوصول إلى السواحل الإيطالية، واحتلت ولاية صفاقس المرتبة الأولى بـ37% من نسبة العمليات المحبطة تليها نابل بـ20% ثم المهدية بـ13% وقد بلغ عدد الواصلين إلى ايطاليا خلال شهر جوان الفارط 930 تونسيا.
وأوضح محدثنا بأنه تم منذ بداية السنة إحباط 434 عملية اجتياز ومنع 7230 مجتازا من الوصول إلى السواحل الإيطالية.
أرقام قياسية
وأكد بأن ظاهرة الهجرة غير النظامية في تصاعد وقد تم تسجيل أرقام قياسية خلال شهر جوان الفارط مقارنة بالسنة الفارطة خاصة على مستوى نسبة إحباط عمليات الهجرة غير النظامية، وأضاف بن عمر بأنه بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية والوضعية السياسية وتفاقم الأزمة الصحية فإن العامل المهم الذي أدى إلى ارتفاع عمليات الهجرة غير النظامية خلال الفترة الحالية هو زمنية الهجرة المتمثل في تحسن العوامل المناخية بشكل كبير مما جعل عمليات الانطلاق نحو الضفة الأخرى من المتوسط تكون بشكل مكثف ويأتي ذلك رغم الأرقام القياسية التي سجلها الحرس الوطني في محاولة التصدي لهذه الظاهرة إلا أن الرغبة في الهجرة تتحدى كل العوامل.
سيناريو مرعب
وأكد بن عمر بأن هذه الموجة من الهجرة غير النظامية يمكن أن تأخذ أبعادا أخرى خلال الفترة القادمة ويمكن أن نسجل أرقاما قياسية على غرار ما سجلناه خلال السنة الفارطة وبالتالي يمكن أن تكون هناك سيناريوهات كبيرة ومرعبة خلال الفترة القادمة.
إيقافات بالجملة
وبالتوازي مع ارتفاع نسق عمليات "الحرقة" تتواصل مجهودات الوحدات الأمنية في التصدي لهذه الظاهرة حيث تمكنت دورية تابعة للمنطقة البحرية بنابل يوم السبت الفارط من نجدة 19 "حارقا" بسواحل معتمدية قربة، كما أنقذت دورية تابعة لمركز الحرس البحري باللواتة 17 آخرين بسواحل جزيرة قرقنة بعد غرق مركبهم، وفي ذات السياق تمكنت دورية تابعة للمنطقة البحرية بالمهدية من إلقاء القبض على ثلاثة أشخاص كانوا يتحصنون بأحد المنازل المهجورة وبحوزتهم أربع حاويات من البنزين ومبلغ من العملة الأوروبية والتونسية استعدادا للمشاركة في عملية "حرقة" وبمزيد التحري معهم تم إلقاء القبض على الوسيط الذي تلقى مبالغ مالية تتراوح بين 3500 وستة آلاف دينار بالنسبة للشخص الواحد.
كما تمكنت خلال الأسبوع الفارط وحدات تابعة للمنطقة البحرية للحرس الوطني بصفاقس من إحباط عملية "حرقة" ونجدة وإنقاذ 23 تونسيا أصيلي ولايات صفاقس وأريانة والقيروان وسوسة بعد أن تعرضت مراكبهم المستغلة في الإبحار إلى الغرق وباستشارة النيابة العمومية أذنت باتخاذ ما يتعين في شأنهم.
كما تمكنت دورية تابعة للمنطقة البحرية بنابل من نجدة 30 "حارقا" أصيلي ولاية المنستير بسواحل مدينة الحمامات، كما أنقذت دورية تابعة لمركز الحرس البحري بالكتف 267 "حارقا" (264 من دولة بنغلاديش وثلاثة مصريين) كانوا بصدد اجتياز الحدود البحرية خلسة انطلاقا من سواحل احدى دول الجوار نحو الفضاء الأوروبي، إلا أن مركبهم تعرض للعطب داخل المياه الإقليمية الوطنية، كما باشرت فرقة الإرشاد البحري بالمنستير قضية عدلية في شأن ثلاثة أشخاص موضوعها "محاولة سرقة مركب بحري والمشاركة في ذلك" قصد تنظيم عملية هجرة غير نظامية وقد أذنت النيابة العمومية بالاحتفاظ بهم.
