"الاستفتاء هو أداة من أدوات الدكتاتورية المتنكرة".. صاحب هذه المقولة ليس أحد معارضي الرئيس قيس سعيد ومسار 25 جويلية من رافضي الاستفتاء ولتأسيس جمهورية جديدة بشكل منفرد، بل هو الرئيس ذاته قبل وصوله قصر قرطاج ! في أواسط سنة 2017 ألقى أستاذ القانون الدستوري آنذاك قيس سعيد، محاضرة في ندوة عقدتها مؤسسة حول تجربة الباجي قائد السبسي السياسية، ونُشرت لاحقا في كتاب مرصد الثورة التونسية الصادر في جانفي 2022 لعبد الجليل التميمي، حيث تحدث وقتها قيس سعيد عن موقفه القانوني من الاستفتاء، وقال انه يتمنى ان يعيش يوما ويرى فيه استفتاء سلبيا يقول فيه الشعب لا.. لأن الاستفتاء هو استفتاء على صاحب المشروع وليس على المشروع ذاته.
وبين موقف قيس سعيد الأستاذ الجامعي وقيس سعيد رئيس الدولة، حول الاستفتاء، بون شاسع.. حيث لم يعد الاستفتاء أداة من أدوات الدكتاتورية المتنكرة، بل آلية يتمسك رئيس الجمهورية بديموقراطيتها رغم معارضة خصومه وتحفّظ حتى مؤيديه، والذي يمضي قدما، وبشكل منفرد، في صياغات كل المسارات السياسية والدستورية التي ستغير ملامح المشهد برمته دون أدنى مشاركة من أي طرف.
وبصرف النظر عن كل المؤاخذات السياسية التي ما انفكت تلاحق مسار 25 جويلية خاصة في علاقة بانفراد رئيس الجمهورية بالرأي وتأخره في إعلان الانطلاق في الحوار المرتقب مع المنظمات بعد تلكؤ ومماطلة في القبول بهذا الحوار من طرف قيس سعيد.. فإن الاستفتاء المزمع إجراؤه في 25 جويلية وفق الروزنامة التي أعلنها رئيس الجمهورية قيس سعيد في ديسمبر الماضي، يطرح بدوره إشكالات عميقة سواء على المستوى القانوني أو اللوجستي والسياسي كذلك .
غياب للشروط الديمقراطية
يؤكد أستاذ العلوم القانونية والسياسية عبد الرزاق المختار "إنّ الاستفتاء سيكون معزولا من وظيفته الديمقراطية ومن شروط تنظيمه". واقترح ضرورة التأجيل حتى لا يفقد الاستفتاء مقبوليته السياسية والمجتمعية وذلك خلال ندوة علميّة نظّمها مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي اليوم السبت حول "استفتاء 25 جويلية من الاستثناء الى السلطوية". كما أكد المختار أن حالة الاستثناء في مقتضياتها المرتبطة بالخطر الداهم واستمرارية الدولة لا يمكن أن تمثّل مناخا ملائما لعملية انتخابية حرّة وعقلانية.. مشيرا الى أنّ المرسوم عدد 22 لسنة 2022 المتعلق بتنقيح القانون الأساسي للهيئة العليا للانتخابات، سيكون مصدرا للتشكيك الأبدي في العملية الانتخابية، معللا ذلك بأن إعادة تنظيم هيئة الانتخابات بمرسوم وطريقة اختيار الأعضاء لا توفر نوعا من الطمأنينة والثقة في الهيكل الذي سينظّم الانتخابات والتي يحتاجها في تعاطي الفاعلين السياسيين والمدنيين معه، وفق قوله.
وإذا تجاوزنا أزمة الثقة تلك التي خلقتها تركيبتها هيئة الانتخابات الجديدة وتكاد تجمع عليها الأغلبية، أولا بسبب طريقة اختيار الأعضاء الأحادية وكذلك أن هناك شكوكا كثيرة تحوم حول حياد بعض أعضاء الهيئة الجدد أو العائدين من تركيبة هيئات سابقة وهذا ما يجعل مسألة استقلالية الهيئة عن السلطة السياسية في اللحظة، ليست مجرد توقع بل تكاد تكون واقع .
