ما انفكت تطالعنا مشاهد المواجهات العنيفة بين قوات الأمن من ناحية والمواطنين المشاركين في التحركات الاحتجاجية في عدة أحياء شعبية في تونس الكبرى وفي غيرها من المناطق والجهات الداخلية على غرار ما يحدث في أحواز سيدي حسين السيجومي منذ أسبوع تقريبا ودون انقطاع، إضافة إلى أحياء حي التضامن والانطلاقة ومناطق أخرى بتونس الكبرى فضلا عن التحركات الاحتجاجية في مناطق أخرى بولايات سيدي بوزيد والمهدية والقصرين وقفصة وغيرها.
ووصف عبدالستار السحباني، الباحث والأكاديمي المختص في علم الاجتماع بالجامعة التونسية ورئيس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع، في هذا المستوى الوضع اليوم بـ"المضطرب والمقلق" والذي لا يشكل خطورة، في تقديره، ولكنه يعتبر الأخطر من ذلك هو أن يقع تقنين الفوضى وتعميمها على غرار "البراكاجات" والاعتداءات على أملاك الغير. وشدد الباحث في علم الاجتماع في حديثه عن المسألة لـ"الصباح"، على أن الشباب اليوم لم يعد في حاجة إلى الخطاب الأمني الذي يقوم على القمع والوعيد. ويرى أن تزايد موجة الاحتقان والغضب في الشارع التونسي اليوم على نحو شابه لما عرفه الوضع في شهر جانفي الماضي هو توفر جملة من العوامل ساهمت في تأزيمه. واعتبر الباحث في علم الاجتماع أبرز هذه العوامل ما وصفه "بالمشكل المنهجي" في تعاطي الجهات الرسمية مع هذا الحراك الذي ينم عن موجة احتقان وغضب ورفض وتمرد للشباب الذي يحتج على وضعه بالأساس، وعدم القدرة على إيجاد الأساليب والخطاب المطلوب اليوم. إذ تواصل هذه الجهات التعاطي بنفس الخطاب والأساليب التي كان معمولا بها ما قبل ثورة 2011.
رفض قطعي
في نفس السياق ذهب عبدالستار السحباني في توصيف لظاهرة التحركات التي تتزامن مع الأزمات الاقتصادية والسياسية والثقافية التي تتخبط فيها بلادنا في هذه المرحلة، بقوله: "الشباب اليوم لم يعد قابلا لأشكال الخطاب والتعامل الموجودة كالأسلوب الفوقي الذي يدفعه للتمرد والرفض إضافة إلى رفضه الخطاب الأخلاقي وخطاب التهديد والوعيد والخطاب الوردي المزين بالوعود الحالمة في وقت أصبحت أزمة الثقة مع السياسي والسلطة حقيقة".
واعتبر محدثنا أن بعض التجارب الرائدة التي نجحت في التعاطي مع الشباب "الثائر" عبر خلق "ميكانيزمات" جديدة تمكن من تحقيق الإحاطة والاستقطاب والاستمرارية داخل الأحياء على غرار تجربة "الغرافيتي في أمريكا "الراب" في عديد المجتمعات التي أصبحت شكلا من أشكال الاحتجاج بعيدا عن العنف.
في نفس الإطار أكد السحباني أن الخطاب وحده مع هذه الشريحة المنتفضة من المجتمع لم يعد وحده مقبولا بل وجب تقديم حوافز وبرامج أخرى تشجع الشباب بالأساس وتدفعه للانخراط في الوضع والعمل على تطويره. مبينا أن نسبة هامة من الشباب وغيرهم من المواطنين المحتجين على أوضاعهم الاجتماعية اليوم عدد كبير منهم ممن غادروا الدراسة في مرحلة مبكرة مما يعني أن المسألة تتطلب تغيير أساليب الخطاب وآليات التعامل معهم في مثل هذه الحالات بعيدا عن منطق خيار العنف والقوة والتهديد.
التشاركية الاجتماعية المطلوبة
وفي تصوره للحلول المطلوبة اليوم أكد المختص في علم الاجتماع انه على الجهات الرسمية إنتاج خطاب جديد مبني على التشاركية يكون فيها الشباب جزءا فاعلا ومساهما في إنتاج منظومة جديدة تجعل منه جزءا من الحل وليس العكس، لاسيما في حالة "السكيزوفرينيا" التي أصبحت تميز الشارع التونسي بمختلف شرائحه العمرية والاجتماعية.
