أعادت تعيينات رئيس الجمهورية قيس سعيد الأخيرة صلب هيئة الانتخابات الجدل مرة أخرى حول موضوع التعين على أساس الولاء للشخص أو للحزب على حساب الكفاءة والحياد وبقية الشروط الموضوعية الأخرى المفروض احترامها في اختيار المؤهلين لتولى مناصب عليا في الدولة ضمانا للنجاعة ودرءا للانتقادات والشبهات.
وكثيرون يعتبرون اليوم أن تعيينات الرئيس في هيئة الانتخابات وقبلها في المجلس الأعلى للقضاء وكذلك الاختيارات التي تم على أساسها سابقا اختيار ولاة ومسؤولين محليين وجهويين، وقعت في المحظور الذي لطالما نبه منه المجتمع المدني وعارضه من هم خارج الحكم وفي موقع المعارضة وكيلت بسببه الاتهامات والانتقادات للماسكين بالسلطة على اعتبار أن تعيينات المحسوبية والولاء والمحاصصات الشخصية والضيقة خربت الدولة وكانت نتائجها وخيمة على المؤسسات والهيئات.
والرئيس قيس سعيد كان أحد هؤلاء الذي ردد مرارا وتكرارا، قبل وصوله إلى سدة الحكم وحتى في فترة حكمه الأولى قبل 25 جويلية، انتقاده ورفضه لمنطق المحاصصة الحزبية والتعيينات السياسية في مناصب عليا في الدولة وأسلوب الغنيمة والمكافأة على أساس الولاء وعلى حساب مصلحة الشعب.
وإلى وقت قريب كان الرئيس ينتقد التعيينات على أساس الولاء آخرها ما قاله إبان عزمه حل المجلس الأعلى للقضاء حين تحدث من مقر وزارة الداخلية قائلا: و"ليعتبر هذا المجلس نفسه في عداد الماضي..،هذا المجلس أصبحت تباع فيه المناصب بل ويتم وضع الحركة القضائية (التعيينات فيه) بناء على الولاءات".
انتقادات ومخاوف
اليوم، يواجه الرئيس وتعييناته واختياراته بالانتقادات ذاتها ومع كل تعيينات جديدة في الدولة تخرج المعارضة لتلوح بأن الرئيس لا يعين إلا من ولاه وأيد مساره بعد 25 جويلية وأعلن صراحة استبسالا في الدفاع عن الرئيس وعن خياراته وهاجم معارضيه بشراسة (على غرار الجدل الكبير الذي رافق التعيين الأخير لسامي بن سلامة في هيئة الانتخابات الذي عرف بنقده اللاذع لخصوم الرئيس وتأييده اللامحدود واللامشروط للرئيس).
ولم يخف البعض تخوفهم من تداعيات مثل هذه التعيينات وما قد تطرحه من إشكاليات وعقبات مستقبلا وأخطرها التشكيك في نزاهة وحياد الاستحقاقات القادمة.
وقد عبر في هذا الصدد الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، ضمنيا، عن هذه المخاوف عندما قال إن “هذه التعيينات ستتسبّب في عديد الإشكاليات خلال الانتخابات القادمة” معتبرا أن الرئيس مسؤولا عن هذه الخيارات وعن نتائجها.
بدورها اعتبرت أستاذة القانون الدستور منى كريم في تصريح إذاعي أمس أن قرار رئيس الجمهورية بتعديل هيئة الانتخابات يتنزل ضمن اختصاصاته والمهام الموكولة إليه باتخاذ مراسيم في كافة المجالات بمقتضى الأمر 17 لسنة 2021 الذي أصبح ينظم البلاد في مكانة أعلى من الدستور، لكنها في المقابل تقول إن "تعيين رئيس الجمهورية لأعضاء هيئة الانتخابات وغيرها من الهيئات يمثل خضوعا من كافة المؤسسات لسلطة رئيس الجمهورية".
وبأكثر وضوح أدانت منظمة “أنا يقظ” في بيان لها أول أمس ما اعتبرته ".. تعيين أشخاص عرفوا بمعاداتهم أو بقربهم من بعض التيارات السياسية أو من رئيس الجمهورية في هيئة من المفروض أن تكون على نفس قدم المساواة من الجميع ضربا لمصداقية أي قرار صادر عنها ويفتح الباب للتشكيك في نتائج الاستحقاقات الانتخابية القادمة وفي النزاهة الفكرية لأعضاء الهيئة".
وأكدت انها “لم تُفاجأ بقائمة الأشخاص الّذين اختارهم رئيس الجمهوريّة لتشكيل تركيبة الهيئة ” متهمة الرئاسة بـ”انتهاج سياسة التعيين على أساس الطاعة والموالاة ” معتبرة أن” الكفاءة صارت معيارا غير ضروريّ في المناصب الحساسة”.
