الشح المائي.. واحتجاجات العطش والانقطاعات المتوقعة لهذه الصائفة والصعوبات التي ستواجهها ولايات قفصة وسيدي بوزيد والقيروان وولايات الساحل والجنوب الشرقي في التزود بالماء الصالح للشرب.. لا يمكن فصلها حسب مصباح الهلالي الرئيس المدير العام للشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه، عن الوضع العام والتغيرات المناخية ومعدل التساقطات وحالة الجفاف التي تعيشها البلاد منذ سنتين، وبمقارنة بسيطة بين وضعية السدود خلال الثلاث سنوات الماضية، نجد أن إيرادات السدود يوم 8 جوان 2019 الذي يصنف كموسم مائي متوسط كانت في حدود 2475 الف متر مكعب في وقت انخفضت السنة الموالية 2020 الى غاية الـ756 مليونا فقط وكانت خلال سنة 2021 في نفس المستوى تقريبا بـ768 مليون متر مكعب وبطاقة تخزين للسدود في حدود الـ46% فقط.. ومع ما سجل من تعطل في مستوى الأشغال وما خلفته الجائحة الصحية من مشاكل لدى المقاولين يبدو انه لا يمكن إلا الإقرار بان الصائفة ستكون صعبة وسيواجها خلال التونسيون تذبذبا وانقطاعات ومشاكل في التزود بالماء الصالح للشرب، قد تكون في مستوى السنة الماضية أو أكثر حدة.. وفي هذا اللقاء الذي جمع "الصباح" بالرئيس المدير العام لشركة توزيع واستغلال المياه أكثر تفاصيل عن الإشكاليات أسبابها والحلول المقترحة لها..
* تتالت في الآونة الأخيرة تصريحات لمسؤولين جهويين يحذرون من صائفة صعبة وارتفاع في معدلات الانقطاعات ما هو تشخيص الشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه لذلك؟ وما هي الولايات التي ستتأثر بهذا الوضع الصعب وحالة الجفاف المذكورة؟
يهمني التوضيح بأننا اليوم أمام وضع مناخي صعب سيكون له تأثير على مناطق أكثر من غيرها، فضعف معدل التساقطات لا تؤثر على السدود فقط بل أيضا على وضعية الموارد المائية الجوفية، وتواصل حالة الجفاف لسنتين متتالتين مع ارتفاع معدلات استغلال الموائد المائية ادى الى استنزاف لها في عديد الجهات ففي زغوان مثلا بلغ مستوى المائدة المائية الصفر.. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ان تونس تحتل المرتبة الـ30 من بين الـ168 دولة على المستوى العالمي التي تواجه صعوبات فيما يتعلق بالتغيرات المناخية ومواجهة الجفاف وندرة المياه وعدم الانتظام في التساقطات.. فالأكيد ان مشكل العطش والشح المائي سيطرح فيها بقوة..
اما التأثير فسيشمل تقريبا كل ولايات الجمهورية في منظومتيها التي تعتمد على المياه الجوفية أو مياه السدود السطحية المربوطة بمنظومة نقل فائض مياه الشمال. وفي الغالب لن تتأثر المناطق القريبة او التي تتواجد بها السدود بالنقص المسجل.
في المقابل المناطق التي أقول انها ستواجه صعوبات هذه الصائفة هي الولايات المرتبطة بمنظومة الوطن القبلي الساحل وصفاقس، أي الولايات التي تتزود بالماء عبر القناة الكبرى لنقل فائض مياه الشمال إلى جانب منظومة مياه جوفية تواجه صعوبات وستكون ولايات نابل المهدية والمنستير وسوسة والقيروان وصفاقس.
كما ستشهد مناطق الجنوب الشرقي مدنين وتطاوين وقابس التي تعرف استنزاف بمائدة المياه الجوفية، وهذا ما دفعنا إلى التحول الى منظومة تحلية المياه الجوفية المالحة او مياه البحر من اجل تسجيل التوازن المطلوب في التزود. فضلا عن ولاية قفصة وولاية الكاف بأقل حدة وولاية زغوان التي تعاني اليوم جفافا في موائدها المائية..
