مع إعلانه أهمية العودة إلى دستور 59 وقراءاته الدستورية الموغلة في الفردانية وتأويله للفصول القانونية وجد رئيس الجمهورية قيس سعيد نفسه في عزلة سياسية بعد ان رفع الجميع تحفظاتهم عن ممارسات رئيس الدولة وما يمكن ان يشكله ذلك من عودة الى مربع الاستبداد بعد ان انكشفت نوايا ساكن قرطاج في السيطرة على الحكم من خلال الاحتكام الى الشارع عبر الية الاستفتاء.
انحرافات دستورية
مع ظهور نوايا الرئيس سارع اساتذة القانون الدستوري والاحزاب والاتحاد العام التونسي للشغل وعدد من المنظمات الوطنية الأخرى للتصدي لهذا الانحراف والعمل على اعادة الرجل الى الجادة على امل تجاوز مطبات دستورية وجدل سياسي عقيم.
اولى ردود الافعال تلك التي اظهرها موقف الباحث في القانون الدستوري والقانون النيابي واحد المدافعين عن الخيارات الدستورية لقيس سعيد الأستاذ رابح الخرايفي الذي علق قائلا "لقد اتضحت الأمور بعد تصريح نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل اذ يُعدُ هذا التصريح شهادة على نوايا رئيس الجمهورية ورغبته في تعليق العمل بدستور 27 جانفي 2014 والعودة إلى دستور 1 جوان 1959 بعد تعديله واستفتاء الشعب عليه فقد حَسمت كل التخمينات والتأويلات وبانت لنا نوايا رئيس الجمهورية."
وخلص الخرايفي إلى أن "سعيد يسعى لوضع الشعب في مواجهة الاحزاب والاتحاد العام التونسي للشغل وهو ما يفسر لاحقا تنصل رئيس الجمهورية علنا من الاتحاد، والأحزاب السياسية البرلمانية الداعمة له مثل التيار وحركة الشعب، اعتقادا منه انه بصدد تقوية موقفه في الشارع، هذا الشارع الذي يريد منه رئيس الجمهورية ان يطلب العودة إلى العمل بدستور 1 جوان 1959 عبر استفتائه. "
قراءة سعيد للدستور.. "باطل.. باطل"
ولم تكن القراءة الدستورية مخالفة للموقف السياسي حيث اعتبر الوزير الأسبق والقيادي السابق بحزب افاق تونس فوزي عبد الرحمان ان ما انتهى اليه قيس سعيد في لقائه مع الامين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي ورغبته في العودة الى دستور 1959 والسعي لإدخال بعض التعديلات والتحويرات عليه والمرور اثرها الى استفتاء شعبي "من اخطر ما قيل خلال هذه الفترة وان مثل هذه المواقف افقد سعيد شرعيته كرئيس".
واستنتج عبد الرحمان "ان مناقشة الدستور وتحويره يطرح داخل اطر هادئة وعقلانية وفي نطاق شرعية المؤسسات وكل دعوات خارجها هي دعوة للفوضى وبالنسبة لي بهذا الكلام فقد الرئيس قيس سعيد شرعيته كرئيس للدولة التونسية".
انتفاضة العمال...
على الرغم من العلاقة السالكة بين رئيس الدولة والاتحاد العام التونسي للشغل فقد دخل سعيد في خلاف حاد مع المنظمة بعد حادثة "ترذيله" للحوار الوطني لسنة 2014 والذي كان مدخلا لاستقرار البلاد لتتوج بعدها تونس بجائزة نوبل للسلام.
بيد أن ذلك لم يكن كافيا في عيون "فخامته" بعد نسفه لمجهودات الاحزاب البرلمانية المشاركة في حوار 2013 وللمنظمات الراعية للحوار حينها، موقف سعيد "قصفته" أشغال الهيئة الإدارية الأخيرة للاتحاد والبيان الاخير لعمادة المحامين اللذين عبرا عن غضبهما من تصريحات الرئيس.
وشن امين عام اتحاد الشغل نورالدين الطبوبي نقدا لاذعا لرئيس الجمهورية قيس سعيد بعد تشكيكه في الحوار الوطني الذي قاده الاتحاد العام التونسي للشغل صحبة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين سنة 2013 .
