لم تسمح طبيعة سوق العقارات التونسية بتطور سوق العقارات الفاخرة التي ظلت منحصرة في حدود 10 في المائة من مجموع العرض الإجمالي رغم تغيير أغلب المطورين العقاريين وجهتهم نحو هذه الصنف من الاستثمارات.
وعلى امتداد عقود من الزمن مثلت المساكن الشعبية والاجتماعية العمود الفقري لسوق العقارات التونسية، حيث كان تركيز أغلب مشاريع المطورين بالقطاعين الخاص والعام موجها نحو الطبقات المتوسطة الدخل التي توفر لها الدولة امتيازات بهدف تحقيق حق السكن.
لم تعرف تونس إلى حدود 2010 تطورا كبيرا لسوق العقارات الفاخرة على غرار بلدان عربية أخرى في ظل تواصل القيود على تمليك الأجانب وأصحاب القدرة الإنفاقية العالية من السياح والمستثمرين قبل أن تبرز نوعية جديدة من الأحياء والبناءات الفاخرة في العاصمة تونس والمدن الساحلية تحوم حولها شبهات غسل الأموال.
ويقول الخبير العقاري نور الدين شيحة إن ضعف الطلب على العقارات الفاخرة لم يسمح لهذه السوق بالتطور في تونس، حيث تظل المبيعات منحصرة في البناءات المخصصة للسكن العائلي رغم تسجيل تحسن كبير في نوعية هذه البناءات التي باتت أكثر رفاهية.
ويؤكد شيحة في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "سوق العقارات التونسية موجهة أساسا لأصحاب الدخل المتوسط وجزء من التونسيين في الخارج إلى جانب طبقة التجار وأصحاب الأعمال الحرة الذين برزوا في السنوات العشر الماضية".
ويضيف الخبير العقاري أن المشاريع التي تبنى في تونس لا تستجيب في أغلب الأحيان إلى معايير المباني الفاخرة التي توجد في دول أخرى على غرار دول الخليج وتركيا وغيرها لعدم توفر زبائن من أصحاب المحفظة المالية الكبيرة.
ويقدر شيحة حجم سوق العقارات الفاخرة في تونس بنسبة لا تتعدى الـ10 في المائة من المبيعات، مؤكدا أن ضعف الطلب يحول دون تطور هذه السوق رغم تخلّي أغلب المطورين العقاريين عن الاستثمار في مشاريع المساكن الاقتصادية والاجتماعية.
ويؤكد المتحدث في سياق متصل أن أغلب مشتري العقارات حاليا هم من التونسيين في الخارج أو أصحاب الأعمال الحرة وهي فئة جديدة برزت خلال السنوات الأخيرة قادرة على تمويل شراء العقارات دون قروض مصرفية.
ورغم إقرار المهنيين بدخول قطاع التطوير العقاري في أزمة هيكلية خلال العقد الأخير فإنّ الفترة ذاتها سجّلت أحياء جديدة فائقة الفخامة والمنازل الشاطئية والمنازل الفاخرة إلى جانب مركبات تجارية تحوم حولها شبهات تبييض الأموال.
وعام 2018 كشف تقرير للجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي التونسي أن شركات التجارة الدولية غير المقيمة والقطاع العقاري وقطاع الذهب من الأدوات والقطاعات ذات المخاطر العليا لاستعمالها في جرائم غسل الأموال.
وقال التقرير قطاع العقارات يعتبر أحد أهم الملاذات التقليدية لغسل الأموال، فهو من الخيارات المتميزة لدمج وإخفاء مبالغ مهمة متحصّل عليها بطرق غير شرعية.
ويؤكد الخبير الاقتصادي خالد النوري، أن حجم التمويلات المصرفية لشراء العقارات في تونس لا يتجاوز 300 مليون دينار، موضحا أن ضعف هذا المبلغ لا يسمح بتطوير هذا النشاط الاقتصادي وإنجاز استثمارات توجه نحو ذوي الملاءة المالية العالية.
وأفاد النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تمليك الأجانب من جنسيات غير مغاربية يخضع لتعقيدات إدارية كبيرة وهو ما يحرم قطاع التطوير العقاري من شريحة حرفاء قادرة على الإنفاق في شراء العقارات الفخمة.
ويعدّ الليبيون من بين أكثر الجنسيات الأجنبية إقبالا على شراء العقارات في تونس حيث قدر تقرير لجنة التحاليل المالية عدد أملاك الليبيين في تونس بحوالي 200 ألف مسكن في 2015 أي ما يقارب 6 في المائة من عدد المساكن الجملي" في البلاد.
ويسمح القانون التونسي للأجانب باقتناء العقارات شرط ألا تكون ذات صبغة فلاحية أو صناعية أو سياحية ويجيز القانون التونسي بيع عقارات سكنية للأجانب شرط الحصول على ترخيص مسبق من الوالي.
وخصّت تونس مواطني 3 دول مغاربية هي دول ليبيا، والجزائر، والمغرب بامتيازات قانونية إذ أجازت لهم شراء عقارات سكنيّة دون الحصول على رخصة الوالي، وذلك بموجب اتفاقيات ثنائية تم توقيعها في ستينيات القرن الماضي. العربي الجديد