*ماهو حجم هذه الصعوبات خاصة أن منظمات المجتمع المدني تحذر من انقطاعات قياسية هذه الصائفة؟
حجم الانقطاعات تعكسه فقط البلاغات الصادرة عن الشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه والمنشورة بصفة قبلية او بعدية على الهياكل الرسمية للشركة.
اما بالنسبة لصعوبات التزود خلال الصائفة فستتزامن مع فترات الذروة التي تمتد من شهر جوان إلى غاية شهر سبتمبر، أوت وجويلية بالأساس، نتوقع ارتفاع في الطلب بطريقة يتجاوز فيها حجم العرض او تكون في نفس مستوى وأمام هذا التوازن الهش نتوقع تسجيل تذبذب في التزود مرفوق بانقطاعات أو انخفاض في منسوب المياه، وهذا لا يعني انقطاعا كليا في المياه بل يبقى كل شي مرتبطا بالطلب وثنائية العرض والطلب..
*أمام هذا الوضع الصعب، والشح المائي، هل سنضطر إلى اعتماد نظام الحصص أو التقسيط في التزود بالماء الصالح للشرب؟
الى غاية اليوم نحن لم نصل الى مستوى نضطر معه الى اعتماد نظام التقسيط او الحصص، وحتى ان وصلنا له فسيكون ظرفيا، التونسيون معتادون على منظومة تزويد مستمرة ومتواصلة ونحن نريد البقاء في هذا المستوى، حتى ان مشاريعنا المستقبلية التي تم الانطلاق فيها في عدد من الجهات مبنية بالأساس على هذا التوجه.
*منذ أكثر من 10 سنوات تعيش تونس على وقع مشاكل في التزود بمياه الشرب؟ هل سيكون هذا العام أكثرها حدة؟
تونس تعيش مشكلا في التزود بمياه الشرب منذ أكثر من 10 سنوات فمثلا صفاقس تعرف نقصا في المياه منذ 2005، لكن اليوم الأمر يأخذ حجما اكبر على خلفية الانفتاح الإعلامي وفسحة الحريات. والشفافية والانفتاح الذي تعمل في إطاره اليوم الشركة.
وأود الإشارة في هذا الصدد، إلى ان الشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه ما بين 2010 و2020، قد ضاعفت طاقة إنتاجها للمياه بنحو 46%، اما بالنسبة لحدة المشاكل التي ستشهدها الصائفة فتبقى مرتبطة بثنائية العرض والطلب وبدرجات الحرارة والفترات التي ستمتد عليها، فبإمكان موجة حرارة تتواصل لأكثر من 3 أيام ان تخلق مشكل في عدد من الجهات.. وعلى الأغلب سيكون الوضع مشابها للسنة الفارطة مع بعض التحسينات مثلا جهة الكاف سيكون الوضع أفضل، فالتحضيرات للصائفة التي انطلقت الشركة في العمل عليها منذ شهر سبتمبر 2020 وبلغت الـ157 تدخلا على المستوى الوطني وشملت المناطق التي شهدت مشاكل خلال الصائفة الماضية، وحققنا اليوم نسبة انجاز في حدود الـ70% نأمل الانتهاء منها مع منتصف الصائفة حتى ننجح في تخفيف ولو جزئيا من وطأة اثار الشح المائي والنقص في كميات المياه.
*واجهت الأشغال المبرمجة من قبل الشركة خلال السنوات الماضية جملة من الإشكالات تعلقت بالانجاز أو حتى الانطلاقة؟ ما أسباب ذلك وماهي المناطق المعنية بها وما طبيعة هذه المشاكل؟
تقريبا كل الأشغال المبرمجة من قبل الشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه في كامل تراب الجمهورية قد شهدت تعطلا وإشكالات، ففترات الغلق الكلي التي فرضتها جائحة كورونا والعمل يوم بيوم والحجر الصحي الشامل التي عاشت على وقعها ولايات لأكثر من أسبوعين.. تسببت في تعطل وانقطاعات وتأخير واضح في نسق تقدم الاشغال في القصرين وقبلي وقابس مثلا... كما خلف التذبذب في العمل صعوبات مالية لدى المقاولين الذين عجز بعضهم على استئناف النشاط أو تدارك التأخير..
