يرجع المراقبون للمشهد السمعي والبصري افتقاد التلفزة الوطنية لأعمال درامية جادة وهادفة وغياب الانتاجات القيمة إلى غياب رؤية ثقافية ومشروع ثقافي يعبر عن حقيقة الشعب
بقلم نوفل سلامة :
مع اقتراب شهر الصيام من كل عام يبدأ الحديث بكثافة عن البرمجة الرمضانية في التلفزة الوطنية وفي القنوات الخاصة ومعه يستأنف الحديث الذي يعاد في كل سنة حول الخيارات الفنية والتوجهات الإبداعية للمشهد السمعي والبصري والبلاد على مقربة من هذا الموعد الإيماني التعبدي الذي له خصوصيته ورمزيته عند المسلمين والذي من المفترض أن تراعى وتحترم وهو حديث لن ينتهي في علاقة بكل النقد والتقييم الذي يصاحب بث الأعمال الدرامية والمسلسلات و" السيتكومات " التي يتم انتاجها خصيصا لهذه المناسبة التي تحل كل سنة لنقف على انقسام في الرأي واختلاف في الانطباعات بين مادح لهذه الأعمال وذام لها وغالبا ما يظهر عدم الرضى على ما تبثه القنوات الخاصة وخاصة ما تقدمه التلفزة الوطنية باعتبارها القناة الوطنية التي تلقى دعما ماديا من المواطنين دافعي الضرائب الذين يطالبون تلفزتهم الرسمية بإنتاج جيد يرتقي إلى طموحاتهم ويلبي رغباتهم ويجد فيه عموم المواطنين ما يعكس حقيقتهم وطبيعة عيشهم وصورة المجتمع الذي يحيون فيه.
يرجع الكثير من المراقبين للمشهد السمعي والبصري والحياة الثقافية عموما افتقاد التلفزة الوطنية باعتبارها مرفقا عموميا لأعمال درامية جادة وهادفة وغياب الانتاجات القيمة في هذا الموعد من السنة إلى غياب رؤية ثقافية واضحة ومشروع ثقافي يعبر عن حقيقة الشعب ويعكس الروح العميقة للبلاد ويستجيب لطموحات الأفراد ويعالج شواغل وهموم عموم فئات المجتمع.. مشروع ثقافي يقوم على جملة من القيم والمبادئ والتصورات تعكس ضمير المجتمع وتجسد هويته .. مشروع ثقافي متأصل في هذه التربة وغير منبت عن هذه الأرض بمعالجة عصرية لقضايا المجتمع وبحلول الفاعلين المعاصرين فأزمة الإنتاج الدرامي التونسي خلال شهر رمضان وفي كامل السنة هي في العمق أزمة غياب رؤية ثقافية واضحة فكل الذين تسلموا قيادة التلفزة أو وزارة الثقافة لم يقدموا مشروعا ثقافيا جامعا ولا جلبوا معهم رؤية ثقافية واضحة ومسألة هشاشة الإنتاج التلفزي وضحالة المضمون في عموم البرامج التلفزية لا تقتصر على ما يقدم في شهر رمضان فحسب ولا ينحصر في نوعية الدراما الرمضانية وإنما هي حالة تنسحب على مختلف المادة التي تعرض للعموم في كامل السنة أين نقف على برمجة هي محاكاة لما يبث في عديد القنوات الأجنبية وتقليد لحصص انتجها غيرنا كما هو الحال في برامج الطبخ والإشهار وعروض البيع لمنتجات وبضائع وخاصة الحصص التي تهدف إلى الترفيه والتسلية وهي في العموم برامج من قبيل انتاج التفاهة وإضاعة الوقت وصناعة الرداءة التي تحدث عنها " ألان دونو " في كتابه نظام التفاهة وجعل اهتمامات الجمهور ضيقة منحصرة في متابعة أخبار الخصومات بين الفنانين وما يدور في حياتهم الخاصة التي لا تهم المجتمع ويغيب عنها ضيوف من أهل الفكر والثقافة والعلم والمعرفة الذين يقدمون الإضافة ويرتقون بالذائقة الفنية ويحققون وعيا جديدا نحتاجه في هذا العصر المحكوم بالصورة وصناعة الرأي العام والتحكم في الجمهور وتوجيهه لخدمة مشاريع حضارية معادية لنا وهي حالة من حالات الاستعمار المتواصل ولكن من بوابة الصورة والتلفزة والإنتاج السمعي والبصري ومن مدخل الثقافة الباهتة.
