صيحة فزع أطلقها ممثلون لعدة هياكل قطاعية ومؤسسات وهياكل ومنظمات مختصة في مجال هجرة التونسيين بالخارج أمام تزايد الإقبال المسجل في السنوات الأخيرة وبشكل ملفت على الهجرة بطرق قانونية وشرعية بالنسبة لأصحاب المؤهلات العليا والكفاءات المهنية العالية بالأساس أو عن طريق الهجرة غير النظامية بالنسبة لشريحة أخرى من المجتمع أغلبها من القصر والشباب الذين انقطعوا عن التعليم بصفة مبكرة. وقد تسنى جمع معطيات وأرقام من هياكل وطنية وقطاعية ومنظمات دولية مختصة في الاشتغال على هذا الملف تبين حجم هذه الظاهرة التي ما انكفت تشهد هبة بالجملة في السنوات الأخيرة.
فالهجرة أصبحت حلما وطموحا يغلب على واقع نسبة هامة من التونسيين من مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية ويُعزى تضخم هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة إلى توفر جملة من العوامل المتداخلة منها ما هو سياسي واقتصادي وأخرى ذاتية بسبب عدم الاستقرار وتعفن المناخ السياسي إضافة إلى الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع نسبة البطالة وانسداد آفاق الشغل بعد أن أصبحت نسبة البطالة في حدود 17% إضافة إلى انخفاض قيمة الدينار التونسي وما ترتب عنها من غلاء للمعيشة وانسداد آفاق العيش الكريم أو إمكانية تغيير الوضع في ظل زحمة الأزمات الاقتصادية المتواترة وحالة العجز المخيم على مختلف الأصعدة والتي عجزت الحكومات المتعاقبة خلال السنوات العشرة الأخيرة عن الخروج منها أو حلحلتها. خاصة أن موجة الهجرة هذه شملت أيضا رجال الأعمال والمستثمرين ورجالات الدولة.
ومدعاة هذا التخوف الذي عبر عنه عدد ممن تحدثوا عن هذه الظاهرة لـ"الصباح"، هو ما تشكله هذه الهجرة خاصة المتعلقة بنخبة النخبة التي تكفلت الدولة بتكوينها لتستفيد منها بلدان أخرى، من استنزاف للقدرات الوطنية والفراغ الذي تخلفه رغم الحاجة الماسة لها خاصة أن البعض يرى أن بلادنا ستكون في حاجة في مرحلة قادمة إلى اللجوء إلى الانتداب الخارجي لتغطية النقص الحاصل في مجالات حيوية وأساسية على غرار القطاع الطبي وشبه الطبي والهندسة والتعليم بمختلف اختصاصاته. وقد أفاد الدكتور رضا الضاوي أن عدد الأطباء الذين يغادرون تونس سنويا في حدود 150 طبيب بقطع النظر عن الأطباء التونسيين الذين تحصلوا على شهائد في المجال من جامعات أجنبية. فيما صرح كمال سحنون عميد المهندسين أن 3500 مهندسا لهم من الخبرة والكفاءة العالية، يغادرون تونس سنويا للعمل في بلدان أخرى أوروبية أو عربية.
بقطع النظر عن الانتدابات السنوية للأساتذة الجامعيين وأساتذة المراحل الثانوية ومدرسي المراحل الابتدائية والإعدادية في بلدان الخليج بشكل خاص. وهي ظاهرة ما انفكت تسجل هبة وإقبالا من الجنسين. والمسألة لم تعد حكرا على العاطلين عن العمل من حاملي الشهائد العليا فحسب بل تستقطب بدرجة أولى من يمارسون المهنة سواء في القطاعين العمومي أو الخاص. ولعل ما يدفع العدد الكبير لخوض تجربة العمل بالخارج والرغبة في الاستقرار في مكان العمل هو الهروب من الواقع والوضع الراهن المرتدي في بلادنا على جميع المستويات لاسيما إذا ما توفرت رواتب وحوافز مغرية تمكن أصحابها من توفير مستلزمات العيش الكريم، خاصة أمام غلاء المعيشة وعدم قدرة "الراتب" في بلادنا على مجاراة نسق العيش. وذلك وفق ما أوردته دراسة في الغرض لمرصد الوطني للهجرة ثم أن 73 % من التونسيين بالخارج غادروا بسبب العمل وفق ما قدمه المعهد الوطني للإحصاء في الغرض.
وفسر بعض القائمين على هياكل قطاعية تضررت بشكل كبير من هجرة كفاءاتها تفاقم الظاهرة في السنوات الأخيرة بسبب غياب الدولة وغياب سياسة عملية وإصلاحية واضحة لتغيير الوضع في مختلف المجالات بما في ذلك القطاعات الحيوية والحساسة على غرار الصحة والفلاحة والتعليم والهندسة وغيرها من المجالات الاقتصادي والاجتماعية وتوجه النخبة السياسية التي ظهرت ما بعد 2011 إلى الصراع على المواقع والهروب إلى الأمام والتركيز على قضايا ومسائل واهية وثانوية مقابل مواصلة تهميش بقية القطاعات وصلت إلى حد "ضرب الكفاءات وتعويم مشاغلها " في عبارة لعميدي الأطباء والمهندسين في حديثهما عن هذه المسألة.
أرقام ومعطيات
إذ تبين المعطيات والأرقام الصادرة عن المرصد الوطني للهجرة ووزارة الشؤون الخارجية أن عدد التونسيين بالخارج وفق البيانات المعتمدة الخاصة بسنة 2017 هو في حدود مليون و423 313 نسمة موزعين على 90 دولة في جميع قارات العالم أي 12 % من العدد الإجمالي للسكان، بزيادة 36 ألف نسمة كل سنة. ورغم تأكيد عديد الجهات على أن ظاهرة هجرة أصحاب المؤهلات العليا ليست جديدة، باعتبارها تتنزل في إطار ديناميكية عالمية للهجرة نشطت بشكل متسارع في تونس منذ سنة 2011. تونس تطورا غير مسبوق لمغادرة العديد من مهندسيها وأطبائها وأساتذتها و غيرهم من أصحاب المؤهلات العليا نحو مناطق وبلدان مختلفة.
