بقلم الهكواتي (سالم اللبّان)
بطاقة إحالة :
سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد،
أعرف ألاّ أحد طلب منّي أن أنبس بحرف ولكن،
عن أبناء شعبي التونسي الذي أراد، والذي هو عارف تماما بما يريد، وبعد أن انتظرت منكم وشعبي طويلا، خطابا كهذا فحلّ الهزيع الأخير من الشهر الذي أعلنتموه أجلا لنهاية الوضع الاستثنائي، ولم يأت،
ولأنني واثق من أنكم لن تتأخروا عن مخاطبتنا خطابا متكاملا مباشرا في هذا الموضوع، بعد أيام قليلة بل بعد ساعات، ربّما،
فإنّني أنا الهكواتي سالم اللبّان، الذي سبق أن حاول إبلاغكم صوته في رسائل مفتوحة موجهة بالوسائل المتاحة، بوصفي شاعرا وأديبا، من هذا الشعب الذي يريد أنحدر، وبلسانه أنطق دون انتظار توكيل لأنّ إرادتي من إرادته،
عهدت لنفسي بأن أتخيّل خطابكم كما تمنيناه وأن أصوغه كما أتصوّر غالبية شعبي التونسي تريد أن تسمعه منكم.
وهذه مسودّة الخطاب كما أتمنى أن تتبنّاها، وكلّ رجائي أن أكون ساعدتكم على تجميع المعاني التي يبقى عليكم أن تصبغوا عليها من أسلوبكم رِدَاءًا، وأن تدرجوا فيها من المعلومات التي لا يعلمها سواكم ما يفتح أعيننا على مزيد الحقائق، ومن رجاحة عقلكم وزهدكم في متاع الدار الدنيا ما يدعم الثقة التي وضعناها في شخصكم ويطمئننا على سيركم ببلادنا في طريق الخلاص النهائي.
الفاتحة
(يقول الرئيس قيس سعيد، أو يا ليته يقول) :
باسم الله الرّحمان الرّحيم
أيها الشعب التونسي الأصيل المتفتح المسالم المتسامح الأبي الصّارم،
أيها الشعب التونسي الذي يريد حلاّ يخدم الجميع بمساهمة الجميع، لا تشفّيا في هذا ولا إقصاء لذاك،
أيها الشعب التونسي الذي لا يضمر شرا لأحد، إلاّ أن يكون عقابا مستحقا لمن يثبت عليه شخصيّا، وبمحاكمة عادلة، أنه الْحَقَ شرّا بالشعب وبالوطن،
أيها الشعب التونسي الذي أراد، من تلقاء نفسه أو استجابة لنداء من نطق باسمه من ابنائه الصّادقين، ومنهم رئيسكم الملتزم بتحقيق إرادتكم طبقا لما تسمح به صلاحياته الدستورية،
أيها الشعب الذي طلب منّي تنفيذ إرادته لانتزاع الوطن من براثن الفساد والعمالة وإنقاذ الدولة من الخطر الدّاهم الذي كان على وشك القضاء عليها قضاء مبرما،
بهذا البيان، ننهي المرحلة الاستثنائية التي ابتدأت في الخامس والعشرين من جويلية المنصرم، لنفتتح على بركة الله مرحلة انتقالية، بها نعمل على إعادة دواليب الدولة إلى سيرها العادي، في ظل نظام كما يريده الشعب، جمهوريّا ديمقراطيا، ضامنا للحقوق والحرّيات، ناشرا للأمن والعدالة والمساواة في وطننا العزيز بشكل نهائي لا رجعة فيه.
بهذا البيان، نرسم على بركة الله أهم ملامح هذه المرحلة الانتقالية ونضع جدولا زمنيا تقريبيا لتأمين مختلف متطلباتها.
طريق كان مسدودا
(يقول الرئيس قيس سعيد، أو يا ليته يقول) :
أيها الشعب التونسي المتعطش إلى إنهاء هذه العشرية المضطربة والخروج منها إلى حال الاستقرار السّياسي والوئام الاجتماعي، في ظلّ تصالح شامل مع طبيعة مجتمعنا وأمن مستتب يوفّر ظروف انقطاع الجميع إلى العمل والكدّ، من أجل تحقيق الانتعاشة الاقتصادية المنشودة،
طلبتم مني الاستماع الى مطالبكم فاستمعت، ووثقتم بي فاعلا باسمكم فاجتهدت حتى أكون في مستوى هذه الثقة، واتخذت القرارات التي رأيتها ملائمة لحاجة إنقاذ البلاد فوجدَتْ لديكم قبولا حسنا وصدى واسعا ومساندة ليس منها أعرض.
