خلف تلك الأبواب الضخمة لمستشفى الرازي للأمراض العقلية بمنوبة، هناك عالم اخر يختلف في كل تفاصيله عمّا نعرفه.. عالم صامت وغامض وبعيد تماما عن الأضواء وحتى عن اهتمامات سلط الاشراف والفاعلين السياسيين الذين لا يهتمون أبدا للصحة النفسية والعقلية للتونسيين التي تشهد تدهورا مفزعا منذ الثورة الى اليوم، بسبب الأزمات المتعاقبة وارتفاع مؤشرات الإحباط والكآبة العامة..
في ذلك العالم الذي يتوارى خلف جدار الصمت قصص وحكايات لمرضى انفصلوا ربما نفسيا وعقليا عن الواقع، ليخلقوا عالمهم الخاص ولا يشاركهم فيهم الا أطباء وممرضين وعملة المستشفى الذين يجدون بدورهم أنفسهم، يعيشون ويتعايشون مع عالم مختلف في جزئياته وتفاصيله، فابتسامة عفوية او نظرة غاضبة او حركة يد في غير مكانها قد تضع الممرض او الطبيب او العامل في وضعية لا يحسد عليها مع المرضى.. فمستشفى الأمراض العقلية بمنوبة الذي أخذ اسمه عن العالم المسلم أبو بكر الرازي الذي وصفته المستشرقة الألمانية سيقريد هونكه في كتابها »شمس العرب تسطع على الغرب « بأنه » أعظم أطباء الإنسانية على الاطلاق « ..بات اليوم يعيش أوضاعا إنسانية كارثية هي الأسوأ على الإطلاق بين كل مستشفيات الجمهورية..
فاليوم يواجه الاطار الطبي وشبه الطبي وضعا حرجا ودقيقا مع فقدان الأدوية الأساسية لمعالجة المرضى وتهدئتهم، وهو الوضع الخطير الذي احتجت على اثره النقابة الأساسية بمستشفى الرازي ملوحة باتخاذ خطوات تصعيدية غير مسبوقة قد تصل الى الاضراب عن العمل والاعتصام المفتوحة بما قد يطرح سيناريوهات خطيرة في علاقة بالوضع الصحي والاستشفائي داخل المستشفى.
مستشفى الرازي يواجه الإهمال والتجاهل
يحتكر مستشفى الرازي اختصاص الامراض العقلية ولذلك فهو المستشفى الوحيد والمركزي الذي يستقبل مرضى من كامل تراب الجمهورية، وهذا المستشفى الذي تبلغ طاقة الايواء داخله حوالي 530 مريضا ويمتد على 38 هكتار ويحتوي على 14 قسما منهم 7 أقسام مختصة في الامراض النفسية والعقلية، يشرف عليها 613 إطارا إداريا و220 عاملا و270 ممرضا وممرضا مساعدا إلى جانب أطباء الاختصاص، وبعد سنوات قليلة سيحتفل المستشفى بمضي 100 سنة على تأسيسه.
وتركز اختصاص طب الأمراض العقلية والنفسية بهذا المستشفى جعله يشهد اكتظاظا واقبالا كبيرا لم ينقطع حتى مع جائحة الكوفيد بل تتطور الى أرقام مفزعة حيث سجل المستشفى بين شهر مارس عند بداية الجائحة وشهر ديسمبر 2020، ما يناهز 220 ألف عيادة طبية و7000 إقامة و36 ألف حالة استعجالية ذات طابع نفسي بالأساس، وذلك وفق ما أكده لنا كاتب عام النقابة الأساسية لمستشفى الرازي، كمال بالرحال، الذي أكد ان الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكذلك تداعيات جائحة كورونا انعكست سلبا على الصحة النفسية والعقلية للتونسيين، مضيفا ان الملفت في الموضوع هو توافد آلاف الأطفال على المستشفى في السنوات الأخيرة .
وهذا الاقبال المكثف والاكتظاظ كانت له تداعياته على كل المستشفى وفق ما صرح به كاتب عام النقابة قائلا: »نحن كاطار طبي وشبه طبي وعملة نعيش معاناة يومية وصعوبة في التعامل مع مرضى الذين لهم خصوصية يعلمها الجميع بسبب النقص الفادح في الاعوان، بالإضافة الى أن الاطار الشبه طبي بالمستشفى هو اطار مؤنث بامتياز رغم طبيعة المخاطر في التعامل مع المرضى الذكور والعنف المتكرر حيث نتعرض يوميا الى ما بين 4 الى 5 حالات عنف بعضها يكون خطيرا جدا.. وزاد الوضع تعقيدا مع فقدان الأدوية الأساسية لمعالجة مثل هذه الحالات والتي لم تقم الصيدلية المركزية بتأمينها الى المستشفى.. لنبقى في النهاية في مواجهة حالات الهيجان اليومية للمرضى المقيمين وغير المقيمين بالمؤسسة وتزايدها لعدم حصولهم على دوائهم مما يعرضنا للعنف والخطر المحدق بنا وبأطبائنا في اي لحظه «
ويؤكد كاتب عام النقابة الأساسية ان الإطارات الطبية وشبه الطبية حاولت بجهد التحلي بالصبر والتضحية من أجل استقرار المستشفى ولكن سلطة الاشراف ممثلة في وزارة الصحة لم تحرك ساكنا، ولم توفر الحماية للإطارات كما لم توفر الأدوية للمرضى، ويشير كاتب العام النقابة ان قائمة الادوية المفقودة تضم ما بين 18 و20 دواء من الادوية الأساسية لتهدئة المرضى، مشيرا الى كون هذه الادوية حتى وان توفر بعضه فانه بكميات قليلة جدا لا تفي بحاجة المرضى الا عددا قليلا منهم، كما تحدث عن الوضعية المالية الصعبة التي تعيشها المستشفى والتي يجعلها عاجزة أحيانا عن مواجهة الاحتياجات الأساسية رغم مجهودات الإدارة العامة، مشيرا الى كون ميزانية مستشفى الرابطة تبلغ 11.270 مليون دينار، وان المبالغ المتصرف فيها اليوم هي في حدود 7 مليون دينار كاعتمادات في ميزانية 2019 وانها لم تعد تفي بالغرض والوضع المالي اليوم بهذه المؤسسة الصحية، سيء جدا، وفق تعبيره.
وأمام هذا الوضع السيء الذي تعيشه المستشفى ماديا وكذلك من حيث فقدان الادوية والذي تسبب في هيجان المرضى وارتفاع حالات العنف والخروج الأمور على السيطرة في بعض الأحيان لم تجد النقابة الأساسية حلا الا التوجه الى سلطة الاشراف والى وزير الصحة في بلاغ للرأي العام تؤكد من خلاله ان اعوان واطارات واطباء الرازي عيل صبرهم ولم يعد لهم ثقة في كل الوعود التي قدمت لهم بتحسين أوضاع المستشفى، وان ذلك دفعهم الى اتخاذ خطوات تصعيدية خلال الأيام القادمة من خلال تنفيذ وقفات احتجاجية والتلويح حتى باعتصام مفتوح او اضراب كلي عن العمل اذا لم تسارع وزارة الصحة بإيجاد حل للدواء المفقود وللوضعية المالية الكارثية للمستشفى والتي بدأت تنعكس سلبا حتى على الخدمات الصحية المقدمة لنوعية خاصة من المرضى لا تحتمل وضعيتهم لا الاستخفاف ولا التهاون.
منية العرفاوي
جريدة الصباح
خلف تلك الأبواب الضخمة لمستشفى الرازي للأمراض العقلية بمنوبة، هناك عالم اخر يختلف في كل تفاصيله عمّا نعرفه.. عالم صامت وغامض وبعيد تماما عن الأضواء وحتى عن اهتمامات سلط الاشراف والفاعلين السياسيين الذين لا يهتمون أبدا للصحة النفسية والعقلية للتونسيين التي تشهد تدهورا مفزعا منذ الثورة الى اليوم، بسبب الأزمات المتعاقبة وارتفاع مؤشرات الإحباط والكآبة العامة..
في ذلك العالم الذي يتوارى خلف جدار الصمت قصص وحكايات لمرضى انفصلوا ربما نفسيا وعقليا عن الواقع، ليخلقوا عالمهم الخاص ولا يشاركهم فيهم الا أطباء وممرضين وعملة المستشفى الذين يجدون بدورهم أنفسهم، يعيشون ويتعايشون مع عالم مختلف في جزئياته وتفاصيله، فابتسامة عفوية او نظرة غاضبة او حركة يد في غير مكانها قد تضع الممرض او الطبيب او العامل في وضعية لا يحسد عليها مع المرضى.. فمستشفى الأمراض العقلية بمنوبة الذي أخذ اسمه عن العالم المسلم أبو بكر الرازي الذي وصفته المستشرقة الألمانية سيقريد هونكه في كتابها »شمس العرب تسطع على الغرب « بأنه » أعظم أطباء الإنسانية على الاطلاق « ..بات اليوم يعيش أوضاعا إنسانية كارثية هي الأسوأ على الإطلاق بين كل مستشفيات الجمهورية..
فاليوم يواجه الاطار الطبي وشبه الطبي وضعا حرجا ودقيقا مع فقدان الأدوية الأساسية لمعالجة المرضى وتهدئتهم، وهو الوضع الخطير الذي احتجت على اثره النقابة الأساسية بمستشفى الرازي ملوحة باتخاذ خطوات تصعيدية غير مسبوقة قد تصل الى الاضراب عن العمل والاعتصام المفتوحة بما قد يطرح سيناريوهات خطيرة في علاقة بالوضع الصحي والاستشفائي داخل المستشفى.