أولا عرفت مشاريع الشركة تعطيلات كبيرة للغاية من قبل مواطنين، فمثلا في قفصة تقريبا تشهد مختلف المشاريع المبرمجة لفائدة الجهة توقفا، منذ 3 سنوات رصدنا مشروع محطة تحلية المياه ابار عميقة في جهة قفصة الشرقية، القطار والمضيلة، الاعتمادات مرصودة، مراسلات وضغط واجتماعات جهوية لكن المشروع لم ينطلق منذ سنة 2018 لان مجلس التصرف في الأراضي الاشتراكية يرفض ذلك..
ثاني مشروع في منطقة فم المعزة طريق القصرين، تحصلت الشركة على رخصة في 7 آبار من اجل تدعيم التزود بالمياه لمدينة قفصة، لم ينطلق المشروع ايضا على خلفية منعنا من قبل عدد الفلاحين في المنطقة بتعلة المس من موارد الري في حين انه قانونيا تعد مياه الشرب ذات أولوية. وقدمنا قضية في الصدد وحاولنا التنفيذ بالقوة العامة لكن فشلنا في ذلك.
نفس الأمر واجهته الشركة في قفصة الشمالية محمية عرباطة المتواجدة في طريق تونس، ورغم أنها ملك للدولة تم تعطيل المشروع والوقوف أمام انطلاقها ولم ينجح اي طرف في حلحلة الوضع هناك.. في نفس الوقت تشهد الجهة تحركات مطالبة بالماء.. والتحدي الأكبر اليوم ان الدعم المرصود لجهة قفصة تضطر الشركة اليوم إلى توجيهه إلى مشاريع أخرى في ظل تعطل الأولى..
والمشكل الثاني يطرح مع الربط العشوائي بشبكة الشركة وسرقة المياه والحفر العشوائي للآبار، التي تتسبب في استنزاف كامل للماء، وبلغت حسب تقييم الشركة حوالي 20% من الحجم الكلي للمياه التي نوزعها.. ورغم محاولات الشركة التدخل واعتماد القوة العامة في ذلك إلا ان محاولاتها ووجهت بصد المواطنين، ونحن نعتبر انه وبقدر ما سيتواصل هذا التجاوز سيبقى مشكل التزود بالمياه مطروحا في الجهة.
المشكل الثالث المطروح اليوم هو الاعتداءات المسجلة على تجهيزات الشركة وسرقة معداتها، آخرها كان ليلة عيد الفطر في معتمدية جلمة التي تسببت في انقطاعات للماء لمدة يومين من اجل إعادة تشغيلها.. وللعلم الشركة لديها 4 آلاف منشأة على مستوى كل ولايات الجمهورية، تتعرض دوريا لسرقات (لان مادتها نحاسية).. ومعها يطرح في كل مرة مشكل في التزود بمياه الشرب.
أما المشكل الرابع فيطرح في علاقة بالشبكة الكهرباء والغاز، فنظرا إلى أن مختلف محطاتنا تشتغل بالتيار الكهربائي (نحن الحريف الأول لشركة توزيع الكهرباء والغاز) فان ذروة الاستهلاك وعمليات الربط العشوائي بشبكة الكهرباء وجرائم السرقة التي تتعرض لها المولدات الكهربائية يكون لها تأثير مباشر على أداء الشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه.
*وماذا عن التتبعات القضائية لهذه التجاوزات؟
اغلب التتبعات القضائية التي تقوم بها الشركة فيما يتصل بالتجاوزات المذكورة والجرائم المرتكبة في الملك العمومي، ومئات القضايا التي تقدمت بها الشركة لم يتم الفصل فيها الى غاية الان حتى ان بعض المنشآت ضاعت وفقدت قيمتها بسبب ذلك ونذكر منها مثلا البئر الذي تم حفره في معتمدية جلمة وقام مواطنون بردمه ومنع استغلاله منذ ثلاث سنوات لم يتم الفصل فيه إلى غاية الآن وأصبح من المشاريع الضائعة نفس الأمر تواجهه بقية القضايا.
