سجل الاقتصاد التونسي خلال الثلاثي الثاني من العام الحالي (افريل وماي وجوان) نموا بنسبة 16.2 بالمائة بالمقارنة مع الثلاثي الأول من سنة 2020 اما بحساب الانزلاق السنوي فقد عرف تراجعا ب 19.8ـبالمائة، وفق ما أعلن عنه المعهد الوطني للإحصاء.
غير ان هذه النسبة التي عرفت تحسنا كبيرا لا تشي بحقيقة إيجابية الموقف و تحقيق نمو إيجابي، وإنما هي نابعة بالأساس في تغيير احتساب النسب من قبل المعهد الوطني للإحصاء الذي غير الأسس التي تعتمد عليها إحصائيات فقد تعمد المعهد الوطني للإحصاء هذه المرة سنة مرجعية حديدة على أساسها يتم استخلاص الأرقام التي يتم نشرها.
تحول تقني في أسلوب الاحتساب يعد بحسب خبراء الاقتصاد ،اصلاحا تقنيا تفرضه المرحلة الحالية بما يجعل الأرقام أكثر التصاقا بالواقع والتحولات الطارئة على المشهد الاقتصادي في تونس.
ارقام تستحق قراءة متمهلة وتغوص في عمق التفسير لهذه الاحصائيات فبحساب التغيرات الثلاثية وفق ما أفصح عنه معهد الإحصاء، تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2 بالمائة خلال الثلاثي الثاني من سنة 2020 بالمقارنة مع الثلاثي الأول من هذه السنة، بعد أن سجل شبه استقرار في الربع الأول بنسبة 0.2 بالمائة.
ويُعزى هذا التراجع بالأساس إلى انخفاض القيمة المضافة لقطاعات النزل والمطاعم والمقاهي بنسبة 35.2 بالمائة والنقل ب 20.2 بالمائة وقطاع البناء بنسبة 17.1بالمائة.
وسجلت القيمة المضافة لقطاع الفلاحة والصيد البحري تراجعا بنسبة 4.7 في المائة، في حين تطور الناتج في كل الصناعات المعملية على غرار قطاع النسيج والملابس والأحذية بنسبة 53 بالمائة وقطاع صناعة مواد البناء والخزف ّ بنسبة 63.5 بالمائة وقطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية بنسبة 56.7 بالمائة كما تطور قطاع الصناعات الكيميائية بنسبة 4.7بالمائة وقطاع الصناعات ّ الفلاحية والغذائية بنسبة 3.7 بالمائة.
وأضاف معهد الإحصاء أن انتاج قطاع المناجم ارتفع بنسبة 32.1 بالمائة وفى قطاع البناء بنسبة 46.9 بالمائة الى جانب تطور قطاع استخراج النفط والغاز الطبيعي بنسبة 16.3 بالمائة مع نهاية الثلاثي الثاني من 2021.
وتوقع البنك الدولي في أحدث تقرير له في شهر جوان 2021 أن ينمو الاقتصاد التونسي خلال كامل سنة 2021 بنسبة 4 بالمائة مقابل تراجع العام المقبل الى مستوى 2.6 بالمائة وبنسبة 2.2 بالمائة في 2023.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه في ظل ما نشره المعهد الوطني للإحصاء: هل أن الأرقام المرجعية التي انبنت عليها توقعات البنك الدولي وغيره من الهياكل الدولية ستبقى قائمة؟ هل سيتم مراجعة التوقعات السابقة في ظل ما تم نشره من أرقام جديدة؟
في محاولة لفهم الوضع والحصول على تفسيرات أهل الاختصاص حاورت "الصباح نيوز" الخبير المحاسب انيس الوهابي الذي عاد على هذه الأرقام بالدراسة والتحليل قائلا إن الوضعية الاقتصادية في تونس اليوم، وانطلاقا من هذه الأرقام صعبة وضعيفة مقارنة بما كنا نطمح لتحقيقه للنهوض بالاقتصاد التونسي وضمان تعافيه.
