* موسيقى سمير الفرجاني.. كلمات آمنة الرميلي ... آداء اللبنانية جاهدة وهبة ومجموعة من الفنانين التونسيين الشباب
*فلسفة العرض معقولة ..لكن أليست الفكرة اجمل من الواقع
*إلى أي درجة وفّق أصحاب العرض في تقديم تجربة تعد بفتح الآفاق أمام منتجي الموسيقى الأوبيرالية في بلداننا؟
تونس- الصباح
تدخل أوبيرا شهرزاد ( الليلة الاخرى)، التي عرضت مؤخرا بقاعة الأوبيرا بمدينة الثقافة بتونس في إطار مشروع ثقافي شامل يطمح من خلاله صاحبه الموسيقار سمير الفرجاني ووفق ما أكده بنفسه إلى نشر الموسيقي السمفونية والأوبيرالية في تونس وعربيا أيضا، على نطاق واسع.
ولأجل ذلك من الطبيعي أن يستوقف العمل الملاحظ وأن يحاول أن يفهم إلى أي درجة يمكن القول أننا مع هذا العرض الذي أخرجه بسام حمامة وتقمصت فيه الدور الرئيسي الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة بمشاركة اثنين من خريجي المعهد العالي للموسيقى بتونس ومجموعة من الشباب الهاوي تم ضمهم إلى كورال وقع تدريبه في مدينة الجم ورافقوا العرض ليسجلوا بذلك ظهورهم على الركح لأول مرة، أن يكون خطوة صحيحة على طريق تنفيذ هذا المشروع؟
تدور احداث أوبيرا شهرزاد، حول شهريار الذي يظهر على الركح وكأنه عاد إلى الوجود متسائلا هل قتل شهرزاد أم لا ليكتشف أن شهرزاد موجودة تواصل سرد الحكايات وقد أضيفت ليلة أخرى لألف ليلة وليلة، الشهيرة. ليس هذا فقط، وإنما اكتشف في نفسه مفعول الكلمات حتى أصبح يترجى محدثته أن تبدله تبديلا، عبر الكلمات وهو الذي غيرته الكلمات وصار مفعولها أقوى من سيف مسرور السياف الذي "رثا" سيفه على الركح معترفا بأن سحره على ملكه قد انتهى ومفعوله قد زال.
وقد ظل شهريار طيلة هذا العرض الذي يتحدث بالعربية الفصحى ينصت لقصص شهيرات النساء التي عرفها تاريخ منطقتنا، ظل ينصت لقصص نساء خالدات ظل ذكرهن يتردد بين الناس عبر العصور ومازالت سيرتهن ملهمة للأجيال الجديدة باستمرار ولم يقطع صياح الديك هذه المرة الحكايات التي ظلت مسترسلة، لا تفصل بينها إلا العتمة التي تسدل ستارها على الركح بين مشهد وآخر.
كتبت كلمات العرض الروائية آمنة الرميلي التي أصبحت لها تجربة في التأليف للعروض الأوبيرالية خاصة بعد تجربتها مع أوبيرا "خيل سالم " مع نفس الملحن، الموسيقار سمير الفرجاني. وتقوم فلسفة العرض على فكرة أن الكلمة يمكن أن تكون أقوى من السلاح، وانها كلما أشهرت في وجه القوة إلا وكانت الكلمة في النهاية لها وهي تظل كذلك في كل العصور. ولئن كانت الفكرة مثالية وحالمة ومن حق الفنان طبعا أن يحلم، فإن السؤال إلى اي مدى بدت فكرة عميقة من خلال تجسيمها على الركح وإلى أي درجة وفّق أصحاب العرض في تقديم تجربة مختلفة وتعد بفتح آفاق أمام منتجي الموسيقى الأوبيرالية في بلداننا؟
فما هو معروف أننا في البلدان العربية مازالنا بالخصوص مستهلكين لهذه النوعية من الموسيقى التي أنتجها الغرب ومازال يبدع فيها. ليس هذا فحسب، وإنما تظل هذه النوعية من الموسيقى نخبوية ومحصورة في نطاق معين. وبالتالي يجوز طرح السؤال، هل يمكن اعتبار عرض شهرزاد خطوة في اتجاه تحقيق المشروع الذي اعلن عنه الموسيقار سمير الفرجاني والمتمثل في نشر الموسيقى الأوبيرالية والكلاسيكية عموما على اوسع نطاق؟ وهل يمكن أن نعول على هذا العرض للانتشار بالخارج بأعمال تونسية وعربية لحما ودما؟
فقد سبقت العرض الذي انتجته جمعية المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية بالجم بالتعاون مع اوبيرا تونس ودعمته جمعية "تفنن" وجمعية "آفاق" اللبنانية، وعود كثيرة بأن يكون في مستوى عروض الأوبيرا العالمية وأن يجد طريقه للعرض خارج الحدود في دول عربية ولم لا في بلدان لها تقاليد عريقة مع عروض الأوبيرا. فإن كانت مسارحنا تستقبل العروض الاوبيرالية الايطالية والفرنسية والانقليزية، فلم لا تعرض مسارح تلك البلدان الانتاج العربي؟ والسؤال طرحه سمير الفرجاني خلال لقاء صحفي للتعريف بعرضه الجديد وكان ذلك قبل موفى العام المنقضي بأيام.
