درج التونسيّون على إطلاق مصطلح "فوفعة" للتعبير عن الهلع والفوضى وحتى حالة الفزع السائدة من شيء ما. وهذا المصطلح "فوفعة" المتداول في العامية التونسية أطلقه المخرج إبراهيم لطيّف على فيلمه الجديد الذي تمّ إطلاقه في قاعات السينما التونسية يوم 12 أفريل الحالي. تنطلق أحداث "فوفعة" بمشهد لرياح عاتية أدّت إلى تعطيل حركة جولان السيارات وسبّبت أضرارا في عدد من المباني والأشجار، لكن شيئا وحيدا لم تزعزعه الرياح وهو "كرسي السلطة" حيث ظلّ ثابتا في مكانه. وإثر هذا المشهد الفيلمي الأول يظهر صحفي ميداني ينقل أحداث إعصار مرتقب ومدمّر في المنطقة تحت مسمى "إعصار بيّة"، وينبّه الناس من خطورته ويدعوهم للاحتماء ببيوتهم. وتدور أحداث هذا الفيلم، وهو روائي طويل مدته 85 دقيقة وتم إنتاجه سنة 2023، حول مالكة منزل قديم تحوّل بيتها إلى دار ضيافة لسداد ديونها وديون شقيقها، فيلجأ للمنزل ضيوف من الراغبين في التعرف على رفقاء الروح، لكن الضيوف ليسوا ضيوفا كما يقولون فيتحول المساء إلى كابوس في يوم شهد تنبيها بوجود إعصار ويتقمّص أدوار البطولة في هذا العمل فاطمة بن سعيدان ومحمد حسين قريع وريم بن مسعود والشاذلي العرفاوي وتوفيق العايب وأميرة درويش وحسام الساحلي وربيعة التليلي وعاطف بوزيد وخلود الجليدي وسندة الجبالي.
تبدأ أحداث الفيلم مباشرة بنسق تصاعديّ، إذ يظهر في الصورة صحفي ميداني يُدعى "غازي الدغباجي" وهو ينقل مباشرة صورة قدوم الإعصار وحالة الفزع والهلع السائدة في الشارع التونسي، ثمّ يتحوّل الفيلم من هذا الفضاء المفتوح إلى فضاء آخر مغلق وهو منزل للضيافة حيث تعمل صاحبة البيت وشقيقها على إعداد العشاء (ملوخية) للضيوف القادمين من أجل التعارف والباحثين عن الرفقة وهم، بحسب الفيلم، فلاح وعون ديوانة وطبيبة نساء وربة بيت وامرأة حامل تخلّى عنها زوجها. // المكان ورمزيته وتُراوح أحداث "فوفعة" بين مكانيْن رئيسييْن هما "الشارع" و"منزل الضيافة". وبيْن هذيْن المكانيْن أوجد المخرج إبراهيم لطيّف مفارقة عجيبة بينهما: فالفضاء الخارجي (الشارع) يتميّز بالاضطراب وتبدو شخصياته في حالة هلع وتشترك في المعاناة والتهميش وقساوة العيش، أما الفضاء الداخلي (البيت) فشخصياته هادئة منسجمة تبدو عليها مظاهر الترف. وجاء فيلم "فوفعة" مشبعا بالرموز والدلالات بداية من اختيار العنوان وصولا إلى الشخصيات والعلاقات الدائرة فيما بينها. وتبدو العلاقة بين هذه الشخصيات في انسجام تام، فهي تتبادل الحديث والمواقف المضحكة غير مبالية بما يحدث في العالم الخارجي ولا بالخطر المحدّق بها، وكذلك صاحبة البيت التي رهنت المنزل العائلي القديم المتوارث عن الأجداد لأحد البنوك من أجل الحصول على قرض لتسديد ديون شقيقها العائد من الخارج بخفيْ حنين، ورغم أنها مهدّدة بفقدان المنزل فإن شقيقها يبدو غير مبالٍ ويسعى لإقناع