عاد الحديث مجددا عن التكتلات والجبهات والتحالفات الحزبية والسياسية بشكل لافت في هذه المرحلة التي تُسيّر فيها الدولة وفق التدابير الاستثنائية، بعد أن كانت مثل هذه الأشكال من "التجمعات" والتوافقات عنوانا للمنظومة والمشهد السياسيين خلال العشرية الماضية. وأكدت عديد القراءات أنها كانت سببا لفشل تلك المنظومة والأحزاب رغم تعددها من ناحية ونفور القواعد الجماهيرية من الأحزاب وتعزز أزمة عدم الثقة في السياسي من ناحية أخرى.
وقد تحدث عبد الستار السحباني، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية ورئيس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع، عن هذه المسألة باعتباره مختصا ومتابعا للشؤون السياسية والاجتماعية، متناولا جملة من النقاط في تقييمه لمثل هذه التحالفات من خلال تركيز الاهتمام على "جبهة الخلاص الوطني"، التي تم الإعلان عن بعثها مؤخرا لتكون قوة سياسية ومدنية تتكون من أحزاب ومنظمات وجمعيات معارضة لمسار ما بعد 25 جويلية الذي يقوده رئيس الجمهورية قيس سعيد، والتطرق إلى مدى قدرة هذه الجبهة الجديدة على التأثير في الوضع العام في تونس.
وقال في نفس الإطار:"أعتقد أن هناك جملة من النقاط التي أعتبرها بمثابة الشروط لنجاح هذه الجبهة ولكنها تعد كلها نقاط ضعف تحمل أدوات فشل هذه الجبهة التي أعلن عنها أحمد نجيب الشابي وفي مقدمتها أننا تعودنا في تونس ما بعد 2011 على التحالفات والجبهات التي تضم أحزابا وتيارات وجمعيات وغيرها، ولكن لو نرجع لتجارب الجبهات بالأساس نجد أنها كلها كان مآلها الفشل ولم تنجح أي جبهة أو تحالف". وفسر سبب ذلك بطبيعة تركيباتها التي تكون في غالب الأحيان غير متناغمة وتجمعها أهداف ومصالح سريعا ما تنتهي وتزول بمجرد زوال أسباب تكوينها.
أزمة القيادة والقطيعة
وأرجع أستاذ علم الاجتماع هذا الفشل إلى عدة أسباب ونقاط ضعف أخرى وضع من بينها الضعف فيما يتعلق بالقيادة، ذلك أن هذه الجبهة تضم أسماء لها قيمة اعتبارية في النشاط السياسي تبحث عن الزعامة والاستفادة من الوضع بعد فشل أحزابها، الأمر الذي يخلق منافسة وصراعا داخليا مهما كانت الظروف، واستشهد في ذلك بما حدث في الجبهة الشعبية بعد أن اختار حزب العمال في عديد المرات إصدار بيانات باسمه دون الانضباط لمبدأ الجبهة والتحالف الموجود.
كما اعتبر ان من نقاط الوهن التي تحمل عوامل فشل هذه الجبهة هو القطيعة الكبيرة بين قيادات جبهة الخلاص الوطني والقواعد الشعبية على غرار ما حدث أثناء تحالف نداء تونس والنهضة بعد انتخابات 2014 حيث أن ذلك التحالف لم يخلق تحالفا قاعديا وتلاق بين قواعد الحزبين الأمر الذي عجل بفشله. واعتبر السحباني أن من العوامل الأخرى التي تؤكد فشل هذه الجبهة الفتية وحلها في ظرف وجيز هو أن عملها نخبوي ومركزي بحت. لأنه بخلاف حزب حركة النهضة له قواعد في الجهات فان بقية الأحزاب والتنظيمات المكونة لها لا يمثلها تقريبا سوى قيادييها أو المتحدثون باسمها وقلة من المستفيدين منها.
في جانب آخر من كشفه عن جملة النقاط التي تختزل في أبعادها مدى نجاح هذه الجبهة في تحقيق الخلاص لتونس من جملة الأزمات والصعوبات المتراكمة نتيجة فشل المنظومة الحاكمة في العشرية الماضية، قال محدثنا:"عادة ما تجتمع التحالفات والجبهات عند نقطة معينة أو برنامج محدد ويعمل الجميع على تطويرها. لكن هذا يطرح مشكلا من نوع آخر نظرا لأن الديناميكية السياسية تجعل هذه الجبهة لا تتعامل مع برنامج واضح ومحدد الأهداف اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا فكريا وسياسيا، وإنما تبقى مواقفها مجرد ردود أفعال تجاه ما يقرر سعيد وهي مواقف قابلة للتغيير والتبدل والتلون على غرار ما دأبناه في مواقف أغلب مكوناتها وهذا في حد ذاته عامل يسرع بفشلها ويعزز عدم التفاف المواطنين والمؤسسات والمنظمات الوطنية حولها لانعدام الثقة فيها".