وفي ذات السياق تمكنت خلال الشهر الماضي وحدات تابعة للمنطقة البحرية للحرس الوطني بصفاقس من إحباط عملية "حرقان" ونجدة وإنقاذ 21 "حارقا" أصيلي القصرين بعد أن تعرض مركبهم للغرق على مستوى سواحل اللواتة وباستشارة النيابة العمومية أذنت باتخاذ الإجراءات القانونية في شأنهم.
كما تمكنت خلال شهر جوان الماضي وحدات تابعة للمناطق البحرية للحرس الوطني بالمنستير والمهدية وجبنيانة وجربة وصفاقس ونابل من إحباط ستة عمليات "حرقة" انطلاقا من سواحل صفاقس والعوابد وطبلبة ومنزل تميم والشابة ونجدة وإنقاذ 61 "حارقا" أصيلي ولايات صفاقس والمنستير ونابل ومنوبة وتونس بعد تعرض المراكب المستغلة في عمليات "الحرقة" للغرق اثر تعمدهم عدم الامتثال والاستعصاء والدخول إلى عرض البحر.
وباستشارة النيابة العمومية أذنت باتخاذ ما يتعين في شأنهم.
باحث في علم الاجتماع لـ"الصباح" : تراخي السلط الإيطالية و"الثقافة الشبابية دعمتا ظاهرة "الحرقة"
لمعرفة أسباب تنامي ظاهرة "الحرقة" في الفترة الحالية اتصلت "الصباح" بالباحث في علم الاجتماع ممدوح عزالدين الذي ذكر بأن القول بأن ظاهرة الهجرة السرية في تقلص أو استقرار أو تصاعد يتطلب وجود معطيات إحصائية موثوقة من مصادر موثوقة، لكن خصوصية ظاهرة "الحرقة" وما يكتنفها من غموض وتكتم لكونها ذات طابع سري، يجعل من عملية رصدها أمرا صعبا ومعقدا، فكل عملية "حرقة" ناجحة هي عمليا غير مرصودة وبالتالي غير موثقة وغير موجودة ما دامت السلط الأمنية التونسية والايطالية لم تتفطن لها ولم تحبطها ولم يتم التعرض إليها في وسائل الإعلام المحلية والعالمية أو شبكات التواصل الاجتماعي.
وبالتالي فان ما تصاعد فعلا في الآونة الأخيرة هو التصاعد الملحوظ لنسبة إحباط محاولات اجتياز الحدود خلسة خلال الفترة الأخيرة.
وأضاف عز الدين بأنه يمكن تفسير تنامي ظاهرة "الحرقة" في الفترة الأخيرة من خلال طرح الفرضيات التالية:
وتتمثل أولا في استغلال ظروف الطقس الحالية "المواتية"
وثانيا تراخي السلطات الايطالية التي أصبحت تستفيد من هذه الظاهرة بما تحصل عليه من دعم مالي من الاتحاد الأوروبي مقابل استقبالها لهؤلاء "الحارقين".
وثالثا التنسيق بين شبكات الجريمة المنظمة في ايطاليا وتونس لتسهيل عمليات التسفير السرية وترويج المخدرات لما لها من عوائد مالية خيالية للطرفين ورابعا الظروف الاقتصادية والاجتماعية والصحية الصعبة والحادة التي تمر بها البلاد واعتبار "الحارقين" للهجرة السرية مشروع خلاص فردي ومشروع حياة.