وتؤكد العديد من المصادر، الدولية منها والوطنية، على التطور الملحوظ لهذه الظاهرة، وقد نشرت الوكالة الفرنسية للنهوض بالتعليم العالي والاستقبال الحركية الدولية "كمبيس" أن تونس تحتل المرتبة الثالثة من حيث عدد الطلبة التونسيين المرسمين بالجامعات الفرنسية نهاية سنة 2017 ليكون العدد المصرح به 12390 طالب. كما أقر الديوان الفرنسي للهجرة والإدماج (OFII ) بمناسبة اليوم الدولي للمهاجرين منذ أربع سنوات، أن تونس تحتل المرتبة الثالثة في العالم من حيث تدفق الهجرة.
وهو ما أكدته أيضا منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي نشرت أن الهجرة في تونس تنمو بمعدل متزايد اذ بلغ عدد التونسيين من ذوي الشهادات العليا الذين غادروا تونس في اتجاه أوروبا خلال الفترة الممتدة بين 2013 و2019 ما يناهز 95000 نسمة. ويعد النصيب الأوفر في هذا الرقم للمهندسين بنسبة 72% وحاملي الماجستير 13% . أما بالنسبة لتقديرات المصادر الوطنية، فحسب بيانات الوكالة التونسية للتعاون الفني فقد بلغ عدد الإطارات التونسية المشغلة بالخارج من قبل مصالحها 18000 سنة 2019 بعد أن كان لا يتجاوز 1000 سنة 1980 .من جهتها، تقدر نقابة المهندسين أنه منذ سنة 2014 يتراوح سنويا عدد المهندسين المغادرين للبلاد بين 2500 و3500 مهندسا، في حين يقدم مجلس الأطباء نسبة %45 من الأطباء الشبان الذين غادروا في عام 2017.
ويكفي الاستشهاد في الغرض بما سجلته عملية نجاح أكثر من 600 طبيب في امتحان معادلة شهائدهم في فرنسا من بين 900 طبيب ترشحوا في هذه المناظرة، من ردود أفعال في مختلف الأوساط لاسيما في ظل ما الوضع الصحي الحرج في بلادنا وتأكيد الجهات الرسمية والهياكل المختصة على النقص الكبير الذي تشكوه المؤسسات الصحية في الأطباء والإطار شبه الطبي.
كما أكد ممثلو عديد الهياكل النقابية والقطاعية أن بلادنا عرفت موجة من هجرة الأطباء في السنوات الأخيرة كانت أكثرها بين سنتي 2018 و2019 وتجاوز عدد الأطباء المهاجرين 1700 طبيبا في هذه الفترة فضلا عن أن أكثر من 80 % من الأطباء الشباب غادروا تونس في السنوات الأخيرة.
هبة بالجملة
وقد أثبتت نتائج استطلاع للرأي في الغرض الرغبة التي تحدو عدد كبير من التونسيين في الهجرة إذ أظهرت دراسة قامت بها شبكة "أفروباروميتر" في السنوات الأخيرة من شباب تونس من المتحصلين على شهائد تعليم عال يفكرون في الهجرة. وكانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكدت منذ ثلاث سنوات أن حوالي 94000 شخص قد غادروا تونس في الفترة ما بين 2011 و2017 وأن 84 % منهم توجهوا نحو أوروبا.
خطر هجرة "النخبة"
ونبهت عدة منظمات وهياكل وطنية ودولية مختصة في الاشتغال على هذا المجال إلى خطورة التدفق الكبير لهجرة أصحاب المؤهلات العالية الذي يشكل عنصرا أساسيا في بناء المجتمعات والدول بما من شأنه أن يمس بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد لما قد يحدثه من اهتزاز في تركيبة وواقع المجتمعات، ليس فقط في مستوى الارتباط بالمعايير التقليدية والتمثلات الاجتماعية بالنسبة لهذه الفئة وعلاقتها بثقافة البلاد خاصة أن الهجرة ارتبطت في فترة ما أساسا بفئة أخرى من المهاجرين فيما تحظى النخب بأولوية في التشغيل، بل وكذلك لما يثيره من مخاوف وتساؤلات حول القدرة والإمكانيات المعرفية والإبداعية لاقتصاد يسعى للاستقرار والارتقاء بقدرات الدولة ومن ثمة الخدمات المطلوبة لمواطنيها.
لذلك تنكب عدة هياكل تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الخارجية وبالتعاون مع وزارات وهياكل ومنظمات وطنية ودولية لوضع برامج عمل مشتركة تهدف إلى وضع منظومة بيانات ومعطيات حول هذه الفئة لاسيما في ظل هجرة الكفاءات المسجلة في السنوات الكبيرة بما يدفع للتحكم في قاعدة البيانات الخاصة بها من ناحية والعمل على وضع برامج تمكن من الاستفادة منها في المدى البعيد خاصة أمام ما تبينه تقارير دولية حول التغيرات الديمغرافية في العالم وعلى مستوى إقليمي وإفريقي في أفق 2030 و2050 وما يمكن أن يترتب عنه من ديناميكية اقتصادية واجتماعية وتونس سوف لن تكون بمنأى عن هذه التغيرات.