كان لتحرك الشباب طيلة نهار الخامس والعشرين من جويلية، ولا شك، دور مهم في دفعي إلى التعجيل باتخاذ القرار بعد طول صبر. ولكن تعبيركم عن إرادتكم لم يبدأ مع هذا التحرّك، ولا كان من فعل شريحة الشباب المساند لرئيس الجمهورية دون غيرها من شرائح الشعب التونسي الذي كانت له نضالات ونضالات بعضها منظم وبعضها عشوائي، بعضها على الميدان وبعدها في الوسائل الافتراضية، قبل أن يخرج تلقائيا للتعبير عن فرحته بهذه القرارات.
فلتقولوا لمن لم يفهم أنّ إرادة إنهاء المنظومة السياسية الفاسدة كانت إرادة شعب كامل، ما عاد يطيق صبرا على ما سمتموه من ضيق اقتصادي واحتقان اجتماعي، وما كنتم تنفكون عن ذلك العبث السّياسي بمصالحه الأساسية وبالمصلحة العليا للوطن، إنكم لم تفهموا شيئا من زلزال الخامس والعشرين من جويلية. لأنكم لم تسمعوا الشعب التونسي بأسره وهو لا يكف، منذ شهور طويلة عن إعلان كفره بالمنظومة السياسية برمتها، ولا ينقطع منذ شهور طويلة عن المطالبة بإزالتها، إلى أن جاءت الاستجابة لمطالبه زلزالا مدويا، ولكن في كنف احترام القانون.
وإنّ الصّادقين منكم ليعرفون أنّ هذه الاجراءات لم تكن انقلابا بالمعنى المتداول، ولا كانت تنفيذا لأيّ أجندا خارجية، ولا إرضاء لأيّ نزعة دكتاتورية. كما يعرفون أنني حرصت على اتخاذها كما فرضها علي واجبي، طبقا لدستور 2014 الذي علينا جميعا احترام مقتضياته، رغم ما نعرف جميعا من ثغراته التي منها تسلّل الخطر واستفحل.
لقد تعفنت الساحة السياسية واستفحلت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة منذ عشر سنوات أو تزيد، والتي زادتها الجائحة الصحية تعفنا إلى درجة انغلقت معها كلّ الآفاق. فإذا البلاد تواجه، لا خطرا داهما فقط، كما أشار إليه الدّستور، ولكن خطرا قائما جاثما، أصبح يهدد الدولة بانفراط عقدها وانفجار كيانها في كل لحظة. فما وجدت أمامي للخروج من هذا المطب المنغلق علينا إلا تفعيل الفصل الثمانين لمنع كيان الدولة من التّفكك الكامل والانهيار الشامل.
داخلي كان الخطر
(يضيف الرئيس قيس سعيد، أو يا ليته يضيف) :
أيها الشعب التونسي الحريص على إنقاذ دولته الوطنية قبل حرصه على الشكليات الإجرائية، رغم أهميتها،
لو كان الخطر الدّاهم خارجيا لكان أمر التّصدّي اليه أيسر، إذ كان يمكن لكل مؤسسات الدولة ولكل شرائح الشعب بمختلف توجهاته وانتماءاته السياسية ورؤاه، أن تتحّد ضدّ ذلك الخطر،في لحمة وطنية صمّاء تقضي عليه سريعا.
ولكن الخطر كان قائما، ينخر أسس الدولة من داخلها. وكان كامنا، معشّشا في ذات مؤسساتها التي أضحت متنافرة حدّ العداوة، وأضحى بعضها يدار، على مرأى ومسمع من الجميع، بشكل عبثي، وعلى حساب المصالح العليا للوطن والحاجات الأساسية للمواطن.
