عديدة هي إشكاليات القضاء الإداري لعل أهمها المعضلة الكبرى المتمثلة في عدم تنفيذ الأحكام التي تصدر عن المحكمة الإدارية.. عن هذه المسألة وخاصة الطعون التي تم تقديمها مؤخرا والتي تتعلق بقرارات الوضع قيد الاقامة الجبرية وتحجير السفر فضلا عن مدى استقلالية المحكمة الإدارية عن السلطة التنفيذية.. كان لنا الحوار التالي مع الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية القاضي عماد الغابري الذي تحدث فيه عن المسائل سالفة الذكر وعديد النقاط الاخرى من بينها ما يتعلق بمشروع مجلة القضاء الإداري.
* لماذا لم يتم البت بعد في الطعون المتعلقة بقرارات الوضع تحت الإقامة الجبرية والمنع من السفر إلى حد الآن ؟
-بداية إن أول طعن تم تقديمه كان بتاريخ 11اوت الماضي وحاليا بلغنا اليوم 20سبتمبر أي تقريبا في الآجال القانونية التي يضبطها الفصل 40 من القانون الذي يمنح أجل شهر للبت في هاته القضايا وبالتالي لم يتم نتجاوز تلك الآجال بفترة هامة.. خاصة وان هناك عديد الإجراءات التي وجب القيام بها من تبادل تقارير ومراسلة الجهة التي اتخذت القرار ومطالبتها بالأسانيد وأسباب اتخاذ ذلك القرار وبالتالي فان هناك حيزا زمنيا للقيام بكل الإجراءات التي تستغرق وقتا وبالتالي يمكن أن نكون أحيانا مجبرين على تجاوز الآجال القانونية لأنه لا يمكن البت في قضية تضم عريضة فقط أو منقوصة من الأسانيد اللازمة..
فيجب أن تكون هناك موازنة بين الطرف الشاكي الذي يتقدم بحججه و أسبابه ومراعاة حقوق المشتكى به وتهيئة الملف للفصل من خلال توفير كافة الوثائق التي تمكن من البت في القضية
وأريد أن أوضح أن هناك نظام الحالات يقع إتباعه حيث أن كل ملف له خصوصية و له مطاعن وصيغة معينة لإثارة الطلبات وحتى طريقة الفصل والبت ما يتطلب وقتا يمكن أن يتجاوز الشهر إلا انه يبقى في إطار أجال معقولة
*لمحة عن الطعون وعن الأشخاص التي تقدموا بها؟
- الإجراءات الاحترازية مست أشخاصا كانوا مسؤولين في الدولة سواء كانت لهم وظائف حكومية أو شبه حكومية أو إطارات عليا في دولة أو اشرفوا على هيئات عليا في الدولة أو قضاة وغير ذلك من الأصناف المختلفة إلا أن القاسم المشترك بينهم أنهم كانوا في علاقة بالدولة كانوا يضطلعون بوظيفة أو ينتمون لهيئة عمومية
أما عن عدد الطعون إلى حد الآن فقد تجاوز 20 طعنا نصفهم يتعلق بقرار تحجير السفر.
* في لقاء لنا مع رئيسة اتحاد القضاة الإداريين صرحت بان رئاسة المحكمة تعمل تحت الضغط بسبب الطعون المتعلقة بالإقامة الجبرية ومنع السفر ما نوعية هذه الضغوطاتولماذا صرحت بذلك؟
-الضغط موجود نظرا لطبيعة الملفات التي بصدد البت فيها والتي لا تعد سهلة بل لها وزنها وثقلها وهي أيضا ملفات حساسة لكونها تتعلق بملفات رأي عام والجميع يتابعها.. وهذا الضغط في اتجاه الحكم لصالح طرف أو طرف أخر لكن المحكمة الإدارية وقضاتها ليست المرة الأولى التي يتعرضون فيها للضغط والذي أؤكد على مسؤوليتي انه لن يكون له أي تأثير على وجه القضاء سواء بالقبول أو الرفض لان القضاء إذا كان يصدر أحكاما لجهة على حساب اخرى فانه حينها يصبح إفتاء وليس قضاء الذي بوصفه تطبيق للقانون على وقائع معينة مادام الفيصل بيننا هو القانون وان فقه القضاء زاخر عند القضاء الإداري بمثل هذه الملفات فانه لا يوجد اي تخوف او ايادي مرتعشة ستحكم وتصدر الأحكام بخصوص الملفات المطروحة
والقضاء الإداري تاريخه سابق ونوعية الملفات المقدمة لا تبعث عن الخوف وسيقضي فيها طبق القانون ولما هو موجود.. كما أريد أن أشدد على ان الهجمات باستعمال فضاء الإنترنت للضغط من خلال تخصيص صفحات للغرض تحاول المس من قضاة المحكمة الإدارية لن تأثر لا في حيادية أو استقلالية القضاء الإداري
هل توجد ضغوط حقيقية لعدم البت في الملفات لدى المحكمة بصفة آنية وهل أن مسارها عادي؟
-الإجراءات عادية والتعاطي مع الملفات المعروضة بشكل عادي حيث أنها تخضع حاليا للتحقيق في إطار مسارها المعروف.. صحيح أن الملفات هامة وتتعلق بسير الدولة والحقوق والحريات من خلال قرارات الإقامة الجبرية وتحجير سفر في ظل الوضعية الاستثنائية إلا أنها وضعية لن يغيب عنها القضاء الذي هو ثابت والقانون موجود لان هناك شرعية تنظم وضعية الاستثناء لان الرقيب عنها القاضي الإداري الذي سيؤكد أن ما اتخذ من إجراءات كان في إطار حماية العامة أو أنها إجراءات تعدت على الحقوق والحريات وصارت انتقامية وبالتالي فان هذه المقاربة لضمان موازنة بين المصلحة العامة والخاصة وبين والحقوق والحريات والنظام العام.. فنحن في شرعية استثنائية تخضع لضوابط قانونية لا يغيب فيها القانون والمضامين الحقوقية كي لا تصبح فوضى
والحالات الاستثنائية حتى وان نظمتها الدساتير فهي من صنع القضاء الإداري وهو ما يجهله العديدون.. حيث أن المقاييس لا تتغير ولا يقع تغليب احد على آخر وحتى وان كان هناك مس من الحقوق والحريات فيجب أن يكون بالقدر اللازم والضروري الذي لا يتعدى على الضمانات الأساسية ولا يتحول الإجراء الاستثنائي إلى انتقامي
هناك احكام لم تنفذ ولم تستجب لها الادارة.. ما الذي اقترحتموه من حلول؟
- هي فعلا معضلة؛ فبعض الهيئات لم تمس فقط من الأحكام القضائية حتى القضاء العدلي يعاني من هذه المعضلة وحتى القوانين والقرارات الإدارية باتت لا تنفذ وبالتالي فان مسالة التنفيذ أضحت مشكلة كبرى وتمس حتى من توازنات الدولة إذ انه عندما يغيب النفاذ تصبح الدولة ضعيفة
عدم تنفيذ القوانين والقرارات والأحكام دلالة على ضعف الدولة التي لم يعد لديها سلطان على الكافة سواء كانت إدارات عمومية أو أفراد وبالنسبة للقضاء الإداري وجب أن لا ننسى أن مسالة تنفيذ الأحكام عموما هي مهمة من مهمات السلطة التنفيذية وهي من تتولاها وبالتالي فان التقصير في تنفيذ الأحكام مسؤولية السلطة التنفيذية والقاضي تقف مهمته عند النطق بالحكم واكساءه بالصبغة التنفيذية
والخصوصية في القضاء الإداري هو أن الإدارة أو السلطة العمومية هي طرف في النزاع القضائي وهي الطرف المعني بتنفيذ الحكم وبالتالي يحصل هناك تفصي من تنفيذ الأحكام .. وهذه الإشكالية المتعلقة بعدم تنفيذ الأحكام لا وجود لها في الدول الديمقراطية لان مبدأ المساواة يطبق على الكافة وبالتالي فان تنفيذ الأحكام يجب أن تتساوى فيه الأفراد والإدارة ووجب ان تكون الأحكام نافذة على الكل
وفي القضاء الإداري المعنيين بالتنفيذ هم السلط العمومية الذين وجب أن لا يستفيدوا من وضعهم بغاية التفصي من تنفيذ الأحكام فجوهر الفصل بين السلط سلطة قضائية تصدر الأحكام والتنفيذية تنفذ الأحكام.
في بلادنا ما زاد الطين بلة هو غياب إطار قانوني لتنفيذ الأحكام خاصة في ما يتعلق بالقضاء الإداري حيث لا يوجد إطار ينص على عقوبات في صورة عدم تنفيذ الأحكام .. وحاليا بصدد الإعداد لمشروع مجلة القضاء الإداري لايجاد آليات للجبر على التنفيذ والجزاء على عدم التنفيذ ونأمل ان يصدر هذا الإطار القانوني قريبا والذي بموجبه سيقع سد ثغرة عدم تنفيذ الاحكام من خلال اليات الجبر على التنفيذ حينما تستكمل الاحكام شروطها
حيث سيمثل المشروع الجديد توصية لتشديد العقوبات الجزائية في صورة عدم تنفيذ الأحكام مثلا من خلال آلية تغريم الإدارة عن عدم تنفيذ وتسليط عقوبات مالية لتصل مسؤولية سياسية لوزير
وبالتالي هناك العديد من الآليات تضمن التنفيذ لا تقف عند الجبر عن التنفيذ وإنما وضع آليات تاديبية جزائية وحتى المساءلة السياسية
يعيب البعض على مجلة القضاء الإداري عديد النقاط من بينها ما طرحتموه سابقا هل سيتغير ذلك في النسخة الجديدة من المشروع الجديد؟
هو مشروع يحمل العديد من الإيجابيات أهمها الرقمنة أي المرور بإجراءات التقاضي الكلاسيكي عبر الكتابة والعرائض الكتابية الى التقاضي عبر الرقمنة.
من بين المحاور لإصلاح القضاء الإداري طبق المشروع الجديد رقمنة الإجراءات حيث سيصبح القضاء الإداري الكتروني وهو سبيل من السبل للضغط على أجال التقاضي.. ثانيا هناك اجال وقع تحديدها وتقضي بتعيين ستة بعد نشر القضية لجلسة مرافعة وإصدار للحكم فيها
هناك ضبط للآجال وفق استراتيجية كبرى لضمان مبدأ المحاكمة العادلة كي لا تضيع الحقوق وكذلك لضمان النجاعة، مع ضرورة استرجاع بعض الاختصاصات التي سحبت من القضاء الإداري وبالتالي بعد دستور 2014وجب إرجاع الاختصاصات العادية للقضاء الإداري سواء في مستوى التقاضي العادي او الاستعجالي فضلا عن تطوير الية التقاضي الاستعجالي وبالتالي فانه وفق المشروع الجديد للمجلة فان هناك روحا جديدة للقضاء الإداري وهو مشروع جديد ومكتسب من مكتسبات الدولة و المواطن التونسي وآمل ان يقع قريبا تمرير المشروع للمصادقة حيث سيقع تلافي عديد السلبيات في التقاضي لان المشروع الجديد اصلاحي وسيكون من خلاله مستقبل القضاء الإداري زاهرا وسيحقق جميع مبادئ المحاكمة العادلة
عدم تنفيذ الأحكام وطول آجال التقاضي :هل من إشكاليات اخرى للقضاء الإداري؟
من بين الإشكاليات الأخرى هو عدم اكتمال بنيان القضاء الإداري على غرار بنيان القضاء العدلي فكما نص على ذلك دستور 2014 نرغب في اكتمال هرمية وهيكلية القضاء الإداري بان تصبح هناك محاكم إدارية جهوية.. حاليا توجد دوائر جهوية كذلك تحقيق مبدأ التقاضي على درجتين بإنشاء محاكم استئناف والتركيبة التي نص عليها الدستور مع مشروع مجلة وتدعيم الهيكلة والقضاء الإداري بالموارد اللازمة منها اللوجستي والبشري يصبح القضاء الإداري هيكليا مكتملا على غرار القضاء العدلي.
استقلالية المحكمة الإدارية يطرح نقطة استفهام في علاقة بتبعيتها للسلطة التنفيذية على ضوء القانون الحالي والمأمول؟
-بعد دستور 2014لم تعد هناك تبعية من القضاء عموما بالسلطة التنفيذية حيث تم فك هذا الارتباط على الأقل هيكليا من خلال إرساء المجلس الاعلى للقضاء ذي التركيبة المختلطة و الموكول له النظر في المسارات المهنية ومسالة التأديب للقضاة
نحن نؤمن ان مسالة استقلال القضاء هو عقلية حيث يجب ان يؤمن القضاة وكافة المتدخلين في الشان القضائي بالاستقلالية لا أن تكون مجرد نصوص.. اذ يجب تهيئة النفوس كي تتعود على الاستقلالية وهو امر يتطلب بعضا من الوقت وهي مسالة تمرين على الحرية والاستقلالية والتشبع من منهل القضاء المستقل وبالتالي هناك عدة شروط وجب توفيرها ونحن ماضون في الطريق الصحيح وآمل أن يكون القضاء قضاء وليس إفتاء حيث يجب توفير أكثر ضمانات من داخله ومحيطه كي يحكم بأحكام معللة وبإنصاف
هناك مقترح بفصل المحكمة الإدارية عن رئاسة الحكومة فهل ستحقق استقلاليتها في صورة خروجها عن جبة الحكومة ما تعليقكم؟
المسالة منتهية فطبق القانون عدد 34لسنة 2016واحكام الدستور الجديد تنص على أن القضاة السامين في الوظائف السامية يقع تعيينهم من قبل المجلس الأعلى للقضاء وبالتالي مستقبلا سنرى تفعيل ذلك في الواقع
وبخصوص الرئيس الأول للمحكمة الإدارية كان يقع تعيينه من قبل السلطة التنفيذية والرئيس الحالي سيكون أخر تعيين من قبل رئيس الحكومة لأنه مستقبلا القضاة السامين والقضاة والتسمياتهم ومسالة التأديب سيضطلع بها المجلس الاعلى للقضاء
القضاء العدلي والمالي يتهمون الحركة الاخيرة بانه شابتها خروقات عديدة هل يشمل ذلك القضاة الاداريين؟
.الحركة القضائية تتعلق أساسا بالقضاء العدلي لأنهم بشريا وعدديا أكثر من القضاة الماليين والإداريين فضلا عن انتشارهم الجغرافي والوظيفي الكبير فنحن نتحدث عن قرابة 2000قاضي عدلي مقابل 220قاضي اداري و150مالي وهو ما يجعل وقع الحركة القضائية على الصنف العدلي أكثر من وقعه على القضاء الإداري
الحركة لدينا كانت بسيطة شملت 10مراكز وخصوصية القضاء الإداري هو الذي ينظر في شرعية الحركات القضائية بموجب القانون عدد34لسنة 2016
القاضي التونسي مقارنة ببقية دول العالم أقل أجرا ألا يفتح الباب أمام القضاة لفقدان استقلاليتهم وارتكاب عديد التجاوزات؟
من بين شروط الاستقلالية هو توفير الظروف المادية والمهنية اللازمة والمناسبة لقضاء عادل وناجز.. المسالة اهواء والقاضي ليس معزولا عن الأهواء وحاجياته
والقاضي عموما يمكن ان يكون ضحية إغراءات مادية او إغراءات السلطة لذلك تواجد مفهوم الفساد الذي ينخر هذه الاجسام بما فيها القضاء ولا يمكن ان ننكر ذلك وبالتالي وجب توفير الشروط اللازمة لتجنيب القضاة السقوط في فخ تلك الإغراءات من بين ذلك المكان اللائق للعمل والأجر المناسب الذي وجب أن يكون بمنأى عن اي إغراء مادي واعتبر ان توفير الظروف العمل المهنية والمادية شرط من شروط استقلالية القاضي والقضاء عموما
ماذا عن القضايا التي تقدم بها مواطنون أو امنيون معزولون ضد وزارة الداخلية على غرار القلمامي؟
بالنسبة لهؤلاء المعزولين الإشكالية في التنفيذ لأنه لا وجود لإطار قانوني يلزم بالتنفيذ ويعاقب في صورة عدم التنفيذ ليتم إرجاعهم إلى عملهم إلا أن هناك أمرا محمودا رغم كونه جاء متأخرا وهو إعادة بعض القضاة المعزولين إلى عملهم فيما احيل البقية على التقاعد
وبالتالي نطالب بإطار قانوني للجبر على التنفيذ في الحالات التي تتطلب التنفيذ كي لا يقع تمييز احد على آخر على أن تكون العقوبات مشددة من بينها عقوبات سالبة للحرية وأخرى مالية ومسؤولية تأديبية تصل للعزل
إلا انه حاليا في ظل الفراغ القانوني يبقى التنفيذ طبق أهواء ونفسية السلطة التنفيذية والقضاء الإداري أصبح واعيا بهذا الإشكال وقد خصص قسما لتقبل الشكايات عن عدم التنفيذ حيث تصل الى 35شكاية سنويا
ومع وجود قاضي تنفيذ الأحكام الإدارية حيث يقع طرح جميع الاشكاليات المتعلقة بالتنفيذ عليه.
ماذا عن القضايا التي تتعلق بملف المصادرة؟
-منذ سنة 2015 تعهدت المحكمة بحوالي 800 ملف قضية مصادرة، وقد أصدرت أحكام ابتدائية في قرابة 500 ملف ولا زال البقية قيد النظر
حاورته سعيدة الميساوي