إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ضحاياها من مختلف الفئات والأعمار.. الجريمة تنهي حياة 1133 شخصا خلال سنتين..والشارع أصبح "مسرحا" للقتل والتنكيل

*ارتفاع نسق الجريمة منذ 2015

*عقوبات تصل الاعدام والفصل 204 هو الرادع

*تشفٍّ وتنكيل يطال الضحايا

*التعويضات تلاحق المتهمين بالقتل ولا ينقذهم غير حكم البراءة

تونس-الصباح

1133 قضية قتل بت فيها القضاء خلال السنتين القضائيتين 2018-2019 و2019-2020 حيث تم البت في 571 قضية قتل خلال السنة القضائية 2018-2019 و562 قضية خلال السنة القضائية 2019-2020)..1133 قضية قتل ما يعني 1133 شخصا أزهقت أرواحهم جراء جرائم تطال المسنين والأطفال والشباب من كل الشرائح العمرية وترتكب في المنازل والطريق العام والمقاهي وغيرها..وقتلة يتفننون في التنكيل بضحاياهم وتشير المؤشرات والارقام الى ان منسوب الجريمة في ارتفاع حيث تم البت في 309 قضية قتل خلال السنة القضائية 2014-2015 كما تم البت في 242 قضية خلال السنة القضائية 2013-2014 و202 قضية خلال السنة القضائية 2012-2013 و189 قضية خلال السنة القضائية 2011-2012 و125 قضية خلال السنة القضائية 2010-.2011

وآخر هذه الجرائم ثلاث جرائم دفعة واحدة الأولى جدت الأحد الماضي بجهة سيدي بوزيد وراحت ضحيتها امرأة شابة سدد لها صديق العائلة طعنات أنهت حياتها وهي حامل في شهرها الثامن وتركت اربعة اطفال وجريمة ثانية استهدفت الطفولة حيث عمد خمسة افراد من عائلة واحدة الى خنق مولود ورميه بحديقة مستشفى بصفاقس للتخلص من الفضيحة لأن المولود ولد من علاقة خارج اطار الزواج وجريمة ثالثة جدت بجهة الكاف ذهبت ضحيتها امرأة مسنة حيث عمد لصين دخلا عليها المنزل الى خنقها حتى فارقت الحياة.

كما شهدت مدينة تاجروين من ولاية الكاف حادثة أليمة حيث تعرضت امرأة وهي أم لطفل يبلغ من العمر 9 سنوات يوم 14 فيفري الجاري الى محاولة قتل حرقا حيث سكب عليها زوجها البنزين وأضرم فيها النار ما تسبب لها في حروق من الدرجة الثالثة بوجهها وجسدها.

هذه الجرائم الفظيعة سبقتها جرائم اخرى لا تقل عنها بشاعة حيث  شهد حي المنشية بمدينة القيروان جريمة قتل راح ضحيتها شاب يبلغ  من العمر 27 سنة، بعد أن تلقى طعنات قاتلة بسكين على مستوى قلبه بسبب شجار نشب بينه وبين شاب آخر.

كما أقدم شخص اربعيني على قتل والده بعد أن سدد له ضربات قاتلة بواسطة ساطور  بمحل سكنى العائلة بجهة تستور.

رفقة الشارني، رحمة لحمر، الخياطة هيفاء، والطفلين ياسين وربيع كلهم ضحايا جرائم قتل صادمة هزت الرأي العام  ولازالت تفاصيلها عالقة في الذاكرة بسبب ما رافقها من عدوانية وتشفٍّ في الضحية..جرائم صادمة يعيش على وقعها مجتمعنا يوميا وتعكس حالة من العنف والتوحش وتفشي الجريمة التي باتت تهدد المواطن حيثما حل.

مؤشر الجريمة..

صنّف مؤشر "نامبيو" العالمي للجريمة تونس في المركز 65 دوليًا لسنة 2019 من بين 118 دولة حول العالم، وأشار التقرير إلى أن تونس سجلت أدنى مستويات للجريمة على المستوى العالمي والعربي  والمغاربي والإفريقي، فيما حلت مدينة تونس العاصمة في المركز 187 عالميًا، ضمن التقرير الذي يشمل 319 مدينة عبر العالم.

وحصلت تونس على تقييم 42.29 نقطة في مؤشر الجريمة، و57.96 نقطة ضمن مؤشر السلامة الأمنية.