حتى أن الشرعية الانتخابية البرلمانية غدت مجرّد شكليات تطغى على الجوهر فتمثّل العائقَ الأساسيَّ أمام تكامل هذه المؤسسات، والمانعَ الأكبرَ من تآزر المجتمع المدني كله إزاء أي خطر.
فمن مؤسسات الدولة كما كانت تدار، ومن الأحزاب ومن الجمعيات ومن هياكل المجتمع المدني، ما كان لهذا الخطر القائم وكرا منيعا، وموطنا آمنا منه يُداهِمنا ثمّ فيه يختبئ، حتى رأيت كل مصلح عاجزا عن الوصول إليه، لتقويم المسار وإعادة دواليب الدولة إلى سيرها الطبيعي. كما استحال على رئيس الدولة ذاته، أن يواجه هذا الخطر المستفحل دون توسّع في تأويل ذلك الفصل الثمانين، بما يؤمّن الوصول إلى برّ الأمان بأخفّ الأضرار وفي أسرع الأوقات.
لا أرى الآن أيّ فائدة في خوض أي جدل قانوني تقنوي إجراءويّ قد يشترط، قبل الشروع في أي عملية إنقاذ، أن يتمّ البتُّ في معضلة جنس الملائكة، والفصلُ نهائيّا في معضلة البيضة والدجاجة وأسبقية إحداهما على الأخرى.
شرعية شعبية متجدّدة
(يقول الرئيس قيس سعيد، أو يا ليته يقول) :
أيها الشعب الذي حمّلني الأمانة فحملتها عنه واجبا وابتلاء،
هذا دستورنا على علاّته، وقد أوكل إليّ وحدي وزر إنقاذ البلاد من الخطر، وعهد إليّ بمسؤولية تأويل الدستور في غياب محكمة دستورية لا داعي الآن للخوض في ما صاحب مسار إنشائها من ألاعيب سياسويّة عابثة، وفي ما أثير حولها من لغط.
لذلك سأكتفي بالقول إنّ ما أعلنته قبل شهر، وما أعلنه الآن، إنما هو اجتهادي الذي ارتضاه ضميري ولم يمنعه الدستور. وهو اجتهادي الذي أتحمّل مسؤوليته كاملة، إذ ينبع من صدقي أمام الله وأمامكم، ومن إخلاصي للوطن ووفائي للأمانة التي حملتموني إياها.
ولا أظنّ أحدا يضع صدقي وإخلاصي موضع الشك، اللهمّ إلاّ من كانت رؤيته المحدودة تصوّر له عكس الواقع. وهؤلاء، لا أملك إلاّ أن أُقرَّ لهم بحرّيتهم المطلقة في شكّهم، شريطة أن يقرّوا من ناحيتهم للأغلبية، بحقها في ألاّ ترى ما يرون.
أمّا بقية المشككين، ومنهم المعضلة وفي ذواتهم، فلا يخفى على أحد منكم أنّ لهم في موقفهم مصالح سياسوية رخيصة مبيتة، وأنهم يتوهمون القدرة على الوقوف في وجه إرادة الشعب. ولا يسعني إلا أن أترك للشعب أن يثبت لهم أنّ إرادته أكبر ممّا تُصوّرُه لهم أوهامهم.
هذا إذًا اجتهادي الذي زكّيتموه بخروجكم بعشرات الآلاف إلى الشوارع من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. وإني لكم لمن الشاكرين. ولم يبق لي الآن إلاّ أن استجيب لانتظاركم منّي توضيح خطة الانقاذ التي أراها كفيلة بإخراجنا من هذا الوضع الاستثنائي، ولتسمّوها خارطة طريق إذا شئتم، فإنّي ملتزم بتطبيقها وأدعوكم إلى الالتزام مثل التزامي.
على أنني، كما حرصت يوم 25 جويلية على اتخاذ اجراءات نصّ عليها الدستور، أريد أن أطمئنكم على أننا سنبقى طيلة هذه الفترة الانتقالية في كنف ما نصّ عليه الدستور. ذلك أننا سندير شؤون هذه المرحلة الانتقالية أيضا مستندين إلى نفس الفصل الثمانين من دستور 2014، الذي أصبح تأويلي له الآن مدعوما بشرعية شعبية جددتموها لي بخروجكم ليلتها لتزكية اجراءات استثنائية غلّبنا فيها المصلحة العليا للوطن على التشبّث بحرفية النصّ.