تراجع الهجرة الوافدة
في المقابل عرفت الهجرة الوافدة إلى تونس تراجعا في السنوات الأخيرة مقارنة بما كان عليه الأمر منذ سنوات وفق تقديرات الجهات المتابعة للمجال، بعد أن كانت بلادنا قبلة للراغبين في الاستثمار والاستقرار والدراسة سواء بالنسبة لأبناء القارة الافريقية أو غيرهم من أوروبيين والعرب. إذ يبلغ عدد الأجانب المقيمين في تونس وفق ح التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2014 حوالي 53490أجنبي. فيما يعد عدد الطلبة الأجانب بتونس 7340 طالب خلال السنة الجامعية 2018-2019 حسب ما المعطيات المسجلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
فيما يعمل المرصد الوطني للهجرة وديوان التونسيين بالخارج بالتعاون مع هياكل وطنية ومنظمات دولية أخرى من أجل متابعة وضبط كل متعلقات هذا المجال خاصة أمام دور هذه الفئة من التونسيين بالخارج في تنمية وإنعاش الاقتصاد الوطني عبر ما يوفرونه من مدخرات أو في تعاملاتهم مع المؤسسات المالية والبنوك التونسية.
د. رضا الضاوي عميد الأطباء:
للأسف بلادنا تفسد كفاءاتها والحلول ممكنة
وفسر الدكتور رضا الضاوي رئيس عمادة الأطباء في تونس تزايد الاقبال على الهجرة بالنسبة للأطباء التونسيين إلى توفر جمل من العوامل والدوافع التي وصفها بـ"القاهرة" والإجبارية للبعض والاختيارية بالنسبة للبعض الآخر. وذلك بسبب غلق باب الانتداب من ناحية وحالة البطالة الاجبارية للأطباء الشبان فضلا عن ظروف العمل الصعبة في أغلب المؤسسات الصحية في تونس التي تفتقر لتجهيزات الأساسية مقابل المغريات والحوافز المادية والتكوينية التي يجدها في الخارج. وحمل عميد الأطباء المسوؤلية في ذلك إلى سلطة الإشراف خاصة أمام اللخبطة في برنامج التكوين بعد التحوير الذي تم إدخاله في سنة 2019 في علاقة باختصاص الطب العام وطبيب العائلة باعتبار أن الدفعة التي تخرجت هذا العام في حدود 2000 رغم النقص الحاصل في بعض الاختصاصات الهامة والحساسة على غرار "طب التوليد والنساء" والتبنيج" الأمر الذي اضطر عدد كبير من الخريجين الجدد إلى اختيار مسالك أخرى خارج تونس للعمل والتكوين. وقال في نفس السياق: "أكبر خسارة لبلادنا هو خروج نخبتها من الأطباء مضطرين لأنه بالإمكان الاستفادة منهم على جميع المستويات لو راعت سلطة الإشراف متطلبات ذلك وعملت على توفيرها. للأسف بلادنا بصدد إفساد كفاءاتها". موضحا أن المسألة لا تتوقف على الإطار الطبي فقط وإنما تشمل أيضا الإطار شبه الطبي باعتبار أن أكثر من خمسة آلاف طبيب تونسي هاجروا دون اعتبار الأطباء التونسيين خرجي الجامعات الأجنبية أساسا منها الرومانية والروسية وغيرها ممن هم غير مسجلين بالعمادة.
وأفاد عميد الأطباء أن هناك حوالي 600 ألف طبيب مختص وأن 70 % من الأطباء التونسيين من النساء.
ودعا الدكتور الضاوي سلط الإشراف ووزارة التعليم العالي إلى الجلوس مع الهياكل القطاعية المختصة لمناقشة وضع التوين في المجال في بلادنا وطرح الحلول الممكنة بما يمكن بلادنا الكفاءات التونسية من الاستفادة.
ودعا عميد الأطباء سلطة الإشراف إلى التحرك مبكرا لإنقاذ القطاع من مما وصفه بخطر التصحر في السنوات القادمة خاصة أمام توجه سياسيات البلدان إلى الاهتمام بالمجال العلمي خاصة في علاقة بما هي طبي في مرحلة ما بعد الجائحة الوبائية "كوفيد 19" لاسيما في ظل الحوافز والمغريات وتوجهات بعض البلدان الأخرى العربية وغيرها للعناية بقطاع الصحة بدرجة أولى مما يفتح مجال الانتداب للإطارات الطبية وشبه الطبية التونسية أوسع.
نزيهة
كمال سحنون عميد المهندسين:
أكثر من 10 آلاف مهندس مهاجر وأكثر من 3500 يغادرون تونس سنويا
من جانبه أفاد كمال سحنون عميد المهندسين أن قطاع الهندسة بمختلف اختصاصاته ومجالاته يعد الأكثر إقبالا على الهجرة التي تعني استنزافا لنسبة هامة من مقدرات البلاد وفق تقديره. موضحا أن شروط الانتداب في الخارج وما توفره من حوافز ومغريات مادية ومهنية وظروف عمل أفضل بكثير مما عليه الوقع في بلادنا وعادة ما تكون موجهة لمن تتوفر لديهم الخبرة والكفاءة. مؤكدا أن أكثر من 100 ألف مهندس تونسي يعملون بالخارج باعتبار بعد اتباع بلادنا لنظام التعليم المتمثل في تنظيم بعثات للدراسة بالخارج لمن تحصلوا على أعلى المعدلات في الباكالوريا أو الجامعة منذ في الثمانيات والتسعينات من القرن الماضي.
أفاد عميد المهندسين أن هجرة هذه الفئة تعد خسارة كبيرة للدولة التونسية باعتبار أن قيمة المصاريف بالنسبة للمهندس تقدر بأكثر من 10 آلاف دينار سنويا وأن أن أقل مدة للتكوين هي خمس سنوات. وبين أنه بإمكان الدولة أن تستثمر في هذه النخبة وفق وضع منوال اقتصادي موجه للغرض ليوفر لها هؤلاء أضعاف أضعاف ما صرفته فضلا عن خلق موارد تنمية ومساهمته في حركة التنمية والاقتصاد.