كما اعتبر السحباني تعدد "السوسيولاكت" في المجتمع اليوم جعلت الشباب أكثر انفتاحا على خطابات أخرى لمجموعات مغلقة تعتمد أساليب أكثر ترغيبا في الاستقطاب والاحتواء وتعكس ثقافات فرعية لكنها تشكل خطورة بنجاحها في الاستثمار في هذا الغضب والرفض والتمرد على غرار الارهاب ومروجي المخدرات والسرقة والجريمة بجميع أنواعها.
ودعا رئيس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع الجهات الرسمية إلى التوجه للبحث عن المعادلة السيولوجية المطلوبة اليوم وقبل أي وقت مضى لاسيما في ظل انتشار موجة العنف التي يحمل المسؤولية في ذلك إلى سياسيي ما بعد 2011. لأنه يعتبر الصراعات والأزمات السياسية التي تتناقل وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي واللقاءات الحوارية في القنوات التلفزية والإذاعات أطوارها تعد مغذيا أول لهذا العنف المستشري في البرلمان وفي مؤسسات الدولة والمجتمع.
في جانب آخر من تفسيره وتفكيكه لهذه الظاهرة أفاد عبد الستار السحباني أن ضبابية سلطة الإشراف وتضارب مواقف حكومة مشيشي تحديدا وعدم وضوح رؤيتها في علاقة بمثل هذه التحركات كحق دستوري، وجد مواجهة ووقعا عنيفا من وزارة الداخلية منذ بداية هذا العام، يعد من العوامل التي ترشح الوضع للتطور على أوسع نطاق موضحا "التصريحات الرسمية التي رافقت احتجاجات وتحركات شهر جانفي الماضي أعلنت عن تحميل المسؤولية لعدة جهات منها "جهات أجنبية" وأطراف مأجورة... إضافة إلى التجاوزات الأمنية والممارسات اللاإنسانية لرجالات الأمن في التعاطي مع مثل تلك التحركات ولكن لم نجد شيئا معلوما وواضحا بعد هفت التحركات. وهذا الغموض من شأنه أن يوسع دائرة المخاوف والرفض والتمرد.
من المستفيد؟
واعتبر السحباني أن محاولة إيجاد أجوبة حول المستفيدين من مثل هذه التحركات ستكون الآلية الناجعة في النأي ببلادنا وشبابها عن خطر الفوضى الذي يهدد الجميع. لأنه يعتبر نفسه كمختص في علم الاجتماع يكتفي بالترصد لدراسة الوضع ومحاولة فهمه لإيجاد قراءات بمستوى مخارج من الأزمة. وأضاف في نفس السياق قائلا: "أعتقد أن المستفيد هو من يريد أن يبقى الوضع مترديا على ما هو عليه الحال اليوم. حيث تعم حالة الذعر والخوف أمام مخاطر السرقة والتهديم والاعتداءات على الملاك والأفراد."
في جانب آخر من حديثه عن عودة الاحتجاجات والمواجهات مع "البوليس" في عدة جهات، حمل السحباني ما وصفه بالمجتمع السياسي المسؤولية الكاملة في ذلك بسبب تغييبه لمنظومة الشباب من خارطة تحركاته ونشاطه. إضافة إلى تراجع دور المنظمات والجمعيات المدنية.
