لا يمكن أن نتوقع أن يأتي تقرير المعهد الوطني للإحصاء المتعلق بـ"تقدير الناتج المحلي الإجمالي على مستوى المناطق الرئيسية" بنتائج غير تلك الواضحة بالعين المجردة، فالتباين بين الجهات كان من "الخطايا" التي كرسها النظام السابق والتي لم تتب عنها الحكومات المتعاقبة بالرغم من الوعود المتكررة، وها هي أزمة الكورونا تأتي لتعريه وتمحو أية مساحيق يمكن للسلطة المركزية أن تضعها على الوضع في المناطق الداخلية.
بحسب معهد الإحصاء هنالك تباين بين الجهات على مستوى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، تتركز الثروة في تونس الكبرى بنسبة (35.9%) والمساهم الأكبر فيها هي الخدمات المسوقة والصناعات المعملية أما في بقية المناطق فإنها بلغت في الوسط الشرقي (23.8%) وفي الشمال الشرقي (13.5%) وفي الوسط الغربي (7.3%) وفي الشمال الغربي (7.2%) وفي الجنوب الغربي بنسبة (4.5%) وفي الجنوب الشرقي (7.8%)وفق ما نقلته وكالة تونس إفريقيا للأنباء.
شعارات لا أكثر
من الشعارات التي رفعت بعيد الثورة هو تحقيق التوازن بين مختلف جهات الجمهورية وخلق الفرص في كل المناطق، وهذا لا يتم إلا عبر توفير البنية التحتية اللازمة والمناخ الملائم لاتجاه الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى الجهات والمناطق الداخلية، هنالك بطبيعة الحال، صعوبات عرفتها البلاد، فقد أثقلت الحرب على الإرهاب كاهل الدولة بالنفقات والتأثير في صورة تونس في الخارج مما انعكس على الاقتصاد، إضافة إلى التبعات الموجهة للأزمة التي أنتجتها الكوورنا. كما خسرت جهات داخلية مواردها بحكم المطلبية المشطة وفشل الحكومات المتعاقبة في حل ملفات شائكة مثل فسفاط قفصة، فلا تحصلت الجهات على نصيبها الذي تطالب به من الثروة ولا تواصل إنتاج الثورة من أساسه أصلا.
تفاوت في المنظومة الصحية
تبرز المنظومة الصحية كمرآة تعكس استمرارية هذا التفاوت، مع غياب استراتيجيات طويلة الأمد لإصلاح البنية التحتية الصحية وسط صرخات الإطار الطبي والشبه الطبي في القيروان وباجة وحتى نابل لنقص الموارد ونقص في الإطار الطبي والشبه الطبي. كما تبدو الاستجابة دائما متأخرة لا استباقية بالرغم من أن الجميع يعلم أن كامل المنظومة الصحية التونسية في أزمة وأنها متفاقمة أكثر في الجهات. وقد أشار تقرير للمنظمة الألمانية "فريدريش إبيرتشتيفتونغ" في 2018 إلى أن جهة الشمال الغربي على سبيل المثال تعرف معوقات عدة في المجال الصحي على مستوى النفاذ إلى الخدمات الصحية مقارنة ببقية الجهات وايضا مقارنة بالمعدل الوطني.
هذه الصعوبات التي تواجهها الولايات التي تعرف أعلى معدلات الفقر مثل القيروان على سبيل المثال، يقابلها ارتفاع في معدلات الإصابة بفيروس كورونا ووضعية صحية حرجة في مواجهة السلالات المتحورة. وهاهي أزمة كورونا تنهك المنظومة الصحية برمتها في المركز والجهات.
يقول الدستور التونسي في فصله الثاني عشر "تسعى الدولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والتوازن بين الجهات، استنادا إلى مؤشرات التنمية واعتمادا على مبدأ التمييز الإيجابي. كما تعمل على الاستغلال الرشيد للثروات الوطنية." ولكن الآية انعكست إذ تساهم الأزمات المتعاقبة التي تعرفها البلاد في زيادة التحديات المطروحة على الجهات خاصة للتبعات الاجتماعية والاقتصادية للموجة الحالية لكورونا التي يبدو أنها ستكون قاسية خاصة على الفئات الهشة والأكثر فقرا، ولكن العدالة الاجتماعية والتوازن يتحققان في نسخة ساخرة، فبدل أن نحسن وضع الجهات الأقل حظا، تعمم السياسات الحالية والسابقة والتي غاب عنها البعد الاستراتيجي المآسي والفقر والتهميش على كل الجهات.
أروى الكعلي
تونس-الصباح
لا يمكن أن نتوقع أن يأتي تقرير المعهد الوطني للإحصاء المتعلق بـ"تقدير الناتج المحلي الإجمالي على مستوى المناطق الرئيسية" بنتائج غير تلك الواضحة بالعين المجردة، فالتباين بين الجهات كان من "الخطايا" التي كرسها النظام السابق والتي لم تتب عنها الحكومات المتعاقبة بالرغم من الوعود المتكررة، وها هي أزمة الكورونا تأتي لتعريه وتمحو أية مساحيق يمكن للسلطة المركزية أن تضعها على الوضع في المناطق الداخلية.
بحسب معهد الإحصاء هنالك تباين بين الجهات على مستوى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، تتركز الثروة في تونس الكبرى بنسبة (35.9%) والمساهم الأكبر فيها هي الخدمات المسوقة والصناعات المعملية أما في بقية المناطق فإنها بلغت في الوسط الشرقي (23.8%) وفي الشمال الشرقي (13.5%) وفي الوسط الغربي (7.3%) وفي الشمال الغربي (7.2%) وفي الجنوب الغربي بنسبة (4.5%) وفي الجنوب الشرقي (7.8%)وفق ما نقلته وكالة تونس إفريقيا للأنباء.
شعارات لا أكثر
من الشعارات التي رفعت بعيد الثورة هو تحقيق التوازن بين مختلف جهات الجمهورية وخلق الفرص في كل المناطق، وهذا لا يتم إلا عبر توفير البنية التحتية اللازمة والمناخ الملائم لاتجاه الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى الجهات والمناطق الداخلية، هنالك بطبيعة الحال، صعوبات عرفتها البلاد، فقد أثقلت الحرب على الإرهاب كاهل الدولة بالنفقات والتأثير في صورة تونس في الخارج مما انعكس على الاقتصاد، إضافة إلى التبعات الموجهة للأزمة التي أنتجتها الكوورنا. كما خسرت جهات داخلية مواردها بحكم المطلبية المشطة وفشل الحكومات المتعاقبة في حل ملفات شائكة مثل فسفاط قفصة، فلا تحصلت الجهات على نصيبها الذي تطالب به من الثروة ولا تواصل إنتاج الثورة من أساسه أصلا.
تفاوت في المنظومة الصحية
تبرز المنظومة الصحية كمرآة تعكس استمرارية هذا التفاوت، مع غياب استراتيجيات طويلة الأمد لإصلاح البنية التحتية الصحية وسط صرخات الإطار الطبي والشبه الطبي في القيروان وباجة وحتى نابل لنقص الموارد ونقص في الإطار الطبي والشبه الطبي. كما تبدو الاستجابة دائما متأخرة لا استباقية بالرغم من أن الجميع يعلم أن كامل المنظومة الصحية التونسية في أزمة وأنها متفاقمة أكثر في الجهات. وقد أشار تقرير للمنظمة الألمانية "فريدريش إبيرتشتيفتونغ" في 2018 إلى أن جهة الشمال الغربي على سبيل المثال تعرف معوقات عدة في المجال الصحي على مستوى النفاذ إلى الخدمات الصحية مقارنة ببقية الجهات وايضا مقارنة بالمعدل الوطني.
هذه الصعوبات التي تواجهها الولايات التي تعرف أعلى معدلات الفقر مثل القيروان على سبيل المثال، يقابلها ارتفاع في معدلات الإصابة بفيروس كورونا ووضعية صحية حرجة في مواجهة السلالات المتحورة. وهاهي أزمة كورونا تنهك المنظومة الصحية برمتها في المركز والجهات.
يقول الدستور التونسي في فصله الثاني عشر "تسعى الدولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والتوازن بين الجهات، استنادا إلى مؤشرات التنمية واعتمادا على مبدأ التمييز الإيجابي. كما تعمل على الاستغلال الرشيد للثروات الوطنية." ولكن الآية انعكست إذ تساهم الأزمات المتعاقبة التي تعرفها البلاد في زيادة التحديات المطروحة على الجهات خاصة للتبعات الاجتماعية والاقتصادية للموجة الحالية لكورونا التي يبدو أنها ستكون قاسية خاصة على الفئات الهشة والأكثر فقرا، ولكن العدالة الاجتماعية والتوازن يتحققان في نسخة ساخرة، فبدل أن نحسن وضع الجهات الأقل حظا، تعمم السياسات الحالية والسابقة والتي غاب عنها البعد الاستراتيجي المآسي والفقر والتهميش على كل الجهات.