ما يقدم اليوم في مسلسلاتنا وما تقترحه علينا القنوات الخاصة من دراما في كل رمضان هو نوع من الهروب عن طرح الكثير من القضايا الهامة والحارقة وما أكثرها والتخفي عن معالجة قضايا المجتمع الهامة التي تهم عموم الناس وتحويل وجهة الاهتمام نحو أعمال درامية تطرح قضايا تخص فئة معينة من فئات المجتمع فيتم التركيز بكثافة وعن قصد على قضايا الجريمة والقتل ويتكثف الحديث عن موضوع المخدرات والجنس والشذوذ وطرحها بطريقة تجعلها مسألة شائعة وعادية في المجتمع وعلينا أن نتعايش معها ونقبل بها كحالة عادية والحال أنها تخص فئة قليلة من المجتمع وظاهرة لا تغطي كامل أفراده والخطير في مثل هذه الأعمال التي تقدم في وقت لا يناسبها أنها تعاد باستمرار ومن يقف وراءها يقدمها على أنها معطى ثابت وحالة عامة مع تغييب القيم والمبادئ وركائز هويتنا وكل ما يميز هذا المجتمع عن غيره من المجتمعات . إن الخطير في تقديمها لحالات شائعة وعلى المجتمع أن يتقبلها في محاكاة لمجتمعات أخرى تقبل بها وقيمها وثقافتها لا ترفضها.
الخطير في مثل هذه الأعمال الدرامية التي يتم انتاجها في غياب الرؤية الثقافية الجامعة وبعيدا عن وجود المشروع الثقافي المتماسك والواضح أن من يقف وراءها
يقدم المجتمع التونسي على أنه مجتمع الجريمة ومجتمع الشذوذ وهو غارق في الانحرافات والمخدرات وكل ما هو ممنوع وفي الاعتقاد بأن كل ما يقدم من موائد درامية مختلفة يعكس واقعنا وحقيقتنا ويمثل صورة العصر الذي نعيش على وقعه وهو عصر في ظنهم محكوم ومنحصر في جملة من الانحرافات والتشوهات. إن الخطير فيما يتم تشكيله من ذهنية وعقلية جديدة وصناعة رأي عام باهتمامات مزيفة واهتمامات مبالغ فيها ليتحول مجتمعنا إلى ظاهرة مضخمة بدعوى تلفزيون الواقع الذي يعمل على تعريته والكشف عن المواضيع المعتم عنها حسب ظنهم وهي عملية خطيرة عندما يأخذون من هذا الواقع الذي نشترك فيه مع الكثير من المجتمعات جزءا منه فقط ويقدمونه على أنه الحالة العامة والحقيقة الواقعية لكامل المجتمع والسلوك الغالب لدى أفراده.
الخطير في هذه الأعمال التي نواكبها في كل رمضان والخطير في هذه الدراما التي نتابعها سنويا في قنواتنا التلفزية بالمضمون الذي تحدثنا عنه فيما يسميه الفيلسوف الألماني " غونترأندرس " صاحب كتاب ترجم الى العربية تحت إسم " تقادم الإنسان " في حالة التكيف الجماعي مع الوضع المطلوب التي تحصل وعملية إقناع الجمهور بأن وضعه الحقيقي هو ما يشاهده في التلفزة وصورته تعكسها المادة الإعلامية التي تقدم له وما يحصل من خلال ما تبثه القنوات الخاصة من أعمال لإشغال العقول بما هو عقيم ومرح وثرثرة وتلهية وإلهاء وتعويم وتضخيم للظواهر ومنع العقل من التفكير والتساؤل وإغراق حياة الناس في كل ما هو جنسي وغريزي لتحصل الفجوة بين الواقع والوهم وبين الأفراد ومجتمعهم .
الخطير في مثل هذه الأعمال الدرامية التي نشاهدها في كل رمضان فيما تغرسه من قيم ومثل متعارضة مع قيمنا وثقافتنا وهويتنا وما تربينا عليه وما ميز خصوصيتنا ومن تحويل وجهة الإهتمام ونوعية الحلول التي تقود إما إلى العدم وإما إلى المثالية وهي حلول في كلتا الصورتين تنتج الخلل في علاقاتنا الاجتماعية والعاطفية والأسرية وخللا آخر في التفكير وفي التغيير وطرح البديل واضطراب في علاقة الناس بواقهم تنتج عنه هذه الفجوة التي نجدها اليوم بين الشباب ودولتهم والانفصام مع الوطن والانتماء إليه والتعلق بالهوية الجامعة التي لم تعد في كل هذه المسلسلات جامعة ولا محترمة.