لكن يمكننا القول وفي محاولة لتقديم بعض الافكار من وحي مشاهدتنا للعرض إننا إن كنا لا ننكر المجهود الذي بذل من اجل انجاز العمل، فإننا في المقابل نعتقد أن الفكرة التي تم تقديمها حول العرض كانت أفضل بكثير من الواقع.
وكي نبدأ بالعناصر الايجابية للعرض، فإننا نشير إلى أن الفرقة الموسيقية بقيادة سمير الفرجاني كانت أفضل ما في العرض. فقد قدمت الفرقة عرضا متناغما ومتقنا وحرفيا أمام جمهور يحسن الإنصات لمثل هذه الأعمال وكان الجمهور علامة مضيئة في السهرة تؤكد أنه أصبحت لدينا تقاليد في التفاعل مع الموسيقى الكلاسيكية.
وكان من منظورنا من المهم أن نشاهد عرضا أوبيراليا باللغة العربية وهذا يحسب لصناع العمل، فغالبا لا نولي أهمية كبيرة للكلمات في العروض الأوبيرالية التي يمكن للجمهور أن يفهم المعنى دون أن يفقه الكلمات. لكن الإنصات إلى العربية وهي تغنى بطريقة اوبيرالية اروكاسترالية، يبقى شيئا جميلا وعلينا تشجيعه. لكن العمل عموما وفي مجمله لم يخرج عن نطاق العادي إن لم نقل أنه كان نوعا ما مخيبا للآمال وخاصة على مستوى الآداء على الركح، الذي كان رتيبا ولا يعبر عن احترافية كبيرة.
فشهرزاد التي قدمتها الفنانة جاهدة وهبة التي لا ننكر أنها تتمتع بحلاوة الصوت وانها تتقن الآداء الشرقي والغناء الاوبيرالي وصوتها له قدرة على التبليغ ولديها احساس عال لكنها بدت هي في عالم بحكم تجربتها ومسيرتها الطويلة، وشهريار، في عالم آخر.
فشهريار في اوبيرا شهرزاد، هو شاب في مقتبل العمر وقد جسد الشخصية الفنان الشاب منتصر بزاز ( باريتون) خريج المعهد العالي للموسيقى وبين أنه يتمتع بقدرات صوتية هائلة، كما انه بذل مجهودا على الركح رغم قلة تجاربه وهو بالتأكيد يعد بمستقبل فني كبير، إلا أنه بدا وكأن جدارا يفصل بينه وبين شخصية شهرزاد مما جعل المواقف التي تجمعها تبدة باردة ومتكلفة بعض الشيء، و تمنينا أن يقابل شهرزاد فنان في مستوى تجربتها أو أن يقابل الفنان الشاب فنانة من جيله.
