بمرور اكثر من ثلاثين يوما على قراره المستند للمادة 80 من الدستور، لا يزال الانتظار والترقب سيّدي الموقف على الساحة التونسية بانتظار ما سيقدم عليه الرئيس قيس سعيد خلال الأيام وربما الساعات القليلة القادمة، بعد انقضاء مهلة الثلاثين يوما التي منحها للتونسين، لتصحيح المسار المؤسساتي وإعادة السير العادي للمؤسسات المجمدة منذ الخامس والعشرين من شهر أوت، بالإعلان عن خارطة الطريق التي لا يجب أن تطول رغم تسارع الأحداث ولكن ماهي خيارات الرئيس في ذلك؟ كما هو معلوم جاء في بلاغ قرار التدابير الاستثنائية بتاريخ 25 جويلية 2021،ومهلة المدة التي منحها الرئيس لنفسه وحتمتها الظروف، وأعلن أنها سترفع بزوال أسبابها، ومع قرار الرئيس قيس بتمديد مدة الإجراءات الاستثنائية المتخذة بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021 المتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب، وبرفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه، وذلك إلى غاية إشعار آخر، وبما أن "الفصل 80 من الدستور لا ينص على شهر واحد لإنتهاء مدة الإجراءات الاستثنائية وإنما ينص على أنه بعد شهر بإمكان رئيس البرلمان و30 عضوا تقديم طلب للمحكمة الدستورية لإنهاء التمديد والمحكمة هي من تتعهد بالبت في التمديد من عدمه" كما قالت النائبة المجمدة سامية عبو عن كتلة التيار الديمقراطي، وفي غياب المحكمة الدستورية ليس من حق البعض التنديد بهذا التمديد . والواقع أن القرار لم مفاجئا بالنظر عمق الأزمة وتشعباتها التي أدت إلى اتخاذ هذا القرار، وبالنظر إلى الجبهات العديدة التي فتحها قيس لمعالجة الأوضاع المتردية على جميع الأصعدة، الاقتصادية، الأمنية،كما صرح قيس سعيد بنفسه أن "لا عودة للوراء" لكن عدم إعلانه على خارطة الطريق، وتقديم برنامج محدد واضح، قد زاد من حالة الترقب والانتظار للقرارات التي يعتزم القيام بها، أهمها خارطة الطريق والخطة التي سيعتمدها في إعادة السير الطبيعي للمؤسسات وتنظيم السلطات، لاسيما فيما يتعلق بمستقبل ونمط النظام السياسي في البلاد من جديد - صحيح أن الرئيس قيس يعمل على مدار الساعة منذ مسكه زمام السلطات حتى الآن وما من شك من أن الخطوات والإجراءات التي باشرها تبدو جيدة وملموسة حتى الآن، خاصة ما تلعق منها بالحياة اليومية للمواطن، مثل دعوته إلى تخفيض الأسعار، ومعالجة مشكل المياه، ومحاصرة جيوب ومخازن الاحتكار، وفتح تحقيقات في بعض ملفات الفساد، وإيداع البعض منهم تحت الإقامة الجبرية وتوعد البعض منهم بالقانون، إلى جانب دعوته الشركات والممونين، لخفض الأسعار في بعض المواد الغذائية الحيوية للمواطن، وتوصله إلى اتفاق مع البنوك لخفض معدلات عمولات القروض التجارية التي تم تخفيضها إلى نسبة 1 بالمائة، مع الإعفاء التام لبعض القروض الخاصة من نسبة الفوائد. لكن بالمقابل ينتظر من الرئيس تسريع وتيرة التغيير المنشود، ليشمل تغييرات هيكلية لمعالجة ومحاصرة الفساد المالي والإداري، وتقليص أعباء القطاع العام، الذي تعد كلفة رواتبه من بين الأعلى في العالم، قياسا إلى الناتج المحلي الإجمالي لتونس بهدف جلب الاستثمار، ومعالجة مشكل الانسداد السياسي، والعودة السريعة لعمل المؤسسات المنتخبة التي تتعامل معها الهيئات الأجنبية، مثل صندوق النقد الدولي، والمؤسسات المانحة، وأهمها مشكلة الديون الخارجية التي قد تضطر تونس إلى إعادة هيكلتها مع ما سيترتب عنها من معاناة اقتصادية في المستقبل، مثلما يؤكده تقرير موقع "بلومبيرغ" (Bloomberg) .