شقيقته ببيع المنزل ونيل نصيبه من الميراث مقابل تمسّك شقيقته بالمحافظة على الإرث العائلي وتدبّر موارد مالية لسداد الديون البنكية المثقلة على كاهلها. وقد أراد المخرج إبراز حالة السكون أو حالة اللامبالاة التي تميّز شخصيات الفيلم بالرغم من الخطر الخارجي الداهم. وإذا كان الفضاء الداخلي في الفيلم (البيت) يتّسم بالهدوء والانسجام مؤقتا بين الشخصيات، فإن الفضاء الخارجي يتّسم بالاضطراب والفوضى، فهذه الرياح العاتية لا تتوقف ومشاهد الناس في الخارج تُبرز حالة الهلع التي تسكنها، وأما الصحفي فهو لا يتوقف عن نقل رسالته النبيلة، لكنه أيضا يخضع للإملاءات الداخلية من صنّاع القرار الإعلامي. // مشاهد سوداوية وسخرية سوداء وتكمن طرافة الفيلم من حيث الخصائص الفنية المميزة له، ويُبرزها إبراهيم لطيّف في الصورة السينمائية التي قدمها، والتي ارتكزت على قتامة المشاهد الخارجية والداخلية في الفيلم، فوظّفها لإبراز الحالة النفسية للشخصيات وليخدم مضمون الفيلم في إبراز المعاناة. وتجلى تركيز إبراهيم لطيّف على تقنية الصورة من خلال المشاهد المصورة في حد ذاتها، حيث غابت المشاهد العامة عن الفيلم، واقتصرت على المشاهد القريبة حتى تكون مقاصدها وفية لمعاني السجن ورمزيته. كما لم يخلُ العمل، رغم المشاهد التراجيدية، من المواقف الساخرة، وهي سخرية سوداء في ظاهرها هزل وإضحاك وفي باطنها مأساة ومعاناة. // سرقة القلادة نقطة التحوّل في الفيلم وتاخذ أحداث الفيلم منعرجا جديدا بعد أن تخلّلت أخبار الإعصار الإعلان عن سرقة قلادة ثمينة وإبراز صفات اللص وإظهار صورته على الشاشة، ليتعرّف من في المنزل على هذا اللص وهي فتاة شابة ابنة صاحبة البيت، لتنقلب معها الأحداث وتكشف كلّ شخصية عن نقابها جرّاء الطمع في الحصول على نصيبها من القلادة الثمينة، لذلك تحوّلت حالة السكون والانسجام بين شخصيات دار الضيافة إلى حالة صراع وتحوّلت علاقة الاتصال السائدة بين الشخصيات إلى علاقة انفصال، وتغليب المصالح الشخصية الضيقة على المصلحة العامة المشتركة، شخصيات أظهرت جشعها وحبّها للهيمنة. وأثار المخرج عديد القضايا منها ما يتعلّق بالتضليل الإعلامي وسوء إدارة الأزمات من قبل الدولة، إلى جانب عديد القضايا الأخرى منها الاجتماعية والاقتصادية. ويُنهي إبراهيم لطيّف فيلمه بشروق شمس يوم جديد هادئ، بعد أن انحرف الإعصار عن مساره تغيّر اتجاهه قبل الوصول إلى المنطقة. كما يضع حدّا لطمع الشخصيات بالإعلان عن خبر أن القلادة المسروقة هي مزيّفة وليست أصلية. وأما كرسي السلطة فلم يعد ثابتا بل أصبح محطّما في اللقطة الأخيرة من الفيلم. ويعدّ فيلم "فوفعة" خامس أفلام إبراهيم لطيف المخرج والمنتج وكاتب السيناريو الذي تراوحت أعماله بين تجارب روائية طويلة وقصيرة، أبرزها فيلم "فيزا" المتوج بالتانيت الذهبي للأفلام الروائية القصيرة