وعلى المستوى المغاربي، حلّت تونس في المركز الرابع مغاربيًا وجاءت ليبيا في المركز الأول مغاربيًا والمركز 22 عالميًا ضمن المؤشر، في حين حلت مدينة طرابلس في المركز 47 عالميًا، كأكثر المدن التي تشهد مستويات عالية للجريمة.

وأشار التقرير بأن مستوى الجريمة في تونس متوسط بنسبة 40.40 نقطة، كما سجل نسبة ارتفاع عالية للجريمة في السنوات الثلاث الماضية (2018-2017-2016) بــ66.52 نقطة وأن نسبة السطو على المنازل وسرقة الأغراض منها كانت متوسطة بـــ40.30 نقطة، وبلغت نسبة المخاوف من السلب والسرقة لدى التونسيين 47.39 نقطة وهي متوسطة أما نسبة سرقة السيارات فكانت منخفضة بـــ37.07 نقطة،ونسبة سرقة الأغراض من السيارات فقد بلغت 44.96 نقطة وهي متوسطة أما المخاوف من الهجومات فقد كانت منخفضة بنسبة 35.18 نقطة ونسبة المخاوف من الإهانات كانت منخفضة بـــ39.13 نقطة.

العقوبات..

خص المشرع التونسي جرائم قتل النفس بمختلف انواعها بعدة فصول وحدد عقوبات سالبة للحرية واخرى تصل الإعدام وقد أورد المشرع جريمة القتل ضمن الكتاب الثاني "في جرائم مختلفة والعقوبات المستوجبة لها" من المجلة الجزائية ويمكن تعريف القتل بـ"انه اعتداء شخص على حياة شخص آخر أدى إلى وفاته" ولقد عرف فقهاء الإسلام بـ"انه فعل من العباد تزول به الحياة" وهناك صنفين من الجرائم تم التعرض لها في المجلة الجزائية التونسية وهما القتل العمد والقتل غير العمد.

وقد تصل العقوبات في جرائم القتل الى الاعدام حيث ينص الفصل 204 من المجلة الجنائية على أنه "يعاقب قاتل النفس عمدا بالإعدام إذا كان وقوع قتل النفس إثر ارتكابه جريمة أخرى أو كان مصاحبا لها أو كانت إثره وكانت تلك الجريمة موجبة للعقاب بالسجن أو كان القصد من قتل النفس الاستعداد لإيقاع تلك الجريمة أو تسهيل إيقاعها أو للتوصل لفرار أو لعدم عقاب فاعليها أو مشاركيهم".

وينص الفصل 201 من القانون الجزائي على أنه "يعاقب بالقتل الإنسان الذي يرتكب عمدا مع سابقية القصد قتل نفس بأي وسيلة كانت" وينص الفصل 203 على أن قتل القريب يعاقب مرتكبه بالقتل والمقصود بقتل القريب هو قتل الوالد أو الوالدة أو غيرهما ممن هو فوقهما من الوالدين.

ويعاقب مرتكب قتل النفس عمدا بالسجن بقية العمر في غير الصور المقررة بالفصول المتقدمة طبق ما ينص عليه الفصل 205 من المجلة الجزائية.

ويعاقب بالسجن مدة عشرين عاما مرتكب الضرب أو الجرح الواقع عمدا بدون قصد القتل ، والذي نتج عنه الموت ويرفع العقاب إلى السجن بقية العمر في صورة سبق النية بالضرب والجـرح.

ويعاقب بالسجن بقية العمر الوالد الذي يتعمد قتل ولده طبق الفصل 210 (نقح بالقانون عدد 23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989)

وتعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام الأم القاتلة لمولودها بمجرد ولادته أو إثر ولادته ويستوجب السجن مدة ثلاثة أعوام وخطية قدرها مائتا دينار من يعرض مباشرة أو بواسطة أو يترك مباشرة أو بواسطة بقصد الإهمال في مكان آهل بالناس طفلا لا طاقة له على حفظ نفسه أو عاجزا.

ويكون العقاب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها مائتا دينار إذا كان المجرم أحد الوالدين أو من له سلطة على الطفل أو العاجز أو مؤتمنا على حراسته ويضاعف العقاب في الصورتين السابقتين إذا حصل التعريض أو الترك في مكان غير آهل بالناس.