قطب إسلاموي بحت
كما وضع مسألة غياب أحزاب ديمقراطية وتقدمية وحداثية في تركيبة هذه الجبهة والاقتصار على الأحزاب والسياسيين والناشطين في الحقل المدني من المحسوبين على الأحزاب اليمينية أو المتمعشين من البقاء في السلطة، إضافة إلى الجمعيات التي تحمل توجها إسلامويا كلها من العوامل التي تؤثر على بقاء هذه الجبهة. لذلك يرى رئيس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع أن هذه الجبهة في حاجة إلى الانفتاح على تيارات حزبية أخرى لضمان جانب من المصداقية والإنعاش. وهو تقريبا ما يتعلق بعامل آخر يحمل أدوات فشلها في بدايتها ويتمثل في اقتصار الدعاية الإعلامية على مؤسسات وأشخاص ليسوا مستقلين في مواقفهم والكل يعلم أجنداتها وتوجهاتها محسوبين على "النهضة ومشتقاتها واذرعها"، في مستويين داخلي وخارجي.
ضعف اتصالي
نقطة أخرى لا تقل أهمية عما سبق الإشارة له تتمثل في توقيت الإعلان عن هذه الجبهة التي اعتبرها محدثنا تمثل نقطة خطأ اتصالية وتقديرية كبيرة لأنها تتزامن مع شهر رمضان والاستعداد لعيد الفطر وضغط المصاريف للمناسبتين إضافة إلى الاستعداد للامتحانات الكبرى وامتحانات نهاية السنة الدراسية خاصة أن اهتمامات التونسيين ليست سياسية في هذه الفترة. وهذا يقود إلى السؤال: هل أن الغاية من هذه الجبهة هو تكوين تحالف وإعلان جبهة أم هناك غايات أخرى؟
وأضاف السحباني في جانب آخر من حديثه عن نقاط أساسية تتعلق بمصري هذه الجبهة ومدى قدرتها على النجاح في تحقيق أهدافها في قلب موازن القوى لفائدتها ضد مسار ما بعد 25 جويلية بقيادة رئاسة الجمهورية، بقوله: "لم أر إلى حد الآن خطابا واضحا وهادفا ومهيكلا موجها إلى التونسيين بقدر ما هو خطاب موجه للغرب والأجنبي بشكل عام لأنه خطاب مبني على مسائل شكلية في الصراع مع رئاسة الجمهورية تتعلق بخرق الدستور والقانون والخوف من الديكتاتورية". مبينا أن الخطاب المعتمد من المعارضة إلى حد الآن ضعيف جدا ولا يحتوى على مضامين ورؤية واضحة وهو موجه للخارج وهذا يشكل خطرا كبيرا على الدولة والتونسيين والجبهة أيضا.
ويرى أستاذ علم الاجتماع أن من النقاط الأخرى التي تحيل إلى عدم نجاح هذه الجبهة أن مواقف بعض الأحزاب الأخرى خاصة منها المعارضة للمسار ما بعد 25 جويلية ولم تبد بعد موقفها منها أو تحدد موقفها بالانضمام لها من عدمه على غرار أحزاب العمال والتيار الديمقراطي والدستوري الحر. إضافة إلى التساؤل عن مهمتها هل ستقتصر على تنظيم الاحتجاجات في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة والتنديد لدى السفارات والمنظمات والهياكل الدولية ومواصلة شيطنة سياسة سعيد أم أن هناك مهاما أخرى؟
فيما يعتبر أن عدم معرفة موقف الجهات الرسمية والأطراف الداعمة للمسار الذي تقوده رئاسة الجمهورية من هذه الجبهة بعدد من المسائل الأخرى المتحكمة في مصيرها.
وتمحورت النقطة الثانية عشرة التي حددها السحباني في تقييمه لجبهة الخلاص الوطني بمعرفة الجهات الداعمة لها ماليا هل هي داخلية فقط أم هناك دعما ماليا أجنبيا بما يمكنها من الحضور داخل الجهات؟
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
عاد الحديث مجددا عن التكتلات والجبهات والتحالفات الحزبية والسياسية بشكل لافت في هذه المرحلة التي تُسيّر فيها الدولة وفق التدابير الاستثنائية، بعد أن كانت مثل هذه الأشكال من "التجمعات" والتوافقات عنوانا للمنظومة والمشهد السياسيين خلال العشرية الماضية. وأكدت عديد القراءات أنها كانت سببا لفشل تلك المنظومة والأحزاب رغم تعددها من ناحية ونفور القواعد الجماهيرية من الأحزاب وتعزز أزمة عدم الثقة في السياسي من ناحية أخرى.
وقد تحدث عبد الستار السحباني، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية ورئيس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع، عن هذه المسألة باعتباره مختصا ومتابعا للشؤون السياسية والاجتماعية، متناولا جملة من النقاط في تقييمه لمثل هذه التحالفات من خلال تركيز الاهتمام على "جبهة الخلاص الوطني"، التي تم الإعلان عن بعثها مؤخرا لتكون قوة سياسية ومدنية تتكون من أحزاب ومنظمات وجمعيات معارضة لمسار ما بعد 25 جويلية الذي يقوده رئيس الجمهورية قيس سعيد، والتطرق إلى مدى قدرة هذه الجبهة الجديدة على التأثير في الوضع العام في تونس.
وقال في نفس الإطار:"أعتقد أن هناك جملة من النقاط التي أعتبرها بمثابة الشروط لنجاح هذه الجبهة ولكنها تعد كلها نقاط ضعف تحمل أدوات فشل هذه الجبهة التي أعلن عنها أحمد نجيب الشابي وفي مقدمتها أننا تعودنا في تونس ما بعد 2011 على التحالفات والجبهات التي تضم أحزابا وتيارات وجمعيات وغيرها، ولكن لو نرجع لتجارب الجبهات بالأساس نجد أنها كلها كان مآلها الفشل ولم تنجح أي جبهة أو تحالف". وفسر سبب ذلك بطبيعة تركيباتها التي تكون في غالب الأحيان غير متناغمة وتجمعها أهداف ومصالح سريعا ما تنتهي وتزول بمجرد زوال أسباب تكوينها.
أزمة القيادة والقطيعة
وأرجع أستاذ علم الاجتماع هذا الفشل إلى عدة أسباب ونقاط ضعف أخرى وضع من بينها الضعف فيما يتعلق بالقيادة، ذلك أن هذه الجبهة تضم أسماء لها قيمة اعتبارية في النشاط السياسي تبحث عن الزعامة والاستفادة من الوضع بعد فشل أحزابها، الأمر الذي يخلق منافسة وصراعا داخليا مهما كانت الظروف، واستشهد في ذلك بما حدث في الجبهة الشعبية بعد أن اختار حزب العمال في عديد المرات إصدار بيانات باسمه دون الانضباط لمبدأ الجبهة والتحالف الموجود.
كما اعتبر ان من نقاط الوهن التي تحمل عوامل فشل هذه الجبهة هو القطيعة الكبيرة بين قيادات جبهة الخلاص الوطني والقواعد الشعبية على غرار ما حدث أثناء تحالف نداء تونس والنهضة بعد انتخابات 2014 حيث أن ذلك التحالف لم يخلق تحالفا قاعديا وتلاق بين قواعد الحزبين الأمر الذي عجل بفشله. واعتبر السحباني أن من العوامل الأخرى التي تؤكد فشل هذه الجبهة الفتية وحلها في ظرف وجيز هو أن عملها نخبوي ومركزي بحت. لأنه بخلاف حزب حركة النهضة له قواعد في الجهات فان بقية الأحزاب والتنظيمات المكونة لها لا يمثلها تقريبا سوى قيادييها أو المتحدثون باسمها وقلة من المستفيدين منها.
في جانب آخر من كشفه عن جملة النقاط التي تختزل في أبعادها مدى نجاح هذه الجبهة في تحقيق الخلاص لتونس من جملة الأزمات والصعوبات المتراكمة نتيجة فشل المنظومة الحاكمة في العشرية الماضية، قال محدثنا:"عادة ما تجتمع التحالفات والجبهات عند نقطة معينة أو برنامج محدد ويعمل الجميع على تطويرها. لكن هذا يطرح مشكلا من نوع آخر نظرا لأن الديناميكية السياسية تجعل هذه الجبهة لا تتعامل مع برنامج واضح ومحدد الأهداف اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا فكريا وسياسيا، وإنما تبقى مواقفها مجرد ردود أفعال تجاه ما يقرر سعيد وهي مواقف قابلة للتغيير والتبدل والتلون على غرار ما دأبناه في مواقف أغلب مكوناتها وهذا في حد ذاته عامل يسرع بفشلها ويعزز عدم التفاف المواطنين والمؤسسات والمنظمات الوطنية حولها لانعدام الثقة فيها".