درج التونسيّون على إطلاق مصطلح "فوفعة" للتعبير عن الهلع والفوضى وحتى حالة الفزع السائدة من شيء ما. وهذا المصطلح "فوفعة" المتداول في العامية التونسية أطلقه المخرج إبراهيم لطيّف على فيلمه الجديد الذي تمّ إطلاقه في قاعات السينما التونسية يوم 12 أفريل الحالي. تنطلق أحداث "فوفعة" بمشهد لرياح عاتية أدّت إلى تعطيل حركة جولان السيارات وسبّبت أضرارا في عدد من المباني والأشجار، لكن شيئا وحيدا لم تزعزعه الرياح وهو "كرسي السلطة" حيث ظلّ ثابتا في مكانه. وإثر هذا المشهد الفيلمي الأول يظهر صحفي ميداني ينقل أحداث إعصار مرتقب ومدمّر في المنطقة تحت مسمى "إعصار بيّة"، وينبّه الناس من خطورته ويدعوهم للاحتماء ببيوتهم. وتدور أحداث هذا الفيلم، وهو روائي طويل مدته 85 دقيقة وتم إنتاجه سنة 2023، حول مالكة منزل قديم تحوّل بيتها إلى دار ضيافة لسداد ديونها وديون شقيقها، فيلجأ للمنزل ضيوف من الراغبين في التعرف على رفقاء الروح، لكن الضيوف ليسوا ضيوفا كما يقولون فيتحول المساء إلى كابوس في يوم شهد تنبيها بوجود إعصار ويتقمّص أدوار البطولة في هذا العمل فاطمة بن سعيدان ومحمد حسين قريع وريم بن مسعود والشاذلي العرفاوي وتوفيق العايب وأميرة درويش وحسام الساحلي وربيعة التليلي وعاطف بوزيد وخلود الجليدي وسندة الجبالي.
تبدأ أحداث الفيلم مباشرة بنسق تصاعديّ، إذ يظهر في الصورة صحفي ميداني يُدعى "غازي الدغباجي" وهو ينقل مباشرة صورة قدوم الإعصار وحالة الفزع والهلع السائدة في الشارع التونسي، ثمّ يتحوّل الفيلم من هذا الفضاء المفتوح إلى فضاء آخر مغلق وهو منزل للضيافة حيث تعمل صاحبة البيت وشقيقها على إعداد العشاء (ملوخية) للضيوف القادمين من أجل التعارف والباحثين عن الرفقة وهم، بحسب الفيلم، فلاح وعون ديوانة وطبيبة نساء وربة بيت وامرأة حامل تخلّى عنها زوجها. // المكان ورمزيته وتُراوح أحداث "فوفعة" بين مكانيْن رئيسييْن هما "الشارع" و"منزل الضيافة". وبيْن هذيْن المكانيْن أوجد المخرج إبراهيم لطيّف مفارقة عجيبة بينهما: فالفضاء الخارجي (الشارع) يتميّز بالاضطراب وتبدو شخصياته في حالة هلع وتشترك في المعاناة والتهميش وقساوة العيش، أما الفضاء الداخلي (البيت) فشخصياته هادئة منسجمة تبدو عليها مظاهر الترف. وجاء فيلم "فوفعة" مشبعا بالرموز والدلالات بداية من اختيار العنوان وصولا إلى الشخصيات والعلاقات الدائرة فيما بينها. وتبدو العلاقة بين هذه الشخصيات في انسجام تام، فهي تتبادل الحديث والمواقف المضحكة غير مبالية بما يحدث في العالم الخارجي ولا بالخطر المحدّق بها، وكذلك صاحبة البيت التي رهنت المنزل العائلي القديم المتوارث عن الأجداد لأحد البنوك من أجل الحصول على قرض لتسديد ديون شقيقها العائد من الخارج بخفيْ حنين، ورغم أنها مهدّدة بفقدان المنزل فإن شقيقها يبدو غير مبالٍ ويسعى لإقناع