في سياق متصل أفاد عميد المهندسين أن أكثر من 3500 مهندس يغادرون تونس سنويا أغلبهم ممن لهم تجربة عالية وبين أن أكثر الاختصاصات طلبا في الخارج نجد الميكانيك بجميع أنواعه فيما لا يزال اختصاص الإعلامية الأقل إقبالا إلى حد الآن. كما بين ان قطاع الهندسة مختلف عن بقية القطاعات ومجالات التكوين الجامعي باعتبار أنه مجال حيوي وباب الانتداب مفتوح سنويا. مضيفا: "في تونس هناك حوالي 80 ألف مهندس و70 % منهم أعمارهم دون الـ40 سنة وثلثهم من النساء مما يعني أن القطاع شبابي ويمكن المراهنة عليه في المستقبل في خلق فرص الثروة وبناء مناخات الاستثمار والابتكار لأن هذه الفئة قادرة على خلق عالم جديد إذا ما وجدت السياسة الهادف إلى ذلك".
كما أفاد كمال سحنون أن هناك أكثر من ثمانية آلاف مهندس يتحصلون سنويا على شهادات التخرج من الجامعات التونسية 45 % منهم إناث فيما هناك 10 آلاف مهندس معطل عن العمل حاليا وفسر ذلك بسبب عدم مواكبة منظومة التعليم الجامعي للواقع وذلك بوجود اختصاصات غير مطلوبة في سوق الشغل اليوم ولم تعد تتأقلم مع الاقتصاد اليوم.
ويرى عميد المهندسين أنه على سلطة الإشراف العمل على تطوير هذا القطاع الذي يعد المحرك الأول والأساسي للاقتصاد والمراهنة عليه في خلق فرص الابتكار في جميع المجالات.
عبدالرؤوف الجمل لـ"الصباح": المرصد يسعى لـ"التحكم" في هجرة الكفاءات لفائدة الدولة
أكد عبدالرؤوف الجمل، مدير عام المرصد الوطني للهجرة التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية لـ"الصباح"، أن المرصد الذي تم بعثه منذ 2015 استطاع إلى حد الآن ضبط سياسة واضحة في التعاطي مع ملف الهجرة بشكل عام وهجرة الأدمغة الذي أصبح يصطلح على تسميته بأصحاب المؤهلات العليا. موضحا أن دور هذا الهيكل يتمثل في تجميع المعطيات والأرقام والتنسيق مع بقية الهياكل والمؤسسات والمنظمات الوطنية والمدنية والدولية المهتمة بمجال الهجرة. موضحا أن المرصد أنجز دراسة حول هجرة الكفاءات التونسية بالتعاون مع الأمم المتحدة للهجرة وذلك ضمن مشروع متكامل لدعم المرصد الوطني للهجرة في تونس ممول من طرف المنظمة الدولية للهجرة وذلك اعتمادا على جملة من المقتضيات الوطنية والدولية ووفق أهداف وأبعاد دقيقة التي تبلورت في خضم ما تشهده مجتمعاتنا من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وما يصحبها من اهتمامات علمية وإعلامية. في هذا السياق أعربت العديد من المؤسسات التونسية المهتمة بشأن الهجرة عن حاجتها الاعتماد وتدعيم مقاربات ومرجعيات تبنى على أسس علمية وموضوعية حول هجرة التونسيين من ذوي المؤهلات العليا. لتتحول هذه القضية إلى مشغل حقيقي للرأي العام والخاص على نحو تم إدراجها ضمن أعمال مجلس الأمن القومي.
في جانب آخر من حديثه عن نفس المسألة أفاد عبدالرؤوف الجمل أن المرصد بصدد وضع اللمسات الأخيرة لتقديم نتائج المسح الوطني الأول للهجرة الدولية "تونيزياهيمس" الذي انطلق منذ مدة وسيغطي سيغطي كامل تراب الجمهورية وسيشمل عينة تمثل مختلف الفئات المعنية بالهجرة من المهاجرين، والمهاجرين العائدين، والمهاجرين الأجانب المقيمين على التراب التونسي، والأشخاص الذين لم يسبق لهم أن هاجروا. ويهدف هذا المسح، أساسا إلى المساهمة في إرساء نظام معلومات حول الهجرة في تونس حتى يكون آلية أساسية لإعداد وتنفيذ ومتابعة الاستراتيجيات الوطنية في مجال الهجرة. كما سيتيح دراسة أشكال الهجرة الدولية وأسبابها ودوافعها وحركيتها وآثارها وعلاقة الهجرة بالتنمية. مؤكدا أن توجه سلطة الإشراف في هذا المجال يهدف لوضع إستراتيجية تنموية بموجبها يتسنى للدولة الاستفادة من هذه الشريحة.
وفي تحديده لأكثر البلدان وجهة في هذا الجانب أفاد الجمل أن البلدان الأوروبية هي الأكثر استقطابا للأصحاب المؤهلات العليا التونسية اذ تستقطب فرنسا حوالي 64 % من جملة المهاجرين من والبلدان العربية 6% وجلهم من الجامعيين والمربين في مختلف الاختصاصات وإيطاليا 17 % وألمانيا 8% وبين أن القطاع الهندسي والطبي وشبه الطبي يشهد تزايدا كبيرا خاصة أمام توجهات عديد البلدان للاستثمار في المجال والحوافز التي تقدمها للمختصين سواء من تونس أو من بلدان أخرى.
ويرى مدير عام المرصد الوطني للهجرة أن الجهات الرسمية مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى بوضع منظومة يقظة استباقية لتلافي خطر الحاجة للكفاءات العلمية والحرفية في المستقبل إذا ما تواصل أمر نزيف هجرة الكفاءات وأصحاب المؤهلات العليا على النحو الذي عليه الوضع اليوم. وذلك من خلال ضبط رؤية واضحة في التعاطي مع ملف الهجرة وطنيا وإقليميا وقاريا ودوليا ووضع مخطط تنموي يشجع هذه الشريحة على العمل والنشاط والاستثمار في بلادنا وذلك بتوفر مناخ أمني تنموي وفق منظومة متطورة تشجع على ذلك. مبينا أن الأرقام المعتمدة في هذا المجال بتنسيق المرصد مع بقية الهياكل ستكون مهمة للجهات المعنية لوضع خارطة طريق واستراتيجية استشرافية في علاقة بالكفاءات الوطنية على مستويين وطني ودولي.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
صيحة فزع أطلقها ممثلون لعدة هياكل قطاعية ومؤسسات وهياكل ومنظمات مختصة في مجال هجرة التونسيين بالخارج أمام تزايد الإقبال المسجل في السنوات الأخيرة وبشكل ملفت على الهجرة بطرق قانونية وشرعية بالنسبة لأصحاب المؤهلات العليا والكفاءات المهنية العالية بالأساس أو عن طريق الهجرة غير النظامية بالنسبة لشريحة أخرى من المجتمع أغلبها من القصر والشباب الذين انقطعوا عن التعليم بصفة مبكرة. وقد تسنى جمع معطيات وأرقام من هياكل وطنية وقطاعية ومنظمات دولية مختصة في الاشتغال على هذا الملف تبين حجم هذه الظاهرة التي ما انكفت تشهد هبة بالجملة في السنوات الأخيرة.