*مع الزيادات التي تم إقرارها خلال السنوات الماضية هل تجاوزت الشركة الصعوبات المالية التي كانت تواجهها ؟
واجهت الشركة منذ 2011 تجميدا دوريا لتسعيرتها وإيراداتها السنوية في بيع الماء، التي تعد المصدر الأساسي لمواردها الأمر الذي خلق صعوبات في تدخلاتها وفي الصيانة (معدل 70 تدخل في اليوم) وتلبية عمليات الربط في مواعيدها ( لدينا تقريبا 80 ألف حريف جديد سنويا).
والى حدود 2019 كانت مداخيل الشركة قادرة على تغطية 65% فقط من حاجياتها واليوم وبعد إقرار الزيادتين السابقتين تمكنت الشركة من تحسين وضعها المالي وأصبحت قادرة اليوم على تغطية نحو 75% من مصاريفها، هناك تحسن بفضل المراجعة التي تم إقرارها وستتواصل على امتداد 5 سنوات ونأمل أن ننجح سنة 2024 الى تغطية كلفة الإنتاج، وهي نفس السنة التي ستدخل خلالها المشاريع الكبرى حيز الاستغلال وستكون موعدا لتحسن حقيقي في الوضع العام ومنظومات التزود بالماء الصالح للشرب. وللإشارة نسبة فاتورة الماء في مداخيل الأسرة التونسية بقيت نفسها في حدود الـ2% حتى مع الزيادات المقررة.
*ما مدى تقدم المشاريع الكبرى التي انطلقت الشركة في الاشتغال عليها منذ الخماسية الماضية؟
المشاريع الكبرى تتطلب مدة في الانجاز تمتد لفترة 5 سنوات على الأقل، تعلقت اغلبها بتعبئة موارد مائية جديدة، تهم تدعيم تحويل فائض مياه الشمال، وتهم سد السعيدة وسد القلعة والربط بينهما. هذا فضلا عن الانطلاق في انجاز محطتين للمعالجة المياه أيضا في القلعة (تنطلق الشهر القادم) ومحطة في بجاوة لتدعيم مركب المعالجة ببئر القلة.
أما فيما يهم الجنوب فنحن بصدد مواصلة العمل على البرنامج الوطني لتحلية المياه، بعد محطة جربة التي دخلت حيز الاستغلال ومحطة الزارات ومحطة صفاقس التي ستنطلق أشغالها الشهر القادم تنتهي صيف 2022، فضلا عن محطة سوسة تتواصل الأشغال فيها.
ولدينا في نفس الوقت مشرع ضخم يهم تحسين نوعية المياه في الجنوب التونسي وتهم 6 ولايات ويشمل توزر وقفصة، اين مازلت الاشغال معطلة، وسيد بوزيد (مكناسي ومنزل بوزيان والمزونة) وقبلي وبن قردان بمدنين.. هذا مع مواصلة حفر الآبار العميقة لتدعيم التزود بالماء في ولايات القصرين وسليانة وسيدي بوزيد... وفي مجملها بلغ حجم الأموال المرصودة للمشاريع الكبرى المذكورة على المستوى الوطني نحو الـ3800 مليون دينار.
*ماذا عن المواطنين الذين لم يتم ربط مناطقهم بعد بشبكات الشركة وأساسا الأرياف؟
الشركة اليوم نسبة تغطيتها للأرياف في حدود الـ94% وهي بصدد مواصلة العمل على مشاريع المحاور الكبرى التي تستهدف فئة المواطنين الذين يصعب الوصول إليهم، واليوم تم الانتهاء من الجزء الخاص بولاية جندوبة والأشغال في حدود الـ70% بالنسبة لولاية باجة وانطلقنا في العمل على ولاية بنزرت وبانتهائها سنكون في نسبة تغطية في حدود ال97% تبقى تلك المساكن المشتتة التي يتطلبون حلول فردية.
وانطلقنا في دراسة من اجل تزويد أرياف ولايات الكاف وسليانة التي سيتم الانطلاق في أشغالها قريبا. وستمثل حلولا لهذه المناطق ويرفع من نسبة التغطية إلى حدود الـ97% وهو هدفنا المرسوم اليوم، وتبقى النسبة 3% هي الأصعب.
