أكثر من 4 سنوات مرت على إحداث هيئة النّفاذ إلى المعلومة وهي هيئة عمومية مستقلّة تتمتّع بالشخصيّة المعنوية وأحدثت بموجب القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المؤرّخ في 24 مارس 2016 المتعلّق بالحق في النّفاذ إلى المعلومة وتمّ انتخاب أعضاء مجلسها من قبل مجلس نواب الشعب في 18 جويلية 2017.
ويتركب مجلس الهيئة من 9 أعضاء يُمثلون عدّة اختصاصات من مجالات مختلفة، وينص الفصل 41 من القانون المذكور على أن هيئة النفاذ إلى المعلومة يترأسّها وجوبًا قاضٍ إداري غير أنّ هذا المنصب يسجّل شغورا في الوقت الحالي، وهو شغور حاصل منذ أوائل شهر مارس من السنة الماضية 2020، وتحديدا على إثر تعيين رئيسها السابق عماد الحزقي في خطّة وزير للدفاع الوطني في حكومة إلياس الفخاخ، ويرأس الهيئة حاليا نائب رئيس الهيئة، في شخص عدنان الأسود، وهو قاضٍ عدلي يتولى رئاسة الهيئة بالنيابة بموجب تفويض بذلك مصادق عليه من طرف مجلس الهيئة وتمّ إعلام مجلس نواب الشعب به.
"الصباح" التقت عدنان الأسود الذي أكّد أن حصيلة عمل الهيئة تبقى إيجابية، مُطمئنا عموم المواطنين بأنّ حق النفاذ إلى المعلومة حق دستوري يسمو على جميع القوانين وغير مُهدد إلا أنه تحدّث عن وجود ثغرات في القانون الأساسي المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة والمُحدث للهيئة.
كما عبّر الأسود عن استيائه من بعض الهياكل العمومية التي لا تمتثل للقرارات المُلزمة للهيئة رغم إعلامها بها مع عدم ممارسة حقها في الاستئناف، مُشيرا إلى أنّه من أهمّ هذه الهياكل الجامعة التونسية لكرة القدم والتي عبّر عن استيائه منها وصنفها ضمن "أسوأ التلاميذ" في التعاطي مع قانون النفاذ إلى المعلومة.
وفي التالي نص الحوار:
*ما هي وضعية الهيئة الحالية في ظل غياب رئيس لها وتوليكم هذا المنصب بالنيابة؟
قانونيا، الشغور في منصب رئيس هيئة النفاذ للمعلومة لا يجب أن يتجاوز فترة 3 أشهر طبقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 54 من القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 ، إلا أن مسار انتخاب رئيس جديد من طرف البرلمان تعطّل ولم يتمّ استكماله رغم تولّي اللجنة الانتخابية بالبرلمان اختيار 3 ملفات ترشح لقضاة إداريين لهذا المنصب، ويعود سبب ذلك كما هو معلوم لتعليق أعمال البرلمان منذ 25 جويلية الماضي.
لكن عدم استكمال هذا المسار واستمرار شغور منصب الرئيس لم يُعطّل مُطلقا عمل الهيئة الذي يتواصل بشكل عادي وعلى نفس الوتيرة رغم كثرة وتنوع المهام الموكولة لها من اختصاصها القضائي المتمثل في البت في الدعاوى المتعلقة برفض مطالب النفاذ إلى المعلومة وصولا إلى اختصاصها الرقابي المتمثّل في تقييم ورصد ومتابعة مدى التزام الهياكل الخاضعة لأحكام قانون النفاذ إلى المعلومة بالواجبات المحمولة عليها فيما يتعلق خاصة بواجب النشر التلقائي للمعلومة، إضافة إلى مراقبة مضامين مواقع الواب الخاصة بالهياكل العمومية من هذا الجانب.
ومن المهم اليوم استكمال انتخاب الرئيس لطبيعة تركيبة الهيئة ومجال اختصاصها إضافة إلى الطبيعة القانونية للنزاعات المتعلقة بحق النفاذ إلى المعلومة، وهو السبب الرئيس الذي يفسّر اختيار قاضٍ إداري لرئاسة الهيئة وقاضٍ عدلي كنائب له.. وبالتالي فإنّ استكمال مسار انتخاب الرئيس يجب أن يحظى بالأولوية بمجرد انتخاب وتركيز مجلس نواب الشعب القادم.
*وكيف تقيمون عمل الهيئة؟
الهيئة لها اختصاص قضائي صريح، في مجال النزاعات المتعلقة برفض مطالب النفاذ إلى المعلومة التي يتقدّم بها المواطنون إلى الهياكل العمومية، وهي تعتبر درجة أولى من التقاضي في مجال اختصاصها، وتُصدر الهيئة، في هذا الصدد، قرارات ذات صبغة قضائية "مُلزمة"، شبيهة من حيث شكلها وتحريرها بالقرارات الصادرة عن المحكمة الإدارية.
وتُعتبر النزاعات المتعلقة بالحق في النفاذ إلى المعلومة من حيث طبيعتها والإشكاليات التي تطرحها قريبة من مناط ومجال نظر القانون العام أكثر منه من القانون الخاص الذي تقع أحيانا تحت طائلته، هو الآخر، كما نسجّل بعض الإشكاليات المتعلقة برفض مطالب النفاذ إلى المعلومة وخاصة في علاقة بإعمال استثناءات حقّ النفاذ إلى المعلومة، مثال ذلك، الاستثناء المتعلق بحماية المعطيات الشخصية والحياة الخاصة للأفراد والاستثناء المتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية، وبالتالي يجب أن يكون هناك مختص في القانون الخاص ضمن تركيبة مجلس الهيئة ضمانا لحسن تطبيق أحكام القانون طبقا للأهداف التي سُنّ من أجلها.
كما أنّ إحداث هذه الهيئة كهيئة عمومية مستقلة منتخبة من مجلس نواب الشعب من طرف جلسته العامة بالأغلبية المطلقة لأعضائها وعن طريق التصويت السري، يُعدّ معيارا دوليا في مجال تكريس حقّ النفاذ إلى المعلومة، جعل من القانون التونسي المنظم لحق النفاذ إلى المعلومة من أفضل القوانين في العالم إذ أنه يحتل حاليا المرتبة 14 من جملة 134 قانون في هذا الخصوص.
*البعض يصف وضعية الهيئة بالصعبة.. ما رأيكم؟
هذا صحيح..، حاليا الهيئة بصدد متابعة 842 هيكلا عموميا من مجموع أكثر من 5 آلاف، يخضعون لأحكام القانون من حيث مجال انطباقه، وذلك فيما يتعلق بمهامها الخاصة بالرصد والمتابعة والتقييم.
كما أنه من مجموع الهياكل التي تتولّى الهيئة متابعتها، 718 فقط يوجد بها مكلفون بالنفاذ إلى المعلومة و694 فقط بها مكلفون بالنفاذ ونواب لهم...
وحسب إمكانيات الهيئة من حيث الموارد البشرية، فإنه لا يمكنها حاليا أن تقوم بمتابعة عدد أكثر، وذلك لنقص الإطارات بها ناهيك وأننا سجلنا في السنتين الأخيرتين مغادرة 7 إطارات وسبب ذلك تأخر صدور الأوامر التطبيقية التي نص عليها قانون النفاذ إلى المعلومة إضافة إلى عدم صدور الأمر الذي يحدّد مهام المكلف بالنفاذ ونائبه وهو ما أثّر فعلا على حسن تطبيق قانون النفاذ إلى المعلومة.
