إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نائب رئيس بلدية أريانة، محمد الهادي كشريد: "مسار اللامركزية لم يكتمل بعد"

 

لو جاز اختزال المدة المنقضية بعد ثلاث سنوات من إجراء الانتخابات البلدية في ماي 2018  في عنوان واحد، لكان على الأرجح عدم الاستقرار، حيث تم تسجيل حل 30 مجلسا بلديا، ما ترتب عنه إجراء انتخابات جزئية وانتخاب مجلس بلدي جديد، وهو ما أثر بشكل أو بآخر على مسار اللامركزية. 

بهذه المناسبة أجرت "الصباح نيوز" حوارا مع النّائب الثّاني لرئيس بلديّة أريانة والمقرّر بلجنة الدّيمقراطيّة التّشاركيّة وبلجنة التّربية والتّعليم، محمد الهادي كشريد لتقييم واقع مسار اللامركزية بعد 3 سنوات من الانتخابات البلدية، والحديث عن أهم العراقيل والتحديات التي يواجهها هذا المسار، وأيضا دور بلدية أريانة في تكريس الباب السابع من الدستور المتعلق بالسلطة المحلية واللامركزية.

تعطل مسار اللامركزية بصفة كبيرة خاصة مع ظهور وباء كورونا، ما رأيكم في فكرة توسيع صلاحيات الجماعات المحلية ومجال تدخل بلدية أريانة في هذا الشأن؟

 خلال الموجة الأولى من ظهور وباء كورونا تولّت وزارة الجماعات المحليّة إصدار منشور تمّ من خلاله تبسيط عمليات شراء معدّات ومستلزمات في إطار التصّدي لانتشار الوباء، وذلك دون الوقوف على المصادقة المسبقة لمراقب المصاريف. لكن للأسف لم يتمّ اعتماد نفس التمشّي خلال الموجات اللاّحقة للوباء وهو ما جعل تدخّل البلديّات أقل نجاعة.

المجلس البلدي بأريانة معني بالحرب على الوباء باعتبار أنّه من ضمن صلاحيّاته الأصليّة "ضمان الوقاية الصحيّة" بصرف النّظر عن الفراغ القانوني في خصوص الصلاّحيات المنقولة من السّلطة المركزيّة، وقد سعت البلديّة في حدود إمكانيّاتها الماليّة إلى المساهمة في المجهود الوطني لمجابهة وباء كورونا على الصّعيد المحلّي وتمّ خلال اجتماع خليّة الأزمة ببلديّة أريانة بتاريخ 14 جويلية 2021، المصادقة على جملة من القرارات في هذا الإطار. 

يبقى التوّسع في الصلاّحيّات في ظلّ انتشار وباء كورونا أمرا حتميا بالنسّبة للبلديّات، لأنه ممكن من الناحيّة القانونيّة والماليّة. بالنّسبة لبلديّة أريانة قامت بتحويل اعتمادات ماليّة رصدت سابقا لأنشطة أخرى والتّي ألغيت لاحقا (مثلا الأنشطة الثّقافيّة). ولكنّ التوسّع في الصلاّحيات خارج هذا الوضع الاستثنائي يبقى محدودا نظرا لمحدوديّة الموارد الماليّة من جهة وضرورة تحويل الاعتمادات الماليّة وتوفير الموارد البشريّة الملائمة من قبل السّلطة المركزيّة من جهة أخرى.

ما هو تقييمكم لسير الاستشارة الوطنيّة حول مسار اللامركزيّة ؟

 انتهى سير الاستشارة الوطنيّة حول مسار اللاّمركزية بتقديم توصيات، والتّي كانت في مجملها محلّ توافقات بين مختلف المشاركين من ممثّلي البلديات والهياكل العموميّة التّي لها علاقة بالشّأن البلدي والمجتمع المدني، إثر تقييم موضوعي لواقع البلديّات.

كما أنّ تمكين المشاركة حضوريّا أو عن بعد يعتبر خطوة إيجابيّة، ونقلة نوعيّة وقدرة على التأقلم مع ما نعيشه من خطورة للوضع الوبائي.