كما اعتبر التباعد الحاصل بين المؤسسات الاجتماعية والديناميكية الاجتماعية وتراجع دورها في استقطاب وتأطير الشباب من العوامل التي ساهمت في تأزيم الوضع على غرار المدرسة والعائلة التي أصبحت بدورها تنتج العنف والدولة والملاعب الرياضية ودور الشباب والثقافة والفضاءات الثقافية والفنية التي أصبحت مغلقة بطريقة "متخلفة" مقارنة بما يعيشه العالم والمجتمع من تحولات. وهو يرى أنه يمكن أن يرشح الوضع إلى الانفجار في حال عدم التدخل مبكرا.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
ما انفكت تطالعنا مشاهد المواجهات العنيفة بين قوات الأمن من ناحية والمواطنين المشاركين في التحركات الاحتجاجية في عدة أحياء شعبية في تونس الكبرى وفي غيرها من المناطق والجهات الداخلية على غرار ما يحدث في أحواز سيدي حسين السيجومي منذ أسبوع تقريبا ودون انقطاع، إضافة إلى أحياء حي التضامن والانطلاقة ومناطق أخرى بتونس الكبرى فضلا عن التحركات الاحتجاجية في مناطق أخرى بولايات سيدي بوزيد والمهدية والقصرين وقفصة وغيرها.
ووصف عبدالستار السحباني، الباحث والأكاديمي المختص في علم الاجتماع بالجامعة التونسية ورئيس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع، في هذا المستوى الوضع اليوم بـ"المضطرب والمقلق" والذي لا يشكل خطورة، في تقديره، ولكنه يعتبر الأخطر من ذلك هو أن يقع تقنين الفوضى وتعميمها على غرار "البراكاجات" والاعتداءات على أملاك الغير. وشدد الباحث في علم الاجتماع في حديثه عن المسألة لـ"الصباح"، على أن الشباب اليوم لم يعد في حاجة إلى الخطاب الأمني الذي يقوم على القمع والوعيد. ويرى أن تزايد موجة الاحتقان والغضب في الشارع التونسي اليوم على نحو شابه لما عرفه الوضع في شهر جانفي الماضي هو توفر جملة من العوامل ساهمت في تأزيمه. واعتبر الباحث في علم الاجتماع أبرز هذه العوامل ما وصفه "بالمشكل المنهجي" في تعاطي الجهات الرسمية مع هذا الحراك الذي ينم عن موجة احتقان وغضب ورفض وتمرد للشباب الذي يحتج على وضعه بالأساس، وعدم القدرة على إيجاد الأساليب والخطاب المطلوب اليوم. إذ تواصل هذه الجهات التعاطي بنفس الخطاب والأساليب التي كان معمولا بها ما قبل ثورة 2011.
رفض قطعي
في نفس السياق ذهب عبدالستار السحباني في توصيف لظاهرة التحركات التي تتزامن مع الأزمات الاقتصادية والسياسية والثقافية التي تتخبط فيها بلادنا في هذه المرحلة، بقوله: "الشباب اليوم لم يعد قابلا لأشكال الخطاب والتعامل الموجودة كالأسلوب الفوقي الذي يدفعه للتمرد والرفض إضافة إلى رفضه الخطاب الأخلاقي وخطاب التهديد والوعيد والخطاب الوردي المزين بالوعود الحالمة في وقت أصبحت أزمة الثقة مع السياسي والسلطة حقيقة".
واعتبر محدثنا أن بعض التجارب الرائدة التي نجحت في التعاطي مع الشباب "الثائر" عبر خلق "ميكانيزمات" جديدة تمكن من تحقيق الإحاطة والاستقطاب والاستمرارية داخل الأحياء على غرار تجربة "الغرافيتي في أمريكا "الراب" في عديد المجتمعات التي أصبحت شكلا من أشكال الاحتجاج بعيدا عن العنف.
في نفس الإطار أكد السحباني أن الخطاب وحده مع هذه الشريحة المنتفضة من المجتمع لم يعد وحده مقبولا بل وجب تقديم حوافز وبرامج أخرى تشجع الشباب بالأساس وتدفعه للانخراط في الوضع والعمل على تطويره. مبينا أن نسبة هامة من الشباب وغيرهم من المواطنين المحتجين على أوضاعهم الاجتماعية اليوم عدد كبير منهم ممن غادروا الدراسة في مرحلة مبكرة مما يعني أن المسألة تتطلب تغيير أساليب الخطاب وآليات التعامل معهم في مثل هذه الحالات بعيدا عن منطق خيار العنف والقوة والتهديد.
التشاركية الاجتماعية المطلوبة
وفي تصوره للحلول المطلوبة اليوم أكد المختص في علم الاجتماع انه على الجهات الرسمية إنتاج خطاب جديد مبني على التشاركية يكون فيها الشباب جزءا فاعلا ومساهما في إنتاج منظومة جديدة تجعل منه جزءا من الحل وليس العكس، لاسيما في حالة "السكيزوفرينيا" التي أصبحت تميز الشارع التونسي بمختلف شرائحه العمرية والاجتماعية.