ورغم أن فكرة تقديم شخصيات من بين شهيرات النساء في تاريخ المنطقة على غرار عليسة والخنساء وكليوباترا وزنوبيا ورابعة العدوية، وقد تقمصت جاهدة وهبة كل هذه الشخصيات، كانت جيدة، إلا أنها لم تجسد كلها بنفس الدرجة من الاقناع. ورغم أنه من حق الفنان أن يكسر القوالب المعروفة وأن يقدم شهرزاد على صورة اخرى غير الصورة المتداولة وكذلك الشخصيات الأخرى المحتفى به لكن لا بد أن تتوفر العناصر الكاملة للاقناع. فليس من اليسير أن نقدم شخصية كليوباترا على غير الصورة المعروفة والمتداولة وأن نقنع بها الجمهور بسهولة...
ولنا أن نشير إلى أنه إن كانت الفنانة جاهدة وهبة وكما سبق وذكنا تتقن الغناء، وبتفوق كذلك، فإنها على مستوى الآداء التعبيري، وتقمص الشخصيات، لم تقنع كثيرا. ولم تخلق في الجمهور تلك الرغبة في السفر عبر الزمن، إلى عالم تلك الشخصيات، على غرار ما يحدث عادة مع العروض الموسيقية التي تشتغل على العاطفة والوجدان، فتسرق المتفرج من عالمه وتجنح به بعيدا وعاليا.
ورغم أن صناع الأوبيرا قد راهنوا على فكرة الحداثة وحاولوا أن يقدموا عرضا منسجما مع العصر خاصة من ناحية الملابس، إلا أن أنهم في اعتقادنا لم يوفقوا كثيرا في هذه النقطة أيضا وكان هناك تنافرا في الملابس وقلة انسجام. وكان من الممكن انقاذ الموقف من خلال مراجعة ملابس شهرزاد وكذلك ملابس الكورال المرافق الذي لا نعتقد أن الأزياء التي تم اعتمادها تخدم فكرة العرض كثيرا. فهي ازياء (ملابس الكورال) غير متناغمة وكان من الأفضل توحيدها أو ايجاد نقطة التقاء بينها على الأقل أو ربما التمييز بينها بوضوح استناد إلى موقع كل شخصية وحتى وظيفتها.
لقد أبقى العرض على أبرز شخصيات قصة شهرزاد ومن بينها شقيقتها دنيا زاد التي جسمتها مرام بوحبل ( ميدزو سوبرانو) خريجة المعهد العالي للموسيقى التي أتقنت الآداء وبرهنت ايضا عن امكانيات صوتية واضحة لكن لم يكن لدورها فاعلية كبيرة ولم نر مبررا لدخولها على الركح وهي تصرخ قائلة "اتركوني"، كما لم تبد مشاهد الألفة مع شقيقتها على المسرح مقنعة وما ينطبق عن شخصية شهريار في علاقة مع شهرزاد يمكن القول أنها تنطبق عليها.
من جهته، ولئن أتقن الممثل الفنان الشاب صفوان فرحات الذي تقمص دور مسرور الجانب التمثيلي وكانت وقفته جيدة على الركح إلا أنه اخفق في اول جمل موسيقية له على الركح ولو أنه تدارك في المشاهد الموالية. فقد كان صوته غائبا وربما وجب الاشتغال كثيرا على الجانب النفسي حتى يتجاوز الفنانون بعض التعثرات التي يمكن أن تعود للرهبة في مواجهة الجمهور.
وإذ وكما سبق ذكرنا، لا ننفي وجود مجهود وراء هذا العمل، وخاصة على مستوى الالحان والتوزيع الموسيقي والعزف وقيادة الأوركاسترا، لكن على مستوى الإخراج، لم نلاحظ تميزا أو ابداعا ملفتا للانتباه. ولم تساعد بعض الاختيارات من بينها مثلا انتقاء الملابس وتوزيع الأدوار والأداء التمثيلي، على إبراز المضمون حتى أننا نتساءل أحيانا إن كنا أمام هزل أم جدّ؟ ولم نعش بالخصوص فترات تصّاعد فيها المشاعر على وقع الإحداث والموسيقى وتستحوذ على كامل كيان المتفرج كما يحدث عادة مع عروض الأوبيرا في العالم.