فالهجرة أصبحت حلما وطموحا يغلب على واقع نسبة هامة من التونسيين من مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية ويُعزى تضخم هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة إلى توفر جملة من العوامل المتداخلة منها ما هو سياسي واقتصادي وأخرى ذاتية بسبب عدم الاستقرار وتعفن المناخ السياسي إضافة إلى الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع نسبة البطالة وانسداد آفاق الشغل بعد أن أصبحت نسبة البطالة في حدود 17% إضافة إلى انخفاض قيمة الدينار التونسي وما ترتب عنها من غلاء للمعيشة وانسداد آفاق العيش الكريم أو إمكانية تغيير الوضع في ظل زحمة الأزمات الاقتصادية المتواترة وحالة العجز المخيم على مختلف الأصعدة والتي عجزت الحكومات المتعاقبة خلال السنوات العشرة الأخيرة عن الخروج منها أو حلحلتها. خاصة أن موجة الهجرة هذه شملت أيضا رجال الأعمال والمستثمرين ورجالات الدولة.
ومدعاة هذا التخوف الذي عبر عنه عدد ممن تحدثوا عن هذه الظاهرة لـ"الصباح"، هو ما تشكله هذه الهجرة خاصة المتعلقة بنخبة النخبة التي تكفلت الدولة بتكوينها لتستفيد منها بلدان أخرى، من استنزاف للقدرات الوطنية والفراغ الذي تخلفه رغم الحاجة الماسة لها خاصة أن البعض يرى أن بلادنا ستكون في حاجة في مرحلة قادمة إلى اللجوء إلى الانتداب الخارجي لتغطية النقص الحاصل في مجالات حيوية وأساسية على غرار القطاع الطبي وشبه الطبي والهندسة والتعليم بمختلف اختصاصاته. وقد أفاد الدكتور رضا الضاوي أن عدد الأطباء الذين يغادرون تونس سنويا في حدود 150 طبيب بقطع النظر عن الأطباء التونسيين الذين تحصلوا على شهائد في المجال من جامعات أجنبية. فيما صرح كمال سحنون عميد المهندسين أن 3500 مهندسا لهم من الخبرة والكفاءة العالية، يغادرون تونس سنويا للعمل في بلدان أخرى أوروبية أو عربية.
بقطع النظر عن الانتدابات السنوية للأساتذة الجامعيين وأساتذة المراحل الثانوية ومدرسي المراحل الابتدائية والإعدادية في بلدان الخليج بشكل خاص. وهي ظاهرة ما انفكت تسجل هبة وإقبالا من الجنسين. والمسألة لم تعد حكرا على العاطلين عن العمل من حاملي الشهائد العليا فحسب بل تستقطب بدرجة أولى من يمارسون المهنة سواء في القطاعين العمومي أو الخاص. ولعل ما يدفع العدد الكبير لخوض تجربة العمل بالخارج والرغبة في الاستقرار في مكان العمل هو الهروب من الواقع والوضع الراهن المرتدي في بلادنا على جميع المستويات لاسيما إذا ما توفرت رواتب وحوافز مغرية تمكن أصحابها من توفير مستلزمات العيش الكريم، خاصة أمام غلاء المعيشة وعدم قدرة "الراتب" في بلادنا على مجاراة نسق العيش. وذلك وفق ما أوردته دراسة في الغرض لمرصد الوطني للهجرة ثم أن 73 % من التونسيين بالخارج غادروا بسبب العمل وفق ما قدمه المعهد الوطني للإحصاء في الغرض.
وفسر بعض القائمين على هياكل قطاعية تضررت بشكل كبير من هجرة كفاءاتها تفاقم الظاهرة في السنوات الأخيرة بسبب غياب الدولة وغياب سياسة عملية وإصلاحية واضحة لتغيير الوضع في مختلف المجالات بما في ذلك القطاعات الحيوية والحساسة على غرار الصحة والفلاحة والتعليم والهندسة وغيرها من المجالات الاقتصادي والاجتماعية وتوجه النخبة السياسية التي ظهرت ما بعد 2011 إلى الصراع على المواقع والهروب إلى الأمام والتركيز على قضايا ومسائل واهية وثانوية مقابل مواصلة تهميش بقية القطاعات وصلت إلى حد "ضرب الكفاءات وتعويم مشاغلها " في عبارة لعميدي الأطباء والمهندسين في حديثهما عن هذه المسألة.
أرقام ومعطيات
إذ تبين المعطيات والأرقام الصادرة عن المرصد الوطني للهجرة ووزارة الشؤون الخارجية أن عدد التونسيين بالخارج وفق البيانات المعتمدة الخاصة بسنة 2017 هو في حدود مليون و423 313 نسمة موزعين على 90 دولة في جميع قارات العالم أي 12 % من العدد الإجمالي للسكان، بزيادة 36 ألف نسمة كل سنة. ورغم تأكيد عديد الجهات على أن ظاهرة هجرة أصحاب المؤهلات العليا ليست جديدة، باعتبارها تتنزل في إطار ديناميكية عالمية للهجرة نشطت بشكل متسارع في تونس منذ سنة 2011. تونس تطورا غير مسبوق لمغادرة العديد من مهندسيها وأطبائها وأساتذتها و غيرهم من أصحاب المؤهلات العليا نحو مناطق وبلدان مختلفة.