التعويضات المادية..

لا يدفع القتيل وحده ثمن جرائم القتل بل تخلف كل جريمة أرامل وثكالى وأبناء وآباء يواجهون صعوبات الحياة وقد كفل المشرع لهم حقهم في التعويضات عن الضررين المعنوي والمادي حيث أن كل جريمة تترتب عنها دعوة عمومية الهدف منها تسليط العقوبات على المتهم وإذا ترتّب عن الجريمة ضرر شخصي لأحد الأفراد سواء كان ضررا بدنيا او ماديا او معنويا فانه بإمكان المتضرر ان يطلب من المحكمة المتعهدة بالقضية ان تحكم على المتهم الى جانب العقوبات الجزائية (السجن أو الخطية) بغرامات مالية تكون بمثابة تعويض عن الضرر الذي ترتب مباشرة عن الجريمة هذا إذا اختار االمتضرّر طلب التعويض من المحكمة الجزائية وفي هذا الإطار إذا صدر حكم بالبراءة فان دعوى التعويض لا يقع الالتفات إليها ويقع التخلي عنها في غياب حكم بالإدانة وفق ما أوضحه مصدر حقوقي لـ"الصباح" مضيفا أن مجلة الإجراءات الجزائية تركت الخيار للمتضرر بطلب التعويض أمام المحكمة المدنية بشرط انتظار حكم بات في الدعوى الجزائية مما يبين انه سواء قام المتضرر بالحق الشخصي أمام المحكمة الجزائية أو اتجه الى المحكمة المدنية فانه يهدف في كلتا الحالتين إلى طلب التعويض عن الخطأ الجزائي الذي تسبب فيه المتهم المرتكب للجريمة وهذا التعويض يخول لصاحبه أن يلجأ الى طرق التنفيذ المدنية في صورة عدم قيام المحكوم ضده إراديا بخلاص الغرامات ويمكن للمتضرر أن يتصل بعدل التنفيذ ويسلمه نسخة من الحكم الذي لم يعد قابلا للطعن بأي طريقة من طرق الطعن (استئناف- تعقيب) لتنطلق اجراءات التنفيذ على مكاسب المحكوم عليه وحتى ضد ورثته في صورة وفاته وذلك بعقلة المكاسب (منقولات أو عقارات) لاستخلاص مبالغ التعويض المحكوم بها ويطرح إشكالا في صورة عدم حيازة المحكوم عليه لأي أملاك.

الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين لـ"الصباح" :الجريمة اتخذت شكلا استعراضيا ورغم أن نسقها في تصاعد فلا يمكن تهويلها ولا تهوينها

إن ارتفاع منسوب الجريمة يعد مؤشرا عاديا في كل المجتمعات وذلك تماشيا مع النمو الديمغرافي وفق قراءة الباحث في علم الإجتماع ممدوح عز الدين الذي أوضح في تصريح لـ"الصباح" أن تونس لا تحتل المراتب الأولى ولا المراتب الأخيرة حيث احتلت المرتبة 65 عالميا وهي مرتبة متوسطة وبالتالي لا يمكن التهويل ولا التهوين ولا يمكن القول إن الامن العام بات مهددا على الرغم من أن وتيرة الجريمة في تصاعد منذ الثورة الى اليوم.

وأوضح محدثنا أنه على مستوى الكم هناك نوعا من الجرائم لم نكن نراها من قبل كالجرائم التي يرتكبها الأطفال الذين كانوا ضحايا الجريمة ليتحولوا الى فاعلين ومرتكبين لها.

وتشير بعض الارقام الى أن 85 بالمائة من العنف في المدارس يرتكبه أطفال تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة.

وبرزت ظاهرة أخرى لم تكن متفشية في مجتمعنا وهي ظاهرة تأنيث الجريمة حيث كنا في وقت سابق نجد أن عشر الجرائم فقط يرتكبها نساء ولكن النسبة ارتفعت اليوم حيث أصبحت مشاركة المرأة في الجريمة مشاركة قوية وحضورها رئيسي وباتت تقود العصابات وتهرب المخدرات وتقتل وتسرق وتعنف.

كذلك كبار السن دخلوا عالم الجريمة حيث شملتهم عدة قضايا خاصة القضايا ذات الصبغة الأخلاقية وقضايا المخدرات.