حوار: ريم سوودي
تونس- الصباح
الشح المائي.. واحتجاجات العطش والانقطاعات المتوقعة لهذه الصائفة والصعوبات التي ستواجهها ولايات قفصة وسيدي بوزيد والقيروان وولايات الساحل والجنوب الشرقي في التزود بالماء الصالح للشرب.. لا يمكن فصلها حسب مصباح الهلالي الرئيس المدير العام للشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه، عن الوضع العام والتغيرات المناخية ومعدل التساقطات وحالة الجفاف التي تعيشها البلاد منذ سنتين، وبمقارنة بسيطة بين وضعية السدود خلال الثلاث سنوات الماضية، نجد أن إيرادات السدود يوم 8 جوان 2019 الذي يصنف كموسم مائي متوسط كانت في حدود 2475 الف متر مكعب في وقت انخفضت السنة الموالية 2020 الى غاية الـ756 مليونا فقط وكانت خلال سنة 2021 في نفس المستوى تقريبا بـ768 مليون متر مكعب وبطاقة تخزين للسدود في حدود الـ46% فقط.. ومع ما سجل من تعطل في مستوى الأشغال وما خلفته الجائحة الصحية من مشاكل لدى المقاولين يبدو انه لا يمكن إلا الإقرار بان الصائفة ستكون صعبة وسيواجها خلال التونسيون تذبذبا وانقطاعات ومشاكل في التزود بالماء الصالح للشرب، قد تكون في مستوى السنة الماضية أو أكثر حدة.. وفي هذا اللقاء الذي جمع "الصباح" بالرئيس المدير العام لشركة توزيع واستغلال المياه أكثر تفاصيل عن الإشكاليات أسبابها والحلول المقترحة لها..
* تتالت في الآونة الأخيرة تصريحات لمسؤولين جهويين يحذرون من صائفة صعبة وارتفاع في معدلات الانقطاعات ما هو تشخيص الشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه لذلك؟ وما هي الولايات التي ستتأثر بهذا الوضع الصعب وحالة الجفاف المذكورة؟
يهمني التوضيح بأننا اليوم أمام وضع مناخي صعب سيكون له تأثير على مناطق أكثر من غيرها، فضعف معدل التساقطات لا تؤثر على السدود فقط بل أيضا على وضعية الموارد المائية الجوفية، وتواصل حالة الجفاف لسنتين متتالتين مع ارتفاع معدلات استغلال الموائد المائية ادى الى استنزاف لها في عديد الجهات ففي زغوان مثلا بلغ مستوى المائدة المائية الصفر.. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ان تونس تحتل المرتبة الـ30 من بين الـ168 دولة على المستوى العالمي التي تواجه صعوبات فيما يتعلق بالتغيرات المناخية ومواجهة الجفاف وندرة المياه وعدم الانتظام في التساقطات.. فالأكيد ان مشكل العطش والشح المائي سيطرح فيها بقوة..
اما التأثير فسيشمل تقريبا كل ولايات الجمهورية في منظومتيها التي تعتمد على المياه الجوفية أو مياه السدود السطحية المربوطة بمنظومة نقل فائض مياه الشمال. وفي الغالب لن تتأثر المناطق القريبة او التي تتواجد بها السدود بالنقص المسجل.
في المقابل المناطق التي أقول انها ستواجه صعوبات هذه الصائفة هي الولايات المرتبطة بمنظومة الوطن القبلي الساحل وصفاقس، أي الولايات التي تتزود بالماء عبر القناة الكبرى لنقل فائض مياه الشمال إلى جانب منظومة مياه جوفية تواجه صعوبات وستكون ولايات نابل المهدية والمنستير وسوسة والقيروان وصفاقس.
كما ستشهد مناطق الجنوب الشرقي مدنين وتطاوين وقابس التي تعرف استنزاف بمائدة المياه الجوفية، وهذا ما دفعنا إلى التحول الى منظومة تحلية المياه الجوفية المالحة او مياه البحر من اجل تسجيل التوازن المطلوب في التزود. فضلا عن ولاية قفصة وولاية الكاف بأقل حدة وولاية زغوان التي تعاني اليوم جفافا في موائدها المائية..