وتؤكد العديد من المصادر، الدولية منها والوطنية، على التطور الملحوظ لهذه الظاهرة، وقد نشرت الوكالة الفرنسية للنهوض بالتعليم العالي والاستقبال الحركية الدولية "كمبيس" أن تونس تحتل المرتبة الثالثة من حيث عدد الطلبة التونسيين المرسمين بالجامعات الفرنسية نهاية سنة 2017 ليكون العدد المصرح به 12390 طالب. كما أقر الديوان الفرنسي للهجرة والإدماج (OFII ) بمناسبة اليوم الدولي للمهاجرين منذ أربع سنوات، أن تونس تحتل المرتبة الثالثة في العالم من حيث تدفق الهجرة.
وهو ما أكدته أيضا منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي نشرت أن الهجرة في تونس تنمو بمعدل متزايد اذ بلغ عدد التونسيين من ذوي الشهادات العليا الذين غادروا تونس في اتجاه أوروبا خلال الفترة الممتدة بين 2013 و2019 ما يناهز 95000 نسمة. ويعد النصيب الأوفر في هذا الرقم للمهندسين بنسبة 72% وحاملي الماجستير 13% . أما بالنسبة لتقديرات المصادر الوطنية، فحسب بيانات الوكالة التونسية للتعاون الفني فقد بلغ عدد الإطارات التونسية المشغلة بالخارج من قبل مصالحها 18000 سنة 2019 بعد أن كان لا يتجاوز 1000 سنة 1980 .من جهتها، تقدر نقابة المهندسين أنه منذ سنة 2014 يتراوح سنويا عدد المهندسين المغادرين للبلاد بين 2500 و3500 مهندسا، في حين يقدم مجلس الأطباء نسبة %45 من الأطباء الشبان الذين غادروا في عام 2017.
ويكفي الاستشهاد في الغرض بما سجلته عملية نجاح أكثر من 600 طبيب في امتحان معادلة شهائدهم في فرنسا من بين 900 طبيب ترشحوا في هذه المناظرة، من ردود أفعال في مختلف الأوساط لاسيما في ظل ما الوضع الصحي الحرج في بلادنا وتأكيد الجهات الرسمية والهياكل المختصة على النقص الكبير الذي تشكوه المؤسسات الصحية في الأطباء والإطار شبه الطبي.
كما أكد ممثلو عديد الهياكل النقابية والقطاعية أن بلادنا عرفت موجة من هجرة الأطباء في السنوات الأخيرة كانت أكثرها بين سنتي 2018 و2019 وتجاوز عدد الأطباء المهاجرين 1700 طبيبا في هذه الفترة فضلا عن أن أكثر من 80 % من الأطباء الشباب غادروا تونس في السنوات الأخيرة.
هبة بالجملة
وقد أثبتت نتائج استطلاع للرأي في الغرض الرغبة التي تحدو عدد كبير من التونسيين في الهجرة إذ أظهرت دراسة قامت بها شبكة "أفروباروميتر" في السنوات الأخيرة من شباب تونس من المتحصلين على شهائد تعليم عال يفكرون في الهجرة. وكانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكدت منذ ثلاث سنوات أن حوالي 94000 شخص قد غادروا تونس في الفترة ما بين 2011 و2017 وأن 84 % منهم توجهوا نحو أوروبا.
خطر هجرة "النخبة"
ونبهت عدة منظمات وهياكل وطنية ودولية مختصة في الاشتغال على هذا المجال إلى خطورة التدفق الكبير لهجرة أصحاب المؤهلات العالية الذي يشكل عنصرا أساسيا في بناء المجتمعات والدول بما من شأنه أن يمس بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد لما قد يحدثه من اهتزاز في تركيبة وواقع المجتمعات، ليس فقط في مستوى الارتباط بالمعايير التقليدية والتمثلات الاجتماعية بالنسبة لهذه الفئة وعلاقتها بثقافة البلاد خاصة أن الهجرة ارتبطت في فترة ما أساسا بفئة أخرى من المهاجرين فيما تحظى النخب بأولوية في التشغيل، بل وكذلك لما يثيره من مخاوف وتساؤلات حول القدرة والإمكانيات المعرفية والإبداعية لاقتصاد يسعى للاستقرار والارتقاء بقدرات الدولة ومن ثمة الخدمات المطلوبة لمواطنيها.
لذلك تنكب عدة هياكل تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الخارجية وبالتعاون مع وزارات وهياكل ومنظمات وطنية ودولية لوضع برامج عمل مشتركة تهدف إلى وضع منظومة بيانات ومعطيات حول هذه الفئة لاسيما في ظل هجرة الكفاءات المسجلة في السنوات الكبيرة بما يدفع للتحكم في قاعدة البيانات الخاصة بها من ناحية والعمل على وضع برامج تمكن من الاستفادة منها في المدى البعيد خاصة أمام ما تبينه تقارير دولية حول التغيرات الديمغرافية في العالم وعلى مستوى إقليمي وإفريقي في أفق 2030 و2050 وما يمكن أن يترتب عنه من ديناميكية اقتصادية واجتماعية وتونس سوف لن تكون بمنأى عن هذه التغيرات.