في المقابل كان من الممكن تنظيم برمجة واضحة وأكثر إحكاما، كما نعيب اختيار هذا التاريخ باعتبار أنّ عديد الإطارات البلديّة والمستشارين تعذّر عليهم الحضور، إمّا لتعدّد التزاماتهم في ظلّ الوضع الوبائي أو لحالتهم الصحيّة التّي استحالت معها المشاركة في هذا المسار.

هل أن أحكام الباب السابع للدستور متلائمة مع الواقع التونسي وكيف ؟

 أحكام الباب السّابع من الدستور لم يتّم تفعيلها إلاّ نسبيّا، إذ وجب التّنويه أنّه وإلى حدود اليوم لم يتحقّق أيّ تقدّم ملموس بخصوص التمهيد لانتخابات المجالس الجهويّة وانتخابات مجالس الأقاليم وهو ما يشكّل إحدى الحلقات الأخيرة لمسار اللاّمركزيّة، بل وحتّى الخطوات الأولى لمسار اللاّمركزيّة لم تكتمل بعد، إذ أنّه وخلافا لمقتضيات الدّستور المتعلّقة بالاستقلالية المالية والتّدبير الحرّ والرقابة اللاّحقة للجماعات المحليّة لازالت البلديّات تشكو من الرّقابة القبليّة والمصادقة المسبقة فيما يتعلّق بالتصرّف المالي.

إنّ الإجابة عن ملائمة أحكام الباب السّابع من الدّستور مع الواقع التّونسي من عدمه تختلف من جماعة محليّة لأخرى، فهناك بلديّات لها التأطير الضّروري والموارد البشريّة والماليّة اللاّزمة، حتّى لا تكون خاضعة لأيّ رقابة سوى رقابة القضاء المختصّ وفي المقابل هناك بلديّات تشكو من نقص الموارد والتأطير ومنها خصوصا البلديّات المحدثة التّي يتعذّر عليها العمل في ظلّ الاستقلالية الماليّة كما وردت بالباب السّابع من الدّستور.

كيف أثرت الصراعات السياسية حسب تقديركم على مسار اللامركزية ؟

 الصرّاعات السّياسيّة بالمجالس البلديّة أثّرت كثيرا على استقرار المجالس البلديّة، إذ تمّ إقرار حلّ عديد المجالس البلديّة واستقالة رؤساء بلديّات، وهو ما يدعو للتفكير جدّيا بتنقيح القانون الانتخابي ضمانا للحدّ الأدنى من هذا الاستقرار. هذه الصّراعات ليس لها تأثير مباشر على مسار اللاّمركزيّة لأنّ مدى تقدّمه راجع أساسا للسلطة التّشريعيّة باستكمالها النصّوص القانونيّة التّي من شأنها تفعيل أحكام الباب السّابع من الدّستور والسّلطة التّنفيذيّة التّي يرجع لها اختصاص إصدار الأوامر والمناشير التطبيقيّة لمجلّة الجماعات المحليّة.

في المقابل، تؤثر هذه الصّراعات السيّاسيّة على المستوى الوطني بشكل مباشر على مسار اللاّمركزيّة، لما لها من تعطيل للأعمال التشريعية وانعكاسات سلبية على أولويّات مجلس النّواب. 

ماذا تنتظرون من صندوق دعم اللامركزية في توزيع الموارد على البلديات كبلدية أريانة ؟ وما هي مقترحاتكم في هذا الشأن ؟

تبقى انتظارات البلدّيات ومنها بلديّة أريانة بخصوص موارد الصّندوق وحسن توزيعها عالية، نظرا لكون صندوق دعم اللاّمركزيّة يهدف أساسا إلى دعم ميزانيّة البلديّات للوصول للتّوازن المالي والاستقلالية الإداريّة والماليّة الفعليّة، خاصّة وأنّ مداخيله هامّة ومتأتيّة أساسا من المعلوم على الشّركات الخاصّة ومعلوم مساهمة الجماعات المحلية في أشغال تعميم التيار الكهربائي والتنوير العمومي والصيانة، وأنّ نصيب بلديّة أريانة من هذه المداخيل هام.