وأوضح الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين أن ظاهرة الجريمة انتشرت في الأرياف التي كنا في السابق قلما نسمع عن جريمة جدت في ريف ما ولكن اليوم باتت الجرائم ترتكب فيها بوحشية وأخذت نسقا تصاعديا.

ولاحظ أن الجريمة أصبحت أكثر دموية وعدوانية وفيها الكثير من العنف والتشفي والنزعة الانتقامية.

كما أن الجريمة باتت دون تاريخ ولا ذاكرة حيث كانت في السابق ترتكب من أجل رد الاعتبار أو الشرف أو غيرها من الدوافع القوية ولكنها اليوم باتت حينية وقد تزهق روحا من أجل سبب تافه وقد أصبحت المسافة بين التفكير في الجريمة وتنفيذها قصير جدا.

وهذا يدل على ضعف الدولة واستسهال الجريمة وغياب الخوف من العقاب  وأصبحت الجريمة ترتكب في مشهد استعراضي حتى عمليات الانتحار باتت تأخذ شكلا فرجويا ويعمد المنتحر الى سكب البنزين على جسده وحرق نفسه أمام جموع المتفرجين في حين كان الشخص الذي يفكر في الانتحار يكتب رسالة وداع  في سرية تامة ثم يتم العثور عليه مفارقا للحياة في مكان بعيد عن الأنظار.

وأوضح ممدوح عز الدين أن اليوم سادت الثقافة المشهدية الاستهلاكية وبات حضورها دائما على مواقع التواصل الاجتماعي واتخذت طابعا فضائحيا وأصبح الفعل الإجرامي يكتسي طابعا مسرحيا وبات رد فعل الجمهور سلبي فإما يكتفي بالفرجة أو التصوير في مشاهد تعكس عدم اللامبالاة والتعامل غير المسؤول والسلبية في التعامل مع الجريمة وهو ما شجع مرتكبها على التمادي والاستعراض.

الأسباب..

بين الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين أن هناك أسباب مؤسسية تتمثل في تراجع التنشئة الاجتماعية وهناك تفكك اسري وفي بعض الاحيان نجد العائلات تشجع أبناءها على الجريمة كبيع الخمر والمخدرات والهجرة غير النظامية.

ما ساهم في ارتفاع نسب الجرائم العائلية فنجد الزوج يقتل زوجته والزوجة التي تجهز على زوجها والابن الذي يقتل والديه وغيرها من الجرائم العائلية التي تعكس حالة الانفلات في الجريمة حيث باتت العائلة بؤرة لإنتاج الجريمة.

كما أن المؤسسة التربوية اصبحت مسرحا للجريمة وبات المربي مهددا من قبل التلميذ الذي استباح في بعض الاحيان حرمة المؤسسة وتحول المربي الى ضحية كما شهدت المؤسسات التربوية أنواعا كثيرة من الجرائم كالعنف اللفظي والمادي ومحاولة القتل والتحرش وغيرها وكشفت بعض الارقام ان هناك 17000 حالة عنف داخل الفضاء المدرسي لتتحول بذلك المدرسة من فضاء تربوي الى فضاء لإنتاج العنف.

ومن بين الاسباب التي دفعت الى تنامي الجريمة وفق قراءة الباحث ممدوح عز الدين الخطاب الاعلامي الذي تراجع عن دوره التربوي وركز على كل ما له إثارة فأصبحت البرامج الاجتماعية تروج للجريمة وتعيد تجسيدها بكل تفاصيلها لجلب اكبر عدد من المشاهدين كذلك العنف الذي يمارسه الحضور من السياسيين..

كما تفشت ظاهرة غريبة تتمثل في تثمين المجرم الذي أصبح "بطلا" في بعض الاحياء الشعبية ويتم تمجيدهم من خلال أغاني "الراب"، واصبح كل مارق عن الاخلاق يمثل قدوة.

كذلك النزعة الفردانية باعتبار أن المؤسسات تخلت عن دورها في الحماية والإدماج حيث اصبح الانسان يجد نفسه غير محمي اجتماعيا وغير قادر على العمل وتكوين أسرة ويعاني من عطالة بيوغرافية ولا يوجد لديه هدف في الحياة ولا شيء يعيش لأجله ويبني عليه ذلك ما يبعث فيه الشعور بـ"الحقرة" فيتحول الى مجرم.