مستشفى الرازي يواجه الإهمال والتجاهل
يحتكر مستشفى الرازي اختصاص الامراض العقلية ولذلك فهو المستشفى الوحيد والمركزي الذي يستقبل مرضى من كامل تراب الجمهورية، وهذا المستشفى الذي تبلغ طاقة الايواء داخله حوالي 530 مريضا ويمتد على 38 هكتار ويحتوي على 14 قسما منهم 7 أقسام مختصة في الامراض النفسية والعقلية، يشرف عليها 613 إطارا إداريا و220 عاملا و270 ممرضا وممرضا مساعدا إلى جانب أطباء الاختصاص، وبعد سنوات قليلة سيحتفل المستشفى بمضي 100 سنة على تأسيسه.
وتركز اختصاص طب الأمراض العقلية والنفسية بهذا المستشفى جعله يشهد اكتظاظا واقبالا كبيرا لم ينقطع حتى مع جائحة الكوفيد بل تتطور الى أرقام مفزعة حيث سجل المستشفى بين شهر مارس عند بداية الجائحة وشهر ديسمبر 2020، ما يناهز 220 ألف عيادة طبية و7000 إقامة و36 ألف حالة استعجالية ذات طابع نفسي بالأساس، وذلك وفق ما أكده لنا كاتب عام النقابة الأساسية لمستشفى الرازي، كمال بالرحال، الذي أكد ان الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكذلك تداعيات جائحة كورونا انعكست سلبا على الصحة النفسية والعقلية للتونسيين، مضيفا ان الملفت في الموضوع هو توافد آلاف الأطفال على المستشفى في السنوات الأخيرة .
وهذا الاقبال المكثف والاكتظاظ كانت له تداعياته على كل المستشفى وفق ما صرح به كاتب عام النقابة قائلا: »نحن كاطار طبي وشبه طبي وعملة نعيش معاناة يومية وصعوبة في التعامل مع مرضى الذين لهم خصوصية يعلمها الجميع بسبب النقص الفادح في الاعوان، بالإضافة الى أن الاطار الشبه طبي بالمستشفى هو اطار مؤنث بامتياز رغم طبيعة المخاطر في التعامل مع المرضى الذكور والعنف المتكرر حيث نتعرض يوميا الى ما بين 4 الى 5 حالات عنف بعضها يكون خطيرا جدا.. وزاد الوضع تعقيدا مع فقدان الأدوية الأساسية لمعالجة مثل هذه الحالات والتي لم تقم الصيدلية المركزية بتأمينها الى المستشفى.. لنبقى في النهاية في مواجهة حالات الهيجان اليومية للمرضى المقيمين وغير المقيمين بالمؤسسة وتزايدها لعدم حصولهم على دوائهم مما يعرضنا للعنف والخطر المحدق بنا وبأطبائنا في اي لحظه «
ويؤكد كاتب عام النقابة الأساسية ان الإطارات الطبية وشبه الطبية حاولت بجهد التحلي بالصبر والتضحية من أجل استقرار المستشفى ولكن سلطة الاشراف ممثلة في وزارة الصحة لم تحرك ساكنا، ولم توفر الحماية للإطارات كما لم توفر الأدوية للمرضى، ويشير كاتب العام النقابة ان قائمة الادوية المفقودة تضم ما بين 18 و20 دواء من الادوية الأساسية لتهدئة المرضى، مشيرا الى كون هذه الادوية حتى وان توفر بعضه فانه بكميات قليلة جدا لا تفي بحاجة المرضى الا عددا قليلا منهم، كما تحدث عن الوضعية المالية الصعبة التي تعيشها المستشفى والتي يجعلها عاجزة أحيانا عن مواجهة الاحتياجات الأساسية رغم مجهودات الإدارة العامة، مشيرا الى كون ميزانية مستشفى الرابطة تبلغ 11.270 مليون دينار، وان المبالغ المتصرف فيها اليوم هي في حدود 7 مليون دينار كاعتمادات في ميزانية 2019 وانها لم تعد تفي بالغرض والوضع المالي اليوم بهذه المؤسسة الصحية، سيء جدا، وفق تعبيره.
وأمام هذا الوضع السيء الذي تعيشه المستشفى ماديا وكذلك من حيث فقدان الادوية والذي تسبب في هيجان المرضى وارتفاع حالات العنف والخروج الأمور على السيطرة في بعض الأحيان لم تجد النقابة الأساسية حلا الا التوجه الى سلطة الاشراف والى وزير الصحة في بلاغ للرأي العام تؤكد من خلاله ان اعوان واطارات واطباء الرازي عيل صبرهم ولم يعد لهم ثقة في كل الوعود التي قدمت لهم بتحسين أوضاع المستشفى، وان ذلك دفعهم الى اتخاذ خطوات تصعيدية خلال الأيام القادمة من خلال تنفيذ وقفات احتجاجية والتلويح حتى باعتصام مفتوح او اضراب كلي عن العمل اذا لم تسارع وزارة الصحة بإيجاد حل للدواء المفقود وللوضعية المالية الكارثية للمستشفى والتي بدأت تنعكس سلبا حتى على الخدمات الصحية المقدمة لنوعية خاصة من المرضى لا تحتمل وضعيتهم لا الاستخفاف ولا التهاون.