خلافا للمساهمة السابقة لصندوق التعاون بين الجماعات المحليّة التي لم تتجاوز 800.000 ألف دينار (صندوق تمّ تفعيله بمقتضى قانون الماليّة لسنة 2013 وساري المفعول إلى حين نشأة صندوق دعم اللامركزيّة)، فإنّ بلديّة أريانة تأمل بتمكينها من نصيب أهمّ باعتبار وأنّ توزيع موارد صندوق دعم اللامركزية بين البلديات يتمّ وفقا لمعايير أبرزها عدد السّكان والطاقة الجبائيّة وطاقة التدّاين، ولنا معطيات تجعل طلبنا بالتّرفيع في مساهمة هذا الصّندوق في ميزانيّة بلديّة أريانة وجيه. 

هل ستستغل بلدية أريانة الاعتمادات المتاحة لها لحسن تأطير أعوانها ؟ 

فعلا، تعاني بلديّة أريانة من ضعف نسبة التأطير خصوصا وذلك لأسباب متعدّدة ومنها خضوع العمل البلدي وظيفيّا لقانون الوظيفة العموميّة وصعوبة الانتداب لأسباب خارجة تماما عن إرادتها.

بعد مجهودات تتمثّل في دراسة الوضع المالي للبلديّة وبالرّجوع لمختلف النّصوص القانونيّة المنطبقة في هذا الإطار تمّ عرض مسألة انتداب عديد التقنيّين لسدّ الشغورات على أنظار المجلس البلدي الذّي صادق على هذه الانتدابات وإثرها تحصّلت البلديّة على مصادقة مراقب المصاريف، وهي انتدابات ستمكّن من تحسين نسبة التأطير وسدّ شغورات وظيفيّة لها أهميّة بالغة.

حسب تقديركم، كيف يمثل استكمال الإطار التشريعي وإلغاء التعارض بين النصوص القانونية أولوية لاستكمال مسار اللامركزية ؟ 

استكمال الإطار التّشريعي على المستوى البلدي على الأقّل له أهميّة بالغة لحسن سير البلديّات وضمان التّنسيق المحكم بين مختلف المتداخلين، فبعد أكثر من ثلاث سنوات من صدور مجلّة الجماعات المحليّة لم تصدر كلّ النّصوص التّطبيقيّة بعد، وهو ما فتح المجال لاجتهادات أحيانا متضاربة ونزاعات منشورة أمام الجهات القضائيّة المختصّة، والتّي كان من الممكن تلافيها.

هل ساهم متساكنو بلدية أريانة في صياغة المقترحات التي قدمتموها للاستشارة الوطنية ؟ وكيف ؟

قدّم المواطنون والمواطنات بعض المقترحات الوجيهة، من خلال تعدّد الجلسات التّمهيديّة والتّشاركيّة خصوصا قبل انتشار وباء كورونا وحتّى في مراحل لاحقة (اجتماعات عن بعد)، والتّي تمّ عرضها للاستشارة الوطنيّة حول مسار اللاّمركزيّة، بحيث لم تكن مساهمتهم مباشرة لأسباب متعدّدة منها تزامن الاستشارة المذكورة مع الوضع الوبائي الخطير.

ما هي النماذج الناجحة في الحكم المحلي التي ترون أنها كرست اللامركزية ؟

نجاح الحكم المحلّي بقي نسبيّا وذلك لعدم تمكين المجالس البلديّة من آليّات واعتمادات وموارد بشريّة، تمكّنها من تحسين أدائها، فضلا عن التبعيّة الماليّة التّي بقيت خاضعة لها.

كما سبقت الإشارة إليه، فإنّ نجاح تجربة الحكم المحلّي بقيت محدودة، إذ وجب استكمال الإطار التّشريعي وبالأساس إصدار القوانين المتعلّقة بالصّلاحيّات المشتركة والمنقولة وتوفير الاعتمادات الماليّة والعناصر البشريّة لضمان أكثر نجاعة للحكم المحلّي.