* الأميركي في دراسة يشرح فيها الموقع أبعاد الأزمة الاقتصادية والمالية الصعبة التي تعيشها تونس في ظل تراكم الدين والبطالة المرتفعة.. هذا المآل الذي لا نرجوه لتونس بأي حال من الأحوال، يقودنا إلى التنبيه على تداعيات احتياطي الصرف المرتبط للاسف هو كذلك بمؤسسات القرض الأجنبية حتى الآن، مثل ما يذهب اليه مصرف "بنك أوف أميركا" (Bank of America) إنه بدون برنامج صندوق النقد الدولي أو الدعم الثنائي والمتعدد الأطراف ذي الصلة، فإن احتياطي تونس من العملات الأجنبية قد يواجه نضوبا ماديا بحلول نهاية عام 2022، مشيرا إلى أن صافي احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي بلغ حوالي 7.4 مليارات دولار نهاية شهري جويلية وأوت الماضيين وهو ما يكفي 219 يوما من الواردات فقط، ويضاف إلى هذا كله مسألة الضمانات الدولية الأخرى التي سوف تتأخر فيها تونس، وهو تحدي سيادي لتونس يؤكد جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "كابيتال إيكونوميكس"، بقوله بأن هناك مخاطر متزايدة من التخلف عن السداد إذا لم يتم تعزيز المالية العامة، فمن المرجح أن تضطر تونس إلى إعادة هيكلة ديونها، ومن هنا وجب التنبيه أنه كلما زادت مدة الإجراءات الاستثنائية، زاد التخوف أكثر إلى لجوء تونس للمؤسسات المانحة الأجنبية مع ما تعنيه الخطوة من مخاطر اقتصادية في المستقبل قد يكون أشبه بالأزمة اللبنانية في أحسن أحواله.
الكاتب جمال محمدي ملخص من كتاب التجرية التونسية –قيد النشر
بمرور اكثر من ثلاثين يوما على قراره المستند للمادة 80 من الدستور، لا يزال الانتظار والترقب سيّدي الموقف على الساحة التونسية بانتظار ما سيقدم عليه الرئيس قيس سعيد خلال الأيام وربما الساعات القليلة القادمة، بعد انقضاء مهلة الثلاثين يوما التي منحها للتونسين، لتصحيح المسار المؤسساتي وإعادة السير العادي للمؤسسات المجمدة منذ الخامس والعشرين من شهر أوت، بالإعلان عن خارطة الطريق التي لا يجب أن تطول رغم تسارع الأحداث ولكن ماهي خيارات الرئيس في ذلك؟ كما هو معلوم جاء في بلاغ قرار التدابير الاستثنائية بتاريخ 25 جويلية 2021،ومهلة المدة التي منحها الرئيس لنفسه وحتمتها الظروف، وأعلن أنها سترفع بزوال أسبابها، ومع قرار الرئيس قيس بتمديد مدة الإجراءات الاستثنائية المتخذة بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021 المتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب، وبرفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه، وذلك إلى غاية إشعار آخر، وبما أن "الفصل 80 من الدستور لا ينص على شهر واحد لإنتهاء مدة الإجراءات الاستثنائية وإنما ينص على أنه بعد شهر بإمكان رئيس البرلمان و30 عضوا تقديم طلب للمحكمة الدستورية لإنهاء التمديد والمحكمة هي من تتعهد بالبت في التمديد من عدمه" كما قالت النائبة المجمدة سامية عبو عن كتلة التيار الديمقراطي، وفي غياب المحكمة الدستورية ليس من حق البعض التنديد بهذا التمديد . والواقع أن القرار لم مفاجئا بالنظر عمق الأزمة وتشعباتها التي أدت إلى اتخاذ هذا القرار، وبالنظر إلى الجبهات العديدة التي فتحها قيس لمعالجة الأوضاع المتردية على