ما تزال الزيارات الرسمية التي قام بها مؤخرا رئيسي السلطة التنفيذية (رئيس الحكومة+ رئيس الجمهورية) إلى قطر أو ليبيا وقبلها الوفد الرسمي إلى صندوق النقد الدولي تثير الكثير من الجدل بسبب تضارب الأنباء عن فحواها وتباين الآراء المقيّمة لنتائجها بسبب غياب شبه كلي لمعطيات رسمية ودقيقة عن ما تمخض عنها من اتفاقيات ثنائية سواء كانت آنية فورية في شكل خطوط عريضة أو مشاريع اتفاقيات مؤجلة قد ترى النور على المدى القريب أو المتوسط..
وتستمد أهمية هذه الزيارات التي باتت تشغل بال الرأي العام التونسي ليس في جانبها السياسي البروتوكولي بل في جانبها الاقتصادي بحكم الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس في الوقت الراهن وتداعيات الأزمة المالية الخانقة على مستوى عيش التونسيين في شتى المجالات، والحاجة الملحّة للحكومة للبحث عن مصادر تمويل لتجاوز الأزمة القائمة سواء عبر تكثيف التعاون الدولي الثنائي أو طرق أبواب المؤسسات الدولية المانحة..
وبعيدا عن كواليس الاتفاقيات السياسية أو الاتفاقيات ذات الطابع الأمني التي غالبا ما يتم التكتم عن تفاصيلها في مثل هذه الزيارات الرسمية، يظل التعاون الاقتصادي مجالا مفتوحا كمادة إعلامية اتصالية مفتوحة قابلة للنفاذ طالما أن الأمر يهم شعوب البلدين ويمس من مصالح قطاعات مهنية وتجارية واقتصادية واسعة..
غموض.. دعاية.. وتوقعات
اللافت للنظر أن الزيارات المذكورة سبقها زخم إعلامي دعائي مكثف صدر بعضها عن شخصيات سياسية حزبية أو حكومية. وجاءت في شكل توقعات وتنبأت مهلّلة لم يثبت صحتها. بل إن سقف التوقعات ارتفع ليصل إلى حد أن البعض روّج لتحصيل الجانب التونسي لمبالغ قروض وهبات مالية ضخمة خيالية ومساعدات اقتصادية أخرى متعددة، دون تريث او انتظار للمشاورات والمحادثات والمفاوضات السياسية بين أصحاب القرار.
ولنا أن نسوق مثلا كيف أن الزيارات الرسمية إلى ليبيا سبقها ترويج أخبار مفادها أن ليبيا ستمنح تونس وديعة بالعملة الصعبة بمليار أورو، ليتضح في ما بعد عدم صدقية الخبر ولم يعلن عنه رسميا خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده رئيسا حكومة البلدين، ويبدو أن تقدير حجم التعاون المالي كان امرا مبالغا فيه، وانه لا يعدو أن يكون محل مفاوضات ما تزال جارية إلى اليوم مرتبطة بحزمة من مشاريع الاتفاقيات المتبادلة على قاعدة المصالح المشتركة بين البلدين لا غير.
وتكرر الأمر في ما يتعلق بما يسمى بالهبة أو الوديعة القطرية إلى تونس إذ روّج لها البعض بأنها ستكون في حدود ملياري دولار ، لكن لا أحد أشار إليها لا من رئيس الحكومة ولا من مسؤولي الدولة القطرية.
واستبقت شخصيات حكومية بشكل عام نتائج الزيارات وصرحت ببعض الأرقام والمعطيات اتضح في ما بعد أنها بعيدة عن الحقيقة، كما يعمد بعض أعضاء الحكومة إلى تقديم معطيات عامة تؤكد نجاح تلك الزيارات دون أن تثبت ذلك أو تكشف اعلاميا عن فحواها.
مثل زيارة الوفد الحكومي إلى واشنطن التي لا نعلم لحد الآن مخرجاتها الحقيقة باستثناء أن المفاوضات مع الصندوق ما تزال مستمرة وأن تلبية الطلب التونسي بقرض قدّره رئيس الحكومة في تصريح لوكالة رويترز بـ 4 مليار دولار يسدد على ثلاث سنوات، أضحى أمرا صعب المنال، كما أن تفاصيل المراسلة الحكومية التي سبقت زيارة الوفد الحكومي إلى واشنطن وما تضمنته من تعهدات تونسية للصندوق ووعود بالإصلاحات التي التزمت بها لا تزال في حكم المجهول.