حسب رأيكم، هل هناك وعي مجتمعي بمسألة الحكم المحلي ؟

الوعي المجتمعي بمسألة الحكم المحلّي على مستوى بلدّية أريانة بقي نسبيّا، إذ نجد البعض واعون بأهميّته ويعتبرون أنّ السّلطة المحليّة لا يمكن أن تحقّق النّجاعة المطلوبة إلاّ باستكمال مسار اللاّمركزيّة وخاصة إصدار النّصوص القانونيّة التطبيقيّة لمجلّة الجماعات المحليّة وتمكينها من الاعتمادات الماليّة اللازمة.

في المقابل يرى البعض الآخر أنّ السّلطة المحليّة قليلة الأهميّة ودورها يقتصر على الخدمات الدّنيا طبقا للقانون الأساسي للبلديات (الذّي وقع نسخه) أو أنّها في كلّ الحالات خاضعة لإشراف السّلطة المركزيّة أو أنّها تمثّل خطرا على وحدة الدّولة وتهدّد وجودها فضلا على أنّ الحكم المحلّي لم يساهم سوى في نقل الصّراعات السيّاسيّة إلى المستوى المحلّي، وهو ما جعل أداء المجالس البلديّة "ضعيفا".

بالتّالي وجب العمل على توعية المواطن بأهميّة الحكم المحلّي بعيدا عن الأفكار المسبقة والمغلوطة وتوفير جميع الآليّات القانونيّة والماليّة حتّى يتّم تقييم تجربة الحكم المحلّي بأكثر موضوعيّة.

 يذكر ان هذا العمل أنجز ضمن برنامج ”مراسلون”، مراسلو الديمقراطية المحلية، من تنظيم المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية IFES، مكتب تونس. حيث يهدف هذا البرنامج إلى المساهمة في تأسيس صحافة محلية ناجعة عبر شبكة من المراسلين والمراسلات المحليين..

أسماء مبارك

DEPLIANT-CN-AR-3_1.jpg

Screenshot_from_2021-08-14_20-26-00_1.png

Pv_ariana_3.jpg

نائب رئيس بلدية أريانة، محمد الهادي كشريد: "مسار اللامركزية لم يكتمل بعد"

 

لو جاز اختزال المدة المنقضية بعد ثلاث سنوات من إجراء الانتخابات البلدية في ماي 2018  في عنوان واحد، لكان على الأرجح عدم الاستقرار، حيث تم تسجيل حل 30 مجلسا بلديا، ما ترتب عنه إجراء انتخابات جزئية وانتخاب مجلس بلدي جديد، وهو ما أثر بشكل أو بآخر على مسار اللامركزية. 

بهذه المناسبة أجرت "الصباح نيوز" حوارا مع النّائب الثّاني لرئيس بلديّة أريانة والمقرّر بلجنة الدّيمقراطيّة التّشاركيّة وبلجنة التّربية والتّعليم، محمد الهادي كشريد لتقييم واقع مسار اللامركزية بعد 3 سنوات من الانتخابات البلدية، والحديث عن أهم العراقيل والتحديات التي يواجهها هذا المسار، وأيضا دور بلدية أريانة في تكريس الباب السابع من الدستور المتعلق بالسلطة المحلية واللامركزية.

تعطل مسار اللامركزية بصفة كبيرة خاصة مع ظهور وباء كورونا، ما رأيكم في فكرة توسيع صلاحيات الجماعات المحلية ومجال تدخل بلدية أريانة في هذا الشأن؟

 خلال الموجة الأولى من ظهور وباء كورونا تولّت وزارة الجماعات المحليّة إصدار منشور تمّ من خلاله تبسيط عمليات شراء معدّات ومستلزمات في إطار التصّدي لانتشار الوباء، وذلك دون الوقوف على المصادقة المسبقة لمراقب المصاريف. لكن للأسف لم يتمّ اعتماد نفس التمشّي خلال الموجات اللاّحقة للوباء وهو ما جعل تدخّل البلديّات أقل نجاعة.