تراجع الهجرة الوافدة
في المقابل عرفت الهجرة الوافدة إلى تونس تراجعا في السنوات الأخيرة مقارنة بما كان عليه الأمر منذ سنوات وفق تقديرات الجهات المتابعة للمجال، بعد أن كانت بلادنا قبلة للراغبين في الاستثمار والاستقرار والدراسة سواء بالنسبة لأبناء القارة الافريقية أو غيرهم من أوروبيين والعرب. إذ يبلغ عدد الأجانب المقيمين في تونس وفق ح التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2014 حوالي 53490أجنبي. فيما يعد عدد الطلبة الأجانب بتونس 7340 طالب خلال السنة الجامعية 2018-2019 حسب ما المعطيات المسجلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
فيما يعمل المرصد الوطني للهجرة وديوان التونسيين بالخارج بالتعاون مع هياكل وطنية ومنظمات دولية أخرى من أجل متابعة وضبط كل متعلقات هذا المجال خاصة أمام دور هذه الفئة من التونسيين بالخارج في تنمية وإنعاش الاقتصاد الوطني عبر ما يوفرونه من مدخرات أو في تعاملاتهم مع المؤسسات المالية والبنوك التونسية.
د. رضا الضاوي عميد الأطباء:
للأسف بلادنا تفسد كفاءاتها والحلول ممكنة
وفسر الدكتور رضا الضاوي رئيس عمادة الأطباء في تونس تزايد الاقبال على الهجرة بالنسبة للأطباء التونسيين إلى توفر جمل من العوامل والدوافع التي وصفها بـ"القاهرة" والإجبارية للبعض والاختيارية بالنسبة للبعض الآخر. وذلك بسبب غلق باب الانتداب من ناحية وحالة البطالة الاجبارية للأطباء الشبان فضلا عن ظروف العمل الصعبة في أغلب المؤسسات الصحية في تونس التي تفتقر لتجهيزات الأساسية مقابل المغريات والحوافز المادية والتكوينية التي يجدها في الخارج. وحمل عميد الأطباء المسوؤلية في ذلك إلى سلطة الإشراف خاصة أمام اللخبطة في برنامج التكوين بعد التحوير الذي تم إدخاله في سنة 2019 في علاقة باختصاص الطب العام وطبيب العائلة باعتبار أن الدفعة التي تخرجت هذا العام في حدود 2000 رغم النقص الحاصل في بعض الاختصاصات الهامة والحساسة على غرار "طب التوليد والنساء" والتبنيج" الأمر الذي اضطر عدد كبير من الخريجين الجدد إلى اختيار مسالك أخرى خارج تونس للعمل والتكوين. وقال في نفس السياق: "أكبر خسارة لبلادنا هو خروج نخبتها من الأطباء مضطرين لأنه بالإمكان الاستفادة منهم على جميع المستويات لو راعت سلطة الإشراف متطلبات ذلك وعملت على توفيرها. للأسف بلادنا بصدد إفساد كفاءاتها". موضحا أن المسألة لا تتوقف على الإطار الطبي فقط وإنما تشمل أيضا الإطار شبه الطبي باعتبار أن أكثر من خمسة آلاف طبيب تونسي هاجروا دون اعتبار الأطباء التونسيين خرجي الجامعات الأجنبية أساسا منها الرومانية والروسية وغيرها ممن هم غير مسجلين بالعمادة.
وأفاد عميد الأطباء أن هناك حوالي 600 ألف طبيب مختص وأن 70 % من الأطباء التونسيين من النساء.
ودعا الدكتور الضاوي سلط الإشراف ووزارة التعليم العالي إلى الجلوس مع الهياكل القطاعية المختصة لمناقشة وضع التوين في المجال في بلادنا وطرح الحلول الممكنة بما يمكن بلادنا الكفاءات التونسية من الاستفادة.
ودعا عميد الأطباء سلطة الإشراف إلى التحرك مبكرا لإنقاذ القطاع من مما وصفه بخطر التصحر في السنوات القادمة خاصة أمام توجه سياسيات البلدان إلى الاهتمام بالمجال العلمي خاصة في علاقة بما هي طبي في مرحلة ما بعد الجائحة الوبائية "كوفيد 19" لاسيما في ظل الحوافز والمغريات وتوجهات بعض البلدان الأخرى العربية وغيرها للعناية بقطاع الصحة بدرجة أولى مما يفتح مجال الانتداب للإطارات الطبية وشبه الطبية التونسية أوسع.
نزيهة
كمال سحنون عميد المهندسين:
أكثر من 10 آلاف مهندس مهاجر وأكثر من 3500 يغادرون تونس سنويا
من جانبه أفاد كمال سحنون عميد المهندسين أن قطاع الهندسة بمختلف اختصاصاته ومجالاته يعد الأكثر إقبالا على الهجرة التي تعني استنزافا لنسبة هامة من مقدرات البلاد وفق تقديره. موضحا أن شروط الانتداب في الخارج وما توفره من حوافز ومغريات مادية ومهنية وظروف عمل أفضل بكثير مما عليه الوقع في بلادنا وعادة ما تكون موجهة لمن تتوفر لديهم الخبرة والكفاءة. مؤكدا أن أكثر من 100 ألف مهندس تونسي يعملون بالخارج باعتبار بعد اتباع بلادنا لنظام التعليم المتمثل في تنظيم بعثات للدراسة بالخارج لمن تحصلوا على أعلى المعدلات في الباكالوريا أو الجامعة منذ في الثمانيات والتسعينات من القرن الماضي.
أفاد عميد المهندسين أن هجرة هذه الفئة تعد خسارة كبيرة للدولة التونسية باعتبار أن قيمة المصاريف بالنسبة للمهندس تقدر بأكثر من 10 آلاف دينار سنويا وأن أن أقل مدة للتكوين هي خمس سنوات. وبين أنه بإمكان الدولة أن تستثمر في هذه النخبة وفق وضع منوال اقتصادي موجه للغرض ليوفر لها هؤلاء أضعاف أضعاف ما صرفته فضلا عن خلق موارد تنمية ومساهمته في حركة التنمية والاقتصاد.