فقبل الثورة كنا نتحدث عن نسبة نمو تفوق 4 و4.5 بالمائة بين سنتي 2000 و2010 و اعتبرت تلك النسبة غير كافية و هي التي مثلت واحدا من أهم أسباب اندلاع و ها نحن نجد أنفسنا سنة 2020 في نسبة سلبية 8.8بـ، نسبة نمو ضعيفة جدا عمقها الجائحة وساهمت في تدنيها. وهي وضعية حرجة لا تساعد على فتح مجال التشغيل، ولا الرفع في المقدرة الشرائية ولا مكافحة الفقر.
ويقول الخبير المحاسب انيس الوهابي في هذا السياق: «كنا نتوقع ان يتحسن الأمر قليلا في عام 2021 وتوقعنا أن نصل على الأقل نسبة نمو ب 4 بالمائة لكن ما عشناه من ازمة بسبب الجائحة من حجر صحي وحظر للتجول وتوقف للكثير من النشاطات ارجعنا الى الازمة التي تشبه أزمتنا سنة 2016.لكن رغم أن الازمة كانت عالمية الا ان الدول الاخرى عادت خلال هذا العام لاسترجاع تسجيل أرقام إيجابية بعد نكستها العام الماضي فيما تعمق الوضع الصعب لدينا بسبب سوء إدارة الجائحة.. "
وفي الحقيقة فإن الازمة الاقتصادية في تونس ما فتئت تتعمق سيما في ظل عدم الاستقرار السياسي الذي ظل مسيطرا على المشهد طوال العشرية الأخيرة. مناخ سياسي لم يكن ملائما لعودة العمل الإداري او العودة الى الاستثمار ولم يشجع هذا المناخ رجال الأعمال على المغامرة بالاستثمار نتيجة التوجس والخيفة من عواقب اقتصادية وخيمة.
و لعل الامر يزداد تعقيدا بحسب الخبير المحاسب انيس الوهابي، فما اعلن عنه رئيس الجمهورية من متابعات قضائية و محاسبة المتورطين في الفساد من بعض رجال الاعمال عمق خوف لدى البعض منهم ممن لا يستطيعون اليوم التمييز و لا معرفة من هم رجال الأعمال الذين تتعلق بهم شبهات فساد و لا أي تهم تم توجيهها لهم. يقول الوهابي في هذا السياق :"من الضروري القطع منظومة الفساد التي استشرت في البلاد و اثرت على مناخ الاعمال، الا ان عدم وضوح خارطة طريق واضحة في مكافحة الفساد و محاسبة المتورطين فيه و حصر أسمائهم من شأنه أن يخلق ضبابية و تخوفات لان الاتهامات التي تضع الجميع في سلة واحدة تجعل بعض رجال الاعمال، حتى الشرفاء منهم، غير قادرين على الاطمئنان على استثماراتهم لذلك فهم إما لا يتجرؤون على توسيع مجال استثماراتهم او ان يختاروا بعث استثماراتهم في بلدان أخرى لذلك وجب طمأنة هؤلاء حتى تكتمل الثقة في مناخ جيد و شفاف للاستثمار في تونس، و هذا ما مثل جوهر اللقاء بين رئيس الجمهورية و منظمة الأعراف حين أراد وقتها بعث رسالة طمأنة رجال الاعمال بمواصلة عملهم.. "
ولكن ما الذي يمكن أن نقوله بناء على هذه المعطيات بعد ما حصل من قرارات رئاسية يوم الخامس والعشرين من جويلية الفارط؟
جوابا على هذا السؤال يرى الخبير المحاسب والأمين العام للاتحاد التونسي للمهن الحرة انيس الوهابي ان ما حصل يوم الخامس والعشرين من تغيرات في المشهد السياسي بعث بعض الثقة في إمكانية تحسن الجانب الاقتصادي، غير أن القرارات المتخذة الى حد اللحظة لم تأخذ بعين الاعتبار التغيير في المجال الاقتصادي. ورغم أن هناك ثقة شعبية في بعض القرارات المتخذة إلا أن مجال الاقتصاد يظل مجالا يحتاج الى تفكير عميق وتحليل دقيق لكل الإصلاحات التي يجب اتخاذها لضمان المرور من نسب نمو سلبية الى نسب نمو إيجابية.