*ماهو حجم هذه الصعوبات خاصة أن منظمات المجتمع المدني تحذر من انقطاعات قياسية هذه الصائفة؟
حجم الانقطاعات تعكسه فقط البلاغات الصادرة عن الشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه والمنشورة بصفة قبلية او بعدية على الهياكل الرسمية للشركة.
اما بالنسبة لصعوبات التزود خلال الصائفة فستتزامن مع فترات الذروة التي تمتد من شهر جوان إلى غاية شهر سبتمبر، أوت وجويلية بالأساس، نتوقع ارتفاع في الطلب بطريقة يتجاوز فيها حجم العرض او تكون في نفس مستوى وأمام هذا التوازن الهش نتوقع تسجيل تذبذب في التزود مرفوق بانقطاعات أو انخفاض في منسوب المياه، وهذا لا يعني انقطاعا كليا في المياه بل يبقى كل شي مرتبطا بالطلب وثنائية العرض والطلب..
*أمام هذا الوضع الصعب، والشح المائي، هل سنضطر إلى اعتماد نظام الحصص أو التقسيط في التزود بالماء الصالح للشرب؟
الى غاية اليوم نحن لم نصل الى مستوى نضطر معه الى اعتماد نظام التقسيط او الحصص، وحتى ان وصلنا له فسيكون ظرفيا، التونسيون معتادون على منظومة تزويد مستمرة ومتواصلة ونحن نريد البقاء في هذا المستوى، حتى ان مشاريعنا المستقبلية التي تم الانطلاق فيها في عدد من الجهات مبنية بالأساس على هذا التوجه.
*منذ أكثر من 10 سنوات تعيش تونس على وقع مشاكل في التزود بمياه الشرب؟ هل سيكون هذا العام أكثرها حدة؟
تونس تعيش مشكلا في التزود بمياه الشرب منذ أكثر من 10 سنوات فمثلا صفاقس تعرف نقصا في المياه منذ 2005، لكن اليوم الأمر يأخذ حجما اكبر على خلفية الانفتاح الإعلامي وفسحة الحريات. والشفافية والانفتاح الذي تعمل في إطاره اليوم الشركة.
وأود الإشارة في هذا الصدد، إلى ان الشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه ما بين 2010 و2020، قد ضاعفت طاقة إنتاجها للمياه بنحو 46%، اما بالنسبة لحدة المشاكل التي ستشهدها الصائفة فتبقى مرتبطة بثنائية العرض والطلب وبدرجات الحرارة والفترات التي ستمتد عليها، فبإمكان موجة حرارة تتواصل لأكثر من 3 أيام ان تخلق مشكل في عدد من الجهات.. وعلى الأغلب سيكون الوضع مشابها للسنة الفارطة مع بعض التحسينات مثلا جهة الكاف سيكون الوضع أفضل، فالتحضيرات للصائفة التي انطلقت الشركة في العمل عليها منذ شهر سبتمبر 2020 وبلغت الـ157 تدخلا على المستوى الوطني وشملت المناطق التي شهدت مشاكل خلال الصائفة الماضية، وحققنا اليوم نسبة انجاز في حدود الـ70% نأمل الانتهاء منها مع منتصف الصائفة حتى ننجح في تخفيف ولو جزئيا من وطأة اثار الشح المائي والنقص في كميات المياه.
*واجهت الأشغال المبرمجة من قبل الشركة خلال السنوات الماضية جملة من الإشكالات تعلقت بالانجاز أو حتى الانطلاقة؟ ما أسباب ذلك وماهي المناطق المعنية بها وما طبيعة هذه المشاكل؟
تقريبا كل الأشغال المبرمجة من قبل الشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه في كامل تراب الجمهورية قد شهدت تعطلا وإشكالات، ففترات الغلق الكلي التي فرضتها جائحة كورونا والعمل يوم بيوم والحجر الصحي الشامل التي عاشت على وقعها ولايات لأكثر من أسبوعين.. تسببت في تعطل وانقطاعات وتأخير واضح في نسق تقدم الاشغال في القصرين وقبلي وقابس مثلا... كما خلف التذبذب في العمل صعوبات مالية لدى المقاولين الذين عجز بعضهم على استئناف النشاط أو تدارك التأخير..