في سياق متصل أفاد عميد المهندسين أن أكثر من 3500 مهندس يغادرون تونس سنويا أغلبهم ممن لهم تجربة عالية وبين أن أكثر الاختصاصات طلبا في الخارج نجد الميكانيك بجميع أنواعه فيما لا يزال اختصاص الإعلامية الأقل إقبالا إلى حد الآن. كما بين ان قطاع الهندسة مختلف عن بقية القطاعات ومجالات التكوين الجامعي باعتبار أنه مجال حيوي وباب الانتداب مفتوح سنويا. مضيفا: "في تونس هناك حوالي 80 ألف مهندس و70 % منهم أعمارهم دون الـ40 سنة وثلثهم من النساء مما يعني أن القطاع شبابي ويمكن المراهنة عليه في المستقبل في خلق فرص الثروة وبناء مناخات الاستثمار والابتكار لأن هذه الفئة قادرة على خلق عالم جديد إذا ما وجدت السياسة الهادف إلى ذلك".
كما أفاد كمال سحنون أن هناك أكثر من ثمانية آلاف مهندس يتحصلون سنويا على شهادات التخرج من الجامعات التونسية 45 % منهم إناث فيما هناك 10 آلاف مهندس معطل عن العمل حاليا وفسر ذلك بسبب عدم مواكبة منظومة التعليم الجامعي للواقع وذلك بوجود اختصاصات غير مطلوبة في سوق الشغل اليوم ولم تعد تتأقلم مع الاقتصاد اليوم.
ويرى عميد المهندسين أنه على سلطة الإشراف العمل على تطوير هذا القطاع الذي يعد المحرك الأول والأساسي للاقتصاد والمراهنة عليه في خلق فرص الابتكار في جميع المجالات.
عبدالرؤوف الجمل لـ"الصباح": المرصد يسعى لـ"التحكم" في هجرة الكفاءات لفائدة الدولة
أكد عبدالرؤوف الجمل، مدير عام المرصد الوطني للهجرة التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية لـ"الصباح"، أن المرصد الذي تم بعثه منذ 2015 استطاع إلى حد الآن ضبط سياسة واضحة في التعاطي مع ملف الهجرة بشكل عام وهجرة الأدمغة الذي أصبح يصطلح على تسميته بأصحاب المؤهلات العليا. موضحا أن دور هذا الهيكل يتمثل في تجميع المعطيات والأرقام والتنسيق مع بقية الهياكل والمؤسسات والمنظمات الوطنية والمدنية والدولية المهتمة بمجال الهجرة. موضحا أن المرصد أنجز دراسة حول هجرة الكفاءات التونسية بالتعاون مع الأمم المتحدة للهجرة وذلك ضمن مشروع متكامل لدعم المرصد الوطني للهجرة في تونس ممول من طرف المنظمة الدولية للهجرة وذلك اعتمادا على جملة من المقتضيات الوطنية والدولية ووفق أهداف وأبعاد دقيقة التي تبلورت في خضم ما تشهده مجتمعاتنا من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وما يصحبها من اهتمامات علمية وإعلامية. في هذا السياق أعربت العديد من المؤسسات التونسية المهتمة بشأن الهجرة عن حاجتها الاعتماد وتدعيم مقاربات ومرجعيات تبنى على أسس علمية وموضوعية حول هجرة التونسيين من ذوي المؤهلات العليا. لتتحول هذه القضية إلى مشغل حقيقي للرأي العام والخاص على نحو تم إدراجها ضمن أعمال مجلس الأمن القومي.
في جانب آخر من حديثه عن نفس المسألة أفاد عبدالرؤوف الجمل أن المرصد بصدد وضع اللمسات الأخيرة لتقديم نتائج المسح الوطني الأول للهجرة الدولية "تونيزياهيمس" الذي انطلق منذ مدة وسيغطي سيغطي كامل تراب الجمهورية وسيشمل عينة تمثل مختلف الفئات المعنية بالهجرة من المهاجرين، والمهاجرين العائدين، والمهاجرين الأجانب المقيمين على التراب التونسي، والأشخاص الذين لم يسبق لهم أن هاجروا. ويهدف هذا المسح، أساسا إلى المساهمة في إرساء نظام معلومات حول الهجرة في تونس حتى يكون آلية أساسية لإعداد وتنفيذ ومتابعة الاستراتيجيات الوطنية في مجال الهجرة. كما سيتيح دراسة أشكال الهجرة الدولية وأسبابها ودوافعها وحركيتها وآثارها وعلاقة الهجرة بالتنمية. مؤكدا أن توجه سلطة الإشراف في هذا المجال يهدف لوضع إستراتيجية تنموية بموجبها يتسنى للدولة الاستفادة من هذه الشريحة.
وفي تحديده لأكثر البلدان وجهة في هذا الجانب أفاد الجمل أن البلدان الأوروبية هي الأكثر استقطابا للأصحاب المؤهلات العليا التونسية اذ تستقطب فرنسا حوالي 64 % من جملة المهاجرين من والبلدان العربية 6% وجلهم من الجامعيين والمربين في مختلف الاختصاصات وإيطاليا 17 % وألمانيا 8% وبين أن القطاع الهندسي والطبي وشبه الطبي يشهد تزايدا كبيرا خاصة أمام توجهات عديد البلدان للاستثمار في المجال والحوافز التي تقدمها للمختصين سواء من تونس أو من بلدان أخرى.
ويرى مدير عام المرصد الوطني للهجرة أن الجهات الرسمية مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى بوضع منظومة يقظة استباقية لتلافي خطر الحاجة للكفاءات العلمية والحرفية في المستقبل إذا ما تواصل أمر نزيف هجرة الكفاءات وأصحاب المؤهلات العليا على النحو الذي عليه الوضع اليوم. وذلك من خلال ضبط رؤية واضحة في التعاطي مع ملف الهجرة وطنيا وإقليميا وقاريا ودوليا ووضع مخطط تنموي يشجع هذه الشريحة على العمل والنشاط والاستثمار في بلادنا وذلك بتوفر مناخ أمني تنموي وفق منظومة متطورة تشجع على ذلك. مبينا أن الأرقام المعتمدة في هذا المجال بتنسيق المرصد مع بقية الهياكل ستكون مهمة للجهات المعنية لوضع خارطة طريق واستراتيجية استشرافية في علاقة بالكفاءات الوطنية على مستويين وطني ودولي.