فوفقًا للبيانات الجديدة لمعهد الإحصاء، بلغ الاقتصاد غير الرسمي نسبة 27.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2015. وتمكن المعهد الوطني للإحصاء من تعبئة كمية كبيرة من البيانات حول وحدات الإنتاج غير الرسمية وإنشاء نظام إحصائي خاص بالاقتصاد الموازي.
ووفق الخبير المحاسب انيس الوهابي فان التحدي الأكبر هو وجود سوق موازية غير مهيكلة ولا تدخل في عجلة الاقتصاد وهي لا تساهم في المداخيل الجبائية للدولة. وضمن هذا السياق يفيد انيس الوهابي في تصريحه لـ"الصباح نيوز": المشكل لا ينحصر في القطاع الموازي و لكن أيضا في المؤسسات غير المهيكلة نحن اليوم امام 420 الف مؤسسة خاضعة للنظام التقديري و هم يساهمون ب0.5 بالمائة من المداخيل الجبائية أي ان 60 بالمائة من المؤسسات النشطة في تونس لا يساهمون سوئ بنسبة ضعيفة لا تفوت 0.5 مقابل مؤسسات نشيطة أخرى بقيت خارج عجلة الاقتصاد التونسي المهيكل. نحن امام هذه الحقائق نحتاج لحل طالما نادينا به وهو المعرف الرقيب. وإذا ما تحدثنا بلغة الأرقام أيضا نقول ان 55 بالمائة من فئة السكان النشيطين في القطاع الاقتصادي بشتى أصنافهم يعملون في السوق السوداء أي انهم غير معنيين بالتصريح بالموارد والمداخيل ولا هم يساهمون في الموارد الجبائية للدولة.. "
وغير بعيد عن لغة الأرقام أيضا، فان بعض الاحصائيات تشير الى ان القطاع الزراعي هو القطاع الذي يسود فيه النشاط غير المهيكل، مع 89٪ من القيمة السوقية المضافة أما في مجال الصناعة فتبلغ هذه النسبة 20.8٪، وتأتي بشكل رئيسي في مجال البناء (57٪) وفي خدمات السوق، يمثل القطاع غير الرسمي 40٪ من القيمة المضافة.
وبناء على هذا فإنه يوجد اليوم قطاعات كثيرة خارج عجلة الرقابة.
وحتى نشرح الوضعية أكثر، بالنسبة لقطاع الفلاحة على سبيل الذكر لا الحصر: يُباع معظم الإنتاج دون المرور بالأسواق المهيكلة.
وهذا نابع عن الافتقار إلى قنوات التوزيع المنظمة والتكاليف التي يتحملها المنتجون تمنع أي تقدم في إطار تنظيم هذا القطاع.
وليكن مثالنا في ذلك ذاك الفلاح الصغير الذي يزرع بضع هكتارات لزراعة ارضه في قرية صغيرة.
لكي تمر بضاعته عبر هيكل منظم، يجب عليه العثور على شاحنة لنقل إنتاجه ودفع الضرائب والإعلان عن دخله للسلطات الضريبية. وهذه محنة يومية يعيشها الكثيرون ممن يواجهون التعقيدات الادارية وكثرة الهياكل المتدخلة. وضعية معقدة على الفلاح الذي تؤرقه متطلبات الإدارة والبيروقراطية لذلك فهو يخير المسالك غير الرسمية لأنها أسهل بالنسبة له وأكثر مردودية.