أما خامسا فوجود نوع من الثقافة الشبابية التي تشجع على "الحرقة" نعثر عليها في بعض أغاني" الراب" أو الأقوال المتداولة من قبيل "كردونة في روما ولا قصر في حومة"
وأكد عز الدين بأنه لا بد من الإشارة إلى أن بلدان الاستقبال في الضفة الشمالية تضخم هذه الظاهرة لاستثمارها سياسيا لاسيما لابتزاز الدول التي تصدر هؤلاء المهاجرين، إذ نلاحظ أن عدد المهاجرين الذين يصلون أوروبا سنويا يتجاوز الأربعة ملايين أغلبهم من أوروبا الشرقية ولا يتم الحديث عنهم في وسائل الإعلام رغم أن أكثرهم غير شرعيين ويتم التركيز على اثني عشر ألف مهاجر تونسي وهو رقم ضئيل بحيث لا تصنف تونس من الدول التي تساهم في الهجرة السرية في القوائم التي يعدها الاتحاد الأوروبي في الغرض كما يجب أن لا ننسى أن من جملة خمسة ملايين سائح يزورون تونس سنويا يظل منهم خمسة آلاف لأسباب شتى ولا تعتبرهم السلطات التونسية مهاجرين غير شرعيين.
وأوضح بأن نظام التأشيرة الانتقائي هو الذي يجعل من مهاجرينا غير شرعيين في حين يسافر المواطن الأوروبي إلى أي مكان في العالم ويظل فيه المدة التي يريدها دون اعتباره مهاجرا غير شرعي.
واعتبر محدثنا بأن الأمر يتعلق بازدواجية المعايير التي تساهم في تأزيم الوضع والحال أننا في عصر العولمة التي تلغي كل أشكال الحدود وتشجع العبور الحر للبضائع والمعلومة والبشر.
وأضاف بأنه يمكن تفسير تنامي ظاهرة "الحرقة" لاسيما في السنوات الماضية بطبيعة التحولات التي يمر بها مجتمعنا، إذ تفككت هياكله التقليدية ولم تعد لديه القدرة على بناء هياكل بديلة وفي المقابل أصبح منفتحا بشكل كبير على محيطه الإقليمي والكوني وتطورت حاجياته وتطلعاته مقابل محدودية الإمكانيات لديه، وفي المقابل تراجع ادوار ووظائف المؤسسة التربوية والصحية والاجتماعية، حيث نلاحظ صعودا للفرد والفردانية، بحيث أصبح الفرد يواجه متطلبات عديدة وفي نفس الوقت تراجع دور المؤسسات التي كانت تساعد وتوجه وكاد ينعدم فوجد الفرد نفسه في مواجهة المجهول وأصبح عاجزا عن مواجهة متطلبات الحياة ويعيش آلاما متواترة ومن هنا يصبح يبحث عن ملاذ توفره الهجرة السرية أو جماعة المدمنين.
وأكد بان المطلوب الآن فعليا لترسيخ مفهوم الوطنية والتعلق بالوطن أن نتحمل جميعا مجتمعا ودولة مسؤولية صياغة مشروع مجتمعي يعيد الاعتبار لقيم العلم والمعرفة والعمل والانتاجية والحس المدني وأن تكون مصلحة الوطن العليا فوق أي مصلحة أخرى.
فاطمة الجلاصي
تونس- الصباح
مع انطلاق فصل الصيف وتفاقم تردي الوضع الصحي بالبلاد بسبب انتشار جائحة "كورونا" شهدت كذلك بلادنا "موجة" كبيرة من عمليات "الحرقة" خاصة خلال شهر جوان الفارط حيث أصبح يتم يوميا إيقاف المئات من "الحارقين" بفضل المجهودات الأمنية المبذولة من قبل وحدات الحرس والأمن في التصدي لهذه الظاهرة.
وحول آخر الإحصائيات التي تم تسجيلها فيما يخص الهجرة غير النظامية أكد رمضان بن عمر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريح لـ"الصباح" بأن 2910 هو عدد المهاجرين غير النظاميين التونسيين الواصلين إلى السواحل الإيطالية منذ بداية السنة الحالية وإلى حدود الشهر الفارط أي بما يمثل نسبة 15% من جملة الواصلين إلى إيطاليا والذين وصل عددهم إلى 19794.
وأضاف بن عمر بأنه منذ بداية شهر جوان الفارط وإلى حدود يوم 28 من نفس الشهر تم إحباط 131 عملية اجتياز ومنع 1716 مجتازا من الوصول إلى السواحل الإيطالية، واحتلت ولاية صفاقس المرتبة الأولى بـ37% من نسبة العمليات المحبطة تليها نابل بـ20% ثم المهدية بـ13% وقد بلغ عدد الواصلين إلى ايطاليا خلال شهر جوان الفارط 930 تونسيا.
وأوضح محدثنا بأنه تم منذ بداية السنة إحباط 434 عملية اجتياز ومنع 7230 مجتازا من الوصول إلى السواحل الإيطالية.
أرقام قياسية
وأكد بأن ظاهرة الهجرة غير النظامية في تصاعد وقد تم تسجيل أرقام قياسية خلال شهر جوان الفارط مقارنة بالسنة الفارطة خاصة على مستوى نسبة إحباط عمليات الهجرة غير النظامية، وأضاف بن عمر بأنه بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية والوضعية السياسية وتفاقم الأزمة الصحية فإن العامل المهم الذي أدى إلى ارتفاع عمليات الهجرة غير النظامية خلال الفترة الحالية هو زمنية الهجرة المتمثل في تحسن العوامل المناخية بشكل كبير مما جعل عمليات الانطلاق نحو الضفة الأخرى من المتوسط تكون بشكل مكثف ويأتي ذلك رغم الأرقام القياسية التي سجلها الحرس الوطني في محاولة التصدي لهذه الظاهرة إلا أن الرغبة في الهجرة تتحدى كل العوامل.
سيناريو مرعب
وأكد بن عمر بأن هذه الموجة من الهجرة غير النظامية يمكن أن تأخذ أبعادا أخرى خلال الفترة القادمة ويمكن أن نسجل أرقاما قياسية على غرار ما سجلناه خلال السنة الفارطة وبالتالي يمكن أن تكون هناك سيناريوهات كبيرة ومرعبة خلال الفترة القادمة.
إيقافات بالجملة
وبالتوازي مع ارتفاع نسق عمليات "الحرقة" تتواصل مجهودات الوحدات الأمنية في التصدي لهذه الظاهرة حيث تمكنت دورية تابعة للمنطقة البحرية بنابل يوم السبت الفارط من نجدة 19 "حارقا" بسواحل معتمدية قربة، كما أنقذت دورية تابعة لمركز الحرس البحري باللواتة 17 آخرين بسواحل جزيرة قرقنة بعد غرق مركبهم، وفي ذات السياق تمكنت دورية تابعة للمنطقة البحرية بالمهدية من إلقاء القبض على ثلاثة أشخاص كانوا يتحصنون بأحد المنازل المهجورة وبحوزتهم أربع حاويات من البنزين ومبلغ من العملة الأوروبية والتونسية استعدادا للمشاركة في عملية "حرقة" وبمزيد التحري معهم تم إلقاء القبض على الوسيط الذي تلقى مبالغ مالية تتراوح بين 3500 وستة آلاف دينار بالنسبة للشخص الواحد.
كما تمكنت خلال الأسبوع الفارط وحدات تابعة للمنطقة البحرية للحرس الوطني بصفاقس من إحباط عملية "حرقة" ونجدة وإنقاذ 23 تونسيا أصيلي ولايات صفاقس وأريانة والقيروان وسوسة بعد أن تعرضت مراكبهم المستغلة في الإبحار إلى الغرق وباستشارة النيابة العمومية أذنت باتخاذ ما يتعين في شأنهم.
كما تمكنت دورية تابعة للمنطقة البحرية بنابل من نجدة 30 "حارقا" أصيلي ولاية المنستير بسواحل مدينة الحمامات، كما أنقذت دورية تابعة لمركز الحرس البحري بالكتف 267 "حارقا" (264 من دولة بنغلاديش وثلاثة مصريين) كانوا بصدد اجتياز الحدود البحرية خلسة انطلاقا من سواحل احدى دول الجوار نحو الفضاء الأوروبي، إلا أن مركبهم تعرض للعطب داخل المياه الإقليمية الوطنية، كما باشرت فرقة الإرشاد البحري بالمنستير قضية عدلية في شأن ثلاثة أشخاص موضوعها "محاولة سرقة مركب بحري والمشاركة في ذلك" قصد تنظيم عملية هجرة غير نظامية وقد أذنت النيابة العمومية بالاحتفاظ بهم.
وفي ذات السياق تمكنت خلال الشهر الماضي وحدات تابعة للمنطقة البحرية للحرس الوطني بصفاقس من إحباط عملية "حرقان" ونجدة وإنقاذ 21 "حارقا" أصيلي القصرين بعد أن تعرض مركبهم للغرق على مستوى سواحل اللواتة وباستشارة النيابة العمومية أذنت باتخاذ الإجراءات القانونية في شأنهم.
كما تمكنت خلال شهر جوان الماضي وحدات تابعة للمناطق البحرية للحرس الوطني بالمنستير والمهدية وجبنيانة وجربة وصفاقس ونابل من إحباط ستة عمليات "حرقة" انطلاقا من سواحل صفاقس والعوابد وطبلبة ومنزل تميم والشابة ونجدة وإنقاذ 61 "حارقا" أصيلي ولايات صفاقس والمنستير ونابل ومنوبة وتونس بعد تعرض المراكب المستغلة في عمليات "الحرقة" للغرق اثر تعمدهم عدم الامتثال والاستعصاء والدخول إلى عرض البحر.
وباستشارة النيابة العمومية أذنت باتخاذ ما يتعين في شأنهم.
باحث في علم الاجتماع لـ"الصباح" : تراخي السلط الإيطالية و"الثقافة الشبابية دعمتا ظاهرة "الحرقة"
لمعرفة أسباب تنامي ظاهرة "الحرقة" في الفترة الحالية اتصلت "الصباح" بالباحث في علم الاجتماع ممدوح عزالدين الذي ذكر بأن القول بأن ظاهرة الهجرة السرية في تقلص أو استقرار أو تصاعد يتطلب وجود معطيات إحصائية موثوقة من مصادر موثوقة، لكن خصوصية ظاهرة "الحرقة" وما يكتنفها من غموض وتكتم لكونها ذات طابع سري، يجعل من عملية رصدها أمرا صعبا ومعقدا، فكل عملية "حرقة" ناجحة هي عمليا غير مرصودة وبالتالي غير موثقة وغير موجودة ما دامت السلط الأمنية التونسية والايطالية لم تتفطن لها ولم تحبطها ولم يتم التعرض إليها في وسائل الإعلام المحلية والعالمية أو شبكات التواصل الاجتماعي.
وبالتالي فان ما تصاعد فعلا في الآونة الأخيرة هو التصاعد الملحوظ لنسبة إحباط محاولات اجتياز الحدود خلسة خلال الفترة الأخيرة.
وأضاف عز الدين بأنه يمكن تفسير تنامي ظاهرة "الحرقة" في الفترة الأخيرة من خلال طرح الفرضيات التالية:
وتتمثل أولا في استغلال ظروف الطقس الحالية "المواتية"
وثانيا تراخي السلطات الايطالية التي أصبحت تستفيد من هذه الظاهرة بما تحصل عليه من دعم مالي من الاتحاد الأوروبي مقابل استقبالها لهؤلاء "الحارقين".