حياة السايب
* موسيقى سمير الفرجاني.. كلمات آمنة الرميلي ... آداء اللبنانية جاهدة وهبة ومجموعة من الفنانين التونسيين الشباب
*فلسفة العرض معقولة ..لكن أليست الفكرة اجمل من الواقع
*إلى أي درجة وفّق أصحاب العرض في تقديم تجربة تعد بفتح الآفاق أمام منتجي الموسيقى الأوبيرالية في بلداننا؟
تونس- الصباح
تدخل أوبيرا شهرزاد ( الليلة الاخرى)، التي عرضت مؤخرا بقاعة الأوبيرا بمدينة الثقافة بتونس في إطار مشروع ثقافي شامل يطمح من خلاله صاحبه الموسيقار سمير الفرجاني ووفق ما أكده بنفسه إلى نشر الموسيقي السمفونية والأوبيرالية في تونس وعربيا أيضا، على نطاق واسع.
ولأجل ذلك من الطبيعي أن يستوقف العمل الملاحظ وأن يحاول أن يفهم إلى أي درجة يمكن القول أننا مع هذا العرض الذي أخرجه بسام حمامة وتقمصت فيه الدور الرئيسي الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة بمشاركة اثنين من خريجي المعهد العالي للموسيقى بتونس ومجموعة من الشباب الهاوي تم ضمهم إلى كورال وقع تدريبه في مدينة الجم ورافقوا العرض ليسجلوا بذلك ظهورهم على الركح لأول مرة، أن يكون خطوة صحيحة على طريق تنفيذ هذا المشروع؟
تدور احداث أوبيرا شهرزاد، حول شهريار الذي يظهر على الركح وكأنه عاد إلى الوجود متسائلا هل قتل شهرزاد أم لا ليكتشف أن شهرزاد موجودة تواصل سرد الحكايات وقد أضيفت ليلة أخرى لألف ليلة وليلة، الشهيرة. ليس هذا فقط، وإنما اكتشف في نفسه مفعول الكلمات حتى أصبح يترجى محدثته أن تبدله تبديلا، عبر الكلمات وهو الذي غيرته الكلمات وصار مفعولها أقوى من سيف مسرور السياف الذي "رثا" سيفه على الركح معترفا بأن سحره على ملكه قد انتهى ومفعوله قد زال.
وقد ظل شهريار طيلة هذا العرض الذي يتحدث بالعربية الفصحى ينصت لقصص شهيرات النساء التي عرفها تاريخ منطقتنا، ظل ينصت لقصص نساء خالدات ظل ذكرهن يتردد بين الناس عبر العصور ومازالت سيرتهن ملهمة للأجيال الجديدة باستمرار ولم يقطع صياح الديك هذه المرة الحكايات التي ظلت مسترسلة، لا تفصل بينها إلا العتمة التي تسدل ستارها على الركح بين مشهد وآخر.
كتبت كلمات العرض الروائية آمنة الرميلي التي أصبحت لها تجربة في التأليف للعروض الأوبيرالية خاصة بعد تجربتها مع أوبيرا "خيل سالم " مع نفس الملحن، الموسيقار سمير الفرجاني. وتقوم فلسفة العرض على فكرة أن الكلمة يمكن أن تكون أقوى من السلاح، وانها كلما أشهرت في وجه القوة إلا وكانت الكلمة في النهاية لها وهي تظل كذلك في كل العصور. ولئن كانت الفكرة مثالية وحالمة ومن حق الفنان طبعا أن يحلم، فإن السؤال إلى اي مدى بدت فكرة عميقة من خلال تجسيمها على الركح وإلى أي درجة وفّق أصحاب العرض في تقديم تجربة مختلفة وتعد بفتح آفاق أمام منتجي الموسيقى الأوبيرالية في بلداننا؟