كما رفض المكتب السياسي لحزب آفاق تونس في بيانه الأخير ليوم 9 ماي الجاري خيارات وتعيينات الرئيس الأخيرة وقال إنه "لا للتسييس والعبث بمؤسسات الدولة من مؤسسات أمنية وعسكرية ومجلس الأمن القومي في توجيه رسائل سياسية وفي تعيينات ارتجالية في صلب الدولة والإدارة القائمة على الولاء والمحسوبية وصراع الأجنحة والذي يذكرنا بحقبات سوداء في تاريخ تونس"، وفق نص البيان.
اتهامات سابقة
ليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها تعيينات الرئيس بموجة انتقادات فقد سبق أن اعتبرت المعارضة أن معيار الولاء بات شرطا أساسيا في تعيين الولاة بعد أن أقدم الرئيس على تعيين 4 ولاة (عز الدين شلبي واليا على بن عروس، وسعيد بن زايد في مدنين وفوزي مراد بصفاقس ونادر الحمدوني بقفصة)، وقبل ذلك أثار تعيين والي بنزرت موجة انتقادات لا سيما وأن خصوم الرئيس الذين لا طالما اتهموا بمنطق الغنيمة والمحاصصة هم اليوم يرتكزون أساسا على غياب الكفاءة في تعيينات الرئيس والاقتصار على أصدقائه وأعضاء حملته الانتخابية والتفسيرية.
وقد أصدرت حينها أحزاب التيار الديمقراطي والتكتل من أجل العمل والحريات والجمهوري بيانًا مشتركًا، عبرت فيه عن استيائها من "التفرد بالحكم، الذي أفضى إلى انتهاج تعيينات قائمة فقط على الولاء دون اعتبار للكفاءة، كما أكدته قائمة الولاة الأخيرة، ما يهدد عمل الدولة ويكرس عقلية الانتهازية والغنيمة والتملق، ويعمق الهوة بين الدولة ومواطناتها ومواطنيها".
وأصدر بدوره الحزب الدستوري الحر بيانا اعتبر فيه أن "عملية تعيين أربعة ولاة من قبل رئيس السلطة القائمة يُجسد عودة البلاد إلى مربع التعيينات بالولاءات والمحاباة والتحكم في مفاصل الدولة عبر الترضيات والمكافآت".
مضيفا أن "هذه المكافآت والتعيينات هي مقابل خدمات انتخابية أو شخصية سابقة استفاد منها الماسك بسلطة القرار".
م.ي
تونس-الصباح
أعادت تعيينات رئيس الجمهورية قيس سعيد الأخيرة صلب هيئة الانتخابات الجدل مرة أخرى حول موضوع التعين على أساس الولاء للشخص أو للحزب على حساب الكفاءة والحياد وبقية الشروط الموضوعية الأخرى المفروض احترامها في اختيار المؤهلين لتولى مناصب عليا في الدولة ضمانا للنجاعة ودرءا للانتقادات والشبهات.
وكثيرون يعتبرون اليوم أن تعيينات الرئيس في هيئة الانتخابات وقبلها في المجلس الأعلى للقضاء وكذلك الاختيارات التي تم على أساسها سابقا اختيار ولاة ومسؤولين محليين وجهويين، وقعت في المحظور الذي لطالما نبه منه المجتمع المدني وعارضه من هم خارج الحكم وفي موقع المعارضة وكيلت بسببه الاتهامات والانتقادات للماسكين بالسلطة على اعتبار أن تعيينات المحسوبية والولاء والمحاصصات الشخصية والضيقة خربت الدولة وكانت نتائجها وخيمة على المؤسسات والهيئات.
والرئيس قيس سعيد كان أحد هؤلاء الذي ردد مرارا وتكرارا، قبل وصوله إلى سدة الحكم وحتى في فترة حكمه الأولى قبل 25 جويلية، انتقاده ورفضه لمنطق المحاصصة الحزبية والتعيينات السياسية في مناصب عليا في الدولة وأسلوب الغنيمة والمكافأة على أساس الولاء وعلى حساب مصلحة الشعب.
وإلى وقت قريب كان الرئيس ينتقد التعيينات على أساس الولاء آخرها ما قاله إبان عزمه حل المجلس الأعلى للقضاء حين تحدث من مقر وزارة الداخلية قائلا: و"ليعتبر هذا المجلس نفسه في عداد الماضي..،هذا المجلس أصبحت تباع فيه المناصب بل ويتم وضع الحركة القضائية (التعيينات فيه) بناء على الولاءات".
انتقادات ومخاوف
اليوم، يواجه الرئيس وتعييناته واختياراته بالانتقادات ذاتها ومع كل تعيينات جديدة في الدولة تخرج المعارضة لتلوح بأن الرئيس لا يعين إلا من ولاه وأيد مساره بعد 25 جويلية وأعلن صراحة استبسالا في الدفاع عن الرئيس وعن خياراته وهاجم معارضيه بشراسة (على غرار الجدل الكبير الذي رافق التعيين الأخير لسامي بن سلامة في هيئة الانتخابات الذي عرف بنقده اللاذع لخصوم الرئيس وتأييده اللامحدود واللامشروط للرئيس).
ولم يخف البعض تخوفهم من تداعيات مثل هذه التعيينات وما قد تطرحه من إشكاليات وعقبات مستقبلا وأخطرها التشكيك في نزاهة وحياد الاستحقاقات القادمة.
وقد عبر في هذا الصدد الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، ضمنيا، عن هذه المخاوف عندما قال إن “هذه التعيينات ستتسبّب في عديد الإشكاليات خلال الانتخابات القادمة” معتبرا أن الرئيس مسؤولا عن هذه الخيارات وعن نتائجها.
بدورها اعتبرت أستاذة القانون الدستور منى كريم في تصريح إذاعي أمس أن قرار رئيس الجمهورية بتعديل هيئة الانتخابات يتنزل ضمن اختصاصاته والمهام الموكولة إليه باتخاذ مراسيم في كافة المجالات بمقتضى الأمر 17 لسنة 2021 الذي أصبح ينظم البلاد في مكانة أعلى من الدستور، لكنها في المقابل تقول إن "تعيين رئيس الجمهورية لأعضاء هيئة الانتخابات وغيرها من الهيئات يمثل خضوعا من كافة المؤسسات لسلطة رئيس الجمهورية".
وبأكثر وضوح أدانت منظمة “أنا يقظ” في بيان لها أول أمس ما اعتبرته ".. تعيين أشخاص عرفوا بمعاداتهم أو بقربهم من بعض التيارات السياسية أو من رئيس الجمهورية في هيئة من المفروض أن تكون على نفس قدم المساواة من الجميع ضربا لمصداقية أي قرار صادر عنها ويفتح الباب للتشكيك في نتائج الاستحقاقات الانتخابية القادمة وفي النزاهة الفكرية لأعضاء الهيئة".
وأكدت انها “لم تُفاجأ بقائمة الأشخاص الّذين اختارهم رئيس الجمهوريّة لتشكيل تركيبة الهيئة ” متهمة الرئاسة بـ”انتهاج سياسة التعيين على أساس الطاعة والموالاة ” معتبرة أن” الكفاءة صارت معيارا غير ضروريّ في المناصب الحساسة”.
كما رفض المكتب السياسي لحزب آفاق تونس في بيانه الأخير ليوم 9 ماي الجاري خيارات وتعيينات الرئيس الأخيرة وقال إنه "لا للتسييس والعبث بمؤسسات الدولة من مؤسسات أمنية وعسكرية ومجلس الأمن القومي في توجيه رسائل سياسية وفي تعيينات ارتجالية في صلب الدولة والإدارة القائمة على الولاء والمحسوبية وصراع الأجنحة والذي يذكرنا بحقبات سوداء في تاريخ تونس"، وفق نص البيان.
اتهامات سابقة
ليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها تعيينات الرئيس بموجة انتقادات فقد سبق أن اعتبرت المعارضة أن معيار الولاء بات شرطا أساسيا في تعيين الولاة بعد أن أقدم الرئيس على تعيين 4 ولاة (عز الدين شلبي واليا على بن عروس، وسعيد بن زايد في مدنين وفوزي مراد بصفاقس ونادر الحمدوني بقفصة)، وقبل ذلك أثار تعيين والي بنزرت موجة انتقادات لا سيما وأن خصوم الرئيس الذين لا طالما اتهموا بمنطق الغنيمة والمحاصصة هم اليوم يرتكزون أساسا على غياب الكفاءة في تعيينات الرئيس والاقتصار على أصدقائه وأعضاء حملته الانتخابية والتفسيرية.
وقد أصدرت حينها أحزاب التيار الديمقراطي والتكتل من أجل العمل والحريات والجمهوري بيانًا مشتركًا، عبرت فيه عن استيائها من "التفرد بالحكم، الذي أفضى إلى انتهاج تعيينات قائمة فقط على الولاء دون اعتبار للكفاءة، كما أكدته قائمة الولاة الأخيرة، ما يهدد عمل الدولة ويكرس عقلية الانتهازية والغنيمة والتملق، ويعمق الهوة بين الدولة ومواطناتها ومواطنيها".
وأصدر بدوره الحزب الدستوري الحر بيانا اعتبر فيه أن "عملية تعيين أربعة ولاة من قبل رئيس السلطة القائمة يُجسد عودة البلاد إلى مربع التعيينات بالولاءات والمحاباة والتحكم في مفاصل الدولة عبر الترضيات والمكافآت".
مضيفا أن "هذه المكافآت والتعيينات هي مقابل خدمات انتخابية أو شخصية سابقة استفاد منها الماسك بسلطة القرار".