مبروكة خذير
سجل الاقتصاد التونسي خلال الثلاثي الثاني من العام الحالي (افريل وماي وجوان) نموا بنسبة 16.2 بالمائة بالمقارنة مع الثلاثي الأول من سنة 2020 اما بحساب الانزلاق السنوي فقد عرف تراجعا ب 19.8ـبالمائة، وفق ما أعلن عنه المعهد الوطني للإحصاء.
غير ان هذه النسبة التي عرفت تحسنا كبيرا لا تشي بحقيقة إيجابية الموقف و تحقيق نمو إيجابي، وإنما هي نابعة بالأساس في تغيير احتساب النسب من قبل المعهد الوطني للإحصاء الذي غير الأسس التي تعتمد عليها إحصائيات فقد تعمد المعهد الوطني للإحصاء هذه المرة سنة مرجعية حديدة على أساسها يتم استخلاص الأرقام التي يتم نشرها.
تحول تقني في أسلوب الاحتساب يعد بحسب خبراء الاقتصاد ،اصلاحا تقنيا تفرضه المرحلة الحالية بما يجعل الأرقام أكثر التصاقا بالواقع والتحولات الطارئة على المشهد الاقتصادي في تونس.
ارقام تستحق قراءة متمهلة وتغوص في عمق التفسير لهذه الاحصائيات فبحساب التغيرات الثلاثية وفق ما أفصح عنه معهد الإحصاء، تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2 بالمائة خلال الثلاثي الثاني من سنة 2020 بالمقارنة مع الثلاثي الأول من هذه السنة، بعد أن سجل شبه استقرار في الربع الأول بنسبة 0.2 بالمائة.
ويُعزى هذا التراجع بالأساس إلى انخفاض القيمة المضافة لقطاعات النزل والمطاعم والمقاهي بنسبة 35.2 بالمائة والنقل ب 20.2 بالمائة وقطاع البناء بنسبة 17.1بالمائة.
وسجلت القيمة المضافة لقطاع الفلاحة والصيد البحري تراجعا بنسبة 4.7 في المائة، في حين تطور الناتج في كل الصناعات المعملية على غرار قطاع النسيج والملابس والأحذية بنسبة 53 بالمائة وقطاع صناعة مواد البناء والخزف ّ بنسبة 63.5 بالمائة وقطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية بنسبة 56.7 بالمائة كما تطور قطاع الصناعات الكيميائية بنسبة 4.7بالمائة وقطاع الصناعات ّ الفلاحية والغذائية بنسبة 3.7 بالمائة.
وأضاف معهد الإحصاء أن انتاج قطاع المناجم ارتفع بنسبة 32.1 بالمائة وفى قطاع البناء بنسبة 46.9 بالمائة الى جانب تطور قطاع استخراج النفط والغاز الطبيعي بنسبة 16.3 بالمائة مع نهاية الثلاثي الثاني من 2021.
وتوقع البنك الدولي في أحدث تقرير له في شهر جوان 2021 أن ينمو الاقتصاد التونسي خلال كامل سنة 2021 بنسبة 4 بالمائة مقابل تراجع العام المقبل الى مستوى 2.6 بالمائة وبنسبة 2.2 بالمائة في 2023.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه في ظل ما نشره المعهد الوطني للإحصاء: هل أن الأرقام المرجعية التي انبنت عليها توقعات البنك الدولي وغيره من الهياكل الدولية ستبقى قائمة؟ هل سيتم مراجعة التوقعات السابقة في ظل ما تم نشره من أرقام جديدة؟
في محاولة لفهم الوضع والحصول على تفسيرات أهل الاختصاص حاورت "الصباح نيوز" الخبير المحاسب انيس الوهابي الذي عاد على هذه الأرقام بالدراسة والتحليل قائلا إن الوضعية الاقتصادية في تونس اليوم، وانطلاقا من هذه الأرقام صعبة وضعيفة مقارنة بما كنا نطمح لتحقيقه للنهوض بالاقتصاد التونسي وضمان تعافيه.