 

مفيدة القيزاني

ضحاياها من مختلف الفئات والأعمار.. الجريمة تنهي حياة 1133 شخصا خلال سنتين..والشارع أصبح "مسرحا" للقتل والتنكيل

*ارتفاع نسق الجريمة منذ 2015

*عقوبات تصل الاعدام والفصل 204 هو الرادع

*تشفٍّ وتنكيل يطال الضحايا

*التعويضات تلاحق المتهمين بالقتل ولا ينقذهم غير حكم البراءة

تونس-الصباح

1133 قضية قتل بت فيها القضاء خلال السنتين القضائيتين 2018-2019 و2019-2020 حيث تم البت في 571 قضية قتل خلال السنة القضائية 2018-2019 و562 قضية خلال السنة القضائية 2019-2020)..1133 قضية قتل ما يعني 1133 شخصا أزهقت أرواحهم جراء جرائم تطال المسنين والأطفال والشباب من كل الشرائح العمرية وترتكب في المنازل والطريق العام والمقاهي وغيرها..وقتلة يتفننون في التنكيل بضحاياهم وتشير المؤشرات والارقام الى ان منسوب الجريمة في ارتفاع حيث تم البت في 309 قضية قتل خلال السنة القضائية 2014-2015 كما تم البت في 242 قضية خلال السنة القضائية 2013-2014 و202 قضية خلال السنة القضائية 2012-2013 و189 قضية خلال السنة القضائية 2011-2012 و125 قضية خلال السنة القضائية 2010-.2011

وآخر هذه الجرائم ثلاث جرائم دفعة واحدة الأولى جدت الأحد الماضي بجهة سيدي بوزيد وراحت ضحيتها امرأة شابة سدد لها صديق العائلة طعنات أنهت حياتها وهي حامل في شهرها الثامن وتركت اربعة اطفال وجريمة ثانية استهدفت الطفولة حيث عمد خمسة افراد من عائلة واحدة الى خنق مولود ورميه بحديقة مستشفى بصفاقس للتخلص من الفضيحة لأن المولود ولد من علاقة خارج اطار الزواج وجريمة ثالثة جدت بجهة الكاف ذهبت ضحيتها امرأة مسنة حيث عمد لصين دخلا عليها المنزل الى خنقها حتى فارقت الحياة.

كما شهدت مدينة تاجروين من ولاية الكاف حادثة أليمة حيث تعرضت امرأة وهي أم لطفل يبلغ من العمر 9 سنوات يوم 14 فيفري الجاري الى محاولة قتل حرقا حيث سكب عليها زوجها البنزين وأضرم فيها النار ما تسبب لها في حروق من الدرجة الثالثة بوجهها وجسدها.

هذه الجرائم الفظيعة سبقتها جرائم اخرى لا تقل عنها بشاعة حيث  شهد حي المنشية بمدينة القيروان جريمة قتل راح ضحيتها شاب يبلغ  من العمر 27 سنة، بعد أن تلقى طعنات قاتلة بسكين على مستوى قلبه بسبب شجار نشب بينه وبين شاب آخر.

كما أقدم شخص اربعيني على قتل والده بعد أن سدد له ضربات قاتلة بواسطة ساطور  بمحل سكنى العائلة بجهة تستور.

رفقة الشارني، رحمة لحمر، الخياطة هيفاء، والطفلين ياسين وربيع كلهم ضحايا جرائم قتل صادمة هزت الرأي العام  ولازالت تفاصيلها عالقة في الذاكرة بسبب ما رافقها من عدوانية وتشفٍّ في الضحية..جرائم صادمة يعيش على وقعها مجتمعنا يوميا وتعكس حالة من العنف والتوحش وتفشي الجريمة التي باتت تهدد المواطن حيثما حل.

مؤشر الجريمة..

صنّف مؤشر "نامبيو" العالمي للجريمة تونس في المركز 65 دوليًا لسنة 2019 من بين 118 دولة حول العالم، وأشار التقرير إلى أن تونس سجلت أدنى مستويات للجريمة على المستوى العالمي والعربي  والمغاربي والإفريقي، فيما حلت مدينة تونس العاصمة في المركز 187 عالميًا، ضمن التقرير الذي يشمل 319 مدينة عبر العالم.

وحصلت تونس على تقييم 42.29 نقطة في مؤشر الجريمة، و57.96 نقطة ضمن مؤشر السلامة الأمنية.