كما يحيط الغموض بعض الزيارات الرسمية المشابهة مثل زيارة وزير المالية إلى قطر قبل أكثر من شهرين، التي وصفها البعض بأنها كانت تمهيدا لزيارة رئيس الحكومة هشام مشيشي. لكن في واقع الأمر كانت زيارة رئيس الجمهورية إلى الدوحة قبل سبعة أشهر التمهيد الحقيقي لزيارة مشيشي على اعتبار أن جل المحاور التي تم تناولها في زيارة سعيد هي نفسها تقريبا التي تم اثارتها مجددا في اللقاءات التي قام بها مشيشي مع المسؤولين القطريين.
بعض قيادات حركة النهضة – مثلا - روّجت بقوة لزيارة مشيشي لقطر وسوّقت لها على أساس أنها كانت ثمرة زيارة رئيس حركة النهضة التي سبقتها بأيام بدعوة من أمير قطر ومهدت لها رغم تأكيد الحركة على انها كانت زيارة خاصة وليست رسمية).
يشار في هذا الشأن إلى أن رياض الشعيبي مستشار رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أكد في تصريح لراديو شمس اف ام بتاريخ29 ماي 2021 ، أن الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة هشام مشيشي إلى قطر تأتي لتجسيد نتائج الزيارة الخاصة التي قام بها الغنوشي، وتحدث الشعيبي عن وجود وعود قطرية بتقديم وديعة بملياري دولار لتونس، وتمويل قطر لمليون جرعة من تلقيح كوفيد في شكل هدية للشعب التونسي، وإمضاء اتفاق لمضاعفة عقود العمل المخصصة للتونسيين بقطر ليتجاوز الـ50 ألف عقد، فضلا عن تبنّي قطر تنظيم "منتدى دولي للاستثمار في تونس" يوفر 25 مليار دولار لتونس على امتداد 5 سنوات، بما سيمثّل نقلة نوعية في وضعيّة الاقتصاد الوطني..
لكن اللقاءات الرسمية التي قام بها مشيشي مع مسؤولي دولة قطر وعلى رأسهم الأمير تميم لم يكشف عن فحواها كما لم يتطرق رئيس الحكومة في تصريحات اعلامية أدلى بها في الدوحة عن تفاصيل اتفاقيات ثنائية بين البلدين مشابهة لما يتم الترويج له، واكتفى بالقول بأن الزيارة كانت ناجحة.
اتصال حكومي ورئاسي ضعيف
وبحكم أن الاتصال الحكومي أو الرئاسي أو الرسمي عما انبثق عن تلك الزيارات تم، إمّا في شكل بلاغات رسمية مقتضبة يغلب عليها الجانب البروتوكولي الدعائي دون خوض في التفاصيل، أو في شكل تصريحات إعلامية صدرت عن رئيس الحكومة أو أعضاء الحكومة المرافقين، أو في شكل مؤتمرات صحفية ثنائية على مستوى الرئاسي او على المستوى الحكومي (مثل ما تم في زيارة رئيس الجمهورية إلى ليبيا ثم زيارة نظيره الليبي إلى تونس، وزيارة رئيس الحكومة إلى طرابلس)،.. لا يمكن الجزم حاليا بما يروج من أخبار عن نتائج المشاورات السياسية التي تمت بين تونس وليبيا أو بين تونس وقطر او بين تونس وصندوق النقد الدولي، ولا يمكن كذلك تقييم نتائجها في غياب معطيات رسمية.
وخير مثال حي على ارتباك الاتصال الحكومي في ما يتعلق بالزيارات الرسمية الأخيرة، ما روّج إعلاميا عن نية رئيس الحكومة هشام مشيشي تمكين المستثمرين القطريين من "تملك" الأراضي الدولية وتسهيل التراخيص اللازمة لاستغلالها زراعيا، استنادا إلى فحوى حوار صحفي أدلى به مشيشي لفائدة إحدى الصحف القطرية، وقوبل التصريح بانتقادات واسعة واستهجان سياسي..