مطبات وصعوبات
خلال مراسم أداء أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات اليمين في القصر الرئاسي.. أشار قيس سعيّد إنه يرفض حضور مراقبين أجانب في الاستفتاء المقرر في جويلية المقبل، قائلا "يطالبون بإرسال مراقبين أجانب وكأننا دولة محتلة". وقد أثار هذا التصريح موجة من ردود الأفعال الرافضة خاصة من طرف المهتمين بالشأن السياسي والانتخابي حيث علق نائب رئيس منظمة "مراقبون" بسّام معطّر قائلا انه لا خوف من المراقبين الأجانب إذا كانت العملية الانتخابية نزيهة مشيرا الى أن حضور مراقبين من الخارج من شأنه أن يضفي مصداقية على العملية الانتخابية التونسية، وأن مراقبة الانتخابات عُرف دولي مضمّن بالقانون الانتخابي التونسي.
وتكاد تجمع الأغلبية اليوم على أن غلق الأبواب في وجه المراقبين الدوليين قد يجعل من المجتمع الدولي يشكك في مصداقية الانتخابات ونتائجها، هذا بالإضافة الى كون المجتمع الدولي لم ينفك منذ 2011 يقدم كل المساعدات اللوجستية والمادية والتأطير والتدريب من أجل إرساء تقاليد ديمقراطية في ممارسة الحق في الانتخاب، ويشار الى كون هناك 500 مراقب دولي قاموا بتصنيف تونس في انتخابات 2014 في مراتب متقدمة جدا وتتصدر الدول الإفريقية والعربية في معايير الشفافية والنزاهة في الانتخابات، وهذه التصنيفات الدولية تساعد تونس في التسويق لنفسها اقتصاديا وكذلك تساعدها على الاستقرار السياسي وعلى أن تكون موضع ثقة المجتمع الدولي، خاصة وأن أهم مرحلة في الاستحقاقات الانتخابية هي أن يعترف بها الرأي العام المحلي وكذلك الدولي .
ومن العراقيل الكثيرة الموجودة اليوم في طريق الاستفتاء هي تسجيل الناخبين حيث انه ووفق بعض المعطيات التي يقدمها خبراء هو وجود مليوني تونسي غير مدرجين بسجل تسجيل الناخبين هذا بالإضافة الى أن هناك اليوم قرابة نصف ومليون تونسي بلغوا سن الانتخاب، هذا بالإضافة الى أن تحيين السجل يقتضي التثبت من المدرجين وما إذا كانوا ما زالوا يحملون صفة خاصة بالنظر الى عدد الوفيات المرتفع خلال جائحة كورونا الأخيرة .
كما أن عملية التسجيل لا معنى لها دون توعية الناخب بضرورة التسجيل وكذلك ضرورة الاقتراع وبالنظر الى الآجال المقترحة اليوم فإن العملية تكاد تكون مستحيلة في تسجيل كل المتخلفين وفي التوعية اللازمة لهم. كما أن مسألة تسجيل الناخبين بالخارج والاستعداد لفتح مراكز الاقتراع بدول أجنبية، عملية معقدة وتستغرق وقتا كبيرا في الإعداد اللوجستي ومجهودا كبيرا من هيئة الانتخابات التي تسلمت مهامها منذ يومين فقط .
كما تقتضي العملية الانتخابية التعاقد مع شركات دعاية واتصال وهذا التعاقد يفرض آجالا قانونية منها شهر للاستشارة وتلقي العروض، وإذا استثنينا هذا الشهر من الوقت المتبقي لموعد الاستفتاء، فإن مسألة الاستعداد والقيام بدعاية وفق المعايير المتعارف عليها سيكون صعبا .
وفي علاقة بالاستفتاء ذاته فان هناك أسئلة تطرح حول ما إذا سيتم إجراء حملة انتخابية لهذا الاستفتاء ومن سيجريها وكيف ستكون؟ وهل هناك طعون في هذه الحملة أمام القضاء كما هو معمول به الانتخابات العادية سواء تعلق الأمر بسجل الناخبين أو تمويل الحملة؟.. كل هذه الأسئلة تُطرح اليوم دون الأمل في الحصول على إجابات، حتى أننا لا نعلم ماهية هذا الاستفتاء وحول ماذا سيكون.. أي حول المشروع أو صاحب المشروع.. وفي صورة تسجيل عزوف هل سيتم إقرار حد أدنى للمشاركين أو للمصوتين بنعم حتى تعتمد النتائج وتكون مقبولة سياسيا ومن الرأي العام؟
منية العرفاوي
تونس –الصباح
"الاستفتاء هو أداة من أدوات الدكتاتورية المتنكرة".. صاحب هذه المقولة ليس أحد معارضي الرئيس قيس سعيد ومسار 25 جويلية من رافضي الاستفتاء ولتأسيس جمهورية جديدة بشكل منفرد، بل هو الرئيس ذاته قبل وصوله قصر قرطاج ! في أواسط سنة 2017 ألقى أستاذ القانون الدستوري آنذاك قيس سعيد، محاضرة في ندوة عقدتها مؤسسة حول تجربة الباجي قائد السبسي السياسية، ونُشرت لاحقا في كتاب مرصد الثورة التونسية الصادر في جانفي 2022 لعبد الجليل التميمي، حيث تحدث وقتها قيس سعيد عن موقفه القانوني من الاستفتاء، وقال انه يتمنى ان يعيش يوما ويرى فيه استفتاء سلبيا يقول فيه الشعب لا.. لأن الاستفتاء هو استفتاء على صاحب المشروع وليس على المشروع ذاته.
وبين موقف قيس سعيد الأستاذ الجامعي وقيس سعيد رئيس الدولة، حول الاستفتاء، بون شاسع.. حيث لم يعد الاستفتاء أداة من أدوات الدكتاتورية المتنكرة، بل آلية يتمسك رئيس الجمهورية بديموقراطيتها رغم معارضة خصومه وتحفّظ حتى مؤيديه، والذي يمضي قدما، وبشكل منفرد، في صياغات كل المسارات السياسية والدستورية التي ستغير ملامح المشهد برمته دون أدنى مشاركة من أي طرف.
وبصرف النظر عن كل المؤاخذات السياسية التي ما انفكت تلاحق مسار 25 جويلية خاصة في علاقة بانفراد رئيس الجمهورية بالرأي وتأخره في إعلان الانطلاق في الحوار المرتقب مع المنظمات بعد تلكؤ ومماطلة في القبول بهذا الحوار من طرف قيس سعيد.. فإن الاستفتاء المزمع إجراؤه في 25 جويلية وفق الروزنامة التي أعلنها رئيس الجمهورية قيس سعيد في ديسمبر الماضي، يطرح بدوره إشكالات عميقة سواء على المستوى القانوني أو اللوجستي والسياسي كذلك .
غياب للشروط الديمقراطية
يؤكد أستاذ العلوم القانونية والسياسية عبد الرزاق المختار "إنّ الاستفتاء سيكون معزولا من وظيفته الديمقراطية ومن شروط تنظيمه". واقترح ضرورة التأجيل حتى لا يفقد الاستفتاء مقبوليته السياسية والمجتمعية وذلك خلال ندوة علميّة نظّمها مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي اليوم السبت حول "استفتاء 25 جويلية من الاستثناء الى السلطوية". كما أكد المختار أن حالة الاستثناء في مقتضياتها المرتبطة بالخطر الداهم واستمرارية الدولة لا يمكن أن تمثّل مناخا ملائما لعملية انتخابية حرّة وعقلانية.. مشيرا الى أنّ المرسوم عدد 22 لسنة 2022 المتعلق بتنقيح القانون الأساسي للهيئة العليا للانتخابات، سيكون مصدرا للتشكيك الأبدي في العملية الانتخابية، معللا ذلك بأن إعادة تنظيم هيئة الانتخابات بمرسوم وطريقة اختيار الأعضاء لا توفر نوعا من الطمأنينة والثقة في الهيكل الذي سينظّم الانتخابات والتي يحتاجها في تعاطي الفاعلين السياسيين والمدنيين معه، وفق قوله.
وإذا تجاوزنا أزمة الثقة تلك التي خلقتها تركيبتها هيئة الانتخابات الجديدة وتكاد تجمع عليها الأغلبية، أولا بسبب طريقة اختيار الأعضاء الأحادية وكذلك أن هناك شكوكا كثيرة تحوم حول حياد بعض أعضاء الهيئة الجدد أو العائدين من تركيبة هيئات سابقة وهذا ما يجعل مسألة استقلالية الهيئة عن السلطة السياسية في اللحظة، ليست مجرد توقع بل تكاد تكون واقع .
مطبات وصعوبات
خلال مراسم أداء أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات اليمين في القصر الرئاسي.. أشار قيس سعيّد إنه يرفض حضور مراقبين أجانب في الاستفتاء المقرر في جويلية المقبل، قائلا "يطالبون بإرسال مراقبين أجانب وكأننا دولة محتلة". وقد أثار هذا التصريح موجة من ردود الأفعال الرافضة خاصة من طرف المهتمين بالشأن السياسي والانتخابي حيث علق نائب رئيس منظمة "مراقبون" بسّام معطّر قائلا انه لا خوف من المراقبين الأجانب إذا كانت العملية الانتخابية نزيهة مشيرا الى أن حضور مراقبين من الخارج من شأنه أن يضفي مصداقية على العملية الانتخابية التونسية، وأن مراقبة الانتخابات عُرف دولي مضمّن بالقانون الانتخابي التونسي.
وتكاد تجمع الأغلبية اليوم على أن غلق الأبواب في وجه المراقبين الدوليين قد يجعل من المجتمع الدولي يشكك في مصداقية الانتخابات ونتائجها، هذا بالإضافة الى كون المجتمع الدولي لم ينفك منذ 2011 يقدم كل المساعدات اللوجستية والمادية والتأطير والتدريب من أجل إرساء تقاليد ديمقراطية في ممارسة الحق في الانتخاب، ويشار الى كون هناك 500 مراقب دولي قاموا بتصنيف تونس في انتخابات 2014 في مراتب متقدمة جدا وتتصدر الدول الإفريقية والعربية في معايير الشفافية والنزاهة في الانتخابات، وهذه التصنيفات الدولية تساعد تونس في التسويق لنفسها اقتصاديا وكذلك تساعدها على الاستقرار السياسي وعلى أن تكون موضع ثقة المجتمع الدولي، خاصة وأن أهم مرحلة في الاستحقاقات الانتخابية هي أن يعترف بها الرأي العام المحلي وكذلك الدولي .
ومن العراقيل الكثيرة الموجودة اليوم في طريق الاستفتاء هي تسجيل الناخبين حيث انه ووفق بعض المعطيات التي يقدمها خبراء هو وجود مليوني تونسي غير مدرجين بسجل تسجيل الناخبين هذا بالإضافة الى أن هناك اليوم قرابة نصف ومليون تونسي بلغوا سن الانتخاب، هذا بالإضافة الى أن تحيين السجل يقتضي التثبت من المدرجين وما إذا كانوا ما زالوا يحملون صفة خاصة بالنظر الى عدد الوفيات المرتفع خلال جائحة كورونا الأخيرة .
كما أن عملية التسجيل لا معنى لها دون توعية الناخب بضرورة التسجيل وكذلك ضرورة الاقتراع وبالنظر الى الآجال المقترحة اليوم فإن العملية تكاد تكون مستحيلة في تسجيل كل المتخلفين وفي التوعية اللازمة لهم. كما أن مسألة تسجيل الناخبين بالخارج والاستعداد لفتح مراكز الاقتراع بدول أجنبية، عملية معقدة وتستغرق وقتا كبيرا في الإعداد اللوجستي ومجهودا كبيرا من هيئة الانتخابات التي تسلمت مهامها منذ يومين فقط .
كما تقتضي العملية الانتخابية التعاقد مع شركات دعاية واتصال وهذا التعاقد يفرض آجالا قانونية منها شهر للاستشارة وتلقي العروض، وإذا استثنينا هذا الشهر من الوقت المتبقي لموعد الاستفتاء، فإن مسألة الاستعداد والقيام بدعاية وفق المعايير المتعارف عليها سيكون صعبا .
وفي علاقة بالاستفتاء ذاته فان هناك أسئلة تطرح حول ما إذا سيتم إجراء حملة انتخابية لهذا الاستفتاء ومن سيجريها وكيف ستكون؟ وهل هناك طعون في هذه الحملة أمام القضاء كما هو معمول به الانتخابات العادية سواء تعلق الأمر بسجل الناخبين أو تمويل الحملة؟.. كل هذه الأسئلة تُطرح اليوم دون الأمل في الحصول على إجابات، حتى أننا لا نعلم ماهية هذا الاستفتاء وحول ماذا سيكون.. أي حول المشروع أو صاحب المشروع.. وفي صورة تسجيل عزوف هل سيتم إقرار حد أدنى للمشاركين أو للمصوتين بنعم حتى تعتمد النتائج وتكون مقبولة سياسيا ومن الرأي العام؟