كما اعتبر السحباني تعدد "السوسيولاكت" في المجتمع اليوم جعلت الشباب أكثر انفتاحا على خطابات أخرى لمجموعات مغلقة تعتمد أساليب أكثر ترغيبا في الاستقطاب والاحتواء وتعكس ثقافات فرعية لكنها تشكل خطورة بنجاحها في الاستثمار في هذا الغضب والرفض والتمرد على غرار الارهاب ومروجي المخدرات والسرقة والجريمة بجميع أنواعها.
ودعا رئيس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع الجهات الرسمية إلى التوجه للبحث عن المعادلة السيولوجية المطلوبة اليوم وقبل أي وقت مضى لاسيما في ظل انتشار موجة العنف التي يحمل المسؤولية في ذلك إلى سياسيي ما بعد 2011. لأنه يعتبر الصراعات والأزمات السياسية التي تتناقل وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي واللقاءات الحوارية في القنوات التلفزية والإذاعات أطوارها تعد مغذيا أول لهذا العنف المستشري في البرلمان وفي مؤسسات الدولة والمجتمع.
في جانب آخر من تفسيره وتفكيكه لهذه الظاهرة أفاد عبد الستار السحباني أن ضبابية سلطة الإشراف وتضارب مواقف حكومة مشيشي تحديدا وعدم وضوح رؤيتها في علاقة بمثل هذه التحركات كحق دستوري، وجد مواجهة ووقعا عنيفا من وزارة الداخلية منذ بداية هذا العام، يعد من العوامل التي ترشح الوضع للتطور على أوسع نطاق موضحا "التصريحات الرسمية التي رافقت احتجاجات وتحركات شهر جانفي الماضي أعلنت عن تحميل المسؤولية لعدة جهات منها "جهات أجنبية" وأطراف مأجورة... إضافة إلى التجاوزات الأمنية والممارسات اللاإنسانية لرجالات الأمن في التعاطي مع مثل تلك التحركات ولكن لم نجد شيئا معلوما وواضحا بعد هفت التحركات. وهذا الغموض من شأنه أن يوسع دائرة المخاوف والرفض والتمرد.
من المستفيد؟
واعتبر السحباني أن محاولة إيجاد أجوبة حول المستفيدين من مثل هذه التحركات ستكون الآلية الناجعة في النأي ببلادنا وشبابها عن خطر الفوضى الذي يهدد الجميع. لأنه يعتبر نفسه كمختص في علم الاجتماع يكتفي بالترصد لدراسة الوضع ومحاولة فهمه لإيجاد قراءات بمستوى مخارج من الأزمة. وأضاف في نفس السياق قائلا: "أعتقد أن المستفيد هو من يريد أن يبقى الوضع مترديا على ما هو عليه الحال اليوم. حيث تعم حالة الذعر والخوف أمام مخاطر السرقة والتهديم والاعتداءات على الملاك والأفراد."
في جانب آخر من حديثه عن عودة الاحتجاجات والمواجهات مع "البوليس" في عدة جهات، حمل السحباني ما وصفه بالمجتمع السياسي المسؤولية الكاملة في ذلك بسبب تغييبه لمنظومة الشباب من خارطة تحركاته ونشاطه. إضافة إلى تراجع دور المنظمات والجمعيات المدنية.
كما اعتبر التباعد الحاصل بين المؤسسات الاجتماعية والديناميكية الاجتماعية وتراجع دورها في استقطاب وتأطير الشباب من العوامل التي ساهمت في تأزيم الوضع على غرار المدرسة والعائلة التي أصبحت بدورها تنتج العنف والدولة والملاعب الرياضية ودور الشباب والثقافة والفضاءات الثقافية والفنية التي أصبحت مغلقة بطريقة "متخلفة" مقارنة بما يعيشه العالم والمجتمع من تحولات. وهو يرى أنه يمكن أن يرشح الوضع إلى الانفجار في حال عدم التدخل مبكرا.