واعتبر الاتحاد في بيان الهيئة الإدارية لقد "تمكّنّا من تجنيب بلادنا حربا أهليّة كانت ستعصف بها بعد الاغتيالات التي طالت رموزا سياسية وأمنيين وعسكريين ومواطنين ونعتبر أنّ ما عبّر عنه (في إشارة لسعيد) هو تشكيك متواصل في المؤسّسات والمنظمات الوطنية والأحزاب السياسية وتراجع منه على التزامه بمبادرة الحوار الوطني التي اقترحها الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل إنقاذ تونس من الوضع الصعب الذي دفعت إليه الأطراف الحاكمة وأصبح يهدّد كيان الدولة."
...غضب المحامين
ولم تكن اصوات الرفض لمواقف الرئيس أصوات عمالية فحسب، فقد تدخل المحامون عبر هيئتهم الوطنية لتعتبر في بيان لها أن التصريح الأخير الصادر عن رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، في علاقة بالحوار الوطني الذي أدارته منظمات وطنية من بينها هيئة المحامين هو "تصريح صادم لعموم المحامين".
وأضافت الهيئة أنها اطلعت على فحوى تصريح لرئيس الدولة ولاحظت أن به "مساسا بدور المحاماة التونسية وعمدائها وسائر المنظمات الوطنية في إنقاذ البلاد من الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها تونس خلال سنة 2013 " ، وفق نص البيان.
من جهة أخرى دعا مجلس هيئة المحامين إلى "عدم المساس بالمكاسب التاريخية" التي أقر بها المجتمع الدولي، عبر إسناد الرباعي الراعي للحوار الوطني، جائزة نوبل للسلام (سنة 2015) والإنكباب على إيجاد الحلول الجدية والكفيلة بتجاوز تونس لأزمتها الراهنة.
سعيد "ينفض" التيار والشعب
وفي واقع الامر فقد تجاوز سعيد افق الخلافات من بطحاء محمد علي وقصر العدالة بباب بنات والقصبة وباردو ليبلغ الاحزاب حتى تلك التي شكلت سندا برلمانيا وسياسيا له خلال السنة الماضية.
فقد اغضبت تصريحات رئيس الجمهورية ابرز شريك سياسي له بعد ان نفض عنه تلك العلاقة التي تربطه بالتيار الديمقراطي وحركة الشعب ليتبرأ علنا من اي تحالف مع اي جهة كانت في اشارة واضحة الى الكتلة الديمقراطية التي وُظفت وسعت للإطاحة برئيس البرلمان راشد الغنوشي في مناسبتين، كما كانت ذات الكتلة "قنطرة" نجح من خلالها الرئيس في خلق توتر نيابي لضمان عدم تمرير المحكمة الدستورية ومنح الثقة لحكومة هشام مشيشي ولمجموعة وزرائه خلال شهر جانفي الماضي.
واذ يبدو مفهوما موقف الرئيس من التيار والشعب بعد فشلهما بداية في تنفيذ خطة اسقاط الغنوشي ومشيشي وعدم احراج الرئيس بالتصويت على المحكمة الدستورية كما ظهرت القطيعة بين التيار وقيس سعيد اثر التسريبات السياسية لرئيس الكتلة محمد عمار وكشفه لمجموع السيناريوهات والتحركات المحتملة للتيار والشعب بعد تنسيقهما مع القصر.
التيار "الإصلاحي" يرفض ويحذر
كما خلقت مواقف الرئيس من الدستور ردة فعل قوية من قبل الامين العام للتيار غازي الشواشي، ففي رده على محاولة سعيد للقفز على صلاحيات رئيس الحكومة ووزير الداخلية بضمه لقوات الداخلية الى خانة القوات الحاملة للسلاح العسكرية والامنية قال الشواشي "إنه لا يمكن أن نمنح شخصا واحدا كل القوات المسلحة بين يديه وأن الرئيس هو القائد الأعلى للجيش الوطني.
وأوضح الشواشي في تصريح لإذاعة "موزاييك" أن تعدد قراءات الدستور يعود إلى غياب المحكمة الدستورية، مشيرا إلى أن التيار الديمقراطي يعتبر أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكريةّ، في حين أن الأمن الداخلي من صلاحيات وزير الداخلية الذي عينه رئيس الحكومة.
اما بخصوص ايقاف العمل بالدستور والعودة بالزمن الى الوراء واستعادة دستور59 كبديل عن دستور2014 فقد اعتبرها الشواشي "عملية خطيرة غير محسوبة العواقب."