وعلى المستوى المغاربي، حلّت تونس في المركز الرابع مغاربيًا وجاءت ليبيا في المركز الأول مغاربيًا والمركز 22 عالميًا ضمن المؤشر، في حين حلت مدينة طرابلس في المركز 47 عالميًا، كأكثر المدن التي تشهد مستويات عالية للجريمة.

وأشار التقرير بأن مستوى الجريمة في تونس متوسط بنسبة 40.40 نقطة، كما سجل نسبة ارتفاع عالية للجريمة في السنوات الثلاث الماضية (2018-2017-2016) بــ66.52 نقطة وأن نسبة السطو على المنازل وسرقة الأغراض منها كانت متوسطة بـــ40.30 نقطة، وبلغت نسبة المخاوف من السلب والسرقة لدى التونسيين 47.39 نقطة وهي متوسطة أما نسبة سرقة السيارات فكانت منخفضة بـــ37.07 نقطة،ونسبة سرقة الأغراض من السيارات فقد بلغت 44.96 نقطة وهي متوسطة أما المخاوف من الهجومات فقد كانت منخفضة بنسبة 35.18 نقطة ونسبة المخاوف من الإهانات كانت منخفضة بـــ39.13 نقطة.

العقوبات..

خص المشرع التونسي جرائم قتل النفس بمختلف انواعها بعدة فصول وحدد عقوبات سالبة للحرية واخرى تصل الإعدام وقد أورد المشرع جريمة القتل ضمن الكتاب الثاني "في جرائم مختلفة والعقوبات المستوجبة لها" من المجلة الجزائية ويمكن تعريف القتل بـ"انه اعتداء شخص على حياة شخص آخر أدى إلى وفاته" ولقد عرف فقهاء الإسلام بـ"انه فعل من العباد تزول به الحياة" وهناك صنفين من الجرائم تم التعرض لها في المجلة الجزائية التونسية وهما القتل العمد والقتل غير العمد.

وقد تصل العقوبات في جرائم القتل الى الاعدام حيث ينص الفصل 204 من المجلة الجنائية على أنه "يعاقب قاتل النفس عمدا بالإعدام إذا كان وقوع قتل النفس إثر ارتكابه جريمة أخرى أو كان مصاحبا لها أو كانت إثره وكانت تلك الجريمة موجبة للعقاب بالسجن أو كان القصد من قتل النفس الاستعداد لإيقاع تلك الجريمة أو تسهيل إيقاعها أو للتوصل لفرار أو لعدم عقاب فاعليها أو مشاركيهم".

وينص الفصل 201 من القانون الجزائي على أنه "يعاقب بالقتل الإنسان الذي يرتكب عمدا مع سابقية القصد قتل نفس بأي وسيلة كانت" وينص الفصل 203 على أن قتل القريب يعاقب مرتكبه بالقتل والمقصود بقتل القريب هو قتل الوالد أو الوالدة أو غيرهما ممن هو فوقهما من الوالدين.

ويعاقب مرتكب قتل النفس عمدا بالسجن بقية العمر في غير الصور المقررة بالفصول المتقدمة طبق ما ينص عليه الفصل 205 من المجلة الجزائية.

ويعاقب بالسجن مدة عشرين عاما مرتكب الضرب أو الجرح الواقع عمدا بدون قصد القتل ، والذي نتج عنه الموت ويرفع العقاب إلى السجن بقية العمر في صورة سبق النية بالضرب والجـرح.

ويعاقب بالسجن بقية العمر الوالد الذي يتعمد قتل ولده طبق الفصل 210 (نقح بالقانون عدد 23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989)

وتعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام الأم القاتلة لمولودها بمجرد ولادته أو إثر ولادته ويستوجب السجن مدة ثلاثة أعوام وخطية قدرها مائتا دينار من يعرض مباشرة أو بواسطة أو يترك مباشرة أو بواسطة بقصد الإهمال في مكان آهل بالناس طفلا لا طاقة له على حفظ نفسه أو عاجزا.

ويكون العقاب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها مائتا دينار إذا كان المجرم أحد الوالدين أو من له سلطة على الطفل أو العاجز أو مؤتمنا على حراسته ويضاعف العقاب في الصورتين السابقتين إذا حصل التعريض أو الترك في مكان غير آهل بالناس.

التعويضات المادية..

