* الحرب الروسية الأوكرانية تحت مجهر منتدى التعاون التونسي الأوروبي
* لا للاصطفاف.. وقادرون على تحقيق الاكتفاء الذاتي بدعم الفلاح
*خبير الأمن الغذائي سليم بوصباح لـ"الصباح": " ارتفاع الأسعار على تونس ستكون له تأثيرات كبيرة خاصة على كلفة الدعم التي تضاعفت 7 مرات "
تونس الصباح
لم يكن الاحتفال باليوم العالمي بأوروبا، يوم 9 ماي من كل سنة، ككل السنوات الماضية، خاصة وأنه اقترن هذه السنة مع زلزال جيوسياسي هز القارة العجوز، بعد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، والذي تسبب في تداعيات اقتصادية وأمنية كبيرة، انعكست على أوروبا مثلما كان لها تأثير بالغ على كل الكرة الأرضية.
في هذا السياق، أحيا منتدى التعاون التونسي الأوروبي أمس، ندوة علمية حول "تداعيات جائحة كورونا والنزاع الروسي الأوكراني على العلاقات التونسية الأوروبية في المجالات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية"، حضرته "الصباح"، حيث كان لها لقاءات مع جملة من المختصين والخبراء، كانت أبرز ردودهم عن تساؤلات "الصباح" تمكن في محورين:
أولهما: يجب على تونس أن لا تصطف مع أحد المعسكرين المتخاصمين في الحرب الأوكرانية الروسية.
وثانيهما: "يجب ألا نخسر الفلاح التونسي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب".
لا للاصطفاف
في هذا السياق، قال رئيس المجلس التونسي للعلاقات الدولية خميس الجهيناوي أن هناك تأثيرا مباشرا للحرب الروسية ضد أوكرانيا، على تونس.
وأشار الجهيناوي إلى أن التأثيرات تمس مباشرة بملفي الحبوب والمحروقات، مشيرا في هذا السياق إلى أن تونس تستورد 50 في المائة من حاجياتها من الحبوب وذلك بنسبة 47 في المائة من أوكرانيا و4 في المائة من روسيا.
وأكد الجهيناوي أنه، عقب انتهاء هذه الحرب، يجب إدراك مدى حاجيات تونس من هذه المادة، خاصة وأن ذلك له تأثيرات كبيرة على الميزان التجاري والتوازنات المالية.
وأردف وزير الخارجية السابق، أن هذه التأثيرات تشمل ملف المحروقات والطاقة حيث أن الزيادة في الأسعار على المستوى الدولي يثقل الميزانية، مشيرا إلى أن زيادة كل دولار في أسعار البترول سيتسبب في زيادة مليون دينار تونسي على الميزانية العامة.
وأكد الجهيناوي أن لدى تونس العلاقات الكافية مع طرفي الحرب لتأمين حاجيات تونس من هذه المواد، مؤكدا في هذا الصدد أن الحرب تسببت كذلك في إشكاليات لوجستية كبيرة لجلب هذه المواد، "فالحرب تدور في الموانئ الأوكرانية الرئيسية والتي لن تكون قادرة على العمل وتصدير أهم المواد المنتجة".
وأشار الجهيناوي إلى أنه من الممكن أن تعرف العلاقات الأورو- متوسطية اضطرابات، خاصة وأن هذه الحرب تدور على أراض أوروبية وبشكل حاد، أكثر من الحرب التي شهدتها يوغسلافيا سابقا، مما سيؤدي إلى تغييرات على مستوى الإستراتيجية الأوروبية للأمن، وهو ما يعني أن أوروبا قد تلتفت لاشكالياتها الداخلية وعلاقاتها بحلف الشمال الأطلسي التي أصبحت معززة بشكل كبير.
واقر الجهيناوي أنه من الطبيعي أن تلتفت أوروبا إلى مشاكلها الداخلية وذلك على حساب العلاقات بينها وبين تونس، وهو السيناريو الأسوأ، وأنه وجب السعي لدى الأوروبيين لمواصلة الاهتمام بالتعاون الأورو- متوسطي، لان الجميع ينتمي لنفس هذا الفضاء.
وأكد أنه يجب العمل على إعطاء أفكار جديدة لتعزيز العلاقات، مشيرا إلى أنه من بين التداعيات الإيجابية لهذه الحرب، أن بعض الصناعات الأوروبية في أوكرانيا انتقلت اليوم إلى تونس، مشيرا إلى أن أوروبا في حاجة اليوم للطاقة وأن هذه قد تكون فرصة لتونس للاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة، خصوصا وأن أوروبا تتطلع للاقتصاد الأخضر.