لتطمئن القلوب
(يقول الرئيس قيس سعيد، أو يا ليته يقول) :
سأعتمد في هذه المرحلة الانتقالية نظاما رئاسيا مؤقتا، ما يعني أن الحكومة ستبقى حتى نهاية هذه المرحلة الانتقالية، وكما في الشهر المنصرم، مسؤولة أمام رئيس الجمهورية. لأنّ مثل هذا الوضع الذي نعيش يتطلب اقتصادا في الاجراءات وسرعة في اتخاذ القرار لا تتحمل أي تشتيت للسلطة.
وإنني إذ أقول إن هذا النظام سيكون مؤقتا، فلأنني لن أفرض اختياري الشخصي على الشعب التونسي لأكثر من الوقت الضّروري لإنقاذ البلاد من الخطر الدّاهم، في انتظار أن يختار الشعب التونسي، عن طريق الاستفتاء، النّظام السياسي النهائي الذي يريده لما بعد هذه المرحلة الانتقالية.
أيها الشعب التونسي الوفيّ للمبادئ المتعطش لإعلاء شأن الأخلاق،
لقد أعطتني شرعيتي الانتخابية الأصلية حقّ تفعيل الفصل الثمانين من الدستور، وترك لي غياب المحكمة الدستورية الكلمة الاخيرة في تأويل نصّه. ولكنّني لم اعد أعتمد هذه الشرعية وحدها لاتخاذ الاجراءات الاستثنائية التي ستنظم بقية مسار الانقاذ.
فخروجكم مساء الخامس والعشرين من جويلية، للمصادقة على قراراتي بذلك الاجماع منقطع النظير، يعطيني اليوم شرعية شعبية جديدة تدعم شرعيتي الانتخابية الاصلية بما يجعل كل صوت يصِمُ قراراتي التالية بالانقلاب نشازا مهما تعلل بحرفيّة النص الدستوري.
أنا أعرف مدى ثقتكم في شخصي. وإنّي بها لمدين لكم، حريص على أن أكون في مستواها. ورغم أنّني لا أنتظر أن أحظى برضاء الجميع، فإنني واثق من أنني لو ترشّحت لرئاسة البلاد مرة أخرى أو أكثر، أو لأيّ منصب آخر، لكنت من الفائزين. وقد رأيت سبر الآراء الأخير الذي يعطي لعودة روح التفاؤل بالمستقبل عند الشعب التونسي نسبا استثنائية، ولنوايا التصويت لشخصي في الانتخابات الرّئاسية أرقاما قياسية.
ولكنني واثق أيضا من أن تركيز السلطة عند شخص واحد يولّد لدى المواطن خشية مشروعة من عودة النّظام الرئاسوي، وخوفا طبيعيا من ميل الشخص الى التسلط والتشبث بالكرسي. وأعرف أنّ ضرورة إعطاء المثال من أجل أخلقة الحياة السّياسية التي انحدرت إلى الحضيض، ومن أجل أن يُقضى نهائيا على ما شهدته العشرية الأخيرة من تهافت سياسوي مقيت، نظّر له أقطاب ما سمّي "بالتدافع الاجتماعي" الذي رأينا عواقبه الوخيمة... أعرف قلت، أنّ هذه الضرورة تقتضي مني السعي إلى طمأنة الصّادقين من الفاعلين السياسيين في هذا البلد، وإلى ضمان أوسع وفاق ممكن حول هذا المسار الانتقالي، وأوسع انخراط فاعل في تأمينه.
وبناء عليه فقد قررت ألاّ أترشّح مستقبلا لأيّ مهمة سياسية بعد اتمام عهدتي الرّئاسية هذه. فسيكفيني فخرا أن أكون المواطن التونسي الذي وجد نفسه في الموقع المناسب لإخراج بلاده من هاوية بلا قاع، ووضعها نهائيا في مدار الديمقراطية الحقيقية المتمدنة المسؤولة. ولن أكون صادقا مع الله ولا معكم ولا حتى مع نفسي، إن أنا تراجعت عن هذا القرار تحت تأثير أي مناشدة شعبيّة.