المجلس البلدي بأريانة معني بالحرب على الوباء باعتبار أنّه من ضمن صلاحيّاته الأصليّة "ضمان الوقاية الصحيّة" بصرف النّظر عن الفراغ القانوني في خصوص الصلاّحيات المنقولة من السّلطة المركزيّة، وقد سعت البلديّة في حدود إمكانيّاتها الماليّة إلى المساهمة في المجهود الوطني لمجابهة وباء كورونا على الصّعيد المحلّي وتمّ خلال اجتماع خليّة الأزمة ببلديّة أريانة بتاريخ 14 جويلية 2021، المصادقة على جملة من القرارات في هذا الإطار. 

يبقى التوّسع في الصلاّحيّات في ظلّ انتشار وباء كورونا أمرا حتميا بالنسّبة للبلديّات، لأنه ممكن من الناحيّة القانونيّة والماليّة. بالنّسبة لبلديّة أريانة قامت بتحويل اعتمادات ماليّة رصدت سابقا لأنشطة أخرى والتّي ألغيت لاحقا (مثلا الأنشطة الثّقافيّة). ولكنّ التوسّع في الصلاّحيات خارج هذا الوضع الاستثنائي يبقى محدودا نظرا لمحدوديّة الموارد الماليّة من جهة وضرورة تحويل الاعتمادات الماليّة وتوفير الموارد البشريّة الملائمة من قبل السّلطة المركزيّة من جهة أخرى.

ما هو تقييمكم لسير الاستشارة الوطنيّة حول مسار اللامركزيّة ؟

 انتهى سير الاستشارة الوطنيّة حول مسار اللاّمركزية بتقديم توصيات، والتّي كانت في مجملها محلّ توافقات بين مختلف المشاركين من ممثّلي البلديات والهياكل العموميّة التّي لها علاقة بالشّأن البلدي والمجتمع المدني، إثر تقييم موضوعي لواقع البلديّات.

كما أنّ تمكين المشاركة حضوريّا أو عن بعد يعتبر خطوة إيجابيّة، ونقلة نوعيّة وقدرة على التأقلم مع ما نعيشه من خطورة للوضع الوبائي.

في المقابل كان من الممكن تنظيم برمجة واضحة وأكثر إحكاما، كما نعيب اختيار هذا التاريخ باعتبار أنّ عديد الإطارات البلديّة والمستشارين تعذّر عليهم الحضور، إمّا لتعدّد التزاماتهم في ظلّ الوضع الوبائي أو لحالتهم الصحيّة التّي استحالت معها المشاركة في هذا المسار.

هل أن أحكام الباب السابع للدستور متلائمة مع الواقع التونسي وكيف ؟

 أحكام الباب السّابع من الدستور لم يتّم تفعيلها إلاّ نسبيّا، إذ وجب التّنويه أنّه وإلى حدود اليوم لم يتحقّق أيّ تقدّم ملموس بخصوص التمهيد لانتخابات المجالس الجهويّة وانتخابات مجالس الأقاليم وهو ما يشكّل إحدى الحلقات الأخيرة لمسار اللاّمركزيّة، بل وحتّى الخطوات الأولى لمسار اللاّمركزيّة لم تكتمل بعد، إذ أنّه وخلافا لمقتضيات الدّستور المتعلّقة بالاستقلالية المالية والتّدبير الحرّ والرقابة اللاّحقة للجماعات المحليّة لازالت البلديّات تشكو من الرّقابة القبليّة والمصادقة المسبقة فيما يتعلّق بالتصرّف المالي.

إنّ الإجابة عن ملائمة أحكام الباب السّابع من الدّستور مع الواقع التّونسي من عدمه تختلف من جماعة محليّة لأخرى، فهناك بلديّات لها التأطير الضّروري والموارد البشريّة والماليّة اللاّزمة، حتّى لا تكون خاضعة لأيّ رقابة سوى رقابة القضاء المختصّ وفي المقابل هناك بلديّات تشكو من نقص الموارد والتأطير ومنها خصوصا البلديّات المحدثة التّي يتعذّر عليها العمل في ظلّ الاستقلالية الماليّة كما وردت بالباب السّابع من الدّستور.