فهل ينجح الرئيس في تخطي الحاجز النفسي والطوق الذي ضربه على محيطه؟
خليل الحناشي
تونس-الصباح
مع إعلانه أهمية العودة إلى دستور 59 وقراءاته الدستورية الموغلة في الفردانية وتأويله للفصول القانونية وجد رئيس الجمهورية قيس سعيد نفسه في عزلة سياسية بعد ان رفع الجميع تحفظاتهم عن ممارسات رئيس الدولة وما يمكن ان يشكله ذلك من عودة الى مربع الاستبداد بعد ان انكشفت نوايا ساكن قرطاج في السيطرة على الحكم من خلال الاحتكام الى الشارع عبر الية الاستفتاء.
انحرافات دستورية
مع ظهور نوايا الرئيس سارع اساتذة القانون الدستوري والاحزاب والاتحاد العام التونسي للشغل وعدد من المنظمات الوطنية الأخرى للتصدي لهذا الانحراف والعمل على اعادة الرجل الى الجادة على امل تجاوز مطبات دستورية وجدل سياسي عقيم.
اولى ردود الافعال تلك التي اظهرها موقف الباحث في القانون الدستوري والقانون النيابي واحد المدافعين عن الخيارات الدستورية لقيس سعيد الأستاذ رابح الخرايفي الذي علق قائلا "لقد اتضحت الأمور بعد تصريح نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل اذ يُعدُ هذا التصريح شهادة على نوايا رئيس الجمهورية ورغبته في تعليق العمل بدستور 27 جانفي 2014 والعودة إلى دستور 1 جوان 1959 بعد تعديله واستفتاء الشعب عليه فقد حَسمت كل التخمينات والتأويلات وبانت لنا نوايا رئيس الجمهورية."
وخلص الخرايفي إلى أن "سعيد يسعى لوضع الشعب في مواجهة الاحزاب والاتحاد العام التونسي للشغل وهو ما يفسر لاحقا تنصل رئيس الجمهورية علنا من الاتحاد، والأحزاب السياسية البرلمانية الداعمة له مثل التيار وحركة الشعب، اعتقادا منه انه بصدد تقوية موقفه في الشارع، هذا الشارع الذي يريد منه رئيس الجمهورية ان يطلب العودة إلى العمل بدستور 1 جوان 1959 عبر استفتائه. "
قراءة سعيد للدستور.. "باطل.. باطل"
ولم تكن القراءة الدستورية مخالفة للموقف السياسي حيث اعتبر الوزير الأسبق والقيادي السابق بحزب افاق تونس فوزي عبد الرحمان ان ما انتهى اليه قيس سعيد في لقائه مع الامين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي ورغبته في العودة الى دستور 1959 والسعي لإدخال بعض التعديلات والتحويرات عليه والمرور اثرها الى استفتاء شعبي "من اخطر ما قيل خلال هذه الفترة وان مثل هذه المواقف افقد سعيد شرعيته كرئيس".
واستنتج عبد الرحمان "ان مناقشة الدستور وتحويره يطرح داخل اطر هادئة وعقلانية وفي نطاق شرعية المؤسسات وكل دعوات خارجها هي دعوة للفوضى وبالنسبة لي بهذا الكلام فقد الرئيس قيس سعيد شرعيته كرئيس للدولة التونسية".
انتفاضة العمال...
على الرغم من العلاقة السالكة بين رئيس الدولة والاتحاد العام التونسي للشغل فقد دخل سعيد في خلاف حاد مع المنظمة بعد حادثة "ترذيله" للحوار الوطني لسنة 2014 والذي كان مدخلا لاستقرار البلاد لتتوج بعدها تونس بجائزة نوبل للسلام.
بيد أن ذلك لم يكن كافيا في عيون "فخامته" بعد نسفه لمجهودات الاحزاب البرلمانية المشاركة في حوار 2013 وللمنظمات الراعية للحوار حينها، موقف سعيد "قصفته" أشغال الهيئة الإدارية الأخيرة للاتحاد والبيان الاخير لعمادة المحامين اللذين عبرا عن غضبهما من تصريحات الرئيس.
وشن امين عام اتحاد الشغل نورالدين الطبوبي نقدا لاذعا لرئيس الجمهورية قيس سعيد بعد تشكيكه في الحوار الوطني الذي قاده الاتحاد العام التونسي للشغل صحبة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين سنة 2013 .