كما قررت، لنفس الغرض، أن أُلزِم كل عضو أدعوه إلى تحمّل المسؤولية في الحكومة المؤقتة التي ستقود مسار الانقاذ الوطني، بألاّ يترشح في أيّ من الانتخابات التي تلي مباشرة اضطلاعه بهذه المسؤولية.
ومن القضاء سند مسؤول
(يقول الرئيس قيس سعيد، أو يا ليته يقول) :
أيها الشعب المتعطش إلى العدالة النّاجزة النّقية من كلّ الشوائب،
تحتاج هذه المرحلة الانتقالية إلى المزيد من الضّمانات، لذلك قرّرنا أن نحمّل القضاء مسؤولياته كاملة. وذلك بدعوته لأن يكون على موعد مع التاريخ، شريكا معنا في عملية الإنقاذ، ضامنا لعدالة مسارها.
فأنتم تعرفون أنّ أحد مظاهر الخطر الداهم تَمثَّلَ في تكريس سياسة الافلات من العقاب وتعطيل العديد من أهم ملفات الفساد والغش الانتخابي والإرهاب. وقد قامت هذه السياسة على دسّ بعض المفسدين في أعلى هرم السلك القضائي وفي بعض أهمّ مفاصله الأخرى.
وحتى نبتعد عن كلّ تعميم ونتجنّب في نفس الوقت كلّ تشكيك، قررنا تشكيل مجلس قضائي أعلى مؤقت، سنعلن تركيبته قريبا، ليكون مرجع المرحلة الانتقالية الأعلى في المجال القضائي.
وسيكون هذا المجلس مستقلا عن السلطتين التّنفيذية والتشريعية كامل الاستقلال. وسينطلق في العمل فورا متشكلا من أربعة أعضاء من بين أعلى القضاة الجالسين رتبة: اثنان عن القضاء المدني ومثلهما عن القضاء العسكري، يتفقون فيما بينهم على رئيس منهم يكون رأيه مرجّحا في حال التساوي. ولهم أن يستعينوا بمن يجمعون على صلاحه من زملائهم دون تدخّل من رئاسة الجمهورية.
وسيتكفل هذا المجلس بملفات ثلاثة:
-ملف مجلس نواب الشعب مصاحبة لمراحل عودته إلى النّشاط العاديّ،
-وملفّ الانتخابات معاضدة لأعمال الهيأة العليا المستقلة في كل ما يقتضي فصلا قضائيا سريعا، وكذلك مراقبة لقانونية أعمالها وفصلا سريعا في كل ما يمكن ان يرفع ضدها من القضايا،
-وملف دستورية القوانين كمرجع استشاري لرئاسة الجمهورية بعد الهيأة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وفي انتظار ارساء المحكمة الدستورية.
وستنتهي مهام هذا المجلس مع البت في آخر ملف قضائي متعلق بالانتخابات العامة العادية التي بها تنتهي هذه الفترة الانتقالية.
أيها الشعب التونسي المطمئنّ
الآن وقد انزاح الشك عن قلوب الجميع، لي ثقة في أنّكم ستعبّرون عن مصادقتكم على خطّة الإصلاح السياسي والاقتصادي بما يفرض على كلّ معنيّ بها الالتزام بما سأعلنه من تفاصيلها في الإبّان حتى الوصول إلى برّ الأمان إن شاء الله.
أيّ عودة للبرلمان؟
(يقول الرئيس قيس سعيد، أو يا ليته يقول) :
لا يمكن الحديث عن إنقاذ البلاد في كنف احترام مقتضيات الدّستور الحالي، دون التعجيل برفع تعليق أعمال مجلس نواب الشعب وعودة البرلمان للعب دور أساسي في عملية الإصلاح السياسي وفي استكمال المؤسسات الدستورية. ولكن أيّ برلمان وبأية تركيبة؟
لقد قلت مرارا إنه لا مجال للتراجع أو العودة الى الوراء. وقصدي ألاّ عودة إلى وضع فيه السّلطة التنفيذية منقسمة مشلولة مرتهنٌ جانبٌ منها لأطراف تخدم مصالح غرف مظلمة وتعمل لفائدة الفاسدين وبعض القوى الأجنبية ذات الاهداف الاستعمارية الواضحة.
