عاش المرحوم محمد الباردي(2017/1947 )عاشقا لمدينته قابس لا يغادرها إلا اياما في سفر إلى الخارج او متنقلا للتدريس في العاصمة او في سوسة او في صفاقس...لكن بقدر حبه لهذه المدينة الجنوبية كان جحودها ونكرانها...لم يحظ الرجل فيها بما يليق بمقامه العلمي وبما يتناسب مع ما قدٌمه لجهته ولأبنائها.. عاش الرجل في محيط مناوئ..كانت السلطة تنظر له بعين الريبة ولا تطمئن إليه رغم النشاط الثقافي الذي قام به بالتعاون مع وزارة الثقافة زمن "بورقيبة" و"بن علي"...لم ينتم الرجل إلى الحزب الحاكم..اقول هذا لا نفيا لتهمة ارتكبها بل تثبيتا لحقيقة يحاول كثير من المتطاوسين الذين قذفت بهم رياح هوجة لقيطة هجينة اطلقوا عليها اسم "الثورة" طمسها زورا وبهتانا...وحتى عندما خاض معارك من اجل معهد للغات في مدينته قابس ارتأت السلطة ان تمنح إدارته لغيره ممن هو دونه في الرتبة العلمية...أستاذ تعليم عال لايمنح إدارة مؤسسة جامعية في قابس لأن شهائده اعلى من المنصب!!! هكذا تفتٌقت قريحة بعض اهل قابس ممن عرفوا ان قدومه يعني غلق الطريق امامهم...لم يكن الباردي رحمه الله محبوبا ...لا لذنب ارتكبه بل لانه واظب وقاوم وتحدى الفقر وقلة ذات اليد ليصنع من ضعفه قوة دون مساعدة او منة من أحد ..لم يكن محبوبا لانه كان يكتب نصوصا جيدة وكان يصدر كتبا نقدية بانتظام. الا يكفي هذا ليشعر بعض الحمقى من مدينته وما جاورها من ذوي الحمق الأكبر بالغيظ؟؟؟
ما جمعني بالمرحوم كان صداقة متينة واشتراكا في الإيمان بدور الثقافة في التنوير وتحوير العقول...عرفت الباردي وانا طالب في كلية الآداب بمنوبة اعود إلى مدينتي صيفا فإذا بي في جامعة اكبر واعمق ..اسماء لامعة تبدو كأنها كائنات فضائية اراها امامي تتجوٌل في المدينة:توفيق بكار بمشيته الواثقة وسجارته التي لا تفارق شفتيه، حنا مينه ادونيس جمال الغيطاني " الأبنودي" محمود امين العالم نبيل سليمان إلياس خوري واسيني الأعرج محمد عابد الجابري نوال سعداوي....لقد منحني مهرجان قابس الدولي زمن إشراف الباردي عليه، ومركز الرواية ما لم تمنحني إياه كلية الآداب بمنوبة... وادركت وانا في سنوات التحصيل الاولى معنى الفعل الثقافي ودوره في نحت الكيان ...كان الباردي يحترم الرتب العلمية ولكنه لا يقدٌسها وهذا ما فتح عليه في أكثر من مناسبة ابواب جهنٌم..المرحوم الباردي ذو الأطروحتين...نعم قضى الظلم الجامعي بان يتقدم ببحثين مبديا في العملين على اختلافهما إصرارا عجيبا على التحدٌي وفرض الذات...أشهد الآن أن هذا الرجل كان يلتهم الروايات التهاما وكان يقرأ بشراهة عجيبة ولا أظن ان احدا يضاهيه في الاطلاع على الرواية التونسية والعربية.....اذكر انه كان يوظٌف كل علاقاته ليحصل على رواية جديدة ظهرت في مكان ما .. واذكر أنه لما حصل على "عزازيل" و"عمارة يعقوبيان" كان سعيدا كالطفل و حدث مرة ان جلبت معي من فرنسا كتابا لرابتال صدر حديثا homo narrans لم يهدا له بال إلا بعد ان اخذ مني الكتاب ونسخه ثم قال لي "ساتفرغ لقراءة هذا الكتاب وكتاب ريفارا" ومعلوم ان المرحوم كان يفرض على نفسه نظاما يلتزم فيه بعدم مغادرة البيت لمدة ايام تفرٌغا لقراءة رواية او بحث نقدي...
لم تكن علاقتي بالمرحوم نفعيٌة.. عبثا حاول ان يعيدني إلى مقاعد الجامعة"يا محمد لا تضيع وقتك ..لك ما يؤهلك لاستئناف الدراسة ..اريد ان اراك في الجامعة"وكنت امازحه بالقول هل تريدني ان افني عمري في "التبئير" و"العون السردي" والعالم من حولنا ارحب واجمل...!!!
جمعتني بالمرحوم "الباردي" معارك ثقافية خضناها بروح الالتزام والتحدٌي ضدٌ متضائلين مستطيعين بغيرهم لؤمهم وخستهم على وجوههم من اثر النفاق والجحود...لم يكن المرحوم "الباردي" في قابس النخلة التي غطت الواحة بل كان الواحة التي استظل بها كثير من الأوغاد...وكم ضحكنا من سخافة مَنْ ظنٌ ان الثورة تجبٌ ما قبلها وان الفرصة اصبحت مناسبة للتخلص من الباردي الذي هيمن على الساحة الثقافية!!!!
عرفت المرحوم الباردي فلم ار له صنوا في احترام العشرة وطيبة القلب وعشق مدينته والانتصار لطلبته والدفاع عنهم وعشت في قابس فلم ار لها مثيلا في الجحود والإنكار والنفاق وإعلاء التافه وتقديس الخسيس والسعي للنيل من الصادقين .
محمد صالح مجيٌد
عاش المرحوم محمد الباردي(2017/1947 )عاشقا لمدينته قابس لا يغادرها إلا اياما في سفر إلى الخارج او متنقلا للتدريس في العاصمة او في سوسة او في صفاقس...لكن بقدر حبه لهذه المدينة الجنوبية كان جحودها ونكرانها...لم يحظ الرجل فيها بما يليق بمقامه العلمي وبما يتناسب مع ما قدٌمه لجهته ولأبنائها.. عاش الرجل في محيط مناوئ..كانت السلطة تنظر له بعين الريبة ولا تطمئن إليه رغم النشاط الثقافي الذي قام به بالتعاون مع وزارة الثقافة زمن "بورقيبة" و"بن علي"...لم ينتم الرجل إلى الحزب الحاكم..اقول هذا لا نفيا لتهمة ارتكبها بل تثبيتا لحقيقة يحاول كثير من المتطاوسين الذين قذفت بهم رياح هوجة لقيطة هجينة اطلقوا عليها اسم "الثورة" طمسها زورا وبهتانا...وحتى عندما خاض معارك من اجل معهد للغات في مدينته قابس ارتأت السلطة ان تمنح إدارته لغيره ممن هو دونه في الرتبة العلمية...أستاذ تعليم عال لايمنح إدارة مؤسسة جامعية في قابس لأن شهائده اعلى من المنصب!!! هكذا تفتٌقت قريحة بعض اهل قابس ممن عرفوا ان قدومه يعني غلق الطريق امامهم...لم يكن الباردي رحمه الله محبوبا ...لا لذنب ارتكبه بل لانه واظب وقاوم وتحدى الفقر وقلة ذات اليد ليصنع من ضعفه قوة دون مساعدة او منة من أحد ..لم يكن محبوبا لانه كان يكتب نصوصا جيدة وكان يصدر كتبا نقدية بانتظام. الا يكفي هذا ليشعر بعض الحمقى من مدينته وما جاورها من ذوي الحمق الأكبر بالغيظ؟؟؟
ما جمعني بالمرحوم كان صداقة متينة واشتراكا في الإيمان بدور الثقافة في التنوير وتحوير العقول...عرفت الباردي وانا طالب في كلية الآداب بمنوبة اعود إلى مدينتي صيفا فإذا بي في جامعة اكبر واعمق ..اسماء لامعة تبدو كأنها كائنات فضائية اراها امامي تتجوٌل في المدينة:توفيق بكار بمشيته الواثقة وسجارته التي لا تفارق شفتيه، حنا مينه ادونيس جمال الغيطاني " الأبنودي" محمود امين العالم نبيل سليمان إلياس خوري واسيني الأعرج محمد عابد الجابري نوال سعداوي....لقد منحني مهرجان قابس الدولي زمن إشراف الباردي عليه، ومركز الرواية ما لم تمنحني إياه كلية الآداب بمنوبة... وادركت وانا في سنوات التحصيل الاولى معنى الفعل الثقافي ودوره في نحت الكيان ...كان الباردي يحترم الرتب العلمية ولكنه لا يقدٌسها وهذا ما فتح عليه في أكثر من مناسبة ابواب جهنٌم..المرحوم الباردي ذو الأطروحتين...نعم قضى الظلم الجامعي بان يتقدم ببحثين مبديا في العملين على اختلافهما إصرارا عجيبا على التحدٌي وفرض الذات...أشهد الآن أن هذا الرجل كان يلتهم الروايات التهاما وكان يقرأ بشراهة عجيبة ولا أظن ان احدا يضاهيه في الاطلاع على الرواية التونسية والعربية.....اذكر انه كان يوظٌف كل علاقاته ليحصل على رواية جديدة ظهرت في مكان ما .. واذكر أنه لما حصل على "عزازيل" و"عمارة يعقوبيان" كان سعيدا كالطفل و حدث مرة ان جلبت معي من فرنسا كتابا لرابتال صدر حديثا homo narrans لم يهدا له بال إلا بعد ان اخذ مني الكتاب ونسخه ثم قال لي "ساتفرغ لقراءة هذا الكتاب وكتاب ريفارا" ومعلوم ان المرحوم كان يفرض على نفسه نظاما يلتزم فيه بعدم مغادرة البيت لمدة ايام تفرٌغا لقراءة رواية او بحث نقدي...
لم تكن علاقتي بالمرحوم نفعيٌة.. عبثا حاول ان يعيدني إلى مقاعد الجامعة"يا محمد لا تضيع وقتك ..لك ما يؤهلك لاستئناف الدراسة ..اريد ان اراك في الجامعة"وكنت امازحه بالقول هل تريدني ان افني عمري في "التبئير" و"العون السردي" والعالم من حولنا ارحب واجمل...!!!
جمعتني بالمرحوم "الباردي" معارك ثقافية خضناها بروح الالتزام والتحدٌي ضدٌ متضائلين مستطيعين بغيرهم لؤمهم وخستهم على وجوههم من اثر النفاق والجحود...لم يكن المرحوم "الباردي" في قابس النخلة التي غطت الواحة بل كان الواحة التي استظل بها كثير من الأوغاد...وكم ضحكنا من سخافة مَنْ ظنٌ ان الثورة تجبٌ ما قبلها وان الفرصة اصبحت مناسبة للتخلص من الباردي الذي هيمن على الساحة الثقافية!!!!
عرفت المرحوم الباردي فلم ار له صنوا في احترام العشرة وطيبة القلب وعشق مدينته والانتصار لطلبته والدفاع عنهم وعشت في قابس فلم ار لها مثيلا في الجحود والإنكار والنفاق وإعلاء التافه وتقديس الخسيس والسعي للنيل من الصادقين .