«العديد من البلدان تأثرت بشدة بالجائحة الآن (...) أفكر بشكل خاص في تونس»، هذا ما جاء في خطاب مطول ألقاه أول أمس الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون بخصوص الإجراءات الصحية الجديدة في فرنسا واستراتيجية التلقيح في ظل مخاوف من تصاعد الإصابات بالمتحور دلتا في وقت مازال فيه ملايين الفرنسيين من غير الملقحين. وبغض النظر عن القراءات المختلفة لهذه الإشارة إلى تونس والتي تباينت على منصات الميديا الاجتماعية بين الحديث عن لمسة إنسانية أو انتقاد نفس استعماري، فإن هذا الخطاب يذكرنا، بأننا لم نستمع إلى خطابات أو نتابع حوارات صحفية للرؤساء الثلاثة وخاصة منهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حول الوضع الوبائي الحالي في البلاد في قلب أحلك اللحظات التي تعرفها تونس بمعدل وفيات مرتفع ومؤسسات صحية منهكة ومخزون لقاحات محدود لولا بعض الوعود من هنا وهناك.
لا يمكن أن نختلف أن هذه الأزمة الصحية الحالية هي الأصعب منذ ظهور أول حالة إصابة بكورونا في تونس، وكان من المفترض أن تصاحبها خطابات من أعلى مستوى لإعلان الإجراءات ومتابعة نتائجها واختيار الكلمات المناسبة لمواساة التونسيين في هذا الوضع الصعب، وكانت تستوجب أيضا حوارات إعلامية لمساءلة القادة ومحاسبتهم على خياراتهم وأسلوبهم في إدارة الأزمة. ولكن يغيب الرؤساء الثلاثة عن المشهد ما عدا بعض التصريحات الخاطفة أو البلاغات على صفحات الفايسبوك.
رئيسالجمهورية..تحدثكثيراولكنليسعنالأزمة
على عكس رئيس الحكومة كما سنرى لاحقا، يحب رئيس الجمهورية أن يتحدث وأن يلقي الخطاب تلو الآخر حول مسائل عدة ومتعددة، يكتسيها في غالبية الأحيان توجيه أصابع الاتهام إلى أطراف مجهولة أو الحديث عن مؤامرات أو متربصين بالدولة وأمنها. ولكنه صمت كثيرا بخصوص الأزمة الصحية الحالية والوضع الكارثي الذي وصلته المستشفيات في ظل شح اللقاحات المتوفرة، في 6 جويلية 2021، كان للرئيس كلمةرئيسالجمهوريةفي اجتماع بحضور رئيس الحكومة وعددمن الإطارات حول الوضع الصحي بالبلاد، استنكر فيه الوضع الصحي الحالي ولكنه لم يكن كلمة مباشرة تخاطب الشعب.
الحوار الوحيد الذي أدلى به رئيس الجمهورية لوسيلة إعلام تونسية كانت في شهر جانفي 2020 بعد مائة يوم من توليه السلطة. فقد تعهد كل مرشح لانتخابات 2019 بأن تحاوره القناة الوطنية الأولى في حال فاز بالرئاسة. في حين أنه قد أجرى حوارات مع وسائل إعلام أجنبية.
رئيسالحكومة .. والتصريحاتالخاطفة
رئيس الحكومة هشام مشيشي لم يلق خطابا بخصوص أزمة كورونا الحالية، إذا ما تتبعنا نسق خطابات رئيس الحكومة المباشرة للشعب سنلاحظ أنها تقلصت مقارنة بالأشهر الأولى لتوليه منصبه، ويأتي تواصله مع المواطنين عبر تصريحات إعلامية خاطفة أو بلاغات رسمية. آخر خطاب ألقاه رئيس الحكومة كان في 12 ماي 2021، عند الإعلان عن إقرار الحجر الصحي الشامل بالتزامن مع عطلة عيد الفطر. قبلها، ألقى كلمة حول الإجراءات الجديدة عقب اجتماع اللجنة العلمية وندوة الولاة في 10 أفريل 2021. قبلها تحدث للشعب في 19 جانفي2021، حول الاحتجاجات التي عرفتها بعض المناطق على فرض الحجرالصحي الشامل لمدة أربعة أيام، وفي 16 جانفي لإعلان التحويرالوزاري الذي لم يحظ بإمضاء رئيس الجمهورية. وقبلها خطابه في 3 أكتوبر 2020، حول الإجراءات المتعلقة بالموجة الثانية من كورونا. ومنذ شهر جانفي انخفضت وتيرة الخطاب المباشر لصالح التصريحات الإعلامية الخاطفة مثل التصريح لوسائل الإعلام على خلفية زيارة رئيس الحكومة إلى مستشفى باجة منذ أيام. في المقابل أجرى عديد الحوارات مع وسائل إعلام أجنبية مثل صحيفة «لوفيغرو» وقناة «فرانس 24».