واعتبر الاتحاد في بيان الهيئة الإدارية لقد "تمكّنّا من تجنيب بلادنا حربا أهليّة كانت ستعصف بها بعد الاغتيالات التي طالت رموزا سياسية وأمنيين وعسكريين ومواطنين ونعتبر أنّ ما عبّر عنه (في إشارة لسعيد) هو تشكيك متواصل في المؤسّسات والمنظمات الوطنية والأحزاب السياسية وتراجع منه على التزامه بمبادرة الحوار الوطني التي اقترحها الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل إنقاذ تونس من الوضع الصعب الذي دفعت إليه الأطراف الحاكمة وأصبح يهدّد كيان الدولة."
...غضب المحامين
ولم تكن اصوات الرفض لمواقف الرئيس أصوات عمالية فحسب، فقد تدخل المحامون عبر هيئتهم الوطنية لتعتبر في بيان لها أن التصريح الأخير الصادر عن رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، في علاقة بالحوار الوطني الذي أدارته منظمات وطنية من بينها هيئة المحامين هو "تصريح صادم لعموم المحامين".
وأضافت الهيئة أنها اطلعت على فحوى تصريح لرئيس الدولة ولاحظت أن به "مساسا بدور المحاماة التونسية وعمدائها وسائر المنظمات الوطنية في إنقاذ البلاد من الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها تونس خلال سنة 2013 " ، وفق نص البيان.
من جهة أخرى دعا مجلس هيئة المحامين إلى "عدم المساس بالمكاسب التاريخية" التي أقر بها المجتمع الدولي، عبر إسناد الرباعي الراعي للحوار الوطني، جائزة نوبل للسلام (سنة 2015) والإنكباب على إيجاد الحلول الجدية والكفيلة بتجاوز تونس لأزمتها الراهنة.
سعيد "ينفض" التيار والشعب
وفي واقع الامر فقد تجاوز سعيد افق الخلافات من بطحاء محمد علي وقصر العدالة بباب بنات والقصبة وباردو ليبلغ الاحزاب حتى تلك التي شكلت سندا برلمانيا وسياسيا له خلال السنة الماضية.
فقد اغضبت تصريحات رئيس الجمهورية ابرز شريك سياسي له بعد ان نفض عنه تلك العلاقة التي تربطه بالتيار الديمقراطي وحركة الشعب ليتبرأ علنا من اي تحالف مع اي جهة كانت في اشارة واضحة الى الكتلة الديمقراطية التي وُظفت وسعت للإطاحة برئيس البرلمان راشد الغنوشي في مناسبتين، كما كانت ذات الكتلة "قنطرة" نجح من خلالها الرئيس في خلق توتر نيابي لضمان عدم تمرير المحكمة الدستورية ومنح الثقة لحكومة هشام مشيشي ولمجموعة وزرائه خلال شهر جانفي الماضي.
واذ يبدو مفهوما موقف الرئيس من التيار والشعب بعد فشلهما بداية في تنفيذ خطة اسقاط الغنوشي ومشيشي وعدم احراج الرئيس بالتصويت على المحكمة الدستورية كما ظهرت القطيعة بين التيار وقيس سعيد اثر التسريبات السياسية لرئيس الكتلة محمد عمار وكشفه لمجموع السيناريوهات والتحركات المحتملة للتيار والشعب بعد تنسيقهما مع القصر.
التيار "الإصلاحي" يرفض ويحذر
كما خلقت مواقف الرئيس من الدستور ردة فعل قوية من قبل الامين العام للتيار غازي الشواشي، ففي رده على محاولة سعيد للقفز على صلاحيات رئيس الحكومة ووزير الداخلية بضمه لقوات الداخلية الى خانة القوات الحاملة للسلاح العسكرية والامنية قال الشواشي "إنه لا يمكن أن نمنح شخصا واحدا كل القوات المسلحة بين يديه وأن الرئيس هو القائد الأعلى للجيش الوطني.
وأوضح الشواشي في تصريح لإذاعة "موزاييك" أن تعدد قراءات الدستور يعود إلى غياب المحكمة الدستورية، مشيرا إلى أن التيار الديمقراطي يعتبر أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكريةّ، في حين أن الأمن الداخلي من صلاحيات وزير الداخلية الذي عينه رئيس الحكومة.
اما بخصوص ايقاف العمل بالدستور والعودة بالزمن الى الوراء واستعادة دستور59 كبديل عن دستور2014 فقد اعتبرها الشواشي "عملية خطيرة غير محسوبة العواقب."
فهل ينجح الرئيس في تخطي الحاجز النفسي والطوق الذي ضربه على محيطه؟