كيف أثرت الصراعات السياسية حسب تقديركم على مسار اللامركزية ؟

 الصرّاعات السّياسيّة بالمجالس البلديّة أثّرت كثيرا على استقرار المجالس البلديّة، إذ تمّ إقرار حلّ عديد المجالس البلديّة واستقالة رؤساء بلديّات، وهو ما يدعو للتفكير جدّيا بتنقيح القانون الانتخابي ضمانا للحدّ الأدنى من هذا الاستقرار. هذه الصّراعات ليس لها تأثير مباشر على مسار اللاّمركزيّة لأنّ مدى تقدّمه راجع أساسا للسلطة التّشريعيّة باستكمالها النصّوص القانونيّة التّي من شأنها تفعيل أحكام الباب السّابع من الدّستور والسّلطة التّنفيذيّة التّي يرجع لها اختصاص إصدار الأوامر والمناشير التطبيقيّة لمجلّة الجماعات المحليّة.

في المقابل، تؤثر هذه الصّراعات السيّاسيّة على المستوى الوطني بشكل مباشر على مسار اللاّمركزيّة، لما لها من تعطيل للأعمال التشريعية وانعكاسات سلبية على أولويّات مجلس النّواب. 

ماذا تنتظرون من صندوق دعم اللامركزية في توزيع الموارد على البلديات كبلدية أريانة ؟ وما هي مقترحاتكم في هذا الشأن ؟

تبقى انتظارات البلدّيات ومنها بلديّة أريانة بخصوص موارد الصّندوق وحسن توزيعها عالية، نظرا لكون صندوق دعم اللاّمركزيّة يهدف أساسا إلى دعم ميزانيّة البلديّات للوصول للتّوازن المالي والاستقلالية الإداريّة والماليّة الفعليّة، خاصّة وأنّ مداخيله هامّة ومتأتيّة أساسا من المعلوم على الشّركات الخاصّة ومعلوم مساهمة الجماعات المحلية في أشغال تعميم التيار الكهربائي والتنوير العمومي والصيانة، وأنّ نصيب بلديّة أريانة من هذه المداخيل هام.

خلافا للمساهمة السابقة لصندوق التعاون بين الجماعات المحليّة التي لم تتجاوز 800.000 ألف دينار (صندوق تمّ تفعيله بمقتضى قانون الماليّة لسنة 2013 وساري المفعول إلى حين نشأة صندوق دعم اللامركزيّة)، فإنّ بلديّة أريانة تأمل بتمكينها من نصيب أهمّ باعتبار وأنّ توزيع موارد صندوق دعم اللامركزية بين البلديات يتمّ وفقا لمعايير أبرزها عدد السّكان والطاقة الجبائيّة وطاقة التدّاين، ولنا معطيات تجعل طلبنا بالتّرفيع في مساهمة هذا الصّندوق في ميزانيّة بلديّة أريانة وجيه. 

هل ستستغل بلدية أريانة الاعتمادات المتاحة لها لحسن تأطير أعوانها ؟ 

فعلا، تعاني بلديّة أريانة من ضعف نسبة التأطير خصوصا وذلك لأسباب متعدّدة ومنها خضوع العمل البلدي وظيفيّا لقانون الوظيفة العموميّة وصعوبة الانتداب لأسباب خارجة تماما عن إرادتها.

بعد مجهودات تتمثّل في دراسة الوضع المالي للبلديّة وبالرّجوع لمختلف النّصوص القانونيّة المنطبقة في هذا الإطار تمّ عرض مسألة انتداب عديد التقنيّين لسدّ الشغورات على أنظار المجلس البلدي الذّي صادق على هذه الانتدابات وإثرها تحصّلت البلديّة على مصادقة مراقب المصاريف، وهي انتدابات ستمكّن من تحسين نسبة التأطير وسدّ شغورات وظيفيّة لها أهميّة بالغة.

حسب تقديركم، كيف يمثل استكمال الإطار التشريعي وإلغاء التعارض بين النصوص القانونية أولوية لاستكمال مسار اللامركزية ؟ 

استكمال الإطار التّشريعي على المستوى البلدي على الأقّل له أهميّة بالغة لحسن سير البلديّات وضمان التّنسيق المحكم بين مختلف المتداخلين، فبعد أكثر من ثلاث سنوات من صدور مجلّة الجماعات المحليّة لم تصدر كلّ النّصوص التّطبيقيّة بعد، وهو ما فتح المجال لاجتهادات أحيانا متضاربة ونزاعات منشورة أمام الجهات القضائيّة المختصّة، والتّي كان من الممكن تلافيها.

هل ساهم متساكنو بلدية أريانة في صياغة المقترحات التي قدمتموها للاستشارة الوطنية ؟ وكيف ؟

قدّم المواطنون والمواطنات بعض المقترحات الوجيهة، من خلال تعدّد الجلسات التّمهيديّة والتّشاركيّة خصوصا قبل انتشار وباء كورونا وحتّى في مراحل لاحقة (اجتماعات عن بعد)، والتّي تمّ عرضها للاستشارة الوطنيّة حول مسار اللاّمركزيّة، بحيث لم تكن مساهمتهم مباشرة لأسباب متعدّدة منها تزامن الاستشارة المذكورة مع الوضع الوبائي الخطير.

ما هي النماذج الناجحة في الحكم المحلي التي ترون أنها كرست اللامركزية ؟

نجاح الحكم المحلّي بقي نسبيّا وذلك لعدم تمكين المجالس البلديّة من آليّات واعتمادات وموارد بشريّة، تمكّنها من تحسين أدائها، فضلا عن التبعيّة الماليّة التّي بقيت خاضعة لها.

كما سبقت الإشارة إليه، فإنّ نجاح تجربة الحكم المحلّي بقيت محدودة، إذ وجب استكمال الإطار التّشريعي وبالأساس إصدار القوانين المتعلّقة بالصّلاحيّات المشتركة والمنقولة وتوفير الاعتمادات الماليّة والعناصر البشريّة لضمان أكثر نجاعة للحكم المحلّي.

حسب رأيكم، هل هناك وعي مجتمعي بمسألة الحكم المحلي ؟

الوعي المجتمعي بمسألة الحكم المحلّي على مستوى بلدّية أريانة بقي نسبيّا، إذ نجد البعض واعون بأهميّته ويعتبرون أنّ السّلطة المحليّة لا يمكن أن تحقّق النّجاعة المطلوبة إلاّ باستكمال مسار اللاّمركزيّة وخاصة إصدار النّصوص القانونيّة التطبيقيّة لمجلّة الجماعات المحليّة وتمكينها من الاعتمادات الماليّة اللازمة.

في المقابل يرى البعض الآخر أنّ السّلطة المحليّة قليلة الأهميّة ودورها يقتصر على الخدمات الدّنيا طبقا للقانون الأساسي للبلديات (الذّي وقع نسخه) أو أنّها في كلّ الحالات خاضعة لإشراف السّلطة المركزيّة أو أنّها تمثّل خطرا على وحدة الدّولة وتهدّد وجودها فضلا على أنّ الحكم المحلّي لم يساهم سوى في نقل الصّراعات السيّاسيّة إلى المستوى المحلّي، وهو ما جعل أداء المجالس البلديّة "ضعيفا".

بالتّالي وجب العمل على توعية المواطن بأهميّة الحكم المحلّي بعيدا عن الأفكار المسبقة والمغلوطة وتوفير جميع الآليّات القانونيّة والماليّة حتّى يتّم تقييم تجربة الحكم المحلّي بأكثر موضوعيّة.

 يذكر ان هذا العمل أنجز ضمن برنامج ”مراسلون”، مراسلو الديمقراطية المحلية، من تنظيم المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية IFES، مكتب تونس. حيث يهدف هذا البرنامج إلى المساهمة في تأسيس صحافة محلية ناجعة عبر شبكة من المراسلين والمراسلات المحليين..

أسماء مبارك

DEPLIANT-CN-AR-3_1.jpg

Screenshot_from_2021-08-14_20-26-00_1.png

Pv_ariana_3.jpg

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews