حل الكاتب الأردني جلال برجس ضيفا على تونس في الدورة الاخيرة لمعرض تونس الدولي للكتاب وكانت له جلسة للحديث عن تجربته وحصص توقيع لروايته الجديدة «دفاتر الوراق» التي فازت هذا العام بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» التي تمولها دولة الامارات( سبق للكاتب شكري المبخوت من تونس أن فاز بها في دورة 2015 عن روايته الطلياني). وإن كان جلال برجس الذي يمارس الصحافة ليس بغريب عن القارئ التونسي، إلا أن هذه الجائزة ومن قبلها جائزة كتارا للرواية (عن روايته أفاعي الدار، 2015) قد جعلته معروفا لدى جزء أكبر من جمهور القراء في تونس وغيرها من البلدان العربية وهو يقر بفضل الجوائز في تجسير الهوة بين الكتاب والقراء وهي بكل بساطة وكي نستعيد كلامه بالتدقيق قد فتحت له مسارات وطرقا نحو القراء العرب. وفي هذا الحوار الذي اجريناه معه في تونس مؤخرا، حديث عن تجربته الابداعية وعن مواقفه من بعض القضايا المطروحة في الساحة الأدبية العربية .
*كيف جاء جلال برجس من عوالم الميكانيك (مهندس ميكانيك طيران)الى عوامل الادب؟
- إن ما هو متعارف عليه هو ان الكتابة في العالم العربي لم تتحول الى مهنة وبالتالي على الكاتب ان يجد اولا اسباب العيش ثم يمضي نحو الكتابة. فالكتابة عادة لا توفر دخلا قارا، وحتى إن وجد هذا الدخل فهو عادة ما يكون متقطعا، وبالتالي يبحث الكاتب عن احداث التوزان بين الحياة الاجتماعية خاصة إذا كان متزوجا ولديه عائلة وأبناء وبين ميولاته في الكتابة والادب.
بالنسبة لي ، الكتابة ولدت معي وقد بدأت الكتابة في السن المبكرة للشباب مع تدوين يومياتي. لم تكن يوميات مهمة وإنما يوميات شاب بسيط في قرية بسيطة ثم تحولت إلى عادة يومية ترافقني إلى اليوم وأنا لا أستطيع أن أنام دون أن ادون يومياتي. وآمل بطبيعة الحال أن تتحول الكتابة أو أن يعترف بها كمهنة في العالم العربي حتى يستطيع الكاتب أن يتفرغ لها.
*لكن تحول الكتابة إلى مهنة ألا يمكن أن يحولها إلى عملية ميكانيكية بدورها؟
-ما أقصده من الاعتراف بالكتابة كمهنة هو أولا، أن يمنع ذلك عن الكتاب تغول دور النشر العربية وثانيا أن تحفظ الحقوق الفكرية حتى لا يجد الكاتب كتبه تباع على الأرصفة أو تروج على الانترنيت بدون رقيب وأن يقع تجاهل حقوقه. ونحن لا نتوقع أن يصبح الكاتب بمجرد الاعتراف بمهنة الكتابة، ثريا وإنما على الاقل يجد وسيلة يعتاش منها.
*خضت من قبل تجربة الشعر، وهناك اليوم هاجس لدى الشعراء الذين لم يحولوا وجهتهم إلى الرواية من أن تخطف الرواية، الشعراء، إلى أي مدى يمكن مشاركتهم في هذا الهاجس؟
-لا ننكر أن الرواية في هذه المرحلة هي صاحبة الحظ الاعلى من حيث القراءة والكتابة والاعلام، وهناك عدد كبير من الشعراء انتقلوا من باحة الشعر الى باحة الرواية ويكادون ينقطعون عن الشعر، لكن فيما يخصني أنا توقفت عن نشر الشعر لكني لم أتوقف عن ممارسته وكتابته، وربما تصدر لي قريبا مجموعة شعرية. وأعتقد أن هذه المسألة طبيعية ويكثر الحديث عنها ، وهناك من هو مع وهناك من هو ضد، المهم أن الشعر لا يموت. ربما هي مرحلة ويعود الى ما كان عليه.
*تعتقد أن جيل الشباب من الروائيين العرب بلغوا مرحلة ما بعد الحداثة ونجحوا في صياغة رواية ما بعد الحداثة، في ما يتمثل ذلك؟
-أولا ما نحن الا نحن نتاج جيل الرواد في الرواد في الرواية وبدون هذا الجيل ما كنا لنحقق اي منجز، ولا ازعم ان هناك انقطاعا بين جيل الرواد وبين الأجيال الجديدة، لكن الجيل الجديد استطاع ان يقوم بإنجازات روائية جسرت الهوة ما بينه وبين القارئ. ونستطيع ان نقول ان القارئ العربي لروايات ما بعد الحداثة وجد ظالته في هذا المنجز الروائي الجديد الذي استطاع ان يعبر عن هواجسه وعما يوجعه وعما يفرحه بأدوات جديدة. هذا النمط الجديد من الرواية، حيث أصبحت الرواية فضاء لكل الوان الابداع، فنجد ادوات القصة والفن التشكيلي والموسيقى وحتى ادوات «السوشيلميدا»و هذه العناصر مجتمعة والتفكير العميق في هواجس الإنسان اليوم، دفعت القارئ إلى أن يقترب من الرواية وأن يقبل عليها، وهو ما يجعلني أقول أن كل ما ينشر من احصائيات حول ضعف الاقبال على القراءة، إنما يراد منه نشر الاحباط، ويكفي أن ننظر كيف استقبلني القراء التونسيون وأحاطوني به من اهتمام، حتى ندرك ذلك.
*وهل نجد بالتوازي مع ذلك حركة نقدية في حجم التطورات الأدبية في المجال العربي؟
-النقد في منطقة المغرب العربي مازال يكتب ويمارس بشكل مستمر، حتى وإن شهد بعض التراجع لكن النقد في الشرق العربي ظل في أغلبه انطباعيا ويغلب عليه الطابع المجاملاتي ومبنيا على الرؤية العاطفية، ولا يستند إلى منهج نقدي علمي. نحن لا نريد أن يتخلى النقد عن دوره في مواكبة المنجز الأدبي، لكننا اليوم في مرحلة جديدة، ويمكن لأي كاتب أن ينشر في أي صحيفة وفي أي موقع وأن يختار أي دار نشر يدفع لها كي تنشر له، ونحن وإن كنا لا نريد أن نضع قيودا للكتابة، فإننا نعتبر أن هناك ضوابط وجب الالتزام بها وهي مهمة النقد بامتياز.
يتقفى القارئ في كتاباتك ومن بينها روايتك الاخيرة «دفاتر الورّاق «المتوجة بالجائزة العالمية للرواية لسنة 2021، اثر تنوع قراءاتك للأدب العالمي، أيها كان له تاثيرحاسم، في توجهاتك في الكتابة.
أول رواية من الادب العالمي قرأتها هي رواية « البؤساء» لفيكتور هيغوثم قرأت اعمالا أخرى لهيغو، حتى ان شخصية كازيمودو موجودة في دفاتر الوراق، وقراءاتي لهيغو شجعتني على الانفتاح على الأدب العالمي. وأعتقد أن اهتمامي بالأدب الروسي وبكتابات ماكسيم غوركي، ودستويفسكي، يعود للفضاء السياسي في تلك الفترة، حيث كان اليسار عالي النشاط بمدينتي وكانت المنطقة تستقبل مسؤولين من الاتحاد السوفياتي ( سابقا)وقد شدتني كتابات دستويفسكي بالخصوص لمقدرته في الكتابة الروائية النفسية الى درجة ان « الجريمة والعقاب’ هذه الدرة الروائية، تدرس في جامعات مرموقة في العالم، غير أن التأثر الحقيقي للكاتب يكون عادة بمن اعادوا صياغة بيئته وزمانه، وأنا متأثر في هذا الباب بالكاتب الراحل غالب هلسا ( يعتبر رائد الرواية الأردنية). أنا وهو كنا نسكن في نفس المدينة رغم أنه غادرها منذ الثامنة عشرة وما عاد اليها الا راحلا، لكنه كتب عن المدينة بالروح التي أفهمها وهو الذي جعلني اتعلق بغاستونغاسلار الذي جعلني اتعلق بالأمكنة.
* ومع ذلك ما سر اهتمام كاتب مشرقي بالأدب الفرنكفوني؟
-أولا شكرا للترجمة التي عرفتني على درر الأدب العالمي. ثانيا، لماذا ولماذا يقبل القارئ على بعض الكتابات ويحبذها عن غيرها؟ لأنه يجد فيها دون شك مناطق تشبهه رغم امكانية اختلاف الاماكن والأزمنة، وانا وجدت ضالتي في روايات فيكتور هيغو ووجدت فيها عوامل جميلة تشبهني إلى درجة أني متعلق جدا بشخصية كازيمودو.
* في النهاية من هو ابراهيم الوراق بطل رواية « دفاتر الوراق « الذي تأثرت به لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية، البوكر، فمنحته الجائزة؟
ابراهيم الوراق هو انت وانا وهو وهي، أي هو نموذج عن الانسان العربي المطحون في هذه المرحلة، هو ذلك الانسان العربي الذي لديه احلام وطموحات ومازال يقاوم.
*الا يمكن ان يكون المثقف الدونكيشوتي؟
-لا يمكن ان نفصل المثقف عن البقية. لكن فعلا، ابراهيم الوراق والكشك عناصر ترمز للثقافة العربية التي لولاها لسقطنا منذ زمن.
*بالتأكيد لم تكن تركيبة هذه الشخصية ناتجة عن الصدفة؟
-هناك عوامل موضوعية وأخرى ذاتية في تركيبة ابراهيم الوراق. العوامل الموضوعية ناتجة عن مراقبتي للشارع الأردني والشارع العربي فتشكلت هذه الشخصية في مخيلتي أما العوامل الذاتية فهي طفيفة، منها مثلا ما يتعلق بظروف العيش، لكن عموما يبقى التنظير حول تركيبة شخصيات الرواية دائما فضفاضا لأن هناك دائما أمرا غامضا في الموضوع.
* تؤكد في تصريحاتك أن تحسين وضعية المثقف العربي، مرتبط بقرار سياسي، ألا تعتقد أن الأمر سلاح ذو حدين، وأن هذا القرار السياسي يمكن أن يجعل المثقف مرتهن لسلطة؟
-لا نريد هذا الشكل من القرارات، ولا نريد أن يرضخ المثقف للسلطة، وإنما يمكن الاستفادة من التجارب الأجنبية، بالنموذج الأوروبي مثلا، حيث يحظى المثقف بمساحات كبيرة من الحرية ويمكنه أن يجادل ويحاجج وأن يكون في تضارب مع السلطة دون أن يتعرض إلى السوء.
*الجوائز العربية أصبحت موضوع جدل اليوم حتى صار هناك من يعتبرها غير بريئة، بل ربما مضرة بالإبداع؟
-كيف اعتبرها مضرة وجائزة مثل البوكر فتحت لي المسارات والطرق الى القراء التونسيين مثلا، وجزء كبير من القراء في تونس عرفوني من هذه للجائزة وكذلك في بقية البلدان العربية.
أنا شخصيا أنظر لنصف الكأس المملوءة. فقد شجعت جوائز الرواية مثلا على اصدار الروايات وارتفع نسق الكتابات الروائية، ولكنني طبعا ضد استسهال الكتابة وضد الكتابة من أجل الجوائز، فهذه كتابة محكوم عليها بالفشل، لكن الجوائز تبقى مهمة وليته يكون لدينا جوائز أدبية قيمة في كل البلدان العربية.
*هل يمكن للجوائز العربية أن تساعد على الوصول إلى جائزة نوبل للآداب ؟
-لم لا. وجائزة مثل البوكر يمكن أن تفتح فعلا المسارات نحو نوبل للآداب. لكن عموما، إن نوبل للآداب مرتبطة بالترجمة، ولا يمكن لاي كتاب أن يجد صداه خارج الترجمة. فكم من كتاب عربي ترجم إلى لغات اجنبية؟ بل يمكن القول أن افضلها حظا تمت ترجمته إلى بضع ترجمات أغلبها، لا تساوي شيئا في معيار الترجمة العالمية. على كل إن الجوائز العربية القيمة، تساعد على جلب اهتمام دور النشر الأجنبية وهي تدعم الترجمة إلى الانقليزية- البوكر مثلا- وهذا مؤشر ايجابي وواعد.
*هل من فكرة حول الحركة الأدبية والثقافية في الاردن؟
-شهادتي مجروحة بطبيعتي الحال، لكن بكل موضوعية الحركة الثقافية والأدبية في الأردن نشيطة جدا. لدينا بعض الأزمات في علاقة بمستقبل الصحافة الورقية مثلا، التي فقد بسببها بعض الكتاب موارد رزقهم، لكن عموما حركة النشر والمسرح والسينما وغيرها نشيطة ولم توقفها حتى الكورونا، ومؤسسات الدولة والمؤسسات الاهلية تقوم بدورها جيدا.
*وهل لديك فكرة حول الحركة الأدبية والثقافية في تونس؟
-لدي فكرة جيدة عن الأجيال القديمة والجديدة، لكن أعترف أنه من الضروري تطوير التبادل الثقافي بين البلدان العربية وخاصة بين منطقتي المشرق والمغرب العربيين لفائدة الطرفين.
* «دفاتر الوراق» ستتحول إلى مسلسل رمضاني؟
-فعلا ستتحول الرواية إلى مسلسل من ثلاثين حلقة، ستبثه قناة عربية مرموقة في رمضان القادم، مع العلم أني سأكون موجودا في فريق العمل الذي سيحول الرواية إلى عمل درامي.
حياة السايب
حل الكاتب الأردني جلال برجس ضيفا على تونس في الدورة الاخيرة لمعرض تونس الدولي للكتاب وكانت له جلسة للحديث عن تجربته وحصص توقيع لروايته الجديدة «دفاتر الوراق» التي فازت هذا العام بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» التي تمولها دولة الامارات( سبق للكاتب شكري المبخوت من تونس أن فاز بها في دورة 2015 عن روايته الطلياني). وإن كان جلال برجس الذي يمارس الصحافة ليس بغريب عن القارئ التونسي، إلا أن هذه الجائزة ومن قبلها جائزة كتارا للرواية (عن روايته أفاعي الدار، 2015) قد جعلته معروفا لدى جزء أكبر من جمهور القراء في تونس وغيرها من البلدان العربية وهو يقر بفضل الجوائز في تجسير الهوة بين الكتاب والقراء وهي بكل بساطة وكي نستعيد كلامه بالتدقيق قد فتحت له مسارات وطرقا نحو القراء العرب. وفي هذا الحوار الذي اجريناه معه في تونس مؤخرا، حديث عن تجربته الابداعية وعن مواقفه من بعض القضايا المطروحة في الساحة الأدبية العربية .
*كيف جاء جلال برجس من عوالم الميكانيك (مهندس ميكانيك طيران)الى عوامل الادب؟
- إن ما هو متعارف عليه هو ان الكتابة في العالم العربي لم تتحول الى مهنة وبالتالي على الكاتب ان يجد اولا اسباب العيش ثم يمضي نحو الكتابة. فالكتابة عادة لا توفر دخلا قارا، وحتى إن وجد هذا الدخل فهو عادة ما يكون متقطعا، وبالتالي يبحث الكاتب عن احداث التوزان بين الحياة الاجتماعية خاصة إذا كان متزوجا ولديه عائلة وأبناء وبين ميولاته في الكتابة والادب.
بالنسبة لي ، الكتابة ولدت معي وقد بدأت الكتابة في السن المبكرة للشباب مع تدوين يومياتي. لم تكن يوميات مهمة وإنما يوميات شاب بسيط في قرية بسيطة ثم تحولت إلى عادة يومية ترافقني إلى اليوم وأنا لا أستطيع أن أنام دون أن ادون يومياتي. وآمل بطبيعة الحال أن تتحول الكتابة أو أن يعترف بها كمهنة في العالم العربي حتى يستطيع الكاتب أن يتفرغ لها.
*لكن تحول الكتابة إلى مهنة ألا يمكن أن يحولها إلى عملية ميكانيكية بدورها؟
-ما أقصده من الاعتراف بالكتابة كمهنة هو أولا، أن يمنع ذلك عن الكتاب تغول دور النشر العربية وثانيا أن تحفظ الحقوق الفكرية حتى لا يجد الكاتب كتبه تباع على الأرصفة أو تروج على الانترنيت بدون رقيب وأن يقع تجاهل حقوقه. ونحن لا نتوقع أن يصبح الكاتب بمجرد الاعتراف بمهنة الكتابة، ثريا وإنما على الاقل يجد وسيلة يعتاش منها.
*خضت من قبل تجربة الشعر، وهناك اليوم هاجس لدى الشعراء الذين لم يحولوا وجهتهم إلى الرواية من أن تخطف الرواية، الشعراء، إلى أي مدى يمكن مشاركتهم في هذا الهاجس؟
-لا ننكر أن الرواية في هذه المرحلة هي صاحبة الحظ الاعلى من حيث القراءة والكتابة والاعلام، وهناك عدد كبير من الشعراء انتقلوا من باحة الشعر الى باحة الرواية ويكادون ينقطعون عن الشعر، لكن فيما يخصني أنا توقفت عن نشر الشعر لكني لم أتوقف عن ممارسته وكتابته، وربما تصدر لي قريبا مجموعة شعرية. وأعتقد أن هذه المسألة طبيعية ويكثر الحديث عنها ، وهناك من هو مع وهناك من هو ضد، المهم أن الشعر لا يموت. ربما هي مرحلة ويعود الى ما كان عليه.
*تعتقد أن جيل الشباب من الروائيين العرب بلغوا مرحلة ما بعد الحداثة ونجحوا في صياغة رواية ما بعد الحداثة، في ما يتمثل ذلك؟
-أولا ما نحن الا نحن نتاج جيل الرواد في الرواد في الرواية وبدون هذا الجيل ما كنا لنحقق اي منجز، ولا ازعم ان هناك انقطاعا بين جيل الرواد وبين الأجيال الجديدة، لكن الجيل الجديد استطاع ان يقوم بإنجازات روائية جسرت الهوة ما بينه وبين القارئ. ونستطيع ان نقول ان القارئ العربي لروايات ما بعد الحداثة وجد ظالته في هذا المنجز الروائي الجديد الذي استطاع ان يعبر عن هواجسه وعما يوجعه وعما يفرحه بأدوات جديدة. هذا النمط الجديد من الرواية، حيث أصبحت الرواية فضاء لكل الوان الابداع، فنجد ادوات القصة والفن التشكيلي والموسيقى وحتى ادوات «السوشيلميدا»و هذه العناصر مجتمعة والتفكير العميق في هواجس الإنسان اليوم، دفعت القارئ إلى أن يقترب من الرواية وأن يقبل عليها، وهو ما يجعلني أقول أن كل ما ينشر من احصائيات حول ضعف الاقبال على القراءة، إنما يراد منه نشر الاحباط، ويكفي أن ننظر كيف استقبلني القراء التونسيون وأحاطوني به من اهتمام، حتى ندرك ذلك.
*وهل نجد بالتوازي مع ذلك حركة نقدية في حجم التطورات الأدبية في المجال العربي؟
-النقد في منطقة المغرب العربي مازال يكتب ويمارس بشكل مستمر، حتى وإن شهد بعض التراجع لكن النقد في الشرق العربي ظل في أغلبه انطباعيا ويغلب عليه الطابع المجاملاتي ومبنيا على الرؤية العاطفية، ولا يستند إلى منهج نقدي علمي. نحن لا نريد أن يتخلى النقد عن دوره في مواكبة المنجز الأدبي، لكننا اليوم في مرحلة جديدة، ويمكن لأي كاتب أن ينشر في أي صحيفة وفي أي موقع وأن يختار أي دار نشر يدفع لها كي تنشر له، ونحن وإن كنا لا نريد أن نضع قيودا للكتابة، فإننا نعتبر أن هناك ضوابط وجب الالتزام بها وهي مهمة النقد بامتياز.
يتقفى القارئ في كتاباتك ومن بينها روايتك الاخيرة «دفاتر الورّاق «المتوجة بالجائزة العالمية للرواية لسنة 2021، اثر تنوع قراءاتك للأدب العالمي، أيها كان له تاثيرحاسم، في توجهاتك في الكتابة.
أول رواية من الادب العالمي قرأتها هي رواية « البؤساء» لفيكتور هيغوثم قرأت اعمالا أخرى لهيغو، حتى ان شخصية كازيمودو موجودة في دفاتر الوراق، وقراءاتي لهيغو شجعتني على الانفتاح على الأدب العالمي. وأعتقد أن اهتمامي بالأدب الروسي وبكتابات ماكسيم غوركي، ودستويفسكي، يعود للفضاء السياسي في تلك الفترة، حيث كان اليسار عالي النشاط بمدينتي وكانت المنطقة تستقبل مسؤولين من الاتحاد السوفياتي ( سابقا)وقد شدتني كتابات دستويفسكي بالخصوص لمقدرته في الكتابة الروائية النفسية الى درجة ان « الجريمة والعقاب’ هذه الدرة الروائية، تدرس في جامعات مرموقة في العالم، غير أن التأثر الحقيقي للكاتب يكون عادة بمن اعادوا صياغة بيئته وزمانه، وأنا متأثر في هذا الباب بالكاتب الراحل غالب هلسا ( يعتبر رائد الرواية الأردنية). أنا وهو كنا نسكن في نفس المدينة رغم أنه غادرها منذ الثامنة عشرة وما عاد اليها الا راحلا، لكنه كتب عن المدينة بالروح التي أفهمها وهو الذي جعلني اتعلق بغاستونغاسلار الذي جعلني اتعلق بالأمكنة.
* ومع ذلك ما سر اهتمام كاتب مشرقي بالأدب الفرنكفوني؟
-أولا شكرا للترجمة التي عرفتني على درر الأدب العالمي. ثانيا، لماذا ولماذا يقبل القارئ على بعض الكتابات ويحبذها عن غيرها؟ لأنه يجد فيها دون شك مناطق تشبهه رغم امكانية اختلاف الاماكن والأزمنة، وانا وجدت ضالتي في روايات فيكتور هيغو ووجدت فيها عوامل جميلة تشبهني إلى درجة أني متعلق جدا بشخصية كازيمودو.
* في النهاية من هو ابراهيم الوراق بطل رواية « دفاتر الوراق « الذي تأثرت به لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية، البوكر، فمنحته الجائزة؟
ابراهيم الوراق هو انت وانا وهو وهي، أي هو نموذج عن الانسان العربي المطحون في هذه المرحلة، هو ذلك الانسان العربي الذي لديه احلام وطموحات ومازال يقاوم.
*الا يمكن ان يكون المثقف الدونكيشوتي؟
-لا يمكن ان نفصل المثقف عن البقية. لكن فعلا، ابراهيم الوراق والكشك عناصر ترمز للثقافة العربية التي لولاها لسقطنا منذ زمن.
*بالتأكيد لم تكن تركيبة هذه الشخصية ناتجة عن الصدفة؟
-هناك عوامل موضوعية وأخرى ذاتية في تركيبة ابراهيم الوراق. العوامل الموضوعية ناتجة عن مراقبتي للشارع الأردني والشارع العربي فتشكلت هذه الشخصية في مخيلتي أما العوامل الذاتية فهي طفيفة، منها مثلا ما يتعلق بظروف العيش، لكن عموما يبقى التنظير حول تركيبة شخصيات الرواية دائما فضفاضا لأن هناك دائما أمرا غامضا في الموضوع.
* تؤكد في تصريحاتك أن تحسين وضعية المثقف العربي، مرتبط بقرار سياسي، ألا تعتقد أن الأمر سلاح ذو حدين، وأن هذا القرار السياسي يمكن أن يجعل المثقف مرتهن لسلطة؟
-لا نريد هذا الشكل من القرارات، ولا نريد أن يرضخ المثقف للسلطة، وإنما يمكن الاستفادة من التجارب الأجنبية، بالنموذج الأوروبي مثلا، حيث يحظى المثقف بمساحات كبيرة من الحرية ويمكنه أن يجادل ويحاجج وأن يكون في تضارب مع السلطة دون أن يتعرض إلى السوء.
*الجوائز العربية أصبحت موضوع جدل اليوم حتى صار هناك من يعتبرها غير بريئة، بل ربما مضرة بالإبداع؟
-كيف اعتبرها مضرة وجائزة مثل البوكر فتحت لي المسارات والطرق الى القراء التونسيين مثلا، وجزء كبير من القراء في تونس عرفوني من هذه للجائزة وكذلك في بقية البلدان العربية.
أنا شخصيا أنظر لنصف الكأس المملوءة. فقد شجعت جوائز الرواية مثلا على اصدار الروايات وارتفع نسق الكتابات الروائية، ولكنني طبعا ضد استسهال الكتابة وضد الكتابة من أجل الجوائز، فهذه كتابة محكوم عليها بالفشل، لكن الجوائز تبقى مهمة وليته يكون لدينا جوائز أدبية قيمة في كل البلدان العربية.
*هل يمكن للجوائز العربية أن تساعد على الوصول إلى جائزة نوبل للآداب ؟
-لم لا. وجائزة مثل البوكر يمكن أن تفتح فعلا المسارات نحو نوبل للآداب. لكن عموما، إن نوبل للآداب مرتبطة بالترجمة، ولا يمكن لاي كتاب أن يجد صداه خارج الترجمة. فكم من كتاب عربي ترجم إلى لغات اجنبية؟ بل يمكن القول أن افضلها حظا تمت ترجمته إلى بضع ترجمات أغلبها، لا تساوي شيئا في معيار الترجمة العالمية. على كل إن الجوائز العربية القيمة، تساعد على جلب اهتمام دور النشر الأجنبية وهي تدعم الترجمة إلى الانقليزية- البوكر مثلا- وهذا مؤشر ايجابي وواعد.
*هل من فكرة حول الحركة الأدبية والثقافية في الاردن؟
-شهادتي مجروحة بطبيعتي الحال، لكن بكل موضوعية الحركة الثقافية والأدبية في الأردن نشيطة جدا. لدينا بعض الأزمات في علاقة بمستقبل الصحافة الورقية مثلا، التي فقد بسببها بعض الكتاب موارد رزقهم، لكن عموما حركة النشر والمسرح والسينما وغيرها نشيطة ولم توقفها حتى الكورونا، ومؤسسات الدولة والمؤسسات الاهلية تقوم بدورها جيدا.
*وهل لديك فكرة حول الحركة الأدبية والثقافية في تونس؟
-لدي فكرة جيدة عن الأجيال القديمة والجديدة، لكن أعترف أنه من الضروري تطوير التبادل الثقافي بين البلدان العربية وخاصة بين منطقتي المشرق والمغرب العربيين لفائدة الطرفين.
* «دفاتر الوراق» ستتحول إلى مسلسل رمضاني؟
-فعلا ستتحول الرواية إلى مسلسل من ثلاثين حلقة، ستبثه قناة عربية مرموقة في رمضان القادم، مع العلم أني سأكون موجودا في فريق العمل الذي سيحول الرواية إلى عمل درامي.