فقبل الثورة كنا نتحدث عن نسبة نمو تفوق 4 و4.5 بالمائة بين سنتي 2000 و2010 و اعتبرت تلك النسبة غير كافية و هي التي مثلت واحدا من أهم أسباب اندلاع و ها نحن نجد أنفسنا سنة 2020 في نسبة سلبية 8.8بـ، نسبة نمو ضعيفة جدا عمقها الجائحة وساهمت في تدنيها. وهي وضعية حرجة لا تساعد على فتح مجال التشغيل، ولا الرفع في المقدرة الشرائية ولا مكافحة الفقر.
ويقول الخبير المحاسب انيس الوهابي في هذا السياق: «كنا نتوقع ان يتحسن الأمر قليلا في عام 2021 وتوقعنا أن نصل على الأقل نسبة نمو ب 4 بالمائة لكن ما عشناه من ازمة بسبب الجائحة من حجر صحي وحظر للتجول وتوقف للكثير من النشاطات ارجعنا الى الازمة التي تشبه أزمتنا سنة 2016.لكن رغم أن الازمة كانت عالمية الا ان الدول الاخرى عادت خلال هذا العام لاسترجاع تسجيل أرقام إيجابية بعد نكستها العام الماضي فيما تعمق الوضع الصعب لدينا بسبب سوء إدارة الجائحة.. "
وفي الحقيقة فإن الازمة الاقتصادية في تونس ما فتئت تتعمق سيما في ظل عدم الاستقرار السياسي الذي ظل مسيطرا على المشهد طوال العشرية الأخيرة. مناخ سياسي لم يكن ملائما لعودة العمل الإداري او العودة الى الاستثمار ولم يشجع هذا المناخ رجال الأعمال على المغامرة بالاستثمار نتيجة التوجس والخيفة من عواقب اقتصادية وخيمة.
و لعل الامر يزداد تعقيدا بحسب الخبير المحاسب انيس الوهابي، فما اعلن عنه رئيس الجمهورية من متابعات قضائية و محاسبة المتورطين في الفساد من بعض رجال الاعمال عمق خوف لدى البعض منهم ممن لا يستطيعون اليوم التمييز و لا معرفة من هم رجال الأعمال الذين تتعلق بهم شبهات فساد و لا أي تهم تم توجيهها لهم. يقول الوهابي في هذا السياق :"من الضروري القطع منظومة الفساد التي استشرت في البلاد و اثرت على مناخ الاعمال، الا ان عدم وضوح خارطة طريق واضحة في مكافحة الفساد و محاسبة المتورطين فيه و حصر أسمائهم من شأنه أن يخلق ضبابية و تخوفات لان الاتهامات التي تضع الجميع في سلة واحدة تجعل بعض رجال الاعمال، حتى الشرفاء منهم، غير قادرين على الاطمئنان على استثماراتهم لذلك فهم إما لا يتجرؤون على توسيع مجال استثماراتهم او ان يختاروا بعث استثماراتهم في بلدان أخرى لذلك وجب طمأنة هؤلاء حتى تكتمل الثقة في مناخ جيد و شفاف للاستثمار في تونس، و هذا ما مثل جوهر اللقاء بين رئيس الجمهورية و منظمة الأعراف حين أراد وقتها بعث رسالة طمأنة رجال الاعمال بمواصلة عملهم.. "
ولكن ما الذي يمكن أن نقوله بناء على هذه المعطيات بعد ما حصل من قرارات رئاسية يوم الخامس والعشرين من جويلية الفارط؟
جوابا على هذا السؤال يرى الخبير المحاسب والأمين العام للاتحاد التونسي للمهن الحرة انيس الوهابي ان ما حصل يوم الخامس والعشرين من تغيرات في المشهد السياسي بعث بعض الثقة في إمكانية تحسن الجانب الاقتصادي، غير أن القرارات المتخذة الى حد اللحظة لم تأخذ بعين الاعتبار التغيير في المجال الاقتصادي. ورغم أن هناك ثقة شعبية في بعض القرارات المتخذة إلا أن مجال الاقتصاد يظل مجالا يحتاج الى تفكير عميق وتحليل دقيق لكل الإصلاحات التي يجب اتخاذها لضمان المرور من نسب نمو سلبية الى نسب نمو إيجابية.