قصدت ألاّ عودة إلى وضع فيه أحد المكلفين من قبل زملائه بمجرد التسيير الإداري لمؤسسة البرلمان، يتسلل من مهامه التشريفاتية لينصّب نفسه رئيسا موازيا للدولة، عاملا ما في وسعه للسطو على صلاحيات أحد طرفي السلطة التنفيذية من هذه الناحية، ولابتزاز الطرف الثاني من الناحية الأخرى، عبر مغالبة ديمقراطوية شكلانية فجّة، لا هدف من ورائها سوى رهن سيادة الدولة لتنظيمات دولية مشبوهة وأطراف خارجية معلومة.
قصدت ألاّ عودة إلى منظومة برلمانية مغشوشة التركيبة، تأسست بعض مكوناتها على الخديعة ومخالفة القانون الانتخابي، ثمّ على توافق على الاثم والعدوان ضَمَن لبعض الاطراف حتى الأمس حصانة مبتزّة، وحماها بتكريس سياسة الافلات من العقاب رغم الإدانة القضائية التي لا غبار عليها.
هذا هو أهم الوراء الذي لن أسمح بالعودة اليه. أما بقية الفساد الظاهر منه والخفي، وأمّا بقية ما يقتضي المحاسبة والتحقيق، فأمره يتطلب وقتا أطول مما يقتضيه الخروج من هذه الحال الاستثنائية، ويستدعي القضاء، أوّلا وقبل كل شيء، على هذا الفساد السّياسي الأكبر الذي كان منذ العهدة البرلمانية الفارطة سببا في عدم استكمال بناء المؤسسات الدستورية الكفيلة بضمان توازن السّلط ورقابة بعضها على البعض الآخر رقابة ناجعة.
ولذلك قررنا التمديد في مدة تعليق أشغال البرلمان مع العمل على عودته إلى النشاط في أجل أقصاه الفاتح من أكتوبر القادم. على أن يتكفل المجلس القضائي الأعلى المؤقت في الأثناء، ببذل قصارى الجهد من أجل البت في أمر النّواب، مَن يبقى منهم عضوا في المجلس ومن لا ينبغي أن يعود.
ولأنّ مجلس النّواب لا يمكن أن يعمل بنوّاب تحت طائلة القانون ولا بجزء كبير من الشعب لا ممثل له في برلمانه، فالمطلوب أن يُقضى بالتجميد النهائي على كل نائب يبقى تحت طائلة اجراءات قضائية بعد الخامس والعشرين من سبتمبر 2021، وأن تضبط قائمة في النّواب الذين تستوجب ملفاتهم كأشخاص مطلوبين للقضاء، أو ملفات الأحزاب التي أوصلتهم الى المجلس، الإحالة على القضاء المدني للفصل فيها على ضوء تقرير دائرة المحاسبات، بكل ما تقتضيه إجراءات التقاضي العادية وما تتطلبه من وقت أطول بكثير من آجال عودة البرلمان إلى النّشاط، وقائمة ثانية في النواب الذين لا تتعلق بهم أية قضايا والذين يعودون فور البت في شأنهم إلى المجلس لتشكيل نواة رجوعه الأولى.
ولأن النواب المدرجين في القائمة الأولى ما تزال تشملهم قرينة البراءة حتى يثبت القضاء عكس ذلك، ولأن محاكمتهم يمكن أن تنتهي بتبرئة ساحة البعض منهم، فإن الدّولة تطلب منهم جميعا، ومن الآن، اعتبار تحمّل أعباء الحرمان من ممارسة مهامهم النيابية، ومشاقّ هذه المحاكمة، والصبر على ظروفها، نوعا من التضحية في سبيل إخراج الوطن من هذه المحنة. والدّولة تلتزم بالاعتذار العلني لكل من ستثبت براءته منهم، بل بتعويضه كذلك عن كل ضرر مادي فِعْلي قد يكون لحقه من جراء هذا التتبع.
وهكذا يمكن لمجلس نواب الشعب أن يشرع حال صدور القائمتين، في العمل بمجموع النّواب الذين لا تشملهم الإجراءات القضائية، لتنتظم في الحال انتخابات تشريعية جزئية مفتوحة للجميع، ما عدا الأحزاب المتابَعَة قضائيا. وذلك لتعويض كل نائب مجمّد نهائيا بممثل جديد عن دائرته، طبقا للقانون الانتخابي القديم.