شقيقته ببيع المنزل ونيل نصيبه من الميراث مقابل تمسّك شقيقته بالمحافظة على الإرث العائلي وتدبّر موارد مالية لسداد الديون البنكية المثقلة على كاهلها. وقد أراد المخرج إبراز حالة السكون أو حالة اللامبالاة التي تميّز شخصيات الفيلم بالرغم من الخطر الخارجي الداهم. وإذا كان الفضاء الداخلي في الفيلم (البيت) يتّسم بالهدوء والانسجام مؤقتا بين الشخصيات، فإن الفضاء الخارجي يتّسم بالاضطراب والفوضى، فهذه الرياح العاتية لا تتوقف ومشاهد الناس في الخارج تُبرز حالة الهلع التي تسكنها، وأما الصحفي فهو لا يتوقف عن نقل رسالته النبيلة، لكنه أيضا يخضع للإملاءات الداخلية من صنّاع القرار الإعلامي. // مشاهد سوداوية وسخرية سوداء وتكمن طرافة الفيلم من حيث الخصائص الفنية المميزة له، ويُبرزها إبراهيم لطيّف في الصورة السينمائية التي قدمها، والتي ارتكزت على قتامة المشاهد الخارجية والداخلية في الفيلم، فوظّفها لإبراز الحالة النفسية للشخصيات وليخدم مضمون الفيلم في إبراز المعاناة. وتجلى تركيز إبراهيم لطيّف على تقنية الصورة من خلال المشاهد المصورة في حد ذاتها، حيث غابت المشاهد العامة عن الفيلم، واقتصرت على المشاهد القريبة حتى تكون مقاصدها وفية لمعاني السجن ورمزيته. كما لم يخلُ العمل، رغم المشاهد التراجيدية، من المواقف الساخرة، وهي سخرية سوداء في ظاهرها هزل وإضحاك وفي باطنها مأساة ومعاناة. // سرقة القلادة نقطة التحوّل في الفيلم وتاخذ أحداث الفيلم منعرجا جديدا بعد أن تخلّلت أخبار الإعصار الإعلان عن سرقة قلادة ثمينة وإبراز صفات اللص وإظهار صورته على الشاشة، ليتعرّف من في المنزل على هذا اللص وهي فتاة شابة ابنة صاحبة البيت، لتنقلب معها الأحداث وتكشف كلّ شخصية عن نقابها جرّاء الطمع في الحصول على نصيبها من القلادة الثمينة، لذلك تحوّلت حالة السكون والانسجام بين شخصيات دار الضيافة إلى حالة صراع وتحوّلت علاقة الاتصال السائدة بين الشخصيات إلى علاقة انفصال، وتغليب المصالح الشخصية الضيقة على المصلحة العامة المشتركة، شخصيات أظهرت جشعها وحبّها للهيمنة. وأثار المخرج عديد القضايا منها ما يتعلّق بالتضليل الإعلامي وسوء إدارة الأزمات من قبل الدولة، إلى جانب عديد القضايا الأخرى منها الاجتماعية والاقتصادية. ويُنهي إبراهيم لطيّف فيلمه بشروق شمس يوم جديد هادئ، بعد أن انحرف الإعصار عن مساره تغيّر اتجاهه قبل الوصول إلى المنطقة. كما يضع حدّا لطمع الشخصيات بالإعلان عن خبر أن القلادة المسروقة هي مزيّفة وليست أصلية. وأما كرسي السلطة فلم يعد ثابتا بل أصبح محطّما في اللقطة الأخيرة من الفيلم. ويعدّ فيلم "فوفعة" خامس أفلام إبراهيم لطيف المخرج والمنتج وكاتب السيناريو الذي تراوحت أعماله بين تجارب روائية طويلة وقصيرة، أبرزها فيلم "فيزا" المتوج بالتانيت الذهبي للأفلام الروائية القصيرة