إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

سناء المشرقي .. رحلة قاصر مع 14 سنة من التهريب قبل أن تنتشلها منظمة العمل الدولية

كنت أعلم أن قوانين حماية الطفولة من الصعب تنفيذها على ارض الواقع وان إمكانيات الدولة لا تخول لها حصر كل الحالات التي تستوجب التدخل. وكنت شاهدة على عمل القصر  أراهم في محطات الميترو الخفيف  يحملون المناديل الورقية ومكعبات الحلوى  التي حرموا منها  ليبيعوها للمارة ويعودوا بثمنها الى بيوتهم.. هم يقفون على ناصية الطرقات لتلميع السيارات بخرق بالية و يخاطرون بركوب آخر عربة  القطار  من الخارج لبلوغ الأمكنة التي سيحطون فيها الرحال بحثا عن لقمة العيش.

كنت اعلم أيضا ان أعدادهم تضاعفت في العشرية الأخيرة وان الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد قد زادت من تفقيرهم وتجويعهم  ولكنني لم اعلم أبدا انها قد تدفع بفتاة في عمر 13 سنة الى الدخول في عالم التهريب الذي اطاح بالجبابرة وقذف بهم الى غياهب السجون او التعرض الى حوادث أودت بحياة البعض منهم..   انا أتساءل كيف لفتاة صغيرة في قرية نائية بولاية جندوبة ان تلتحف الظلام فجرا أو بعد الغروب وتقف عند الحدود التونسية الجزائرية  لتبادل السلع وإدخالها عبر معابر سرية بعيدة عن أعين الحرس الديواني دون خوف او توجس..سناء المشرقي تقول ان" وجع الحاجة يهوّن هذه المخاطر.. ولكنني كنت  طيلة 14 سنة  واقفة على ناصية الحلم وأقاتل.."

تعود بنا صاحبة 27 ربيعا اليوم لتروي حكايتها مع التهريب فتقول: "كنت في وقتها ادرس في السنة السابعة أساسي ولم أتعدى 13 سنة  وكانت قريتي "دوار النشم" التابعة لمعتمدية عين دراهم تشكو العزلة والفقر ويضيق فيها العيش وتنعدم فيها فرص العمل، كل الأفاق كانت مسدودة وبالنسبة لطفلة في سني تعاني الحرمان من ابسط الأشياء كان عليا الجلوس والانتظار، تراودني أحلام الدراسة والغد المشرق.. ويهزني الواقع المرير بشدة ويقض مضجعي.. كنت أهوى المغامرة فقد تمكنت من قيادة جرّار والدي المتهالك في سن 9 سنوات فقط..  واكتشفت بعدها أن لا شيء يقف حاجزا أمام  خوض مغامرة اشد خطورة فدخلت عالم التهريب.. جوبه قراري في البداية  بالرفض من قبل  والدي الذي كان يخشى عليا أهوال الطريق ومفاجأته المرعبة ولكنني تشبثت بموقفي  ورافقت أبناء قريتي المتمرسين في المهنة في الرحلة الغريبة.."

خوف ونجاة من الموت

وتضيف سناء "كانت أسناني تصطك من شدة الخوف وكنت أراقب ما يحدث بانتباه شديد كان علي أن أتعلم كيفية التعامل على الحدود وأن أحفظ الوجوه.. كنا نشتري كل شيء مواد تنظيف والمواد الغذائية والمحروقات وكل لوازم البيت.. كل شيء كان يحدث في توقيت قياسي وبسرعة رهيبة  نتسلم البضاعة ونسلم الأموال للمهربين الجزائرين ونراقب الحدود حتى لا تباغتنا الدوريات ونعود  أدراجنا.. اذكر في أحدى المرات أنني تعرضت للقذف بالحجارة  وكادت احدها أن ترديني قتيلة لولا ألطاف الله..