قطب إسلاموي بحت
كما وضع مسألة غياب أحزاب ديمقراطية وتقدمية وحداثية في تركيبة هذه الجبهة والاقتصار على الأحزاب والسياسيين والناشطين في الحقل المدني من المحسوبين على الأحزاب اليمينية أو المتمعشين من البقاء في السلطة، إضافة إلى الجمعيات التي تحمل توجها إسلامويا كلها من العوامل التي تؤثر على بقاء هذه الجبهة. لذلك يرى رئيس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع أن هذه الجبهة في حاجة إلى الانفتاح على تيارات حزبية أخرى لضمان جانب من المصداقية والإنعاش. وهو تقريبا ما يتعلق بعامل آخر يحمل أدوات فشلها في بدايتها ويتمثل في اقتصار الدعاية الإعلامية على مؤسسات وأشخاص ليسوا مستقلين في مواقفهم والكل يعلم أجنداتها وتوجهاتها محسوبين على "النهضة ومشتقاتها واذرعها"، في مستويين داخلي وخارجي.
ضعف اتصالي
نقطة أخرى لا تقل أهمية عما سبق الإشارة له تتمثل في توقيت الإعلان عن هذه الجبهة التي اعتبرها محدثنا تمثل نقطة خطأ اتصالية وتقديرية كبيرة لأنها تتزامن مع شهر رمضان والاستعداد لعيد الفطر وضغط المصاريف للمناسبتين إضافة إلى الاستعداد للامتحانات الكبرى وامتحانات نهاية السنة الدراسية خاصة أن اهتمامات التونسيين ليست سياسية في هذه الفترة. وهذا يقود إلى السؤال: هل أن الغاية من هذه الجبهة هو تكوين تحالف وإعلان جبهة أم هناك غايات أخرى؟
وأضاف السحباني في جانب آخر من حديثه عن نقاط أساسية تتعلق بمصري هذه الجبهة ومدى قدرتها على النجاح في تحقيق أهدافها في قلب موازن القوى لفائدتها ضد مسار ما بعد 25 جويلية بقيادة رئاسة الجمهورية، بقوله: "لم أر إلى حد الآن خطابا واضحا وهادفا ومهيكلا موجها إلى التونسيين بقدر ما هو خطاب موجه للغرب والأجنبي بشكل عام لأنه خطاب مبني على مسائل شكلية في الصراع مع رئاسة الجمهورية تتعلق بخرق الدستور والقانون والخوف من الديكتاتورية". مبينا أن الخطاب المعتمد من المعارضة إلى حد الآن ضعيف جدا ولا يحتوى على مضامين ورؤية واضحة وهو موجه للخارج وهذا يشكل خطرا كبيرا على الدولة والتونسيين والجبهة أيضا.
ويرى أستاذ علم الاجتماع أن من النقاط الأخرى التي تحيل إلى عدم نجاح هذه الجبهة أن مواقف بعض الأحزاب الأخرى خاصة منها المعارضة للمسار ما بعد 25 جويلية ولم تبد بعد موقفها منها أو تحدد موقفها بالانضمام لها من عدمه على غرار أحزاب العمال والتيار الديمقراطي والدستوري الحر. إضافة إلى التساؤل عن مهمتها هل ستقتصر على تنظيم الاحتجاجات في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة والتنديد لدى السفارات والمنظمات والهياكل الدولية ومواصلة شيطنة سياسة سعيد أم أن هناك مهاما أخرى؟
فيما يعتبر أن عدم معرفة موقف الجهات الرسمية والأطراف الداعمة للمسار الذي تقوده رئاسة الجمهورية من هذه الجبهة بعدد من المسائل الأخرى المتحكمة في مصيرها.
وتمحورت النقطة الثانية عشرة التي حددها السحباني في تقييمه لجبهة الخلاص الوطني بمعرفة الجهات الداعمة لها ماليا هل هي داخلية فقط أم هناك دعما ماليا أجنبيا بما يمكنها من الحضور داخل الجهات؟