أولا عرفت مشاريع الشركة تعطيلات كبيرة للغاية من قبل مواطنين، فمثلا في قفصة تقريبا تشهد مختلف المشاريع المبرمجة لفائدة الجهة توقفا، منذ 3 سنوات رصدنا مشروع محطة تحلية المياه ابار عميقة في جهة قفصة الشرقية، القطار والمضيلة، الاعتمادات مرصودة، مراسلات وضغط واجتماعات جهوية لكن المشروع لم ينطلق منذ سنة 2018 لان مجلس التصرف في الأراضي الاشتراكية يرفض ذلك..
ثاني مشروع في منطقة فم المعزة طريق القصرين، تحصلت الشركة على رخصة في 7 آبار من اجل تدعيم التزود بالمياه لمدينة قفصة، لم ينطلق المشروع ايضا على خلفية منعنا من قبل عدد الفلاحين في المنطقة بتعلة المس من موارد الري في حين انه قانونيا تعد مياه الشرب ذات أولوية. وقدمنا قضية في الصدد وحاولنا التنفيذ بالقوة العامة لكن فشلنا في ذلك.
نفس الأمر واجهته الشركة في قفصة الشمالية محمية عرباطة المتواجدة في طريق تونس، ورغم أنها ملك للدولة تم تعطيل المشروع والوقوف أمام انطلاقها ولم ينجح اي طرف في حلحلة الوضع هناك.. في نفس الوقت تشهد الجهة تحركات مطالبة بالماء.. والتحدي الأكبر اليوم ان الدعم المرصود لجهة قفصة تضطر الشركة اليوم إلى توجيهه إلى مشاريع أخرى في ظل تعطل الأولى..
والمشكل الثاني يطرح مع الربط العشوائي بشبكة الشركة وسرقة المياه والحفر العشوائي للآبار، التي تتسبب في استنزاف كامل للماء، وبلغت حسب تقييم الشركة حوالي 20% من الحجم الكلي للمياه التي نوزعها.. ورغم محاولات الشركة التدخل واعتماد القوة العامة في ذلك إلا ان محاولاتها ووجهت بصد المواطنين، ونحن نعتبر انه وبقدر ما سيتواصل هذا التجاوز سيبقى مشكل التزود بالمياه مطروحا في الجهة.
المشكل الثالث المطروح اليوم هو الاعتداءات المسجلة على تجهيزات الشركة وسرقة معداتها، آخرها كان ليلة عيد الفطر في معتمدية جلمة التي تسببت في انقطاعات للماء لمدة يومين من اجل إعادة تشغيلها.. وللعلم الشركة لديها 4 آلاف منشأة على مستوى كل ولايات الجمهورية، تتعرض دوريا لسرقات (لان مادتها نحاسية).. ومعها يطرح في كل مرة مشكل في التزود بمياه الشرب.
أما المشكل الرابع فيطرح في علاقة بالشبكة الكهرباء والغاز، فنظرا إلى أن مختلف محطاتنا تشتغل بالتيار الكهربائي (نحن الحريف الأول لشركة توزيع الكهرباء والغاز) فان ذروة الاستهلاك وعمليات الربط العشوائي بشبكة الكهرباء وجرائم السرقة التي تتعرض لها المولدات الكهربائية يكون لها تأثير مباشر على أداء الشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه.
*وماذا عن التتبعات القضائية لهذه التجاوزات؟
اغلب التتبعات القضائية التي تقوم بها الشركة فيما يتصل بالتجاوزات المذكورة والجرائم المرتكبة في الملك العمومي، ومئات القضايا التي تقدمت بها الشركة لم يتم الفصل فيها الى غاية الان حتى ان بعض المنشآت ضاعت وفقدت قيمتها بسبب ذلك ونذكر منها مثلا البئر الذي تم حفره في معتمدية جلمة وقام مواطنون بردمه ومنع استغلاله منذ ثلاث سنوات لم يتم الفصل فيه إلى غاية الآن وأصبح من المشاريع الضائعة نفس الأمر تواجهه بقية القضايا.