يرجع المراقبون للمشهد السمعي والبصري افتقاد التلفزة الوطنية لأعمال درامية جادة وهادفة وغياب الانتاجات القيمة إلى غياب رؤية ثقافية ومشروع ثقافي يعبر عن حقيقة الشعب
بقلم نوفل سلامة :
مع اقتراب شهر الصيام من كل عام يبدأ الحديث بكثافة عن البرمجة الرمضانية في التلفزة الوطنية وفي القنوات الخاصة ومعه يستأنف الحديث الذي يعاد في كل سنة حول الخيارات الفنية والتوجهات الإبداعية للمشهد السمعي والبصري والبلاد على مقربة من هذا الموعد الإيماني التعبدي الذي له خصوصيته ورمزيته عند المسلمين والذي من المفترض أن تراعى وتحترم وهو حديث لن ينتهي في علاقة بكل النقد والتقييم الذي يصاحب بث الأعمال الدرامية والمسلسلات و" السيتكومات " التي يتم انتاجها خصيصا لهذه المناسبة التي تحل كل سنة لنقف على انقسام في الرأي واختلاف في الانطباعات بين مادح لهذه الأعمال وذام لها وغالبا ما يظهر عدم الرضى على ما تبثه القنوات الخاصة وخاصة ما تقدمه التلفزة الوطنية باعتبارها القناة الوطنية التي تلقى دعما ماديا من المواطنين دافعي الضرائب الذين يطالبون تلفزتهم الرسمية بإنتاج جيد يرتقي إلى طموحاتهم ويلبي رغباتهم ويجد فيه عموم المواطنين ما يعكس حقيقتهم وطبيعة عيشهم وصورة المجتمع الذي يحيون فيه.
يرجع الكثير من المراقبين للمشهد السمعي والبصري والحياة الثقافية عموما افتقاد التلفزة الوطنية باعتبارها مرفقا عموميا لأعمال درامية جادة وهادفة وغياب الانتاجات القيمة في هذا الموعد من السنة إلى غياب رؤية ثقافية واضحة ومشروع ثقافي يعبر عن حقيقة الشعب ويعكس الروح العميقة للبلاد ويستجيب لطموحات الأفراد ويعالج شواغل وهموم عموم فئات المجتمع.. مشروع ثقافي يقوم على جملة من القيم والمبادئ والتصورات تعكس ضمير المجتمع وتجسد هويته .. مشروع ثقافي متأصل في هذه التربة وغير منبت عن هذه الأرض بمعالجة عصرية لقضايا المجتمع وبحلول الفاعلين المعاصرين فأزمة الإنتاج الدرامي التونسي خلال شهر رمضان وفي كامل السنة هي في العمق أزمة غياب رؤية ثقافية واضحة فكل الذين تسلموا قيادة التلفزة أو وزارة الثقافة لم يقدموا مشروعا ثقافيا جامعا ولا جلبوا معهم رؤية ثقافية واضحة ومسألة هشاشة الإنتاج التلفزي وضحالة المضمون في عموم البرامج التلفزية لا تقتصر على ما يقدم في شهر رمضان فحسب ولا ينحصر في نوعية الدراما الرمضانية وإنما هي حالة تنسحب على مختلف المادة التي تعرض للعموم في كامل السنة أين نقف على برمجة هي محاكاة لما يبث في عديد القنوات الأجنبية وتقليد لحصص انتجها غيرنا كما هو الحال في برامج الطبخ والإشهار وعروض البيع لمنتجات وبضائع وخاصة الحصص التي تهدف إلى الترفيه والتسلية وهي في العموم برامج من قبيل انتاج التفاهة وإضاعة الوقت وصناعة الرداءة التي تحدث عنها " ألان دونو " في كتابه نظام التفاهة وجعل اهتمامات الجمهور ضيقة منحصرة في متابعة أخبار الخصومات بين الفنانين وما يدور في حياتهم الخاصة التي لا تهم المجتمع ويغيب عنها ضيوف من أهل الفكر والثقافة والعلم والمعرفة الذين يقدمون الإضافة ويرتقون بالذائقة الفنية ويحققون وعيا جديدا نحتاجه في هذا العصر المحكوم بالصورة وصناعة الرأي العام والتحكم في الجمهور وتوجيهه لخدمة مشاريع حضارية معادية لنا وهي حالة من حالات الاستعمار المتواصل ولكن من بوابة الصورة والتلفزة والإنتاج السمعي والبصري ومن مدخل الثقافة الباهتة.