الحوار الوحيد الذي أجراه رئيس الحكومة مع وسائل إعلام محلية كان في 18 أكتوبر 2020 وهو أول حوار بعد منح الثقة لحكومة هشام مشيشي وبقي الحوار الأخير، ولكن بالرغم من أنه الحوار الوحيد وبالرغم من مرور أشهر على إجرائه مازال التونسيون يتذكرون وعد رئيس الحكومة الذي لم يتحقق بخصوص تكفل الدولة بعلاج كل مواطن لا يجد مكانا في القطاع الخاص ويتوجه إلى القطاع العمومي. ونستثني هنا حواره مع إذاعة «شمس إف إم» الذي جاء في سياق خاص.
وبالرغم من أن الوضع الوبائي الحالي هو الأصعب منذ تسجيل أول إصابة في تونس، إلا أن رئيس الحكومة يكتفي بالبلاغات الرسمية والتصريحات الإعلامية الخاطفة. على مستوى الوسائط الجديدة، تحدث رئيس الحكومة بأسلوب مختلف مرة واحدة عند إصابته مؤخرا بكورونا. وبالرغم من أن الرسالة من هذا الفيديو كانت واضحة وهي الدعوة للتلقيح، فإنها أيضا مجرد قطعة منفصلة في غياب استراتيجية اتصال زمن الأزمة، وهذا يفسره بعض الخبراء الذي تحدثت إليهم «الصباح» في وقت سابق بمنطق التسيير الإداري الذي يغلب على رئيس الحكومة.
رئيس البرلمان راشد الغنوشي لم يدل بحوار لوسائل إعلام وطنية مؤخرا أيضا بعد العدول عن حواره مع قناة حنبعل، وإلى جانب تحركاته للنقاش على الوضع السياسي ومقترحات حركة النهضة، قلما يتحدث عن الوضع الصحي، مع الإشارة إلى لقائه بالسفير التركي بتونس والذي تطرق إلى وعود أنقرة بدعم تونس في أزمتها.
لم يخاطب رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية وهما المعنيان أكثر بإدارة الأزمة، عمليا (رئيس الحكومة) معنويا ودبلوماسيا (رئيس الجمهورية) الشعب مباشرة ولم يجريا أية حوارات إعلامية بالرغم من أننا في قلب موجة وبائية هي الأصعب، في المقابل وفي بعض الديمقراطيات الأخرى يضرب قادة الدول مواعد ثابتة مع شعوبهم لتحديد الخطوط الكبرى لاستراتيجيات التعاطي مع الوضع الوبائي ولتحديد الإجراءات المصاحبة، ورفع معنويات المواطنين والإطار الطبي والشبه الطبي الذي يحارب كل يوم.
◗أروىالكعلي
تونس - الصباح
«العديد من البلدان تأثرت بشدة بالجائحة الآن (...) أفكر بشكل خاص في تونس»، هذا ما جاء في خطاب مطول ألقاه أول أمس الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون بخصوص الإجراءات الصحية الجديدة في فرنسا واستراتيجية التلقيح في ظل مخاوف من تصاعد الإصابات بالمتحور دلتا في وقت مازال فيه ملايين الفرنسيين من غير الملقحين. وبغض النظر عن القراءات المختلفة لهذه الإشارة إلى تونس والتي تباينت على منصات الميديا الاجتماعية بين الحديث عن لمسة إنسانية أو انتقاد نفس استعماري، فإن هذا الخطاب يذكرنا، بأننا لم نستمع إلى خطابات أو نتابع حوارات صحفية للرؤساء الثلاثة وخاصة منهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حول الوضع الوبائي الحالي في البلاد في قلب أحلك اللحظات التي تعرفها تونس بمعدل وفيات مرتفع ومؤسسات صحية منهكة ومخزون لقاحات محدود لولا بعض الوعود من هنا وهناك.
لا يمكن أن نختلف أن هذه الأزمة الصحية الحالية هي الأصعب منذ ظهور أول حالة إصابة بكورونا في تونس، وكان من المفترض أن تصاحبها خطابات من أعلى مستوى لإعلان الإجراءات ومتابعة نتائجها واختيار الكلمات المناسبة لمواساة التونسيين في هذا الوضع الصعب، وكانت تستوجب أيضا حوارات إعلامية لمساءلة القادة ومحاسبتهم على خياراتهم وأسلوبهم في إدارة الأزمة. ولكن يغيب الرؤساء الثلاثة عن المشهد ما عدا بعض التصريحات الخاطفة أو البلاغات على صفحات الفايسبوك.
رئيسالجمهورية..تحدثكثيراولكنليسعنالأزمة
على عكس رئيس الحكومة كما سنرى لاحقا، يحب رئيس الجمهورية أن يتحدث وأن يلقي الخطاب تلو الآخر حول مسائل عدة ومتعددة، يكتسيها في غالبية الأحيان توجيه أصابع الاتهام إلى أطراف مجهولة أو الحديث عن مؤامرات أو متربصين بالدولة وأمنها. ولكنه صمت كثيرا بخصوص الأزمة الصحية الحالية والوضع الكارثي الذي وصلته المستشفيات في ظل شح اللقاحات المتوفرة، في 6 جويلية 2021، كان للرئيس كلمةرئيسالجمهوريةفي اجتماع بحضور رئيس الحكومة وعددمن الإطارات حول الوضع الصحي بالبلاد، استنكر فيه الوضع الصحي الحالي ولكنه لم يكن كلمة مباشرة تخاطب الشعب.
الحوار الوحيد الذي أدلى به رئيس الجمهورية لوسيلة إعلام تونسية كانت في شهر جانفي 2020 بعد مائة يوم من توليه السلطة. فقد تعهد كل مرشح لانتخابات 2019 بأن تحاوره القناة الوطنية الأولى في حال فاز بالرئاسة. في حين أنه قد أجرى حوارات مع وسائل إعلام أجنبية.
رئيسالحكومة .. والتصريحاتالخاطفة
رئيس الحكومة هشام مشيشي لم يلق خطابا بخصوص أزمة كورونا الحالية، إذا ما تتبعنا نسق خطابات رئيس الحكومة المباشرة للشعب سنلاحظ أنها تقلصت مقارنة بالأشهر الأولى لتوليه منصبه، ويأتي تواصله مع المواطنين عبر تصريحات إعلامية خاطفة أو بلاغات رسمية. آخر خطاب ألقاه رئيس الحكومة كان في 12 ماي 2021، عند الإعلان عن إقرار الحجر الصحي الشامل بالتزامن مع عطلة عيد الفطر. قبلها، ألقى كلمة حول الإجراءات الجديدة عقب اجتماع اللجنة العلمية وندوة الولاة في 10 أفريل 2021. قبلها تحدث للشعب في 19 جانفي2021، حول الاحتجاجات التي عرفتها بعض المناطق على فرض الحجرالصحي الشامل لمدة أربعة أيام، وفي 16 جانفي لإعلان التحويرالوزاري الذي لم يحظ بإمضاء رئيس الجمهورية. وقبلها خطابه في 3 أكتوبر 2020، حول الإجراءات المتعلقة بالموجة الثانية من كورونا. ومنذ شهر جانفي انخفضت وتيرة الخطاب المباشر لصالح التصريحات الإعلامية الخاطفة مثل التصريح لوسائل الإعلام على خلفية زيارة رئيس الحكومة إلى مستشفى باجة منذ أيام. في المقابل أجرى عديد الحوارات مع وسائل إعلام أجنبية مثل صحيفة «لوفيغرو» وقناة «فرانس 24».
الحوار الوحيد الذي أجراه رئيس الحكومة مع وسائل إعلام محلية كان في 18 أكتوبر 2020 وهو أول حوار بعد منح الثقة لحكومة هشام مشيشي وبقي الحوار الأخير، ولكن بالرغم من أنه الحوار الوحيد وبالرغم من مرور أشهر على إجرائه مازال التونسيون يتذكرون وعد رئيس الحكومة الذي لم يتحقق بخصوص تكفل الدولة بعلاج كل مواطن لا يجد مكانا في القطاع الخاص ويتوجه إلى القطاع العمومي. ونستثني هنا حواره مع إذاعة «شمس إف إم» الذي جاء في سياق خاص.
وبالرغم من أن الوضع الوبائي الحالي هو الأصعب منذ تسجيل أول إصابة في تونس، إلا أن رئيس الحكومة يكتفي بالبلاغات الرسمية والتصريحات الإعلامية الخاطفة. على مستوى الوسائط الجديدة، تحدث رئيس الحكومة بأسلوب مختلف مرة واحدة عند إصابته مؤخرا بكورونا. وبالرغم من أن الرسالة من هذا الفيديو كانت واضحة وهي الدعوة للتلقيح، فإنها أيضا مجرد قطعة منفصلة في غياب استراتيجية اتصال زمن الأزمة، وهذا يفسره بعض الخبراء الذي تحدثت إليهم «الصباح» في وقت سابق بمنطق التسيير الإداري الذي يغلب على رئيس الحكومة.
رئيس البرلمان راشد الغنوشي لم يدل بحوار لوسائل إعلام وطنية مؤخرا أيضا بعد العدول عن حواره مع قناة حنبعل، وإلى جانب تحركاته للنقاش على الوضع السياسي ومقترحات حركة النهضة، قلما يتحدث عن الوضع الصحي، مع الإشارة إلى لقائه بالسفير التركي بتونس والذي تطرق إلى وعود أنقرة بدعم تونس في أزمتها.
لم يخاطب رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية وهما المعنيان أكثر بإدارة الأزمة، عمليا (رئيس الحكومة) معنويا ودبلوماسيا (رئيس الجمهورية) الشعب مباشرة ولم يجريا أية حوارات إعلامية بالرغم من أننا في قلب موجة وبائية هي الأصعب، في المقابل وفي بعض الديمقراطيات الأخرى يضرب قادة الدول مواعد ثابتة مع شعوبهم لتحديد الخطوط الكبرى لاستراتيجيات التعاطي مع الوضع الوبائي ولتحديد الإجراءات المصاحبة، ورفع معنويات المواطنين والإطار الطبي والشبه الطبي الذي يحارب كل يوم.