وفي إجابة حول سؤال لـ"الصباح" حول ضرورة اصطفاف تونس مع أحد الطرفين المتحاربين، من عدمها، قال الجهيناوي: "إن من يدعو لاصطفاف تونس مع أحد المعسكرين لا يفهم تونس ولا نقاط قوتها أو ضعفها، فتونس لها إمكانيات مهمة في بعض القطاعات وضعيفة في قطاعات أخرى، فيجب أن تنوع في علاقاتها وتحافظ عليها".
وختم الجهيناوي كلامه:"لا مصلحة لتونس في الاصطفاف مع أحد الطرفين".
ضرورة دعم الفلاح التونسي
في سياق آخر، قال الخبير في مجال أسواق الحبوب الدولية والأمن الغذائي سليم بوصباح في حوار لـ"الصباح" أن الحرب الروسية الأوكرانية هي فقط "القطرة التي أفاضت الكأس"، في علاقة بارتفاع أسعار الحبوب على المستوى الدولي.
وأضاف قائلا: "صحيح أن السوق الدولية كانت مستقرة قبل الأزمة الغذائية العالمية سنتي 2007 و2008، وأن تونس كانت تستورد القمح بأسعار أقل من مستوى أسعار الإنتاج على المستوى المحلي".
وأشار بوصباح إلى أنه "منذ أزمة الغذاء العالمية أصبحت السوق العالمية غير مستقرة، ففي سنة 2011 كانت هناك أزمة إنتاج في بعض البلدان المصدرة، إضافة للمضاربة التي ساهمت في زيادة الأسعار، وبأزمة جائحة كوفيد سنة 2020، نهاية بالحرب الروسية على أوكرانيا سنة 2022، إضافة إلى أن التوقعات بارتفاع عدد سكان العالم سنة 2050 إلى 9 مليارات مع إقرار الصين لسياسة الطفل الثالث، ونسبة التمدن التي ستصل إلى 70 في المائة، ستساهم في ارتفاع الأسعار".
وأقر بأن ارتفاع الأسعار على تونس ستكون له تأثيرات كبيرة خاصة على كلفة الدعم التي تضاعفت 7 مرات منذ ما قبل أزمة الغذاء العالمية 2007 و2008 وما بعدها، إضافة لتأثير فارق أسعار الصرف، مما سيؤدي إلى ارتفاع مشط لكلفة الدعم، الذي قد لا يتمكن أن تتحمله الدولة.
وأقر الخبير في الأمن الغذائي أن "الحل اليوم هو بين أيدينا"، مضيفا "التقاليد التونسية في الأكل تعتمد على القمح الصلب والذي لا يمثل إلا 5 في المائة من إنتاج الحبوب في العالم، ونحن قادرون على تحقيق الاكتفاء الذاتي منه، وهذا لا يعني أن نقاطع شراء القمح اللين لكن حسب الأسعار التي تناسبنا".
وأشار بوصباح إلى أن إنتاج القمح الصلب يناسب المناخ في تونس إذ انه يحتاج أكثر للشمس وأقل كمية من المياه عكس القمح اللين الذي يحتاج كثيرا من المياه لزراعته.
وأكد أنه للتوصل للاكتفاء الذاتي في القمح الصلب يجب "ألا نخسر الفلاح"، مشيرا في هذا السياق أن ارتفاع مواد الإنتاج، مما يتسبب في نفور الفلاحين من أراضيهم.
واستنتج بوصباح قائلا: "إذا خسرنا ماكينة الإنتاج فلا يمكن الحديث عن اكتفاء ذاتي".
وحول كم من الزمن اللازم لتحقيق هذا الهدف قال بوصباح: "خسرنا الكثير من السنوات للوصول لهذا المستوى، ويلزمنا الكثير من السنوات لإعادة الإنتاج والوصول لتحقيق الاكتفاء الذاتي".
وحول آخر السنوات التي حققت فيها تونس اكتفاءها الذاتي من القمح الصلب، قال بوصباح: "في سنة 1996، وكذلك في سنة 2003، وفي العموم فانه إذا كانت هناك تساقطات هامة للأمطار في شهر الربيع، وخاصة في جهات الوسط".
وأكد أنه وجب الاختيار الجيد لأصناف الحبوب التي ينوى الفلاح زراعتها والتي تتلاءم مع الطبيعة المناخية للبلاد.
نزار مقني
* الحرب الروسية الأوكرانية تحت مجهر منتدى التعاون التونسي الأوروبي
* لا للاصطفاف.. وقادرون على تحقيق الاكتفاء الذاتي بدعم الفلاح
*خبير الأمن الغذائي سليم بوصباح لـ"الصباح": " ارتفاع الأسعار على تونس ستكون له تأثيرات كبيرة خاصة على كلفة الدعم التي تضاعفت 7 مرات "
تونس الصباح
لم يكن الاحتفال باليوم العالمي بأوروبا، يوم 9 ماي من كل سنة، ككل السنوات الماضية، خاصة وأنه اقترن هذه السنة مع زلزال جيوسياسي هز القارة العجوز، بعد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، والذي تسبب في تداعيات اقتصادية وأمنية كبيرة، انعكست على أوروبا مثلما كان لها تأثير بالغ على كل الكرة الأرضية.
في هذا السياق، أحيا منتدى التعاون التونسي الأوروبي أمس، ندوة علمية حول "تداعيات جائحة كورونا والنزاع الروسي الأوكراني على العلاقات التونسية الأوروبية في المجالات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية"، حضرته "الصباح"، حيث كان لها لقاءات مع جملة من المختصين والخبراء، كانت أبرز ردودهم عن تساؤلات "الصباح" تمكن في محورين:
أولهما: يجب على تونس أن لا تصطف مع أحد المعسكرين المتخاصمين في الحرب الأوكرانية الروسية.
وثانيهما: "يجب ألا نخسر الفلاح التونسي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب".
لا للاصطفاف
في هذا السياق، قال رئيس المجلس التونسي للعلاقات الدولية خميس الجهيناوي أن هناك تأثيرا مباشرا للحرب الروسية ضد أوكرانيا، على تونس.
وأشار الجهيناوي إلى أن التأثيرات تمس مباشرة بملفي الحبوب والمحروقات، مشيرا في هذا السياق إلى أن تونس تستورد 50 في المائة من حاجياتها من الحبوب وذلك بنسبة 47 في المائة من أوكرانيا و4 في المائة من روسيا.
وأكد الجهيناوي أنه، عقب انتهاء هذه الحرب، يجب إدراك مدى حاجيات تونس من هذه المادة، خاصة وأن ذلك له تأثيرات كبيرة على الميزان التجاري والتوازنات المالية.
وأردف وزير الخارجية السابق، أن هذه التأثيرات تشمل ملف المحروقات والطاقة حيث أن الزيادة في الأسعار على المستوى الدولي يثقل الميزانية، مشيرا إلى أن زيادة كل دولار في أسعار البترول سيتسبب في زيادة مليون دينار تونسي على الميزانية العامة.
وأكد الجهيناوي أن لدى تونس العلاقات الكافية مع طرفي الحرب لتأمين حاجيات تونس من هذه المواد، مؤكدا في هذا الصدد أن الحرب تسببت كذلك في إشكاليات لوجستية كبيرة لجلب هذه المواد، "فالحرب تدور في الموانئ الأوكرانية الرئيسية والتي لن تكون قادرة على العمل وتصدير أهم المواد المنتجة".
وأشار الجهيناوي إلى أنه من الممكن أن تعرف العلاقات الأورو- متوسطية اضطرابات، خاصة وأن هذه الحرب تدور على أراض أوروبية وبشكل حاد، أكثر من الحرب التي شهدتها يوغسلافيا سابقا، مما سيؤدي إلى تغييرات على مستوى الإستراتيجية الأوروبية للأمن، وهو ما يعني أن أوروبا قد تلتفت لاشكالياتها الداخلية وعلاقاتها بحلف الشمال الأطلسي التي أصبحت معززة بشكل كبير.
واقر الجهيناوي أنه من الطبيعي أن تلتفت أوروبا إلى مشاكلها الداخلية وذلك على حساب العلاقات بينها وبين تونس، وهو السيناريو الأسوأ، وأنه وجب السعي لدى الأوروبيين لمواصلة الاهتمام بالتعاون الأورو- متوسطي، لان الجميع ينتمي لنفس هذا الفضاء.
وأكد أنه يجب العمل على إعطاء أفكار جديدة لتعزيز العلاقات، مشيرا إلى أنه من بين التداعيات الإيجابية لهذه الحرب، أن بعض الصناعات الأوروبية في أوكرانيا انتقلت اليوم إلى تونس، مشيرا إلى أن أوروبا في حاجة اليوم للطاقة وأن هذه قد تكون فرصة لتونس للاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة، خصوصا وأن أوروبا تتطلع للاقتصاد الأخضر.
وفي إجابة حول سؤال لـ"الصباح" حول ضرورة اصطفاف تونس مع أحد الطرفين المتحاربين، من عدمها، قال الجهيناوي: "إن من يدعو لاصطفاف تونس مع أحد المعسكرين لا يفهم تونس ولا نقاط قوتها أو ضعفها، فتونس لها إمكانيات مهمة في بعض القطاعات وضعيفة في قطاعات أخرى، فيجب أن تنوع في علاقاتها وتحافظ عليها".
وختم الجهيناوي كلامه:"لا مصلحة لتونس في الاصطفاف مع أحد الطرفين".
ضرورة دعم الفلاح التونسي
في سياق آخر، قال الخبير في مجال أسواق الحبوب الدولية والأمن الغذائي سليم بوصباح في حوار لـ"الصباح" أن الحرب الروسية الأوكرانية هي فقط "القطرة التي أفاضت الكأس"، في علاقة بارتفاع أسعار الحبوب على المستوى الدولي.
وأضاف قائلا: "صحيح أن السوق الدولية كانت مستقرة قبل الأزمة الغذائية العالمية سنتي 2007 و2008، وأن تونس كانت تستورد القمح بأسعار أقل من مستوى أسعار الإنتاج على المستوى المحلي".
وأشار بوصباح إلى أنه "منذ أزمة الغذاء العالمية أصبحت السوق العالمية غير مستقرة، ففي سنة 2011 كانت هناك أزمة إنتاج في بعض البلدان المصدرة، إضافة للمضاربة التي ساهمت في زيادة الأسعار، وبأزمة جائحة كوفيد سنة 2020، نهاية بالحرب الروسية على أوكرانيا سنة 2022، إضافة إلى أن التوقعات بارتفاع عدد سكان العالم سنة 2050 إلى 9 مليارات مع إقرار الصين لسياسة الطفل الثالث، ونسبة التمدن التي ستصل إلى 70 في المائة، ستساهم في ارتفاع الأسعار".
وأقر بأن ارتفاع الأسعار على تونس ستكون له تأثيرات كبيرة خاصة على كلفة الدعم التي تضاعفت 7 مرات منذ ما قبل أزمة الغذاء العالمية 2007 و2008 وما بعدها، إضافة لتأثير فارق أسعار الصرف، مما سيؤدي إلى ارتفاع مشط لكلفة الدعم، الذي قد لا يتمكن أن تتحمله الدولة.
وأقر الخبير في الأمن الغذائي أن "الحل اليوم هو بين أيدينا"، مضيفا "التقاليد التونسية في الأكل تعتمد على القمح الصلب والذي لا يمثل إلا 5 في المائة من إنتاج الحبوب في العالم، ونحن قادرون على تحقيق الاكتفاء الذاتي منه، وهذا لا يعني أن نقاطع شراء القمح اللين لكن حسب الأسعار التي تناسبنا".
وأشار بوصباح إلى أن إنتاج القمح الصلب يناسب المناخ في تونس إذ انه يحتاج أكثر للشمس وأقل كمية من المياه عكس القمح اللين الذي يحتاج كثيرا من المياه لزراعته.
وأكد أنه للتوصل للاكتفاء الذاتي في القمح الصلب يجب "ألا نخسر الفلاح"، مشيرا في هذا السياق أن ارتفاع مواد الإنتاج، مما يتسبب في نفور الفلاحين من أراضيهم.
واستنتج بوصباح قائلا: "إذا خسرنا ماكينة الإنتاج فلا يمكن الحديث عن اكتفاء ذاتي".
وحول كم من الزمن اللازم لتحقيق هذا الهدف قال بوصباح: "خسرنا الكثير من السنوات للوصول لهذا المستوى، ويلزمنا الكثير من السنوات لإعادة الإنتاج والوصول لتحقيق الاكتفاء الذاتي".
وحول آخر السنوات التي حققت فيها تونس اكتفاءها الذاتي من القمح الصلب، قال بوصباح: "في سنة 1996، وكذلك في سنة 2003، وفي العموم فانه إذا كانت هناك تساقطات هامة للأمطار في شهر الربيع، وخاصة في جهات الوسط".
وأكد أنه وجب الاختيار الجيد لأصناف الحبوب التي ينوى الفلاح زراعتها والتي تتلاءم مع الطبيعة المناخية للبلاد.