لكن رئيس الحكومة نفى أمس في افتتاح قمة تونس الرقمية في دورتها الخامسة صحة ما يروّج عن التفريط في أراضي تونسية للقطريين، قائلا:"الّي يلقاني قلت كلمة في قطر على تمليك الأراضي الفلاحية يجيبهالي".
ونفى مشيشي وجود أي تصريح من هذا النوع، موضحا أنه تحدث عن رفع كل القيود أمام الاستثمارات والأراضي الدولية المهملة والتي هي في وضعية سيئة جدا .
كان بالأجدى – اتصاليا- أن تقوم مصالح رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة بعقد ندوات صحفية مفتوحة مباشرة بعد العودة من الزيارات الرسمية في الخارج للكشف عن نتائج المباحثات الثنائية وكيفية تجسيم الاتفاقيات السياسية حتى لو كانت في شكل خطوط عريضة وترجمتها إلى اتفاقيات مفصلة ثنائية لاحقا.
إذ من الواضح ان جل ما اتفق عليه بين أصحاب القرار سيتم ترحيله إلى اللجان العليا المشتركة بين البلدين التي تأخذ وقتا للتفاوض في شأنها وفي تفاصيلها وهذا الأمر كان يمكن تفصيله وتفسيره إعلاميا واتصاليا لتجنب الإشاعات والأخبار الزائفة..
يذكر في هذا السياق أن مشيشي عبّر في ختام زيارته للدوحة في تصريح صحفي عن سعادته واعتزازه بالزيارة التي وصفها بـ"الناجحة بكل المقاييس"، وقال:" لطالما كانت زياراتنا كمسؤولين تونسيين باعثة على الارتياح والفخر بالنظر إلى طبيعة العلاقات الأخوية التي تجمع بين البلدين”.
وعما اذا كانت هناك اتفاقيات اقتصادية ثنائية ستنتج عن زيارة قطر قال في حوار مع موقع “لوسيل القطري”:”توقيع الاتفاقيات يكون غالبا ضمن اللجنة العليا المشتركة بين البلدين باعتباره الفضاء الملائم لتوقيع كافة الاتفاقيات”.
لكن مشيشي لم يوضح موعد انعقاد اللجنة العليا المشتركة التونسية القطرية، ومكانها أو تفاصيل عن جدول أعمالها. كما يحيط الغموض مكان وموعد انعقاد اللجنة المشتركة التونسية الليبية التي لم يصدر في شأنها أي بلاغ رسمي باستثناء ما صرح به مؤخرا محافظ البنك المركزي على هامش حضوره لدى لجنة الإصلاح الإداري بالبرلمان، حين ألمح إلى وجود لجنة مشتركة من الديوانة التونسية والليبية والبنكين المركزييّن تعمل على حل ملف الأموال الليبية المجمدة..
وينطبق حال الاتصال السياسي المرتبك والضعيف أيضا على مؤسسة رئاسة الجمهورية التي تجد صعوبة بالغة في إتباع إستراتيجية اتصالية واضحة المعالم، يمكن من خلالها فهم ما يجري داخل المؤسسة أو استيضاح ما يطرأ من لبس أو غموض في شأن تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيّد وخطاباته السياسية أو أنشطته الرسمية اليومية.
فلا وجود لناطق رسمي، ولا وجود لمؤتمرات صحفية دورية، كما تفتقر رئاسة الجمهورية منذ مدة إلى طاقم إعلامي واتصالي محترف خاصة بعد استقالة مستشارة الإعلام والاتصال السابقة رشيدة النفير قبل حوالي سنة، ثم استقالة المستشارة الإعلامية ريم قاسم قبل أسابيع.
كما عجزت الصحافة الوطنية الظفر بمقابلة صحفية مع رئيس الدولة الذي لم يدل قط بأي حوار صحفي لمؤسسة إعلامية وطنية منذ أكثر من عام ونصف في حين أن وسيلة اعلامية أجنبية (قناة فرانس 24) حظيت بهذا الشرف قبل أيام..