يعاملونني كرجل

تعود سناء المشرقي بالذاكرة الى بداياتها في عالم التهريب والتي امتدت على 14 سنة كاملة  تقول أنها كانت تحافظ على المواعيد  وتسجل حضورها في كل سفرة  وفي نفس الوقت تواظب على الدراسة فقد تدرجت بكل الأقسام وصولا إلى الرابعة الثانوي حيث عجزت عن الحصول على شهادة الباكالوريا.. فشل لم يثنها على مواصلة تحصيل قوتها وقوت عائلتها  تقول يستغرب البعض من عملي  الى جانب الرجال في التهريب وما قد أتعرض له من مضايقات  ولكنني كنت في مأمن  مع أولاد قريتي  الذين يعاملونني كرجل  فكوني فتاة لم يقف حاجزا أمام إتمام مهامي..

تضيف مبتسمة سنوات الخوف والمخاطرة كانت عائداتها جيدة" تمكنت عبرها من تحسين وضعية  عائلتي وتحصلت على شهادة السياقة سنة 2016 وفي 2019 اشتريت أول سيارة  وأصبحت اذهب بمفردي للحدود واقتني حاجتي وأعود..

العمل في التهريب ترك أثره على شخصيتي  وجعلني أقوى بكثير مما كنت عليه في السابق ولكنني لا أشجع أحدا على سلك طريقه شديدة الوعورة.. سعيدة جدا بوضع حد لهذه التجربة بعد 14 سنة من المخاطرة..

منظمة العمل الدولية غيرت حياتي"

اعترفت سناء  أنها لم تكن متفائلة  بشأن المستقبل  قائلة  ان كل المؤشرات تقول انه لا تغير في الأفق  خاصة مع اشتداد الأزمة الاقتصادية إلا أن "بارقة الأمل ظهرت مع منظمة  العمل الدولية التي تعرفنا عليها عن طريق عمدة القرية  وعلى عرضها المغري فقد مكنتنا من دورة تكوينية في الأنشطة الغابية والمقاولات..  استحسنت الفكرة كثيرا وانخرطت فيها مباشرة  وقد تلقينا تكوينا لمدة 4 أشهر وبعدها مكنتنا المنظمة من شهادة في الاختصاص.. شهادة جعلتني اشعر بامتنان لمنظمة عريقة ساقها القدر لترفع عني وعن شباب المنطقة قسوة الواقع وفسحت لي المجال للعمل في اطار قانوني وفي اختصاص اعرفه جيدا.."

                اسمهان العبيدي

 

سناء المشرقي .. رحلة قاصر مع 14 سنة من التهريب قبل أن تنتشلها منظمة العمل الدولية

كنت أعلم أن قوانين حماية الطفولة من الصعب تنفيذها على ارض الواقع وان إمكانيات الدولة لا تخول لها حصر كل الحالات التي تستوجب التدخل. وكنت شاهدة على عمل القصر  أراهم في محطات الميترو الخفيف  يحملون المناديل الورقية ومكعبات الحلوى  التي حرموا منها  ليبيعوها للمارة ويعودوا بثمنها الى بيوتهم.. هم يقفون على ناصية الطرقات لتلميع السيارات بخرق بالية و يخاطرون بركوب آخر عربة  القطار  من الخارج لبلوغ الأمكنة التي سيحطون فيها الرحال بحثا عن لقمة العيش.

كنت اعلم أيضا ان أعدادهم تضاعفت في العشرية الأخيرة وان الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد قد زادت من تفقيرهم وتجويعهم  ولكنني لم اعلم أبدا انها قد تدفع بفتاة في عمر 13 سنة الى الدخول في عالم التهريب الذي اطاح بالجبابرة وقذف بهم الى غياهب السجون او التعرض الى حوادث أودت بحياة البعض منهم..   انا أتساءل كيف لفتاة صغيرة في قرية نائية بولاية جندوبة ان تلتحف الظلام فجرا أو بعد الغروب وتقف عند الحدود التونسية الجزائرية  لتبادل السلع وإدخالها عبر معابر سرية بعيدة عن أعين الحرس الديواني دون خوف او توجس..سناء المشرقي تقول ان" وجع الحاجة يهوّن هذه المخاطر.. ولكنني كنت  طيلة 14 سنة  واقفة على ناصية الحلم وأقاتل.."