جميع الأصعدة، الاقتصادية، الأمنية،كما صرح قيس سعيد بنفسه أن "لا عودة للوراء" لكن عدم إعلانه على خارطة الطريق، وتقديم برنامج محدد واضح، قد زاد من حالة الترقب والانتظار للقرارات التي يعتزم القيام بها، أهمها خارطة الطريق والخطة التي سيعتمدها في إعادة السير الطبيعي للمؤسسات وتنظيم السلطات، لاسيما فيما يتعلق بمستقبل ونمط النظام السياسي في البلاد من جديد - صحيح أن الرئيس قيس يعمل على مدار الساعة منذ مسكه زمام السلطات حتى الآن وما من شك من أن الخطوات والإجراءات التي باشرها تبدو جيدة وملموسة حتى الآن، خاصة ما تلعق منها بالحياة اليومية للمواطن، مثل دعوته إلى تخفيض الأسعار، ومعالجة مشكل المياه، ومحاصرة جيوب ومخازن الاحتكار، وفتح تحقيقات في بعض ملفات الفساد، وإيداع البعض منهم تحت الإقامة الجبرية وتوعد البعض منهم بالقانون، إلى جانب دعوته الشركات والممونين، لخفض الأسعار في بعض المواد الغذائية الحيوية للمواطن، وتوصله إلى اتفاق مع البنوك لخفض معدلات عمولات القروض التجارية التي تم تخفيضها إلى نسبة 1 بالمائة، مع الإعفاء التام لبعض القروض الخاصة من نسبة الفوائد. لكن بالمقابل ينتظر من الرئيس تسريع وتيرة التغيير المنشود، ليشمل تغييرات هيكلية لمعالجة ومحاصرة الفساد المالي والإداري، وتقليص أعباء القطاع العام، الذي تعد كلفة رواتبه من بين الأعلى في العالم، قياسا إلى الناتج المحلي الإجمالي لتونس بهدف جلب الاستثمار، ومعالجة مشكل الانسداد السياسي، والعودة السريعة لعمل المؤسسات المنتخبة التي تتعامل معها الهيئات الأجنبية، مثل صندوق النقد الدولي، والمؤسسات المانحة، وأهمها مشكلة الديون الخارجية التي قد تضطر تونس إلى إعادة هيكلتها مع ما سيترتب عنها من معاناة اقتصادية في المستقبل، مثلما يؤكده تقرير موقع "بلومبيرغ" (Bloomberg) .* الأميركي في دراسة يشرح فيها الموقع أبعاد الأزمة الاقتصادية والمالية الصعبة التي تعيشها تونس في ظل تراكم الدين والبطالة المرتفعة.. هذا المآل الذي لا نرجوه لتونس بأي حال من الأحوال، يقودنا إلى التنبيه على تداعيات احتياطي الصرف المرتبط للاسف هو كذلك بمؤسسات القرض الأجنبية حتى الآن، مثل ما يذهب اليه مصرف "بنك أوف أميركا" (Bank of America) إنه بدون برنامج صندوق النقد الدولي أو الدعم الثنائي والمتعدد الأطراف ذي الصلة، فإن احتياطي تونس من العملات الأجنبية قد يواجه نضوبا ماديا بحلول نهاية عام 2022، مشيرا إلى أن صافي احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي بلغ حوالي 7.4 مليارات دولار نهاية شهري جويلية وأوت الماضيين وهو ما يكفي 219 يوما من الواردات فقط، ويضاف إلى هذا كله مسألة الضمانات الدولية الأخرى التي سوف تتأخر فيها تونس، وهو تحدي سيادي لتونس يؤكد جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "كابيتال إيكونوميكس"، بقوله بأن هناك مخاطر متزايدة من التخلف عن السداد إذا لم يتم تعزيز المالية العامة، فمن المرجح أن تضطر تونس إلى إعادة هيكلة ديونها، ومن هنا وجب التنبيه أنه كلما زادت مدة الإجراءات الاستثنائية، زاد التخوف أكثر إلى لجوء تونس للمؤسسات المانحة الأجنبية مع ما تعنيه الخطوة من مخاطر اقتصادية في المستقبل قد يكون أشبه بالأزمة اللبنانية في أحسن أحواله.
الكاتب جمال محمدي ملخص من كتاب التجرية التونسية –قيد النشر