فوفقًا للبيانات الجديدة لمعهد الإحصاء، بلغ الاقتصاد غير الرسمي نسبة 27.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2015. وتمكن المعهد الوطني للإحصاء من تعبئة كمية كبيرة من البيانات حول وحدات الإنتاج غير الرسمية وإنشاء نظام إحصائي خاص بالاقتصاد الموازي.
ووفق الخبير المحاسب انيس الوهابي فان التحدي الأكبر هو وجود سوق موازية غير مهيكلة ولا تدخل في عجلة الاقتصاد وهي لا تساهم في المداخيل الجبائية للدولة. وضمن هذا السياق يفيد انيس الوهابي في تصريحه لـ"الصباح نيوز": المشكل لا ينحصر في القطاع الموازي و لكن أيضا في المؤسسات غير المهيكلة نحن اليوم امام 420 الف مؤسسة خاضعة للنظام التقديري و هم يساهمون ب0.5 بالمائة من المداخيل الجبائية أي ان 60 بالمائة من المؤسسات النشطة في تونس لا يساهمون سوئ بنسبة ضعيفة لا تفوت 0.5 مقابل مؤسسات نشيطة أخرى بقيت خارج عجلة الاقتصاد التونسي المهيكل. نحن امام هذه الحقائق نحتاج لحل طالما نادينا به وهو المعرف الرقيب. وإذا ما تحدثنا بلغة الأرقام أيضا نقول ان 55 بالمائة من فئة السكان النشيطين في القطاع الاقتصادي بشتى أصنافهم يعملون في السوق السوداء أي انهم غير معنيين بالتصريح بالموارد والمداخيل ولا هم يساهمون في الموارد الجبائية للدولة.. "
وغير بعيد عن لغة الأرقام أيضا، فان بعض الاحصائيات تشير الى ان القطاع الزراعي هو القطاع الذي يسود فيه النشاط غير المهيكل، مع 89٪ من القيمة السوقية المضافة أما في مجال الصناعة فتبلغ هذه النسبة 20.8٪، وتأتي بشكل رئيسي في مجال البناء (57٪) وفي خدمات السوق، يمثل القطاع غير الرسمي 40٪ من القيمة المضافة.
وبناء على هذا فإنه يوجد اليوم قطاعات كثيرة خارج عجلة الرقابة.
وحتى نشرح الوضعية أكثر، بالنسبة لقطاع الفلاحة على سبيل الذكر لا الحصر: يُباع معظم الإنتاج دون المرور بالأسواق المهيكلة.
وهذا نابع عن الافتقار إلى قنوات التوزيع المنظمة والتكاليف التي يتحملها المنتجون تمنع أي تقدم في إطار تنظيم هذا القطاع.
وليكن مثالنا في ذلك ذاك الفلاح الصغير الذي يزرع بضع هكتارات لزراعة ارضه في قرية صغيرة.
لكي تمر بضاعته عبر هيكل منظم، يجب عليه العثور على شاحنة لنقل إنتاجه ودفع الضرائب والإعلان عن دخله للسلطات الضريبية. وهذه محنة يومية يعيشها الكثيرون ممن يواجهون التعقيدات الادارية وكثرة الهياكل المتدخلة. وضعية معقدة على الفلاح الذي تؤرقه متطلبات الإدارة والبيروقراطية لذلك فهو يخير المسالك غير الرسمية لأنها أسهل بالنسبة له وأكثر مردودية.