ما يقدم اليوم في مسلسلاتنا وما تقترحه علينا القنوات الخاصة من دراما في كل رمضان هو نوع من الهروب عن طرح الكثير من القضايا الهامة والحارقة وما أكثرها والتخفي عن معالجة قضايا المجتمع الهامة التي تهم عموم الناس وتحويل وجهة الاهتمام نحو أعمال درامية تطرح قضايا تخص فئة معينة من فئات المجتمع فيتم التركيز بكثافة وعن قصد على قضايا الجريمة والقتل ويتكثف الحديث عن موضوع المخدرات والجنس والشذوذ وطرحها بطريقة تجعلها مسألة شائعة وعادية في المجتمع وعلينا أن نتعايش معها ونقبل بها كحالة عادية والحال أنها تخص فئة قليلة من المجتمع وظاهرة لا تغطي كامل أفراده والخطير في مثل هذه الأعمال التي تقدم في وقت لا يناسبها أنها تعاد باستمرار ومن يقف وراءها يقدمها على أنها معطى ثابت وحالة عامة مع تغييب القيم والمبادئ وركائز هويتنا وكل ما يميز هذا المجتمع عن غيره من المجتمعات . إن الخطير في تقديمها لحالات شائعة وعلى المجتمع أن يتقبلها في محاكاة لمجتمعات أخرى تقبل بها وقيمها وثقافتها لا ترفضها.
الخطير في مثل هذه الأعمال الدرامية التي يتم انتاجها في غياب الرؤية الثقافية الجامعة وبعيدا عن وجود المشروع الثقافي المتماسك والواضح أن من يقف وراءها
يقدم المجتمع التونسي على أنه مجتمع الجريمة ومجتمع الشذوذ وهو غارق في الانحرافات والمخدرات وكل ما هو ممنوع وفي الاعتقاد بأن كل ما يقدم من موائد درامية مختلفة يعكس واقعنا وحقيقتنا ويمثل صورة العصر الذي نعيش على وقعه وهو عصر في ظنهم محكوم ومنحصر في جملة من الانحرافات والتشوهات. إن الخطير فيما يتم تشكيله من ذهنية وعقلية جديدة وصناعة رأي عام باهتمامات مزيفة واهتمامات مبالغ فيها ليتحول مجتمعنا إلى ظاهرة مضخمة بدعوى تلفزيون الواقع الذي يعمل على تعريته والكشف عن المواضيع المعتم عنها حسب ظنهم وهي عملية خطيرة عندما يأخذون من هذا الواقع الذي نشترك فيه مع الكثير من المجتمعات جزءا منه فقط ويقدمونه على أنه الحالة العامة والحقيقة الواقعية لكامل المجتمع والسلوك الغالب لدى أفراده.
الخطير في هذه الأعمال التي نواكبها في كل رمضان والخطير في هذه الدراما التي نتابعها سنويا في قنواتنا التلفزية بالمضمون الذي تحدثنا عنه فيما يسميه الفيلسوف الألماني " غونترأندرس " صاحب كتاب ترجم الى العربية تحت إسم " تقادم الإنسان " في حالة التكيف الجماعي مع الوضع المطلوب التي تحصل وعملية إقناع الجمهور بأن وضعه الحقيقي هو ما يشاهده في التلفزة وصورته تعكسها المادة الإعلامية التي تقدم له وما يحصل من خلال ما تبثه القنوات الخاصة من أعمال لإشغال العقول بما هو عقيم ومرح وثرثرة وتلهية وإلهاء وتعويم وتضخيم للظواهر ومنع العقل من التفكير والتساؤل وإغراق حياة الناس في كل ما هو جنسي وغريزي لتحصل الفجوة بين الواقع والوهم وبين الأفراد ومجتمعهم .
الخطير في مثل هذه الأعمال الدرامية التي نشاهدها في كل رمضان فيما تغرسه من قيم ومثل متعارضة مع قيمنا وثقافتنا وهويتنا وما تربينا عليه وما ميز خصوصيتنا ومن تحويل وجهة الإهتمام ونوعية الحلول التي تقود إما إلى العدم وإما إلى المثالية وهي حلول في كلتا الصورتين تنتج الخلل في علاقاتنا الاجتماعية والعاطفية والأسرية وخللا آخر في التفكير وفي التغيير وطرح البديل واضطراب في علاقة الناس بواقهم تنتج عنه هذه الفجوة التي نجدها اليوم بين الشباب ودولتهم والانفصام مع الوطن والانتماء إليه والتعلق بالهوية الجامعة التي لم تعد في كل هذه المسلسلات جامعة ولا محترمة.