وثالثا التنسيق بين شبكات الجريمة المنظمة في ايطاليا وتونس لتسهيل عمليات التسفير السرية وترويج المخدرات لما لها من عوائد مالية خيالية للطرفين ورابعا الظروف الاقتصادية والاجتماعية والصحية الصعبة والحادة التي تمر بها البلاد واعتبار "الحارقين" للهجرة السرية مشروع خلاص فردي ومشروع حياة.
أما خامسا فوجود نوع من الثقافة الشبابية التي تشجع على "الحرقة" نعثر عليها في بعض أغاني" الراب" أو الأقوال المتداولة من قبيل "كردونة في روما ولا قصر في حومة"
وأكد عز الدين بأنه لا بد من الإشارة إلى أن بلدان الاستقبال في الضفة الشمالية تضخم هذه الظاهرة لاستثمارها سياسيا لاسيما لابتزاز الدول التي تصدر هؤلاء المهاجرين، إذ نلاحظ أن عدد المهاجرين الذين يصلون أوروبا سنويا يتجاوز الأربعة ملايين أغلبهم من أوروبا الشرقية ولا يتم الحديث عنهم في وسائل الإعلام رغم أن أكثرهم غير شرعيين ويتم التركيز على اثني عشر ألف مهاجر تونسي وهو رقم ضئيل بحيث لا تصنف تونس من الدول التي تساهم في الهجرة السرية في القوائم التي يعدها الاتحاد الأوروبي في الغرض كما يجب أن لا ننسى أن من جملة خمسة ملايين سائح يزورون تونس سنويا يظل منهم خمسة آلاف لأسباب شتى ولا تعتبرهم السلطات التونسية مهاجرين غير شرعيين.
وأوضح بأن نظام التأشيرة الانتقائي هو الذي يجعل من مهاجرينا غير شرعيين في حين يسافر المواطن الأوروبي إلى أي مكان في العالم ويظل فيه المدة التي يريدها دون اعتباره مهاجرا غير شرعي.
واعتبر محدثنا بأن الأمر يتعلق بازدواجية المعايير التي تساهم في تأزيم الوضع والحال أننا في عصر العولمة التي تلغي كل أشكال الحدود وتشجع العبور الحر للبضائع والمعلومة والبشر.
وأضاف بأنه يمكن تفسير تنامي ظاهرة "الحرقة" لاسيما في السنوات الماضية بطبيعة التحولات التي يمر بها مجتمعنا، إذ تفككت هياكله التقليدية ولم تعد لديه القدرة على بناء هياكل بديلة وفي المقابل أصبح منفتحا بشكل كبير على محيطه الإقليمي والكوني وتطورت حاجياته وتطلعاته مقابل محدودية الإمكانيات لديه، وفي المقابل تراجع ادوار ووظائف المؤسسة التربوية والصحية والاجتماعية، حيث نلاحظ صعودا للفرد والفردانية، بحيث أصبح الفرد يواجه متطلبات عديدة وفي نفس الوقت تراجع دور المؤسسات التي كانت تساعد وتوجه وكاد ينعدم فوجد الفرد نفسه في مواجهة المجهول وأصبح عاجزا عن مواجهة متطلبات الحياة ويعيش آلاما متواترة ومن هنا يصبح يبحث عن ملاذ توفره الهجرة السرية أو جماعة المدمنين.
وأكد بان المطلوب الآن فعليا لترسيخ مفهوم الوطنية والتعلق بالوطن أن نتحمل جميعا مجتمعا ودولة مسؤولية صياغة مشروع مجتمعي يعيد الاعتبار لقيم العلم والمعرفة والعمل والانتاجية والحس المدني وأن تكون مصلحة الوطن العليا فوق أي مصلحة أخرى.