فما هو معروف أننا في البلدان العربية مازالنا بالخصوص مستهلكين لهذه النوعية من الموسيقى التي أنتجها الغرب ومازال يبدع فيها. ليس هذا فحسب، وإنما تظل هذه النوعية من الموسيقى نخبوية ومحصورة في نطاق معين. وبالتالي يجوز طرح السؤال، هل يمكن اعتبار عرض شهرزاد خطوة في اتجاه تحقيق المشروع الذي اعلن عنه الموسيقار سمير الفرجاني والمتمثل في نشر الموسيقى الأوبيرالية والكلاسيكية عموما على اوسع نطاق؟ وهل يمكن أن نعول على هذا العرض للانتشار بالخارج بأعمال تونسية وعربية لحما ودما؟
فقد سبقت العرض الذي انتجته جمعية المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية بالجم بالتعاون مع اوبيرا تونس ودعمته جمعية "تفنن" وجمعية "آفاق" اللبنانية، وعود كثيرة بأن يكون في مستوى عروض الأوبيرا العالمية وأن يجد طريقه للعرض خارج الحدود في دول عربية ولم لا في بلدان لها تقاليد عريقة مع عروض الأوبيرا. فإن كانت مسارحنا تستقبل العروض الاوبيرالية الايطالية والفرنسية والانقليزية، فلم لا تعرض مسارح تلك البلدان الانتاج العربي؟ والسؤال طرحه سمير الفرجاني خلال لقاء صحفي للتعريف بعرضه الجديد وكان ذلك قبل موفى العام المنقضي بأيام.
لكن يمكننا القول وفي محاولة لتقديم بعض الافكار من وحي مشاهدتنا للعرض إننا إن كنا لا ننكر المجهود الذي بذل من اجل انجاز العمل، فإننا في المقابل نعتقد أن الفكرة التي تم تقديمها حول العرض كانت أفضل بكثير من الواقع.
وكي نبدأ بالعناصر الايجابية للعرض، فإننا نشير إلى أن الفرقة الموسيقية بقيادة سمير الفرجاني كانت أفضل ما في العرض. فقد قدمت الفرقة عرضا متناغما ومتقنا وحرفيا أمام جمهور يحسن الإنصات لمثل هذه الأعمال وكان الجمهور علامة مضيئة في السهرة تؤكد أنه أصبحت لدينا تقاليد في التفاعل مع الموسيقى الكلاسيكية.
وكان من منظورنا من المهم أن نشاهد عرضا أوبيراليا باللغة العربية وهذا يحسب لصناع العمل، فغالبا لا نولي أهمية كبيرة للكلمات في العروض الأوبيرالية التي يمكن للجمهور أن يفهم المعنى دون أن يفقه الكلمات. لكن الإنصات إلى العربية وهي تغنى بطريقة اوبيرالية اروكاسترالية، يبقى شيئا جميلا وعلينا تشجيعه. لكن العمل عموما وفي مجمله لم يخرج عن نطاق العادي إن لم نقل أنه كان نوعا ما مخيبا للآمال وخاصة على مستوى الآداء على الركح، الذي كان رتيبا ولا يعبر عن احترافية كبيرة.
فشهرزاد التي قدمتها الفنانة جاهدة وهبة التي لا ننكر أنها تتمتع بحلاوة الصوت وانها تتقن الآداء الشرقي والغناء الاوبيرالي وصوتها له قدرة على التبليغ ولديها احساس عال لكنها بدت هي في عالم بحكم تجربتها ومسيرتها الطويلة، وشهريار، في عالم آخر.
فشهريار في اوبيرا شهرزاد، هو شاب في مقتبل العمر وقد جسد الشخصية الفنان الشاب منتصر بزاز ( باريتون) خريج المعهد العالي للموسيقى وبين أنه يتمتع بقدرات صوتية هائلة، كما انه بذل مجهودا على الركح رغم قلة تجاربه وهو بالتأكيد يعد بمستقبل فني كبير، إلا أنه بدا وكأن جدارا يفصل بينه وبين شخصية شهرزاد مما جعل المواقف التي تجمعها تبدة باردة ومتكلفة بعض الشيء، و تمنينا أن يقابل شهرزاد فنان في مستوى تجربتها أو أن يقابل الفنان الشاب فنانة من جيله.