وعلى مجلس نواب الشعب في نسخته المتجددة أن يتحمل مسؤوليته في التفاعل إيجابيا مع المرحلة الانتقالية، فيبدأ أشغاله بتنظيم شؤون رئاسته وإدارته، ووضع نظام داخلي مؤقت يمنع كل مناكفة، وتنظيم النقل التلفزي المباشر لأشغاله في المناسبات الكبرى دون الأعمال العادية.
وعلى البرلمان أن يصادق على الحكومة المؤقتة وعلى ما يتطلبه تصريف أعمالها العاجلة من دعم تشريعي، في انتظار اكتمال النصاب بالانتخابات الجزئية. فيضبط البرلمان، عندها، أولوية أعماله الهادفة إلى استكمال المؤسسات الدستورية التي نص عليها دستور 2014 وإصدار ما ينقص من قوانين تتعلق خاصة بالأحزاب والجمعيات والصحافة والإعلام والانتخابات.
وسنعرض على نواب الشعب مشروع دستور جديد للجمهورية الثالثة، يتولى صياغته فريق من الخبراء في المجال، ويتضمن صيغتين للنظام السياسي، رئاسية وبرلمانية، ليقع استفتاء الشعب فيهما قبل سنة من اجراء الانتخابات العامة العادية القادمة في موعدها سنة 2024.
حكومة مؤقتة ولكن مستقرة
(يقول الرئيس قيس سعيد، أو يا ليته يقول) :
أيها الشعب التونسي الوفيّ الأمين،
لست دعيّا لأتصوّر أن الشّرعية الانتخابية وشرعية الشارع تمثلان شهادة كفاءة عليا لتسيير الدواليب التقنية للدولة، أو شهادة خبرة بالمسائل الفنية الدّقيقة التي لها أهلها الأدرى بشعابها.
فأنا أعرَفُ الناسِ بأن شرعيتي لا تعدو أن تكون شهادة ثقة منكم في شخصي، تحمّلني فقط أعباء الاشراف الصّادق النزيه على عملية تسيير دواليب الدّولة وتعهد إليّ باختيار الصادقين من المختصين، كل في مجاله، لمباشرة هذا التسيير باسمكم جميعا.
أعرف أنكم الآن تنتظرون الاعلان عن تشكيل الحكومة التي سأكلفها بقيادة هذه الفترة الانتقالية. وهي حكومة مؤقتة سأتولى رئاستها بنفسي بمساعدة وزير(ة) دولة مفوض(ة) لرئاسة المجالس الوزارية أحلّ محله(ا) عند إشرافي مباشرة على أشغال مجلس الوزراء.
وقد اخترت لهذه المهمة السيد(ة)....... (اسم يعلنه رئيس الجمهورية عند إلقاء الخطاب)، ومعه(ا) سأتولى، في غضون الأسبوع الحاري، اتمام تشكيل فريق حكومي مصغّر متناصف، أعضاؤه مكلفون بتسيير عدد محدود من الوزارات على النحو الذي س(ت)يعلنه في الإبّان وزير(ة) الدولة المفوض(ة) ال(ذ)تي سأترك له(ا) تسيير أعمال الحكومة المؤقتة، وال(ذ)تي س(ت)يعمل تحت إشرافي، ولكن في كنف الثقة المطلقة في شخصه(ا) وفي كلّ أعضاء فريقه(ا) الحكومي بعد أن نضع معا تحديدا دقيقا للمهام يمنح مطلق النفوذ لكل عضو في تسيير ملفاته دون تدخل مني.
وستخضع أعمال هذه الحكومة بالطبع للمراقبة العادية وحتى المساءلة من قبل مجلس نواب الشعب، ولكن دون ان يكون للبرلمان حق سحب الثقة منها ولا من رئيس الجمهورية.
طيلة الشهر المنصرم،ركزت جهودي في تكوين هذه الحكومة المؤقتة على حسن اختيار النساء والرجال، أمّا رئاستي لها فستقتصر على دقة المتابعة والمراقبة حتى لا يزيغ أيّ عضو منها، لا قدّر الله، عن الطريق القويم، فيوظف بعض خبرته وكفاءته في هدم ما يريد الشعب السهر على تعهد ديمومته، أو ما يعهد إلى حكامه ببنائه من جديد، فيصحّ فينا ذلك المثل الذي أطلقه أحد أبناء الشعب، والذي يصح على المشهد السياسي الذي طالب الشعب بإنهائه إذ يقول: "عدمت واللي عدّمها صنايعي".
فسنضع لهذه الحكومة أهدافا مفصلة س(ت)يعلنها وزير(ة) الدولة المفوّض(ة) في الإبّان، وأهمّ هذه الأهداف إخراج الاقتصاد التونسي من مرحلة الخطر ووضعه على طريق الانتعاش واستعادة النموّ واسترجاع ثقة المجتمع الدولي في بلادنا.
وستنصرف الحكومة فورا الى ضبط برنامج عاجل للإنقاذ الاقتصادي والحماية الاجتماعية يُشرع في تنفيذه حالا ثم يعرض على البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه بعد ما قد يقترحه النواب من تعديل، كما ستضبط في أقرب الاوقات ميزانية الدولة لتناقش في الآجال المعمول بها.
لا انتخابات مؤقتة
(يقول الرئيس قيس سعيد، أو يا ليته يقول) :
أيها الشعب التونسي الثابت
من حقّ الذين ينتظرون خارطة طريق أن يطلبوها مفصلة أكثر ممّا عرضت عليكم، مع وضع جدول زمني مضبوط لمختلف محطاتها من الآن وحتى العودة الى الحال الطبيعية بتنظيم انتخابات عامة جديدة تعود بنا الى مسارنا الديمقراطي بشكل يزيل الخطر الداهم نهائيا ولا يسمح بتكرار الاسباب التي دعت الى هذه الحال الاستثنائية.
ولكن هذا لا يمكن إلاّ بعد معرفة الآجال التي يتطلبها تحقيق أهداف العمل الحكومي من ناحية، والتي تلائم وتيرة سير العمل التشريعي من ناحية ثانية. وهذا ما سنسعى إلى إنجازه في أقرب وقت.
عديد هم الذين يطالبون بالاسراع بتنظيم انتخابات سابقة لأوانها. ولكننا لن ندعو إلى انتخابات سابقة لأوانها. فزوال الخطر الداهم يقتضي تغييرا جذريا في المشهد السياسي، لا يمكن أن ينتج عن عمل مستعجل. بل قد تكون للعجلة في إحداث هذا التغيير مضار أكبر بكثير من المنافع المأمولة من عودة سريعة إلى الشرعية البرلمانية المستقرة.
وإني لأدرك أنّ المرحلة الانتقالية ستسغرق من الوقت ما يكفي بالكاد لاستكمال تركيز المؤسسات الدستورية وإصدار القوانين الضرورية للاستقرار السياسي.
ولذلك فقد قررت منح الحكومة ومجلس نواب الشعب ما يكفي من الوقت لإنجاز المهام المطلوبة على الوجه الأكمل، على ألاّ نتجاوز الآجال المضبوطة سلفا لتنظيم الانتخابات العامة العادية القادمة سنة 2024.
هذا المتسع من الوقت سيمكن كلا من الحكومة ومجلس نواب الشعب من العمل دون أي تسرع، بل في كنف الاستقرار الذي تحتاجه بلادنا لتستعيد عافيتها في كل المجالات. كما سيمنح كل الأطراف السياسية المعنية بالمساهمة في الانتخابات القادمة فرصة للاستعداد لها في متسع من الوقت يضمن للشعب التعرف على برامجها والتمييز بين الجادين من الساسة والمتهافتين، حتى لا يخطئ الناخبون مرة أخرى في الاختيار، ولا يهجروا مراكز الاقتراع ويتركوا للأقلية أن تختار عوضا عنهم من لا يمثلهم.
رجائي أن أكون بلغت فأقنعت.
عاشت تونس، جمهورية مدنية ديمقراطية حرة مستقلة أبد الدهر
والسلام عليكم ورحمة الله
خطاب من محض خيال
الهكواتي (سالم اللبان)