أضف إلى ذلك ميزانية الهيئة التي لم تتجاوز المليار ونصف وهي ميزانية مُتواضعة مقارنة بحجم العمل والمهام الموكولة إليها من حيث التكوين والتحسيس وإعداد التقارير.
هذا وقد لاحظنا تراجع حماس عمل المكلفين بالنفاذ بتأخّر صدور الأوامر التي تم إعدادها وإرسالها لرئاسة الحكومة.. وهنا نطرح تساؤلا حول أسباب عدم إصدارها..
وبالتالي فإنّ 90% من مشاغل الهيئة ستحلّ بصدور الأوامر الترتيبية التي نتمنى أن تكون في أسرع وقت ممكن وأن يكون البت فيها ذو أولوية لتكون للهيئة انطلاقة جديدة ويصبح عملها أفضل على أرض الواقع...
*ماذا عن تطبيق حق النفاذ إلى المعلومة على أرض الواقع؟
فيما يتعلق بالنشر التلقائي للمعلومة، فإنّنا نلاحظ أنّ عدد الهياكل العمومية التي تولّت إلى حدّ الآن ومنذ دخول القانون حيّز النفاذ إنجاز مواقع واب خاصة بها مع انتظام عملها فيما يتعلّق بالتحيين الدوري لهذه المواقع، ونلاحظ أنّ النسبة في هذا الخصوص لم ترتق بعدُ إلى الحد الذي نتطلّع إليه وطبقا لما نصّ عليه القانون في هذا الصدد، وإن كانت أغلب المنشآت العمومية تقوم بتحيين مواقع "الواب" الخاصة بها لكن مازلنا نسجل بعض الهنات والنقائص السلبية، ومثال ذلك تفاجئنا بوجود 7 مؤسسات صحة عمومية فقط من مجموع 24 لديها مواقع "واب" وهو يعتبر عددا قليلا جدا خاصة مع أزمة "كوفيد-19"،.. أمّا البلديات فحدث ولا حرج إذ أنه من مجموع 350 بلدية توجد 249 فقط لديها مواقع واب، كما أنّ 9 ولايات فقط تمتلك مواقع واب، والهياكل القضائية بدورها 3 فقط منها لديها مواقع واب وهو ما يتطلب "إطلاق صفّارة الإنذار".
*ما هو العدد الجملي للدعاوى، وما هو عدد القضايا التي تم استئنافها؟
الهيئة أصدرت 3120 قرارا ملزما إلى غاية 18 نوفمبر الجاري، بينما نسبة الاستئناف ضئيلة فعدد الدعاوى المستأنفة أمام المحكمة الإدارية، وفق آخر الأرقام، 273 من جملة 1999 دعوى تم الإعلام بقرارها، أي بنسبة 13.6%
*ما هي الإجراءات القانونية والزجرية التي تتخذونها لتنفيذ قرارات الهيئة؟ وما هي أسباب طول إجراءات البت في القضايا المعروضة على الهيئة؟
حق النفاذ للمعلومة حق من حقوق الإنسان.. وهنالك ثغرات في قانون النفاذ إلى المعلومة إذ لم يُعط للهيئة وللأسف الآليات القانونية لتتمكن من إلزام الهياكل الخاضعة لقراراتها والصادرة ضدها قرارات مُلزمة بتطبيق القرارات.. كما أنّ هنالك هياكل تصدر ضدها قرارات لا تذعن لها ولا تنفذها ولا تمارس حقها في استئناف القرار وهي ظاهرة سلبية في التفاعل مع قانون النفاذ الذي من أهدافه مكافحة الفساد وتطبيق مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة وضمان جودة الخدمات التي تقدمها المرافق العمومية فيما يتعلق بالشأن العام والتصرف في المال العام.
*ماذا عن الهياكل التي لم تمتثل إلى أحكام الهيئة.. وما هو عددها؟
نعبّر عن استيائنا بصفة خاصة من عدد من الهياكل العمومية التي لم تمتثل لقرارات الهيئة الصادرة ضدّها في مجال تكريس حقّ المواطن في النفاذ إلى المعلومة وهو حقّ دستوري كما هو معلوم، ومن بين هذه الهياكل أذكُر على سبيل المثال لا الحصر الجامعة التونسية لكرة القدم التي أصدرنا ضدّها 8 قرارات ملزمة وتمّ إعلامها بها طبق القانون ورغم ذلك لم تمتثل لها وأعرضت عن تنفيذها بل إنّها لم تكلّف نفسها حتّى عناء ممارسة حقها في الطعن بالاستئناف أمام المحكمة الإدارية وهو إجراء يُعلّق التنفيذ بقوة القانون، وهذا يُعتبر موقفا غريبا جدّا من هيكل خاضع تماما لأحكام القانون وهو ما يُعدّ بالنسبة لنا مثالا سيّئا جدا في التعاطي مع قانون نافذ من قوانين الدولة صدر ونُشر بالرائد الرسمي للبلاد ليُنفذ كقانون من القوانين المكوّنة لمنظومتها التشريعية. ونعبّر عن استيائنا من الجامعة بسبب تصرفاتها هذه ضاربة بقانون من قوانين الدولة عرض الحائط.
ومن الأمثلة الأخرى، في هذا الصدد، أذكر كذلك على سبيل الذكر بعض البلديات مثل بلديات سيدي ثابت وساقية الزيت وحمام الأنف.. إضافة إلى ولايات جندوبة ومدنين وتوزر والقيروان وقفصة.. ووزارات التجهيز والصناعة والبيئة والجماعات المحلية (سابقا)..
علما وأنّ هذا الموقف السلبي في التعاطي مع القانون الصادر عن تلك الهياكل العمومية وغيرها من بعض الهياكل الأخرى يُعتبر طبقا لأحكام القانون الأساسي المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة تعطيلا متعمدا للنفاذ إلى المعلومة بالهياكل الخاضعة لأحكام القانون وهي جريمة مُوجبة للعقاب بخطية مالية تتراوح من 500 دينارا إلى خمسة آلاف (5000) دينار (الفصل 57 من القانون).
وبذلك يجوز لنا القول أنّ هناك هياكل يُمكن اعتبارها اليوم من قبيل فئة "التلاميذ السيئين" الرافضين للتعاطي الإيجابي مع قانون نافذ من قوانين الدولة والحمدلله أنّ عددهم ليس بالكثير ولكن تبقى تلك الهياكل مثالا سيّئا باعتبار أن هذا القانون مثله مثل أيّ قانون آخر صدر لينفّذ وبالتالي فإنّه من واجبنا ومن باب الأمانة الملقاة على عاتقنا إثارة هذه المسألة والتشهير بمثل تلك الهياكل وطرح نقاط استفهام حولها وهو أضعف الإيمان بالنسبة لنا في ظل عدم امتلاك الهيئة طبقا لنصّ القانون الحالي للوسائل القانونية اللازمة التي تخوّلها تنفيذ قراراتها بصفة فعلية طبعا بعد أن تصبح نهائية وباتة.. ولكن في المقابل هناك أيضا فئة "التلاميذ الجيدين" حتى لا نقول النجباء في تطبيق القانون والتعاطي الإيجابي مع أحكامه من مختلف جوانبه، ومثال ذلك وهي من المفارقات وزارات الدفاع الوطني والداخلية والثقافة والصحّة.. وولايات نابل وتونس وزغوان وقابس.. رغم أنّ هذه الأخيرة ليس لديها موقع واب رسمي خاص بالولاية إلى حدّ الآن وهي نقيصة أساسية بالمعنى السلبي يتعين عليها تداركها في أسرع وقت ممكن.
ونحن بالتالي منبهرون بتعاطي وزارتي الدفاع الوطني والداخلية مع قرارات الهيئة ومع أحكام القانون المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة عموما وذلك بالنظر إلى الانطباع العام لدى عموم المواطنين السائد والمتعارف عليه فيما يتعلّق بالعلاقة الخدماتية لهاتين الوزارتين مع المواطن بشكل عام.
*ما هي أبرز الإخلالات التي ترتكبها مؤسسات الدولة في تعاطيها مع مطالب النفاذ إلى المعلومة؟
لا يمكن الحديث عن إخلالات بل استثناءات وخاصة تلك المتعلقة بالأمن العام والدفاع الوطني وحقوق الملكية الفكرية والمعطيات الشخصية وذلك طبقا لأحكام القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة.
كما توجد هياكل تتفاعل إيجابيا ونطالبها بمدنا بوثائق لا نتولى نشرها أو تسليمها لطالبي النفاذ إلا أن هنالك هياكل لا تمكننا من الوثائق وبالتالي نمارس سلطتنا التقديرية ونصدر قرارنا لصالح الدعوى أو برفضها.
ومن جهة أخرى، هنالك إحجام عن تفعيل هامش الاجتهاد الذي يخوله القانون للمكلف بالنفاذ إلى المعلومة ونائبه عند تلقي طلب نفاذ يعلل عدم منحه بأنه يدخل تحت طائلة الاستثناءات غير أن القانون يخوّل حق الاجتهاد بحجب المعطيات الشخصية والتمكين إلا أنّ المكلفين بالنفاذ لا يجتهدون رغم أن المبدأ التمكين من الوثيقة والاستثناء الحجب. وبالتالي أدعو المكلفين بالنفاذ ونوابهم إلى تفعيل دورهم في التعاطي الإيجابي مع القانون.
* لكن ماذا عن "التعسف في استعمال الحق في النفاذ إلى المعلومة"؟
في هذا الخُصوص، سَجَّلنا، بالإضافةِ طبعًا إلى التكريس الملحُوظ والإيجابي لحقِّ النَّفاذِ إلى المعلومة على أرض الواقع من طَرف شريحةٍ واسعة من المواطنين ومختلف مُكوّنات المجتمع المدني وذلك من خلال إقدامهم على تفعيل أحكام القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 والاستفادة من الآليات التي يُتِـيحُهـا لهم في هذا المجال، فإنّنا سجّلنا كذلك - في بعض الحالات - تعسّفا وأحيانا تعسّفا واضحًا في استعمال هذا الحقّ لاسيما من بعض الأشخاص الطبيعيين. ونحنُ نحرصُ دائمًا أن نتعامل مع مِثل هذه الحالات، والتي تبقى حالات محدودة من حيث العدد، بشكلٍ عَقلاني ورَشيد، مُحاوليـن قدر الإمكان ألاّ يكون ذلك على حساب القانون وما يَضمَنُه من حُقوقٍ ثابتة للمُواطن.
ونحنُ مِثلمَا نحرِصُ على تكريس هذا الحقّ طبقا للأهداف التي أرادَهَا ورَسَمَها لهُ القانون وحِرْصِنَا من خلال ذلك على إيصَال ذَوِي الحُقُوقِ حُقُوقَهُمْ طبعًا في إطار الأحكام التي يَنصّ عليها هذا القانون المُكرِّس لحقٍّ دُستوري نفخَرُ ونَعتَزّ به جَميعًـا، فإنّنا حَريصُون كذلك وبنفس القَدر على حماية مُؤسّسات الدولة وهَياكِلها من بعض مظاهر الهَرسلـة والتعسّف والمُغالاة الواضحة في استعمال هذا الحقّ خُصوصًا كما قلتُ من بعض الأشخاص الطبيعيين.. يعني أنّ اجتهاد مجلس الهيئة قد يذهب أيضا في بعض القضايا، إلى حماية مؤسسات الدولة والمرافق العمومية من هكذا تعسّف.. طبعا إذا تضافرت كل القرائن وتعَاضَدَتْ حيثيات وملابسات القضية على ثبوتـه.. وهناك، في الحَقيقة، مُؤَشَّران رئيسيَان يُؤخَذان عادة بعين الاعتبار في مثل هذه الحالات وهُما وتيـرة نشـر القضايا وجديّة مواضيع مطالب النفاذ.. وطبعا يبقى الفيصل في تقرير هذا الأمر هو مداولات مجلس الهيئة في هذا الشأن.
*بالحديث عن الاستثناءات، وخاصة ما تعلق بالمعطيات الشخصية، بماذا تتميز العلاقة مع الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية؟
لا يوجد أيّ تنافر بين الهيئتين مثلما يسعى البعض إلى ترويجه، بل إن الهيئتين والقانونين متكاملان، ومثلما تسهر هيئة حماية المعطيات الشخصية على حماية تلك المعطيات فإن قانون النفاذ إلى المعلومة ينص صراحة على اعتبار المعطيات الشخصية والحياة الخاصة للأفراد استثناءً من استثناءات النفاذ إلى المعلومة ويتم الإذن بحجب تلك المعطيات مثلما يُعرّفها القانون الأساسي المتعلق بحماية المعطيات الشخصية كلما تعلق الأمر بوجوب ذلك.
أمّا بالنسبة للوم رئيس هيئة حماية المعطيات الشخصية زميلي وصديقي الأستاذ شوقي قداس على الهيئة فربما يكون ذلك في إطار مشروع القانون الأساسي الجديد المتعلق بحماية المعطيات الشخصية والموجود في البرلمان والذي تعطّل آنذاك باعتبار أنّ ذلك القانون يمسّ جميع المجالات ويتقاطع معها ومنها بالأساس حق النفاذ إلى المعلومة.
*وكيف تقيمون إقبال الإعلاميين على ممارسة حق النفاذ إلى المعلومة؟
%2 فقط من مجموع الدعاوى التي تلقتها هيئة النفاذ تقدم بها إعلاميون.. وهذا عدد محتشم جدا رغم الآليات الهامة التي يوفرها القانون للصحفيين في مجال عملهم وخاصة في مجال الصحافة الاستقصائية..
وندعو الإعلاميين إلى ممارسة حقهم هذا.
واليوم يجب على الإعلاميين أن يميزوا بين المكلفين بالاتصال والذين يتم التوجه إليهم في مجال صحافة الخبر لما تتميز به هذه الأخيرة من آنية وأهمية عامل الزمن بخصوصها هذا من جهة، ومن أخرى المكلفين بالنفاذ إلى المعلومة والذين يلتجأ إليهم الصحفيين للقيام بعملهم خاصة في مجالات صحافة القرب والجودة والاستقصاء وصحافة البيانات.
* وهل تعتقدون أن حق النفاذ إلى المعلومة بات في خطر خاصة وأن الدولة والسلطات القائمة لا تشجع على نشر ثقافة النفاذ ولا تحرص على تطبيق القانون؟
إطلاقا لا! .. لا يحق لنا قول ذلك فحق النفاذ إلى المعلومة حق دستوري وتكريسه على الوجه الأفضل هو بيد المواطن عموما والصحفي والباحث إلخ... الذي له حق التقدم بمطلب نفاذ إلى المعلومة لدى جميع الهياكل الخاضعة لأحكام القانون دون استثناء من رئاسة الجمهورية مرورا برئاسة الحكومة ومختلف الوزارات وصولا إلى أصغر هيكل من حيث حجم عمله وموارده البشرية.
وإن كانت هناك صعوبات لكن يجب دعم الهيئة وتعزيز مواردها وإمكانياتها لتتمكن من القيام بالمهام الموكولة إليها على الوجه المأمول، وقد سجلنا مكاسب عديدة في حق النفاذ إلى المعلومة وحصيلة عمل الهيئة بعد 4 سنوات من إحداثها تبقى إيجابية.
واليوم لا يمكن الرجوع إلى الوراء خاصة وأن من أهداف قانون النفاذ للمعلومة القطع مع عقلية الإدارة المغلقة والحاجبة للمعلومة وبالتالي فإننا مطالبون اليوم بالتقدم.. وهذا هو قدرنا.. حتّى وإن كنا اليوم نعيش في وضع استثنائي وهو وضع مؤقت سيمضي بمُضيّ أسبابه.
وندعو المواطنين إلى تفعيل حقهم في النفاذ إلى المعلومة ونحن نتعهد بالنظر والبت في الدعاوى المقدمة في آجال مختصرة قدر الإمكان وذلك للحد من معاناة المواطن، في مجال معيّن على الأقلّ، معاناته جرّاء البُطء الذي يميّز القضاء العادي بفروعه الثلاثة العدلي والإداري والمالي.
*وهل هناك تخوف من إجراءات قانونية قد يتخذها الرئيس سعيد ضد الهيئات في ظل الوضع الاستثنائي الذي نعيشه؟
أولا، صحيح أننا نعيش وضعا استثنائيا وبعض أبواب الدستور مُعلّقة لكن باب الحقوق والحريات موجود وقائم وبالتالي فإنّ حق النفاذ إلى المعلومة وهو أحد الحقوق الأساسية للمواطن التونسي المنصوص عليها ضمن هذا الباب (الفصل 32 من الدستور) كحق دستوري وعلى ذلك الأساس منظّم بمقتضى قانون أساسي يعلو من حيث مرتبته على جميع القوانين العادية الأخرى ولكن يجب مواءمة القوانين القديمة مع حق النفاذ إلى المعلومة. وقانون النفاذ غير مُعطّل والمواطن يمارس حقه والهيئة تنظر في المطالب المقدمة رغم أننا سجلنا تراجعا في نسبة الاستجابة تبعا للوضع الاستثنائي.
وثانيا، يجب التمييز بين الهيئات الدستورية والهيئات العمومية، فهيئة النفاذ إلى المعلومة، هي هيئة عمومية مستقلة منظمة بقانون أساسي كما ذكرت ومرتبطة من حيث الحق الذي تسهر على تكريسه، بمواثيق دولية صادقت عليها تونس وتعمل وفقا لأغلب المعايير الدولية المعتمدة في مجال النفاذ والوصول إلى المعلومات المتعلقة بإدارة الشأن العام وهي تعمل بشكل عادي مثلما كان عليه الوضع قبل 25 جويلية الماضي، فهي إذن، ليست هيئة دستورية من بين الهيئات الدستورية التي تم التعرض إليها بالفصل 5 من الباب الثاني من المرسوم عدد117 لسنة 2021 الصادر عن رئيس الجمهورية والمتعلق بالتدابير الاستثنائية.
وربما سيُطرح لاحقا الشكل الجديد لتنظيم الهيئات العمومية المستقلة التي أعتبرها مكاسب كبرى تحققت للمواطن التونسي في ظلّ الجمهورية الثانية وأنا واثق بأنّه لن يكون هناك أي تراجع إلى الوراء من هذا الجانب.
رسالتنا إليه تتمثل في دعوته إلى المحافظة على المكاسب التي تحققت للمواطن التونسي في مجال ثقافة النفاذ إلى المعلومة وترسيخ وتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة فيما يتعلق بإدارة الشأن العام والتصرف في المرافق العمومية وبداية استبطان عموم الناس لثقافة المشاركة في الحياة العامة والانخراط في وضع السياسات العمومية ومتابعة تنفيذها وتقييمها ومزيد دعم هذه المكاسب عن طريق توفير الإمكانيات اللازمة المادية والبشرية لهيئة النفاذ إلى المعلومة لتتمكن من أداء مهامها على أفضل وجه ممكن باعتبارها المؤسسة الأولى الساهرة على ضمان ممارسة حق النفاذ إلى المعلومة وتحقيق أهداف القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 الرامية إلى نشر ثقافة الشفافية والمساءلة وتنمية ثقافة المواطنة لدى الأفراد ودعم مشاركة المواطنين في الحياة العامة، لاسيما وأنّ الحق في النفاذ إلى المعلومة هو حقّ كوني ولا يمكن أن يعود إلاّ بالإيجاب على البلاد ومن شأن تكريسه على أسس سليمة، وعلى الوجه الأفضل تحسين صورة تونس في المحافل الدولية ولدى المنظمات والهيئات الدولية العاملة في مجال الشفافية المالية ومكافحة الفساد على وجه الخصوص.
علما وأنّ النفاذ إلى المعلومة أصبح اليوم من المؤشرات الأساسية المُعتمدة لتقييم الحكم الرشيد وتصنيف الدول في هذا المجال وقياس حجم الفساد فيها.
وتجدر الإشارة إلى أنه لم نتمكّن من رفع التقرير السنوي لنشاط الهيئة بعنوان سنة 2019 إلى رئيس الجمهورية بشكل مباشر في لقاءٍ مُخصّص لذلك مثلما تنص عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 38 من القانون وذلك بالنظر إلى تصادف الانتهاء من إعداد التقرير مع الفترة التي سبقت بقليل الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية بتاريخ 25 جويليـة 2021 وهو ما اضطرّنا إلى توجيهه إلى رئاسة الجمهورية في ظرف مغلق.
كما ندعو رئيس الجمهورية إلى مزيد دعم ثقافة النفاذ إلى المعلومة على أوسع نطاق ممكن بالنظر إلى أنّ الحق في النفاذ إلى المعلومة يُعتبر أحد الشروط الأساسية لتكريس قواعد الشفافية والنزاهة والمساءلة فيما يتعلّق بإدارة الشأن العام والتصرّف في المال العام إضافة إلى كونه يُمثّل مبدأ أساسيا لمكافحة الفساد وأداة أساسية لتكريس الممارسة الديمقراطية والتشاركية في الحكم وتحسين العلاقة بين الدولة ومواطنيها.
ندعو السيدة رئيسة الحكومة بكلّ إلحاح إلى ضرورة التسريع قدر الإمكان باستكمال إصدار النصوص الترتيبية للهيئة تفعيلا لبقية مقتضيات قانون النفاذ إلى المعلومة في مختلف جوانبه، لأنّه في ظل استمرار تأخّر صدور هذه الأوامر التطبيقية إلى حدّ الآن، لا يُمكن الحديث عن استقرار في عمل الهيئة ولا عن نجاعة عملها ولاعن ضمان حدّ أدنى من هذا الاستقرار وهذه النجاعة. كما أنّ تواصل هذا الفراغ الترتيبي قد يهدّد حتّى استمرار وجود الهيئة.
وتتمثّل هذه النصوص الترتيبية في الأمر المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بأعوان الهيئة والأمر الخاص بالهيكل التنظيمي للهيئة والأمر المتعلق بإحداث هيكل داخلي يُعنى بتنظيم مختلف الأنشطة المتعلقة بالنفاذ إلى المعلومة داخل الهياكل الخاضعة لأحكام القانون.
حوار عبير الطرابلسي
أكثر من 4 سنوات مرت على إحداث هيئة النّفاذ إلى المعلومة وهي هيئة عمومية مستقلّة تتمتّع بالشخصيّة المعنوية وأحدثت بموجب القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المؤرّخ في 24 مارس 2016 المتعلّق بالحق في النّفاذ إلى المعلومة وتمّ انتخاب أعضاء مجلسها من قبل مجلس نواب الشعب في 18 جويلية 2017.
ويتركب مجلس الهيئة من 9 أعضاء يُمثلون عدّة اختصاصات من مجالات مختلفة، وينص الفصل 41 من القانون المذكور على أن هيئة النفاذ إلى المعلومة يترأسّها وجوبًا قاضٍ إداري غير أنّ هذا المنصب يسجّل شغورا في الوقت الحالي، وهو شغور حاصل منذ أوائل شهر مارس من السنة الماضية 2020، وتحديدا على إثر تعيين رئيسها السابق عماد الحزقي في خطّة وزير للدفاع الوطني في حكومة إلياس الفخاخ، ويرأس الهيئة حاليا نائب رئيس الهيئة، في شخص عدنان الأسود، وهو قاضٍ عدلي يتولى رئاسة الهيئة بالنيابة بموجب تفويض بذلك مصادق عليه من طرف مجلس الهيئة وتمّ إعلام مجلس نواب الشعب به.
"الصباح" التقت عدنان الأسود الذي أكّد أن حصيلة عمل الهيئة تبقى إيجابية، مُطمئنا عموم المواطنين بأنّ حق النفاذ إلى المعلومة حق دستوري يسمو على جميع القوانين وغير مُهدد إلا أنه تحدّث عن وجود ثغرات في القانون الأساسي المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة والمُحدث للهيئة.
كما عبّر الأسود عن استيائه من بعض الهياكل العمومية التي لا تمتثل للقرارات المُلزمة للهيئة رغم إعلامها بها مع عدم ممارسة حقها في الاستئناف، مُشيرا إلى أنّه من أهمّ هذه الهياكل الجامعة التونسية لكرة القدم والتي عبّر عن استيائه منها وصنفها ضمن "أسوأ التلاميذ" في التعاطي مع قانون النفاذ إلى المعلومة.
وفي التالي نص الحوار:
*ما هي وضعية الهيئة الحالية في ظل غياب رئيس لها وتوليكم هذا المنصب بالنيابة؟
قانونيا، الشغور في منصب رئيس هيئة النفاذ للمعلومة لا يجب أن يتجاوز فترة 3 أشهر طبقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 54 من القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 ، إلا أن مسار انتخاب رئيس جديد من طرف البرلمان تعطّل ولم يتمّ استكماله رغم تولّي اللجنة الانتخابية بالبرلمان اختيار 3 ملفات ترشح لقضاة إداريين لهذا المنصب، ويعود سبب ذلك كما هو معلوم لتعليق أعمال البرلمان منذ 25 جويلية الماضي.
لكن عدم استكمال هذا المسار واستمرار شغور منصب الرئيس لم يُعطّل مُطلقا عمل الهيئة الذي يتواصل بشكل عادي وعلى نفس الوتيرة رغم كثرة وتنوع المهام الموكولة لها من اختصاصها القضائي المتمثل في البت في الدعاوى المتعلقة برفض مطالب النفاذ إلى المعلومة وصولا إلى اختصاصها الرقابي المتمثّل في تقييم ورصد ومتابعة مدى التزام الهياكل الخاضعة لأحكام قانون النفاذ إلى المعلومة بالواجبات المحمولة عليها فيما يتعلق خاصة بواجب النشر التلقائي للمعلومة، إضافة إلى مراقبة مضامين مواقع الواب الخاصة بالهياكل العمومية من هذا الجانب.
ومن المهم اليوم استكمال انتخاب الرئيس لطبيعة تركيبة الهيئة ومجال اختصاصها إضافة إلى الطبيعة القانونية للنزاعات المتعلقة بحق النفاذ إلى المعلومة، وهو السبب الرئيس الذي يفسّر اختيار قاضٍ إداري لرئاسة الهيئة وقاضٍ عدلي كنائب له.. وبالتالي فإنّ استكمال مسار انتخاب الرئيس يجب أن يحظى بالأولوية بمجرد انتخاب وتركيز مجلس نواب الشعب القادم.
*وكيف تقيمون عمل الهيئة؟
الهيئة لها اختصاص قضائي صريح، في مجال النزاعات المتعلقة برفض مطالب النفاذ إلى المعلومة التي يتقدّم بها المواطنون إلى الهياكل العمومية، وهي تعتبر درجة أولى من التقاضي في مجال اختصاصها، وتُصدر الهيئة، في هذا الصدد، قرارات ذات صبغة قضائية "مُلزمة"، شبيهة من حيث شكلها وتحريرها بالقرارات الصادرة عن المحكمة الإدارية.
وتُعتبر النزاعات المتعلقة بالحق في النفاذ إلى المعلومة من حيث طبيعتها والإشكاليات التي تطرحها قريبة من مناط ومجال نظر القانون العام أكثر منه من القانون الخاص الذي تقع أحيانا تحت طائلته، هو الآخر، كما نسجّل بعض الإشكاليات المتعلقة برفض مطالب النفاذ إلى المعلومة وخاصة في علاقة بإعمال استثناءات حقّ النفاذ إلى المعلومة، مثال ذلك، الاستثناء المتعلق بحماية المعطيات الشخصية والحياة الخاصة للأفراد والاستثناء المتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية، وبالتالي يجب أن يكون هناك مختص في القانون الخاص ضمن تركيبة مجلس الهيئة ضمانا لحسن تطبيق أحكام القانون طبقا للأهداف التي سُنّ من أجلها.
كما أنّ إحداث هذه الهيئة كهيئة عمومية مستقلة منتخبة من مجلس نواب الشعب من طرف جلسته العامة بالأغلبية المطلقة لأعضائها وعن طريق التصويت السري، يُعدّ معيارا دوليا في مجال تكريس حقّ النفاذ إلى المعلومة، جعل من القانون التونسي المنظم لحق النفاذ إلى المعلومة من أفضل القوانين في العالم إذ أنه يحتل حاليا المرتبة 14 من جملة 134 قانون في هذا الخصوص.
*البعض يصف وضعية الهيئة بالصعبة.. ما رأيكم؟
هذا صحيح..، حاليا الهيئة بصدد متابعة 842 هيكلا عموميا من مجموع أكثر من 5 آلاف، يخضعون لأحكام القانون من حيث مجال انطباقه، وذلك فيما يتعلق بمهامها الخاصة بالرصد والمتابعة والتقييم.
كما أنه من مجموع الهياكل التي تتولّى الهيئة متابعتها، 718 فقط يوجد بها مكلفون بالنفاذ إلى المعلومة و694 فقط بها مكلفون بالنفاذ ونواب لهم...
وحسب إمكانيات الهيئة من حيث الموارد البشرية، فإنه لا يمكنها حاليا أن تقوم بمتابعة عدد أكثر، وذلك لنقص الإطارات بها ناهيك وأننا سجلنا في السنتين الأخيرتين مغادرة 7 إطارات وسبب ذلك تأخر صدور الأوامر التطبيقية التي نص عليها قانون النفاذ إلى المعلومة إضافة إلى عدم صدور الأمر الذي يحدّد مهام المكلف بالنفاذ ونائبه وهو ما أثّر فعلا على حسن تطبيق قانون النفاذ إلى المعلومة.
أضف إلى ذلك ميزانية الهيئة التي لم تتجاوز المليار ونصف وهي ميزانية مُتواضعة مقارنة بحجم العمل والمهام الموكولة إليها من حيث التكوين والتحسيس وإعداد التقارير.
هذا وقد لاحظنا تراجع حماس عمل المكلفين بالنفاذ بتأخّر صدور الأوامر التي تم إعدادها وإرسالها لرئاسة الحكومة.. وهنا نطرح تساؤلا حول أسباب عدم إصدارها..
وبالتالي فإنّ 90% من مشاغل الهيئة ستحلّ بصدور الأوامر الترتيبية التي نتمنى أن تكون في أسرع وقت ممكن وأن يكون البت فيها ذو أولوية لتكون للهيئة انطلاقة جديدة ويصبح عملها أفضل على أرض الواقع...
*ماذا عن تطبيق حق النفاذ إلى المعلومة على أرض الواقع؟
فيما يتعلق بالنشر التلقائي للمعلومة، فإنّنا نلاحظ أنّ عدد الهياكل العمومية التي تولّت إلى حدّ الآن ومنذ دخول القانون حيّز النفاذ إنجاز مواقع واب خاصة بها مع انتظام عملها فيما يتعلّق بالتحيين الدوري لهذه المواقع، ونلاحظ أنّ النسبة في هذا الخصوص لم ترتق بعدُ إلى الحد الذي نتطلّع إليه وطبقا لما نصّ عليه القانون في هذا الصدد، وإن كانت أغلب المنشآت العمومية تقوم بتحيين مواقع "الواب" الخاصة بها لكن مازلنا نسجل بعض الهنات والنقائص السلبية، ومثال ذلك تفاجئنا بوجود 7 مؤسسات صحة عمومية فقط من مجموع 24 لديها مواقع "واب" وهو يعتبر عددا قليلا جدا خاصة مع أزمة "كوفيد-19"،.. أمّا البلديات فحدث ولا حرج إذ أنه من مجموع 350 بلدية توجد 249 فقط لديها مواقع واب، كما أنّ 9 ولايات فقط تمتلك مواقع واب، والهياكل القضائية بدورها 3 فقط منها لديها مواقع واب وهو ما يتطلب "إطلاق صفّارة الإنذار".
*ما هو العدد الجملي للدعاوى، وما هو عدد القضايا التي تم استئنافها؟
الهيئة أصدرت 3120 قرارا ملزما إلى غاية 18 نوفمبر الجاري، بينما نسبة الاستئناف ضئيلة فعدد الدعاوى المستأنفة أمام المحكمة الإدارية، وفق آخر الأرقام، 273 من جملة 1999 دعوى تم الإعلام بقرارها، أي بنسبة 13.6%
*ما هي الإجراءات القانونية والزجرية التي تتخذونها لتنفيذ قرارات الهيئة؟ وما هي أسباب طول إجراءات البت في القضايا المعروضة على الهيئة؟
حق النفاذ للمعلومة حق من حقوق الإنسان.. وهنالك ثغرات في قانون النفاذ إلى المعلومة إذ لم يُعط للهيئة وللأسف الآليات القانونية لتتمكن من إلزام الهياكل الخاضعة لقراراتها والصادرة ضدها قرارات مُلزمة بتطبيق القرارات.. كما أنّ هنالك هياكل تصدر ضدها قرارات لا تذعن لها ولا تنفذها ولا تمارس حقها في استئناف القرار وهي ظاهرة سلبية في التفاعل مع قانون النفاذ الذي من أهدافه مكافحة الفساد وتطبيق مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة وضمان جودة الخدمات التي تقدمها المرافق العمومية فيما يتعلق بالشأن العام والتصرف في المال العام.
*ماذا عن الهياكل التي لم تمتثل إلى أحكام الهيئة.. وما هو عددها؟
نعبّر عن استيائنا بصفة خاصة من عدد من الهياكل العمومية التي لم تمتثل لقرارات الهيئة الصادرة ضدّها في مجال تكريس حقّ المواطن في النفاذ إلى المعلومة وهو حقّ دستوري كما هو معلوم، ومن بين هذه الهياكل أذكُر على سبيل المثال لا الحصر الجامعة التونسية لكرة القدم التي أصدرنا ضدّها 8 قرارات ملزمة وتمّ إعلامها بها طبق القانون ورغم ذلك لم تمتثل لها وأعرضت عن تنفيذها بل إنّها لم تكلّف نفسها حتّى عناء ممارسة حقها في الطعن بالاستئناف أمام المحكمة الإدارية وهو إجراء يُعلّق التنفيذ بقوة القانون، وهذا يُعتبر موقفا غريبا جدّا من هيكل خاضع تماما لأحكام القانون وهو ما يُعدّ بالنسبة لنا مثالا سيّئا جدا في التعاطي مع قانون نافذ من قوانين الدولة صدر ونُشر بالرائد الرسمي للبلاد ليُنفذ كقانون من القوانين المكوّنة لمنظومتها التشريعية. ونعبّر عن استيائنا من الجامعة بسبب تصرفاتها هذه ضاربة بقانون من قوانين الدولة عرض الحائط.
ومن الأمثلة الأخرى، في هذا الصدد، أذكر كذلك على سبيل الذكر بعض البلديات مثل بلديات سيدي ثابت وساقية الزيت وحمام الأنف.. إضافة إلى ولايات جندوبة ومدنين وتوزر والقيروان وقفصة.. ووزارات التجهيز والصناعة والبيئة والجماعات المحلية (سابقا)..
علما وأنّ هذا الموقف السلبي في التعاطي مع القانون الصادر عن تلك الهياكل العمومية وغيرها من بعض الهياكل الأخرى يُعتبر طبقا لأحكام القانون الأساسي المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة تعطيلا متعمدا للنفاذ إلى المعلومة بالهياكل الخاضعة لأحكام القانون وهي جريمة مُوجبة للعقاب بخطية مالية تتراوح من 500 دينارا إلى خمسة آلاف (5000) دينار (الفصل 57 من القانون).
وبذلك يجوز لنا القول أنّ هناك هياكل يُمكن اعتبارها اليوم من قبيل فئة "التلاميذ السيئين" الرافضين للتعاطي الإيجابي مع قانون نافذ من قوانين الدولة والحمدلله أنّ عددهم ليس بالكثير ولكن تبقى تلك الهياكل مثالا سيّئا باعتبار أن هذا القانون مثله مثل أيّ قانون آخر صدر لينفّذ وبالتالي فإنّه من واجبنا ومن باب الأمانة الملقاة على عاتقنا إثارة هذه المسألة والتشهير بمثل تلك الهياكل وطرح نقاط استفهام حولها وهو أضعف الإيمان بالنسبة لنا في ظل عدم امتلاك الهيئة طبقا لنصّ القانون الحالي للوسائل القانونية اللازمة التي تخوّلها تنفيذ قراراتها بصفة فعلية طبعا بعد أن تصبح نهائية وباتة.. ولكن في المقابل هناك أيضا فئة "التلاميذ الجيدين" حتى لا نقول النجباء في تطبيق القانون والتعاطي الإيجابي مع أحكامه من مختلف جوانبه، ومثال ذلك وهي من المفارقات وزارات الدفاع الوطني والداخلية والثقافة والصحّة.. وولايات نابل وتونس وزغوان وقابس.. رغم أنّ هذه الأخيرة ليس لديها موقع واب رسمي خاص بالولاية إلى حدّ الآن وهي نقيصة أساسية بالمعنى السلبي يتعين عليها تداركها في أسرع وقت ممكن.
ونحن بالتالي منبهرون بتعاطي وزارتي الدفاع الوطني والداخلية مع قرارات الهيئة ومع أحكام القانون المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة عموما وذلك بالنظر إلى الانطباع العام لدى عموم المواطنين السائد والمتعارف عليه فيما يتعلّق بالعلاقة الخدماتية لهاتين الوزارتين مع المواطن بشكل عام.
*ما هي أبرز الإخلالات التي ترتكبها مؤسسات الدولة في تعاطيها مع مطالب النفاذ إلى المعلومة؟
لا يمكن الحديث عن إخلالات بل استثناءات وخاصة تلك المتعلقة بالأمن العام والدفاع الوطني وحقوق الملكية الفكرية والمعطيات الشخصية وذلك طبقا لأحكام القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة.
كما توجد هياكل تتفاعل إيجابيا ونطالبها بمدنا بوثائق لا نتولى نشرها أو تسليمها لطالبي النفاذ إلا أن هنالك هياكل لا تمكننا من الوثائق وبالتالي نمارس سلطتنا التقديرية ونصدر قرارنا لصالح الدعوى أو برفضها.
ومن جهة أخرى، هنالك إحجام عن تفعيل هامش الاجتهاد الذي يخوله القانون للمكلف بالنفاذ إلى المعلومة ونائبه عند تلقي طلب نفاذ يعلل عدم منحه بأنه يدخل تحت طائلة الاستثناءات غير أن القانون يخوّل حق الاجتهاد بحجب المعطيات الشخصية والتمكين إلا أنّ المكلفين بالنفاذ لا يجتهدون رغم أن المبدأ التمكين من الوثيقة والاستثناء الحجب. وبالتالي أدعو المكلفين بالنفاذ ونوابهم إلى تفعيل دورهم في التعاطي الإيجابي مع القانون.
* لكن ماذا عن "التعسف في استعمال الحق في النفاذ إلى المعلومة"؟
في هذا الخُصوص، سَجَّلنا، بالإضافةِ طبعًا إلى التكريس الملحُوظ والإيجابي لحقِّ النَّفاذِ إلى المعلومة على أرض الواقع من طَرف شريحةٍ واسعة من المواطنين ومختلف مُكوّنات المجتمع المدني وذلك من خلال إقدامهم على تفعيل أحكام القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 والاستفادة من الآليات التي يُتِـيحُهـا لهم في هذا المجال، فإنّنا سجّلنا كذلك - في بعض الحالات - تعسّفا وأحيانا تعسّفا واضحًا في استعمال هذا الحقّ لاسيما من بعض الأشخاص الطبيعيين. ونحنُ نحرصُ دائمًا أن نتعامل مع مِثل هذه الحالات، والتي تبقى حالات محدودة من حيث العدد، بشكلٍ عَقلاني ورَشيد، مُحاوليـن قدر الإمكان ألاّ يكون ذلك على حساب القانون وما يَضمَنُه من حُقوقٍ ثابتة للمُواطن.
ونحنُ مِثلمَا نحرِصُ على تكريس هذا الحقّ طبقا للأهداف التي أرادَهَا ورَسَمَها لهُ القانون وحِرْصِنَا من خلال ذلك على إيصَال ذَوِي الحُقُوقِ حُقُوقَهُمْ طبعًا في إطار الأحكام التي يَنصّ عليها هذا القانون المُكرِّس لحقٍّ دُستوري نفخَرُ ونَعتَزّ به جَميعًـا، فإنّنا حَريصُون كذلك وبنفس القَدر على حماية مُؤسّسات الدولة وهَياكِلها من بعض مظاهر الهَرسلـة والتعسّف والمُغالاة الواضحة في استعمال هذا الحقّ خُصوصًا كما قلتُ من بعض الأشخاص الطبيعيين.. يعني أنّ اجتهاد مجلس الهيئة قد يذهب أيضا في بعض القضايا، إلى حماية مؤسسات الدولة والمرافق العمومية من هكذا تعسّف.. طبعا إذا تضافرت كل القرائن وتعَاضَدَتْ حيثيات وملابسات القضية على ثبوتـه.. وهناك، في الحَقيقة، مُؤَشَّران رئيسيَان يُؤخَذان عادة بعين الاعتبار في مثل هذه الحالات وهُما وتيـرة نشـر القضايا وجديّة مواضيع مطالب النفاذ.. وطبعا يبقى الفيصل في تقرير هذا الأمر هو مداولات مجلس الهيئة في هذا الشأن.
*بالحديث عن الاستثناءات، وخاصة ما تعلق بالمعطيات الشخصية، بماذا تتميز العلاقة مع الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية؟
لا يوجد أيّ تنافر بين الهيئتين مثلما يسعى البعض إلى ترويجه، بل إن الهيئتين والقانونين متكاملان، ومثلما تسهر هيئة حماية المعطيات الشخصية على حماية تلك المعطيات فإن قانون النفاذ إلى المعلومة ينص صراحة على اعتبار المعطيات الشخصية والحياة الخاصة للأفراد استثناءً من استثناءات النفاذ إلى المعلومة ويتم الإذن بحجب تلك المعطيات مثلما يُعرّفها القانون الأساسي المتعلق بحماية المعطيات الشخصية كلما تعلق الأمر بوجوب ذلك.
أمّا بالنسبة للوم رئيس هيئة حماية المعطيات الشخصية زميلي وصديقي الأستاذ شوقي قداس على الهيئة فربما يكون ذلك في إطار مشروع القانون الأساسي الجديد المتعلق بحماية المعطيات الشخصية والموجود في البرلمان والذي تعطّل آنذاك باعتبار أنّ ذلك القانون يمسّ جميع المجالات ويتقاطع معها ومنها بالأساس حق النفاذ إلى المعلومة.
*وكيف تقيمون إقبال الإعلاميين على ممارسة حق النفاذ إلى المعلومة؟
%2 فقط من مجموع الدعاوى التي تلقتها هيئة النفاذ تقدم بها إعلاميون.. وهذا عدد محتشم جدا رغم الآليات الهامة التي يوفرها القانون للصحفيين في مجال عملهم وخاصة في مجال الصحافة الاستقصائية..
وندعو الإعلاميين إلى ممارسة حقهم هذا.
واليوم يجب على الإعلاميين أن يميزوا بين المكلفين بالاتصال والذين يتم التوجه إليهم في مجال صحافة الخبر لما تتميز به هذه الأخيرة من آنية وأهمية عامل الزمن بخصوصها هذا من جهة، ومن أخرى المكلفين بالنفاذ إلى المعلومة والذين يلتجأ إليهم الصحفيين للقيام بعملهم خاصة في مجالات صحافة القرب والجودة والاستقصاء وصحافة البيانات.
* وهل تعتقدون أن حق النفاذ إلى المعلومة بات في خطر خاصة وأن الدولة والسلطات القائمة لا تشجع على نشر ثقافة النفاذ ولا تحرص على تطبيق القانون؟
إطلاقا لا! .. لا يحق لنا قول ذلك فحق النفاذ إلى المعلومة حق دستوري وتكريسه على الوجه الأفضل هو بيد المواطن عموما والصحفي والباحث إلخ... الذي له حق التقدم بمطلب نفاذ إلى المعلومة لدى جميع الهياكل الخاضعة لأحكام القانون دون استثناء من رئاسة الجمهورية مرورا برئاسة الحكومة ومختلف الوزارات وصولا إلى أصغر هيكل من حيث حجم عمله وموارده البشرية.
وإن كانت هناك صعوبات لكن يجب دعم الهيئة وتعزيز مواردها وإمكانياتها لتتمكن من القيام بالمهام الموكولة إليها على الوجه المأمول، وقد سجلنا مكاسب عديدة في حق النفاذ إلى المعلومة وحصيلة عمل الهيئة بعد 4 سنوات من إحداثها تبقى إيجابية.
واليوم لا يمكن الرجوع إلى الوراء خاصة وأن من أهداف قانون النفاذ للمعلومة القطع مع عقلية الإدارة المغلقة والحاجبة للمعلومة وبالتالي فإننا مطالبون اليوم بالتقدم.. وهذا هو قدرنا.. حتّى وإن كنا اليوم نعيش في وضع استثنائي وهو وضع مؤقت سيمضي بمُضيّ أسبابه.
وندعو المواطنين إلى تفعيل حقهم في النفاذ إلى المعلومة ونحن نتعهد بالنظر والبت في الدعاوى المقدمة في آجال مختصرة قدر الإمكان وذلك للحد من معاناة المواطن، في مجال معيّن على الأقلّ، معاناته جرّاء البُطء الذي يميّز القضاء العادي بفروعه الثلاثة العدلي والإداري والمالي.
*وهل هناك تخوف من إجراءات قانونية قد يتخذها الرئيس سعيد ضد الهيئات في ظل الوضع الاستثنائي الذي نعيشه؟
أولا، صحيح أننا نعيش وضعا استثنائيا وبعض أبواب الدستور مُعلّقة لكن باب الحقوق والحريات موجود وقائم وبالتالي فإنّ حق النفاذ إلى المعلومة وهو أحد الحقوق الأساسية للمواطن التونسي المنصوص عليها ضمن هذا الباب (الفصل 32 من الدستور) كحق دستوري وعلى ذلك الأساس منظّم بمقتضى قانون أساسي يعلو من حيث مرتبته على جميع القوانين العادية الأخرى ولكن يجب مواءمة القوانين القديمة مع حق النفاذ إلى المعلومة. وقانون النفاذ غير مُعطّل والمواطن يمارس حقه والهيئة تنظر في المطالب المقدمة رغم أننا سجلنا تراجعا في نسبة الاستجابة تبعا للوضع الاستثنائي.
وثانيا، يجب التمييز بين الهيئات الدستورية والهيئات العمومية، فهيئة النفاذ إلى المعلومة، هي هيئة عمومية مستقلة منظمة بقانون أساسي كما ذكرت ومرتبطة من حيث الحق الذي تسهر على تكريسه، بمواثيق دولية صادقت عليها تونس وتعمل وفقا لأغلب المعايير الدولية المعتمدة في مجال النفاذ والوصول إلى المعلومات المتعلقة بإدارة الشأن العام وهي تعمل بشكل عادي مثلما كان عليه الوضع قبل 25 جويلية الماضي، فهي إذن، ليست هيئة دستورية من بين الهيئات الدستورية التي تم التعرض إليها بالفصل 5 من الباب الثاني من المرسوم عدد117 لسنة 2021 الصادر عن رئيس الجمهورية والمتعلق بالتدابير الاستثنائية.
وربما سيُطرح لاحقا الشكل الجديد لتنظيم الهيئات العمومية المستقلة التي أعتبرها مكاسب كبرى تحققت للمواطن التونسي في ظلّ الجمهورية الثانية وأنا واثق بأنّه لن يكون هناك أي تراجع إلى الوراء من هذا الجانب.
رسالتنا إليه تتمثل في دعوته إلى المحافظة على المكاسب التي تحققت للمواطن التونسي في مجال ثقافة النفاذ إلى المعلومة وترسيخ وتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة فيما يتعلق بإدارة الشأن العام والتصرف في المرافق العمومية وبداية استبطان عموم الناس لثقافة المشاركة في الحياة العامة والانخراط في وضع السياسات العمومية ومتابعة تنفيذها وتقييمها ومزيد دعم هذه المكاسب عن طريق توفير الإمكانيات اللازمة المادية والبشرية لهيئة النفاذ إلى المعلومة لتتمكن من أداء مهامها على أفضل وجه ممكن باعتبارها المؤسسة الأولى الساهرة على ضمان ممارسة حق النفاذ إلى المعلومة وتحقيق أهداف القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 الرامية إلى نشر ثقافة الشفافية والمساءلة وتنمية ثقافة المواطنة لدى الأفراد ودعم مشاركة المواطنين في الحياة العامة، لاسيما وأنّ الحق في النفاذ إلى المعلومة هو حقّ كوني ولا يمكن أن يعود إلاّ بالإيجاب على البلاد ومن شأن تكريسه على أسس سليمة، وعلى الوجه الأفضل تحسين صورة تونس في المحافل الدولية ولدى المنظمات والهيئات الدولية العاملة في مجال الشفافية المالية ومكافحة الفساد على وجه الخصوص.
علما وأنّ النفاذ إلى المعلومة أصبح اليوم من المؤشرات الأساسية المُعتمدة لتقييم الحكم الرشيد وتصنيف الدول في هذا المجال وقياس حجم الفساد فيها.
وتجدر الإشارة إلى أنه لم نتمكّن من رفع التقرير السنوي لنشاط الهيئة بعنوان سنة 2019 إلى رئيس الجمهورية بشكل مباشر في لقاءٍ مُخصّص لذلك مثلما تنص عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 38 من القانون وذلك بالنظر إلى تصادف الانتهاء من إعداد التقرير مع الفترة التي سبقت بقليل الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية بتاريخ 25 جويليـة 2021 وهو ما اضطرّنا إلى توجيهه إلى رئاسة الجمهورية في ظرف مغلق.
كما ندعو رئيس الجمهورية إلى مزيد دعم ثقافة النفاذ إلى المعلومة على أوسع نطاق ممكن بالنظر إلى أنّ الحق في النفاذ إلى المعلومة يُعتبر أحد الشروط الأساسية لتكريس قواعد الشفافية والنزاهة والمساءلة فيما يتعلّق بإدارة الشأن العام والتصرّف في المال العام إضافة إلى كونه يُمثّل مبدأ أساسيا لمكافحة الفساد وأداة أساسية لتكريس الممارسة الديمقراطية والتشاركية في الحكم وتحسين العلاقة بين الدولة ومواطنيها.
ندعو السيدة رئيسة الحكومة بكلّ إلحاح إلى ضرورة التسريع قدر الإمكان باستكمال إصدار النصوص الترتيبية للهيئة تفعيلا لبقية مقتضيات قانون النفاذ إلى المعلومة في مختلف جوانبه، لأنّه في ظل استمرار تأخّر صدور هذه الأوامر التطبيقية إلى حدّ الآن، لا يُمكن الحديث عن استقرار في عمل الهيئة ولا عن نجاعة عملها ولاعن ضمان حدّ أدنى من هذا الاستقرار وهذه النجاعة. كما أنّ تواصل هذا الفراغ الترتيبي قد يهدّد حتّى استمرار وجود الهيئة.
وتتمثّل هذه النصوص الترتيبية في الأمر المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بأعوان الهيئة والأمر الخاص بالهيكل التنظيمي للهيئة والأمر المتعلق بإحداث هيكل داخلي يُعنى بتنظيم مختلف الأنشطة المتعلقة بالنفاذ إلى المعلومة داخل الهياكل الخاضعة لأحكام القانون.