ورغم أن فكرة تقديم شخصيات من بين شهيرات النساء في تاريخ المنطقة على غرار عليسة والخنساء وكليوباترا وزنوبيا ورابعة العدوية، وقد تقمصت جاهدة وهبة كل هذه الشخصيات، كانت جيدة، إلا أنها لم تجسد كلها بنفس الدرجة من الاقناع. ورغم أنه من حق الفنان أن يكسر القوالب المعروفة وأن يقدم شهرزاد على صورة اخرى غير الصورة المتداولة وكذلك الشخصيات الأخرى المحتفى به لكن لا بد أن تتوفر العناصر الكاملة للاقناع. فليس من اليسير أن نقدم شخصية كليوباترا على غير الصورة المعروفة والمتداولة وأن نقنع بها الجمهور بسهولة...
ولنا أن نشير إلى أنه إن كانت الفنانة جاهدة وهبة وكما سبق وذكنا تتقن الغناء، وبتفوق كذلك، فإنها على مستوى الآداء التعبيري، وتقمص الشخصيات، لم تقنع كثيرا. ولم تخلق في الجمهور تلك الرغبة في السفر عبر الزمن، إلى عالم تلك الشخصيات، على غرار ما يحدث عادة مع العروض الموسيقية التي تشتغل على العاطفة والوجدان، فتسرق المتفرج من عالمه وتجنح به بعيدا وعاليا.
ورغم أن صناع الأوبيرا قد راهنوا على فكرة الحداثة وحاولوا أن يقدموا عرضا منسجما مع العصر خاصة من ناحية الملابس، إلا أن أنهم في اعتقادنا لم يوفقوا كثيرا في هذه النقطة أيضا وكان هناك تنافرا في الملابس وقلة انسجام. وكان من الممكن انقاذ الموقف من خلال مراجعة ملابس شهرزاد وكذلك ملابس الكورال المرافق الذي لا نعتقد أن الأزياء التي تم اعتمادها تخدم فكرة العرض كثيرا. فهي ازياء (ملابس الكورال) غير متناغمة وكان من الأفضل توحيدها أو ايجاد نقطة التقاء بينها على الأقل أو ربما التمييز بينها بوضوح استناد إلى موقع كل شخصية وحتى وظيفتها.
لقد أبقى العرض على أبرز شخصيات قصة شهرزاد ومن بينها شقيقتها دنيا زاد التي جسمتها مرام بوحبل ( ميدزو سوبرانو) خريجة المعهد العالي للموسيقى التي أتقنت الآداء وبرهنت ايضا عن امكانيات صوتية واضحة لكن لم يكن لدورها فاعلية كبيرة ولم نر مبررا لدخولها على الركح وهي تصرخ قائلة "اتركوني"، كما لم تبد مشاهد الألفة مع شقيقتها على المسرح مقنعة وما ينطبق عن شخصية شهريار في علاقة مع شهرزاد يمكن القول أنها تنطبق عليها.
من جهته، ولئن أتقن الممثل الفنان الشاب صفوان فرحات الذي تقمص دور مسرور الجانب التمثيلي وكانت وقفته جيدة على الركح إلا أنه اخفق في اول جمل موسيقية له على الركح ولو أنه تدارك في المشاهد الموالية. فقد كان صوته غائبا وربما وجب الاشتغال كثيرا على الجانب النفسي حتى يتجاوز الفنانون بعض التعثرات التي يمكن أن تعود للرهبة في مواجهة الجمهور.
وإذ وكما سبق ذكرنا، لا ننفي وجود مجهود وراء هذا العمل، وخاصة على مستوى الالحان والتوزيع الموسيقي والعزف وقيادة الأوركاسترا، لكن على مستوى الإخراج، لم نلاحظ تميزا أو ابداعا ملفتا للانتباه. ولم تساعد بعض الاختيارات من بينها مثلا انتقاء الملابس وتوزيع الأدوار والأداء التمثيلي، على إبراز المضمون حتى أننا نتساءل أحيانا إن كنا أمام هزل أم جدّ؟ ولم نعش بالخصوص فترات تصّاعد فيها المشاعر على وقع الإحداث والموسيقى وتستحوذ على كامل كيان المتفرج كما يحدث عادة مع عروض الأوبيرا في العالم.