لا يدفع القتيل وحده ثمن جرائم القتل بل تخلف كل جريمة أرامل وثكالى وأبناء وآباء يواجهون صعوبات الحياة وقد كفل المشرع لهم حقهم في التعويضات عن الضررين المعنوي والمادي حيث أن كل جريمة تترتب عنها دعوة عمومية الهدف منها تسليط العقوبات على المتهم وإذا ترتّب عن الجريمة ضرر شخصي لأحد الأفراد سواء كان ضررا بدنيا او ماديا او معنويا فانه بإمكان المتضرر ان يطلب من المحكمة المتعهدة بالقضية ان تحكم على المتهم الى جانب العقوبات الجزائية (السجن أو الخطية) بغرامات مالية تكون بمثابة تعويض عن الضرر الذي ترتب مباشرة عن الجريمة هذا إذا اختار االمتضرّر طلب التعويض من المحكمة الجزائية وفي هذا الإطار إذا صدر حكم بالبراءة فان دعوى التعويض لا يقع الالتفات إليها ويقع التخلي عنها في غياب حكم بالإدانة وفق ما أوضحه مصدر حقوقي لـ"الصباح" مضيفا أن مجلة الإجراءات الجزائية تركت الخيار للمتضرر بطلب التعويض أمام المحكمة المدنية بشرط انتظار حكم بات في الدعوى الجزائية مما يبين انه سواء قام المتضرر بالحق الشخصي أمام المحكمة الجزائية أو اتجه الى المحكمة المدنية فانه يهدف في كلتا الحالتين إلى طلب التعويض عن الخطأ الجزائي الذي تسبب فيه المتهم المرتكب للجريمة وهذا التعويض يخول لصاحبه أن يلجأ الى طرق التنفيذ المدنية في صورة عدم قيام المحكوم ضده إراديا بخلاص الغرامات ويمكن للمتضرر أن يتصل بعدل التنفيذ ويسلمه نسخة من الحكم الذي لم يعد قابلا للطعن بأي طريقة من طرق الطعن (استئناف- تعقيب) لتنطلق اجراءات التنفيذ على مكاسب المحكوم عليه وحتى ضد ورثته في صورة وفاته وذلك بعقلة المكاسب (منقولات أو عقارات) لاستخلاص مبالغ التعويض المحكوم بها ويطرح إشكالا في صورة عدم حيازة المحكوم عليه لأي أملاك.

الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين لـ"الصباح" :الجريمة اتخذت شكلا استعراضيا ورغم أن نسقها في تصاعد فلا يمكن تهويلها ولا تهوينها

إن ارتفاع منسوب الجريمة يعد مؤشرا عاديا في كل المجتمعات وذلك تماشيا مع النمو الديمغرافي وفق قراءة الباحث في علم الإجتماع ممدوح عز الدين الذي أوضح في تصريح لـ"الصباح" أن تونس لا تحتل المراتب الأولى ولا المراتب الأخيرة حيث احتلت المرتبة 65 عالميا وهي مرتبة متوسطة وبالتالي لا يمكن التهويل ولا التهوين ولا يمكن القول إن الامن العام بات مهددا على الرغم من أن وتيرة الجريمة في تصاعد منذ الثورة الى اليوم.

وأوضح محدثنا أنه على مستوى الكم هناك نوعا من الجرائم لم نكن نراها من قبل كالجرائم التي يرتكبها الأطفال الذين كانوا ضحايا الجريمة ليتحولوا الى فاعلين ومرتكبين لها.

وتشير بعض الارقام الى أن 85 بالمائة من العنف في المدارس يرتكبه أطفال تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة.

وبرزت ظاهرة أخرى لم تكن متفشية في مجتمعنا وهي ظاهرة تأنيث الجريمة حيث كنا في وقت سابق نجد أن عشر الجرائم فقط يرتكبها نساء ولكن النسبة ارتفعت اليوم حيث أصبحت مشاركة المرأة في الجريمة مشاركة قوية وحضورها رئيسي وباتت تقود العصابات وتهرب المخدرات وتقتل وتسرق وتعنف.

كذلك كبار السن دخلوا عالم الجريمة حيث شملتهم عدة قضايا خاصة القضايا ذات الصبغة الأخلاقية وقضايا المخدرات.

وأوضح الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين أن ظاهرة الجريمة انتشرت في الأرياف التي كنا في السابق قلما نسمع عن جريمة جدت في ريف ما ولكن اليوم باتت الجرائم ترتكب فيها بوحشية وأخذت نسقا تصاعديا.

ولاحظ أن الجريمة أصبحت أكثر دموية وعدوانية وفيها الكثير من العنف والتشفي والنزعة الانتقامية.

كما أن الجريمة باتت دون تاريخ ولا ذاكرة حيث كانت في السابق ترتكب من أجل رد الاعتبار أو الشرف أو غيرها من الدوافع القوية ولكنها اليوم باتت حينية وقد تزهق روحا من أجل سبب تافه وقد أصبحت المسافة بين التفكير في الجريمة وتنفيذها قصير جدا.

وهذا يدل على ضعف الدولة واستسهال الجريمة وغياب الخوف من العقاب  وأصبحت الجريمة ترتكب في مشهد استعراضي حتى عمليات الانتحار باتت تأخذ شكلا فرجويا ويعمد المنتحر الى سكب البنزين على جسده وحرق نفسه أمام جموع المتفرجين في حين كان الشخص الذي يفكر في الانتحار يكتب رسالة وداع  في سرية تامة ثم يتم العثور عليه مفارقا للحياة في مكان بعيد عن الأنظار.

وأوضح ممدوح عز الدين أن اليوم سادت الثقافة المشهدية الاستهلاكية وبات حضورها دائما على مواقع التواصل الاجتماعي واتخذت طابعا فضائحيا وأصبح الفعل الإجرامي يكتسي طابعا مسرحيا وبات رد فعل الجمهور سلبي فإما يكتفي بالفرجة أو التصوير في مشاهد تعكس عدم اللامبالاة والتعامل غير المسؤول والسلبية في التعامل مع الجريمة وهو ما شجع مرتكبها على التمادي والاستعراض.

الأسباب..

بين الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين أن هناك أسباب مؤسسية تتمثل في تراجع التنشئة الاجتماعية وهناك تفكك اسري وفي بعض الاحيان نجد العائلات تشجع أبناءها على الجريمة كبيع الخمر والمخدرات والهجرة غير النظامية.

ما ساهم في ارتفاع نسب الجرائم العائلية فنجد الزوج يقتل زوجته والزوجة التي تجهز على زوجها والابن الذي يقتل والديه وغيرها من الجرائم العائلية التي تعكس حالة الانفلات في الجريمة حيث باتت العائلة بؤرة لإنتاج الجريمة.

كما أن المؤسسة التربوية اصبحت مسرحا للجريمة وبات المربي مهددا من قبل التلميذ الذي استباح في بعض الاحيان حرمة المؤسسة وتحول المربي الى ضحية كما شهدت المؤسسات التربوية أنواعا كثيرة من الجرائم كالعنف اللفظي والمادي ومحاولة القتل والتحرش وغيرها وكشفت بعض الارقام ان هناك 17000 حالة عنف داخل الفضاء المدرسي لتتحول بذلك المدرسة من فضاء تربوي الى فضاء لإنتاج العنف.

ومن بين الاسباب التي دفعت الى تنامي الجريمة وفق قراءة الباحث ممدوح عز الدين الخطاب الاعلامي الذي تراجع عن دوره التربوي وركز على كل ما له إثارة فأصبحت البرامج الاجتماعية تروج للجريمة وتعيد تجسيدها بكل تفاصيلها لجلب اكبر عدد من المشاهدين كذلك العنف الذي يمارسه الحضور من السياسيين..

كما تفشت ظاهرة غريبة تتمثل في تثمين المجرم الذي أصبح "بطلا" في بعض الاحياء الشعبية ويتم تمجيدهم من خلال أغاني "الراب"، واصبح كل مارق عن الاخلاق يمثل قدوة.

كذلك النزعة الفردانية باعتبار أن المؤسسات تخلت عن دورها في الحماية والإدماج حيث اصبح الانسان يجد نفسه غير محمي اجتماعيا وغير قادر على العمل وتكوين أسرة ويعاني من عطالة بيوغرافية ولا يوجد لديه هدف في الحياة ولا شيء يعيش لأجله ويبني عليه ذلك ما يبعث فيه الشعور بـ"الحقرة" فيتحول الى مجرم.

 

مفيدة القيزاني

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews