في حوار مع الجزيرة نت كشف راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان -المعطلة أعماله- عن موقفه من موجة الاستقالات التي ضربت الحزب، كما وجه رسائل خاصة لرئيس الجمهورية قيس سعيد بشأن الإجراءات التي اتخذها 25 جويلية الماضي، ورد على الاتهامات التي تحمله مسؤولية الأزمة السياسية في البلاد.
ما موقفكم من استقالة أكثر من 100 قيادي في الحركة، وهل سيؤثر ذلك على مستقبل النهضة وتماسكها؟
أنا آسف شديد الأسف لهذه الاستقالات التي لا شك أنها تؤثر على الحركة وعلى تماسكها، إلى جانب أن المستقيلين قد استثمرت فيهم الحركة لعشرات السنوات، ومناضلين ضمن هياكلها وقيادتها. هؤلاء الإخوة سارعوا إلى إعلان الاستقالة رغم أنه كان بالإمكان الحوار والبحث عن الحلول الوسطى في أفق المؤتمر المقبل قبل نهاية هذه السنة، ولكن لكل تقديره.
وباعتقادي مثل هذه الاستقالات تدفعنا إلى تطوير مؤسساتنا لتكون فضاءات حوار وإدماج لكل التوجهات الموجودة داخل الحركة، والرهان على التجديد في الفكر والسياسة والخطاب وفسح المجال أمام القيادات الشابة للحركة، نحن حريصون على أن يظل للصلح مكان وألا يفسد الخلاف للود ولسابق العشرة قضية.
خبراء في القانون الدستوري يرون أن إيقاف الرئيس لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس البرلمان ونوابه يعد تجريدا لصفتهم النيابية تمهيدا لحل البرلمان بشكل نهائي.. ما رأيكم؟
طبعا هي خطوة في هذا الاتجاه، والأستاذ قيس سعيد يسلك هذا المنهج منذ إعلانه تفعيل الفصل 80 من الدستور، فقد صرح أنه سيحترم الإجراءات الدستورية ولكنه أخل بها لاحقا، وأعلن أن تعليق البرلمان سيكون لمدة شهر ولكنه قام بتعليقه لاحقا إلى أجل غير مسمى، وهو إجراء غير دستوري ويمس مؤسسة سيادية تم انتخابها بنفس شروط انتخاب رئاسة الدولة ولها نفس الشرعية.
وأدعو -بالمناسبة- إلى التراجع عن هذا الإجراء غير القانوني وغير الدستوري وكل الإجراءات الاستثنائية التي مثلت انقلابا على الدستور وإرادة الشعب، ولذلك فإن فتح باب الحوار والتشاركية في صياغة مشهد جديد أفضل في جميع المجالات.
هل ما زلتم متمسكين بصفتكم النيابية على رأس المؤسسة التشريعية؟ ولو عاد بكم الزمن للوراء هل تكررون تجربة ترؤسكم البرلمان؟
أنا ترأست المجلس النيابي المنتخب من الأغلبية البرلمانية بعد أن انتخبت من الشعب في الانتخابات التشريعية لسنة 2019، وما زلت متمسكا بصفتي النيابية على رأس المؤسسة التشريعية التونسية، احترامًا لهذا التعاقد ولا يمكن أن ينزع عني هذه الصفة إلا السادة النواب أنفسهم، أو بقرار إرادي مني تقديرا لمصلحة وطنية، ودون ذلك فهو خرق جسيم لمقتضيات الدستور وهروب من معركة الديمقراطية.
وتقديري أنني يوم تقدمت إلى هذا المنصب كان هدفي منكبا على بناء توافق وطني واسع وعدم ترك هذه المؤسسة تسقط في المغالبة أو المغامرة، ولكن بعض الأطراف المؤدلجة والفاقدة لأي برنامج ولأي مشروع اجتماعي واقتصادي لتونس كان همها راشد الغنوشي والنهضة وترذيل البرلمان والإساءة إليه وإلى أشغاله وصورته في الداخل والخارج، خدمةً لأجندة الثورة المضادة والانقلاب على المسار الديمقراطي، وما اقتضاه ذلك من عملية شيطنة واسعة للبرلمان ولرئيسه تمهيدا وتسويقا للانقلاب على الديمقراطية.
كثير من القيادات السياسية حملوك المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع داخل البرلمان، واعتبارك أحد عوامل التوتر والاحتقان داخله باستغلال بعض الكتل وجودك لتصفية حسابات أيديولوجية وتسجيل نقاط سياسية؟
لا شك أن وجودي على رأس المؤسسة التشريعية مثّل فرصة لتصفية الحسابات الأيديولوجية وتغذية المناكفات السياسية التي لا علاقة لها بسير عمل البرلمان -الذي رغم استهدافه اشتغل بمستوى أعلى من دورتين سابقتين للبرلمان- وحقق عدة إصلاحات قانونية وسن مشاريع لفائدة التونسيين، منها على سبيل الذكر لا الحصر "القانون عدد 38 لتشغيل أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل"، و"قانون التمويل التشاركي"، ولكنه أخفق في قضايا أخرى لم تحظ بالتوافق المطلوب بسبب الحسابات الضيقة للبعض.
ولكن ذلك لا يخفي الأجندة المرسومة من قبل بعض الجهات لإسقاط التجربة الديمقراطية حتى وإن كان غير الغنوشي على رأس البرلمان، وقد تعرضت الأستاذة الفاضلة سميرة الشواشي نائبة رئيس المجلس وآخرون إلى اعتداءات لفظية وإهانات كثيرة رغم أنهم ينتمون إلى منظومات حزبية مختلفة.
يقول كثيرون إن الرئيس يمضي في قراراته مستندا إلى مشروعية شعبية كاسحة. في تقديركم، هل تسقط هذه المشروعية بعد المظاهرات التي خرجت ضده؟
الممارسة الديمقراطية تستند إلى آليات تمكن من تحديد شعبية أي شخص أو مجموعة أو حزب إن كانت عالية أو منخفضة، وهي الاحتكام إلى صندوق الاقتراع والانتخابات وعندها فقط تتحدد نسبة الشعبية لكل طرف، من دون ذلك سيظل كل طرف يدعي أن الشعب معه، وسينصب كل نفسه ناطقا باسم الشعب، ويستمد منه المشروعية والشرعية.
هذا التمشي لا ينتمي إلى الأسس الديمقراطية، ولذا نحن ضد كل عملية اصطناع للشعبية والمشروعية خارج إطار الانتخابات وصناديق الاقتراع، كما أن الحديث عن المشروعية يلغي الرأي المخالف ويختطف الشارع الذي لا يمكن أن يكون على رأي واحد.
أما بخصوص المظاهرات التي انتظمت يوم 26 سبتمبر الجاري وشارك فيها مواطنون من اتجاهات مختلفة ومستقلين ومن المتخوفين على التجربة الديمقراطية بالبلاد، فهي تدحض بلا شك الادعاء بأن الشارع في صف السياسة التي ينتهجها رئيس الدولة. وبمقاييس الانتخابات، النهضة هي الحزب الأول، وهذا ما نطقت به الصناديق وإلى أن يحل استحقاق آخر فستبقى كذلك.
يبرر كثير من قيادات النهضة عدم اللجوء إلى خيار الشارع وحشد الأنصار والقواعد مقابل الدعوة إلى الحوار بأنها سياسة انتهجتها الحركة في إطار نضالها المدني ضد الإجراءات التي اتخذها الرئيس. اليوم وبعد أن مضى الرئيس فيما يشبه تعليق الدستور، هل ستغير النهضة من سياستها وتلتجئ إلى ورقة الشارع كما فعلت سابقا؟
حركة النهضة جزء من المنتظم السياسي الذي يرفض إجراءات الرئيس قيس سعيد، وليست كل المنتظم السياسي أو هي كل المعارضة، فالنهضة مثلما أقرت بأن الدين شأن كل التونسيين وليس اختصاصا نهضويا فكذلك معركة الديمقراطية والتصدي للانحراف بالتجربة نحو متاهات لا نعلمها هي أيضا شأن كل التونسيين، وعليه فالنهضة لا تقدم نفسها المدافع الوحيد عن التجربة، ولا نخفي أننا نحرص على ذلك لأنه من مقتضيات الديمقراطية العمل المشترك والاعتراف بدور الأحزاب الأخرى والمنظمات والمجتمع المدني.
وعليه، فالنهضة ستتفاعل بمسؤولية مع كل الأنشطة والفعاليات الهادفة إلى حماية التجربة الديمقراطية وإيقاف التدهور بالشراكة مع أوسع طيف وطني.
تشهد الساحة السياسية والحزبية بعد تاريخ 25 جويلية الماضي حراكا نحو تأسيس جبهات ترفع لواء الدفاع عن الديمقراطية وضد الانقلاب على الدستور، لماذا لم نر النهضة في أي منها؟
النهضة في تواصل مستمر مع عديد الأطراف السياسية، ولا يضيرها ألا تكون ضمن أي جبهة حاليا، الأهم من الوجود بالجبهة هو الموقف الموحد من الانقلاب، وتوحيد التمشي من أجل المحافظة على دستور البلاد وعلى التجربة الديمقراطية وتحقيق الإصلاحات الكبرى التي ستحسن من مناخ الاستثمار وتوفر فرص التنمية والتشغيل للتونسيات والتونسيين.
لقد كنا وحدنا يوم الانقلاب في 25 جويلية الماضي من أعطى التوصيف الصحيح لما حدث، وبعد شهرين لم يبق غير حزب واحد يدافع عن هذا الانقلاب، ومشهد البارحة في شارع الثورة حيث جمع الشارع آلاف المتظاهرين ومعهم مختلف الوجوه السياسية دال على اتجاه تطور السياسة عودا إلى الإجماع حول الخيار الديمقراطي.
(الجزيرة.نت)