تعود بنا صاحبة 27 ربيعا اليوم لتروي حكايتها مع التهريب فتقول: "كنت في وقتها ادرس في السنة السابعة أساسي ولم أتعدى 13 سنة  وكانت قريتي "دوار النشم" التابعة لمعتمدية عين دراهم تشكو العزلة والفقر ويضيق فيها العيش وتنعدم فيها فرص العمل، كل الأفاق كانت مسدودة وبالنسبة لطفلة في سني تعاني الحرمان من ابسط الأشياء كان عليا الجلوس والانتظار، تراودني أحلام الدراسة والغد المشرق.. ويهزني الواقع المرير بشدة ويقض مضجعي.. كنت أهوى المغامرة فقد تمكنت من قيادة جرّار والدي المتهالك في سن 9 سنوات فقط..  واكتشفت بعدها أن لا شيء يقف حاجزا أمام  خوض مغامرة اشد خطورة فدخلت عالم التهريب.. جوبه قراري في البداية  بالرفض من قبل  والدي الذي كان يخشى عليا أهوال الطريق ومفاجأته المرعبة ولكنني تشبثت بموقفي  ورافقت أبناء قريتي المتمرسين في المهنة في الرحلة الغريبة.."

خوف ونجاة من الموت

وتضيف سناء "كانت أسناني تصطك من شدة الخوف وكنت أراقب ما يحدث بانتباه شديد كان علي أن أتعلم كيفية التعامل على الحدود وأن أحفظ الوجوه.. كنا نشتري كل شيء مواد تنظيف والمواد الغذائية والمحروقات وكل لوازم البيت.. كل شيء كان يحدث في توقيت قياسي وبسرعة رهيبة  نتسلم البضاعة ونسلم الأموال للمهربين الجزائرين ونراقب الحدود حتى لا تباغتنا الدوريات ونعود  أدراجنا.. اذكر في أحدى المرات أنني تعرضت للقذف بالحجارة  وكادت احدها أن ترديني قتيلة لولا ألطاف الله..

يعاملونني كرجل

تعود سناء المشرقي بالذاكرة الى بداياتها في عالم التهريب والتي امتدت على 14 سنة كاملة  تقول أنها كانت تحافظ على المواعيد  وتسجل حضورها في كل سفرة  وفي نفس الوقت تواظب على الدراسة فقد تدرجت بكل الأقسام وصولا إلى الرابعة الثانوي حيث عجزت عن الحصول على شهادة الباكالوريا.. فشل لم يثنها على مواصلة تحصيل قوتها وقوت عائلتها  تقول يستغرب البعض من عملي  الى جانب الرجال في التهريب وما قد أتعرض له من مضايقات  ولكنني كنت في مأمن  مع أولاد قريتي  الذين يعاملونني كرجل  فكوني فتاة لم يقف حاجزا أمام إتمام مهامي..

تضيف مبتسمة سنوات الخوف والمخاطرة كانت عائداتها جيدة" تمكنت عبرها من تحسين وضعية  عائلتي وتحصلت على شهادة السياقة سنة 2016 وفي 2019 اشتريت أول سيارة  وأصبحت اذهب بمفردي للحدود واقتني حاجتي وأعود..

العمل في التهريب ترك أثره على شخصيتي  وجعلني أقوى بكثير مما كنت عليه في السابق ولكنني لا أشجع أحدا على سلك طريقه شديدة الوعورة.. سعيدة جدا بوضع حد لهذه التجربة بعد 14 سنة من المخاطرة..

منظمة العمل الدولية غيرت حياتي"

اعترفت سناء  أنها لم تكن متفائلة  بشأن المستقبل  قائلة  ان كل المؤشرات تقول انه لا تغير في الأفق  خاصة مع اشتداد الأزمة الاقتصادية إلا أن "بارقة الأمل ظهرت مع منظمة  العمل الدولية التي تعرفنا عليها عن طريق عمدة القرية  وعلى عرضها المغري فقد مكنتنا من دورة تكوينية في الأنشطة الغابية والمقاولات..  استحسنت الفكرة كثيرا وانخرطت فيها مباشرة  وقد تلقينا تكوينا لمدة 4 أشهر وبعدها مكنتنا المنظمة من شهادة في الاختصاص.. شهادة جعلتني اشعر بامتنان لمنظمة عريقة ساقها القدر لترفع عني وعن شباب المنطقة قسوة الواقع وفسحت لي المجال للعمل في اطار قانوني وفي اختصاص اعرفه جيدا.."

                اسمهان العبيدي

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews