الفاضل الجعايبي المسرحي الكبير الذي لا يكف في كل مرة عن إضافة سطور ذهبية في سجلّ الفن الرابع وهذه المرة نبش في الماضي ليعيد في مسرحيته "آخر البحر" إحياء مسرحية "ميديا" التي تم إنتاجها منذ عام 431 قبل الميلاد، للشاعر الإغريقي يوربيديس.
واستغرق عرض "آخر البحر" التي عرضت السبت، في قاعة الفن الرابع بالعاصمة، في سلسلة عروض جديدة، بعد أن كانت عروضها الأولى في شهر جانفي أكثر من ساعتين ونصف ورغم ذلك لم يشعر المشاهد بالملل بفضل الحبكة الدرامية التي رافقت النص وانفعالات الممثلين وحالات غضبهم، وهي أدوار قام بها كل من صالحة النصراوي، محمـد شعبان، ريم عيّاد، سهام عقيل، حمادي البجاوي، فيما تكفّل بالموسيقى أحمد بنجامي، وصمّم الملابس آمنة بو عون، ووضّب الإضاءة: فيصل صالح.
وبالنسبة لتوضيب الفيديو ياسين الجملي وتوضيب الصوت يوسف التواتي، صابر القاسمي، الهادي التوتي، أما توضيب الركح فلطفي الجبالي وتوضيب الملابس مروى المنصوري وتوضيب الإنتاج عدنان العبيدي - مكلفة بالإنتاج: فاطمة المرصاوي.
وتبحث مسرحية "آخر البحر" عن خفايا حياة "عاتقة" التي قتلت طفليها التوأم لنتساءل هل هي ضحية أم جلادة، ظالمة أو مظلومة غادرة أم مغدورة؟
وهي نفس الجريمة التي ارتكبتها "ميديا" في المسرحية القديمة، وغادرت بعدها الأرض نحو السماء على عربة الشمس تجرّها الأفاعي هربا من العقاب، لكن عاتقة في عمل الجعايبي استسلمت لمصيرها ولم تقاوم أو تهرب.
صحيح أن مسرحية ميديا تم اقتباسها في عدة أعمال متنوعة من أفلام ومسرحيات على غرار مسرحية Pecong عام 1990 لستيف كارتر، وفيلم سنة 1983 Storia di Piera، للمخرج ماركو فيريري، وفيلم المخرج الأمريكي الآسيوي مايكل جاستن لي في 2018، إلا أن الجعايبي عاد على أحوال العرب ومشاكلهم وصعوبة تحقيق طموحاتهم في تراجيديا لا متناهية.
عاتقة بطلة العمل التي لعبها دورها الممثلة صالحة النصراوي وأتقنت اللهجة اليمنية تبحث عن الانعتاق من اليمن السعيد الذي تحوّل إلى يمن تعيس تهرب من عائلتها بعد سرقة مخطوط قرآني نادر مع حبيبها التونسي، لكنها تكتشف أن الحياة التي حلمت بها في تونس مختلفة ليصدمها الواقع، وغدر الحبيب، وهي مسرحية من انتاج المسرح الوطني التونسي بالشراكة مع مركز الفنون بجربة.
ويظهر ديكور مسرحية "آخر البحر" واحد في جميع المشاهد لا يتغير، مجرّد طاولة وكراسي، لكن بساطته أضافت إليها الشاشة "خلفية سينوغرافيا" حركية كبيرة، فقد تضمنت الشاشة صورة للبحر مع تقلبات أصوات الموج التي ترتطم بالشاطئ حيث أحيانا يكون صوتا قويا وفي أحيان أخرى هادئا وهو ما يعكس الحالة النفسية لأبطال العمل المتغيرة وثورة أنفسهم، فكل منهم لديه عقدته النفسية المتراكمة أغلبها ترافقهم منذ الصغر فاليمنية "عاتقة" تعيش عقدة كبت والدها وزواجه من أمها التي كانت حينها قاصرا وأخيها المثلي، الطبيب النفسي بدوره يعيش حياة أخرى بعيدا عن مركزه الاجتماعي فهو مثلي، أما طليق عاتقة فقد عاش تجربة قاسية خلال مراهقته في مركز للتكوين، حتى قاضي التحقيق التي جسدت دورها ريم عياد تعاني من عقدة نفسية.
المسرحية تناولت العديد من القضايا كحقوق المرأة والطلاق الغيابي والقتل والهجرة وتجارة المخطوطات والمثلية، والعدالة...
درصاف اللموشي