رفيق بن عبد الله
تونس- الصباح
ما تزال الزيارات الرسمية التي قام بها مؤخرا رئيسي السلطة التنفيذية (رئيس الحكومة+ رئيس الجمهورية) إلى قطر أو ليبيا وقبلها الوفد الرسمي إلى صندوق النقد الدولي تثير الكثير من الجدل بسبب تضارب الأنباء عن فحواها وتباين الآراء المقيّمة لنتائجها بسبب غياب شبه كلي لمعطيات رسمية ودقيقة عن ما تمخض عنها من اتفاقيات ثنائية سواء كانت آنية فورية في شكل خطوط عريضة أو مشاريع اتفاقيات مؤجلة قد ترى النور على المدى القريب أو المتوسط..
وتستمد أهمية هذه الزيارات التي باتت تشغل بال الرأي العام التونسي ليس في جانبها السياسي البروتوكولي بل في جانبها الاقتصادي بحكم الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس في الوقت الراهن وتداعيات الأزمة المالية الخانقة على مستوى عيش التونسيين في شتى المجالات، والحاجة الملحّة للحكومة للبحث عن مصادر تمويل لتجاوز الأزمة القائمة سواء عبر تكثيف التعاون الدولي الثنائي أو طرق أبواب المؤسسات الدولية المانحة..
وبعيدا عن كواليس الاتفاقيات السياسية أو الاتفاقيات ذات الطابع الأمني التي غالبا ما يتم التكتم عن تفاصيلها في مثل هذه الزيارات الرسمية، يظل التعاون الاقتصادي مجالا مفتوحا كمادة إعلامية اتصالية مفتوحة قابلة للنفاذ طالما أن الأمر يهم شعوب البلدين ويمس من مصالح قطاعات مهنية وتجارية واقتصادية واسعة..
غموض.. دعاية.. وتوقعات
اللافت للنظر أن الزيارات المذكورة سبقها زخم إعلامي دعائي مكثف صدر بعضها عن شخصيات سياسية حزبية أو حكومية. وجاءت في شكل توقعات وتنبأت مهلّلة لم يثبت صحتها. بل إن سقف التوقعات ارتفع ليصل إلى حد أن البعض روّج لتحصيل الجانب التونسي لمبالغ قروض وهبات مالية ضخمة خيالية ومساعدات اقتصادية أخرى متعددة، دون تريث او انتظار للمشاورات والمحادثات والمفاوضات السياسية بين أصحاب القرار.
ولنا أن نسوق مثلا كيف أن الزيارات الرسمية إلى ليبيا سبقها ترويج أخبار مفادها أن ليبيا ستمنح تونس وديعة بالعملة الصعبة بمليار أورو، ليتضح في ما بعد عدم صدقية الخبر ولم يعلن عنه رسميا خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده رئيسا حكومة البلدين، ويبدو أن تقدير حجم التعاون المالي كان امرا مبالغا فيه، وانه لا يعدو أن يكون محل مفاوضات ما تزال جارية إلى اليوم مرتبطة بحزمة من مشاريع الاتفاقيات المتبادلة على قاعدة المصالح المشتركة بين البلدين لا غير.
وتكرر الأمر في ما يتعلق بما يسمى بالهبة أو الوديعة القطرية إلى تونس إذ روّج لها البعض بأنها ستكون في حدود ملياري دولار ، لكن لا أحد أشار إليها لا من رئيس الحكومة ولا من مسؤولي الدولة القطرية.
واستبقت شخصيات حكومية بشكل عام نتائج الزيارات وصرحت ببعض الأرقام والمعطيات اتضح في ما بعد أنها بعيدة عن الحقيقة، كما يعمد بعض أعضاء الحكومة إلى تقديم معطيات عامة تؤكد نجاح تلك الزيارات دون أن تثبت ذلك أو تكشف اعلاميا عن فحواها.
مثل زيارة الوفد الحكومي إلى واشنطن التي لا نعلم لحد الآن مخرجاتها الحقيقة باستثناء أن المفاوضات مع الصندوق ما تزال مستمرة وأن تلبية الطلب التونسي بقرض قدّره رئيس الحكومة في تصريح لوكالة رويترز بـ 4 مليار دولار يسدد على ثلاث سنوات، أضحى أمرا صعب المنال، كما أن تفاصيل المراسلة الحكومية التي سبقت زيارة الوفد الحكومي إلى واشنطن وما تضمنته من تعهدات تونسية للصندوق ووعود بالإصلاحات التي التزمت بها لا تزال في حكم المجهول.
كما يحيط الغموض بعض الزيارات الرسمية المشابهة مثل زيارة وزير المالية إلى قطر قبل أكثر من شهرين، التي وصفها البعض بأنها كانت تمهيدا لزيارة رئيس الحكومة هشام مشيشي. لكن في واقع الأمر كانت زيارة رئيس الجمهورية إلى الدوحة قبل سبعة أشهر التمهيد الحقيقي لزيارة مشيشي على اعتبار أن جل المحاور التي تم تناولها في زيارة سعيد هي نفسها تقريبا التي تم اثارتها مجددا في اللقاءات التي قام بها مشيشي مع المسؤولين القطريين.
بعض قيادات حركة النهضة – مثلا - روّجت بقوة لزيارة مشيشي لقطر وسوّقت لها على أساس أنها كانت ثمرة زيارة رئيس حركة النهضة التي سبقتها بأيام بدعوة من أمير قطر ومهدت لها رغم تأكيد الحركة على انها كانت زيارة خاصة وليست رسمية).
يشار في هذا الشأن إلى أن رياض الشعيبي مستشار رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أكد في تصريح لراديو شمس اف ام بتاريخ29 ماي 2021 ، أن الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة هشام مشيشي إلى قطر تأتي لتجسيد نتائج الزيارة الخاصة التي قام بها الغنوشي، وتحدث الشعيبي عن وجود وعود قطرية بتقديم وديعة بملياري دولار لتونس، وتمويل قطر لمليون جرعة من تلقيح كوفيد في شكل هدية للشعب التونسي، وإمضاء اتفاق لمضاعفة عقود العمل المخصصة للتونسيين بقطر ليتجاوز الـ50 ألف عقد، فضلا عن تبنّي قطر تنظيم "منتدى دولي للاستثمار في تونس" يوفر 25 مليار دولار لتونس على امتداد 5 سنوات، بما سيمثّل نقلة نوعية في وضعيّة الاقتصاد الوطني..
لكن اللقاءات الرسمية التي قام بها مشيشي مع مسؤولي دولة قطر وعلى رأسهم الأمير تميم لم يكشف عن فحواها كما لم يتطرق رئيس الحكومة في تصريحات اعلامية أدلى بها في الدوحة عن تفاصيل اتفاقيات ثنائية بين البلدين مشابهة لما يتم الترويج له، واكتفى بالقول بأن الزيارة كانت ناجحة.
اتصال حكومي ورئاسي ضعيف
وبحكم أن الاتصال الحكومي أو الرئاسي أو الرسمي عما انبثق عن تلك الزيارات تم، إمّا في شكل بلاغات رسمية مقتضبة يغلب عليها الجانب البروتوكولي الدعائي دون خوض في التفاصيل، أو في شكل تصريحات إعلامية صدرت عن رئيس الحكومة أو أعضاء الحكومة المرافقين، أو في شكل مؤتمرات صحفية ثنائية على مستوى الرئاسي او على المستوى الحكومي (مثل ما تم في زيارة رئيس الجمهورية إلى ليبيا ثم زيارة نظيره الليبي إلى تونس، وزيارة رئيس الحكومة إلى طرابلس)،.. لا يمكن الجزم حاليا بما يروج من أخبار عن نتائج المشاورات السياسية التي تمت بين تونس وليبيا أو بين تونس وقطر او بين تونس وصندوق النقد الدولي، ولا يمكن كذلك تقييم نتائجها في غياب معطيات رسمية.
وخير مثال حي على ارتباك الاتصال الحكومي في ما يتعلق بالزيارات الرسمية الأخيرة، ما روّج إعلاميا عن نية رئيس الحكومة هشام مشيشي تمكين المستثمرين القطريين من "تملك" الأراضي الدولية وتسهيل التراخيص اللازمة لاستغلالها زراعيا، استنادا إلى فحوى حوار صحفي أدلى به مشيشي لفائدة إحدى الصحف القطرية، وقوبل التصريح بانتقادات واسعة واستهجان سياسي..
لكن رئيس الحكومة نفى أمس في افتتاح قمة تونس الرقمية في دورتها الخامسة صحة ما يروّج عن التفريط في أراضي تونسية للقطريين، قائلا:"الّي يلقاني قلت كلمة في قطر على تمليك الأراضي الفلاحية يجيبهالي".
ونفى مشيشي وجود أي تصريح من هذا النوع، موضحا أنه تحدث عن رفع كل القيود أمام الاستثمارات والأراضي الدولية المهملة والتي هي في وضعية سيئة جدا .
كان بالأجدى – اتصاليا- أن تقوم مصالح رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة بعقد ندوات صحفية مفتوحة مباشرة بعد العودة من الزيارات الرسمية في الخارج للكشف عن نتائج المباحثات الثنائية وكيفية تجسيم الاتفاقيات السياسية حتى لو كانت في شكل خطوط عريضة وترجمتها إلى اتفاقيات مفصلة ثنائية لاحقا.
إذ من الواضح ان جل ما اتفق عليه بين أصحاب القرار سيتم ترحيله إلى اللجان العليا المشتركة بين البلدين التي تأخذ وقتا للتفاوض في شأنها وفي تفاصيلها وهذا الأمر كان يمكن تفصيله وتفسيره إعلاميا واتصاليا لتجنب الإشاعات والأخبار الزائفة..
يذكر في هذا السياق أن مشيشي عبّر في ختام زيارته للدوحة في تصريح صحفي عن سعادته واعتزازه بالزيارة التي وصفها بـ"الناجحة بكل المقاييس"، وقال:" لطالما كانت زياراتنا كمسؤولين تونسيين باعثة على الارتياح والفخر بالنظر إلى طبيعة العلاقات الأخوية التي تجمع بين البلدين”.
وعما اذا كانت هناك اتفاقيات اقتصادية ثنائية ستنتج عن زيارة قطر قال في حوار مع موقع “لوسيل القطري”:”توقيع الاتفاقيات يكون غالبا ضمن اللجنة العليا المشتركة بين البلدين باعتباره الفضاء الملائم لتوقيع كافة الاتفاقيات”.
لكن مشيشي لم يوضح موعد انعقاد اللجنة العليا المشتركة التونسية القطرية، ومكانها أو تفاصيل عن جدول أعمالها. كما يحيط الغموض مكان وموعد انعقاد اللجنة المشتركة التونسية الليبية التي لم يصدر في شأنها أي بلاغ رسمي باستثناء ما صرح به مؤخرا محافظ البنك المركزي على هامش حضوره لدى لجنة الإصلاح الإداري بالبرلمان، حين ألمح إلى وجود لجنة مشتركة من الديوانة التونسية والليبية والبنكين المركزييّن تعمل على حل ملف الأموال الليبية المجمدة..
وينطبق حال الاتصال السياسي المرتبك والضعيف أيضا على مؤسسة رئاسة الجمهورية التي تجد صعوبة بالغة في إتباع إستراتيجية اتصالية واضحة المعالم، يمكن من خلالها فهم ما يجري داخل المؤسسة أو استيضاح ما يطرأ من لبس أو غموض في شأن تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيّد وخطاباته السياسية أو أنشطته الرسمية اليومية.
فلا وجود لناطق رسمي، ولا وجود لمؤتمرات صحفية دورية، كما تفتقر رئاسة الجمهورية منذ مدة إلى طاقم إعلامي واتصالي محترف خاصة بعد استقالة مستشارة الإعلام والاتصال السابقة رشيدة النفير قبل حوالي سنة، ثم استقالة المستشارة الإعلامية ريم قاسم قبل أسابيع.
كما عجزت الصحافة الوطنية الظفر بمقابلة صحفية مع رئيس الدولة الذي لم يدل قط بأي حوار صحفي لمؤسسة إعلامية وطنية منذ أكثر من عام ونصف في حين أن وسيلة اعلامية أجنبية (قناة فرانس 24) حظيت بهذا الشرف قبل أيام..