*مع الزيادات التي تم إقرارها خلال السنوات الماضية هل تجاوزت الشركة الصعوبات المالية التي كانت تواجهها ؟
واجهت الشركة منذ 2011 تجميدا دوريا لتسعيرتها وإيراداتها السنوية في بيع الماء، التي تعد المصدر الأساسي لمواردها الأمر الذي خلق صعوبات في تدخلاتها وفي الصيانة (معدل 70 تدخل في اليوم) وتلبية عمليات الربط في مواعيدها ( لدينا تقريبا 80 ألف حريف جديد سنويا).
والى حدود 2019 كانت مداخيل الشركة قادرة على تغطية 65% فقط من حاجياتها واليوم وبعد إقرار الزيادتين السابقتين تمكنت الشركة من تحسين وضعها المالي وأصبحت قادرة اليوم على تغطية نحو 75% من مصاريفها، هناك تحسن بفضل المراجعة التي تم إقرارها وستتواصل على امتداد 5 سنوات ونأمل أن ننجح سنة 2024 الى تغطية كلفة الإنتاج، وهي نفس السنة التي ستدخل خلالها المشاريع الكبرى حيز الاستغلال وستكون موعدا لتحسن حقيقي في الوضع العام ومنظومات التزود بالماء الصالح للشرب. وللإشارة نسبة فاتورة الماء في مداخيل الأسرة التونسية بقيت نفسها في حدود الـ2% حتى مع الزيادات المقررة.
*ما مدى تقدم المشاريع الكبرى التي انطلقت الشركة في الاشتغال عليها منذ الخماسية الماضية؟
المشاريع الكبرى تتطلب مدة في الانجاز تمتد لفترة 5 سنوات على الأقل، تعلقت اغلبها بتعبئة موارد مائية جديدة، تهم تدعيم تحويل فائض مياه الشمال، وتهم سد السعيدة وسد القلعة والربط بينهما. هذا فضلا عن الانطلاق في انجاز محطتين للمعالجة المياه أيضا في القلعة (تنطلق الشهر القادم) ومحطة في بجاوة لتدعيم مركب المعالجة ببئر القلة.
أما فيما يهم الجنوب فنحن بصدد مواصلة العمل على البرنامج الوطني لتحلية المياه، بعد محطة جربة التي دخلت حيز الاستغلال ومحطة الزارات ومحطة صفاقس التي ستنطلق أشغالها الشهر القادم تنتهي صيف 2022، فضلا عن محطة سوسة تتواصل الأشغال فيها.
ولدينا في نفس الوقت مشرع ضخم يهم تحسين نوعية المياه في الجنوب التونسي وتهم 6 ولايات ويشمل توزر وقفصة، اين مازلت الاشغال معطلة، وسيد بوزيد (مكناسي ومنزل بوزيان والمزونة) وقبلي وبن قردان بمدنين.. هذا مع مواصلة حفر الآبار العميقة لتدعيم التزود بالماء في ولايات القصرين وسليانة وسيدي بوزيد... وفي مجملها بلغ حجم الأموال المرصودة للمشاريع الكبرى المذكورة على المستوى الوطني نحو الـ3800 مليون دينار.
*ماذا عن المواطنين الذين لم يتم ربط مناطقهم بعد بشبكات الشركة وأساسا الأرياف؟
الشركة اليوم نسبة تغطيتها للأرياف في حدود الـ94% وهي بصدد مواصلة العمل على مشاريع المحاور الكبرى التي تستهدف فئة المواطنين الذين يصعب الوصول إليهم، واليوم تم الانتهاء من الجزء الخاص بولاية جندوبة والأشغال في حدود الـ70% بالنسبة لولاية باجة وانطلقنا في العمل على ولاية بنزرت وبانتهائها سنكون في نسبة تغطية في حدود ال97% تبقى تلك المساكن المشتتة التي يتطلبون حلول فردية.
وانطلقنا في دراسة من اجل تزويد أرياف ولايات الكاف وسليانة التي سيتم الانطلاق في أشغالها قريبا. وستمثل حلولا لهذه المناطق ويرفع من نسبة التغطية إلى حدود الـ97% وهو هدفنا المرسوم اليوم، وتبقى النسبة 3% هي الأصعب.