-
تدهور غير مسبوق في المقدرة الشرائية....التاجر في حيرة والمستهلك يكتفي بالفرجة
-
إشكاليات في الإنتاج..التوزيع..التخزين.. التوريد والمراقبة
اعداد: درصاف اللموشي
تونس-الصباح
تزامن شهر رمضان هذا العام، مع تدهور غير مسبوق في المقدرة الشرائية للمواطن ومع عوامل مناخية التي أثرت على عدد من السلع في تجاه نقصانها من الأسواق، حتى ارتفعت الأسعار بل عرفت انفلاتا في بعضها على غرار أسعار الخبز والبيض، إلى جانب تجاوز سعر الكيلوغرام الواحد من العلوش 30 دينارا، مع أسعار جنونية للأسماك.
وضعية اتخذت أمامها وزارة التجارة عددا من الحلول على غرار منع التصدير، وهو ما قد يؤدي بشكل تدريجي إلى انفراج نسبي، انفراج طال انتظاره بالنسبة للمواطن.
"الصباح" فتحت ملف الأسعار في رمضان، لمعرفة عوامل ارتفاعها ومقارنتها مع المواسم الرمضانية الفارطة.
وأكد رمزي الطرابلسي مدير المرصد الوطني للتزويد والأسعار التابع لوزارة التجارة لـ"الصباح" أن رمضان يحلّ خلال المواسم الربيعية، مع نقص في تنوع الغلال في هذا الفصل بما أن التنوع يعطي اختلافا في الأسعار، بينما رمضان سابقا يأتي مع تنوع غلال والخضر، مُشيرا إلى أن أغلب الخضر والغلال حاليا هي باكورات على غرار الطماطم والفلفل وتعتبر من أصعب الفترات شهري مارس وأفريل من ناحية التزويد والأسعار، كما أن البطاطا في الوقت الحاضر في أوج الفجوة الربيعية أي أن إنتاجها غير كبير، والجزر والبسباس في أواخر فرتهما فهما يعدان خضرا شتوية.
وبخصوص الأسعار خلال النصف الأول لشهر رمضان قال أنها كانت على النحو التالي: البطاطا 1380 مليما، الطماطم بين 1850و1890 مليما، الفلفل الحلو بين 3450 و3600 مليم، الفلفل الحار بين 3415 و3480 مليما، البصل بين 950 و1050 مليما، الفراولو بين 5800 و6500 مليم، التفاح بين 4200 و5300 مليم، الموز بين 6 دنانير 6500 مليم، الدقلة بين 7700 إلى 9400 مليم، لحوم البقري بين 27400 و28700، العلوش بين 27200 و28500 مليم، الدجاج 7100 و7200 مليم، السكالوب بين 11960 مليما، إلى 12 دينارا، الأسماك السردينة بين 5400 مليم و6 دينار، المرجان بين 11 و13.700 مليم، الشورو بين 6400 إلى 7300 مليم، التريلية البيضاء بين 11600
و13800 مليم.
وبالنسبة لقائمة المنتجات التي عرفت زيادة في أسعارها في رمضان 2022، مقارنة برمضان 2021 فهي، البطاطا بأكثر من 20 بالمائة، الفراولو بـ 30 بالمائة، والموز بأكثر 20 بالمائة بسبب الزيادة في المعاليم الديوانية، واللحم البقري بـ 4 بالمائة، والضأن بـ 30 زيادة بـ 4 بالمائة، والدجاج بـ 8 بالمائة، والبيض بين 11 و13 بالمائة، والتريلية البيضاء بـ 11 بالمائة.
وفيما يتعلق بالمنتوجات التي شهدت أسعارها انخفاضا مقارنة برمضان الفارط، الطماطم بين 23 و26 بالمائة، الشورو بين 5 و6 بالمائة، الشورو، المرجان بين 3 و5 بالمائة، السكالوب بين بين 9 و11 بالمائة، الفلفل الحار بين 1 و10 بالمائة، البصل بـ 26 بالمائة، التفاح بين 3 و5 بالمائة.
ومن الملاحظ أن أبرز المنتوجات التي تم الرفع في أسعارها هي اللحوم الحمراء سواء العلوش أو البقري ولحوم الدجاج والبيض والبطاطا، دون اعتبار بعض الانفلات في أسعار الفلفل بغض النظر عن تسعيرته، على أن مُعدّلات التراجع في بعض المنتوجات تعدّ طفيفة، في حين أنه العكس تماما مع الارتفاع في أسعار بعض المنتوجات الأخرى.
هذا وسجّلت عدد من المنتوجات زيادة في أسعارها في 2022، مقارنة برمضان 2020، رغم أنه في تلك الفترة كان هناك حجر صحي بسبب وباء كورونا، والبطاطا زيادة بأكثر من 20 بالمائة، والفلفل عرق زيادة بين 15 و30 بالمائة، والبيض زيادة أكثر من 20 بالمائة، والبقري والعلوش 2 بالمائة زيادة بـأكثر من 15 بالمائة، والسردينة زيادة 13 بالمائة.
وبالنسبة إلى المنتوجات التي تراجعت أسعارها، فهي الطماطم بـ 20 بالمائة، والبصل بـ 11 بالمائة، الجلبانة بـ 23 بالمائة، الدقلة بين 24 و31 بالمائة، القارص بين 27 و23 بالمائة، والسكالوب 4 بالمائة، والمرجان 19 بالمائة، والتريليا 35 بالمائة .
ولكبح جماح هذه الزيادات ومحاولة الحدّ من ارتفاع الاسعار تم الإعلان يوم 11 أفريل الجاري عن منع تصدير بعض الخضروات خارج تونس، كما أعلنت وزارة التجارة أنه اليوم 12 من الشهر رمضان عرف تواصلا للمنحى التنازلي لأسعار مختلف أنواع الخضر فبالنسبة لمادة الفلفل لم تتجاوز أسعارها 3000 مليم /كغ حيث تم تسجيل أدنى سعر 1000 مليم / كغ بصفاقس و1600 مليم /كغ بسوسة و2000 مليم بتازركة والقيروان و2500 مليم بمنزل بورقيبة والمكنين.
أما في ما يخص مادة الطماطم فلم تتجاوز أسعارها 1600 مليم على مستوى الجملة حيث تم تسجيل أدنى سعر 1200 مليم بتازركة و800 مليم بجندوبة و1000 مليم بصفاقس.
في حين لم تتجاوز أسعار البطاطا الجديدة 1500 مليم / كغ على مستوى الجملة و 1200 مليم بالنسبة لبطاطا الــــGIL.
من ناحية أخرى، شهدت أسعار اللحوم البيضاء عند المذابح انخفاضا بـــ 9% فضلا عن استقرار لمعدل أسعار الإسكالوب والبيض مقارنة بنفس اليوم من الأسبوع الفارط. ويبدو أنه تراجع طفيف ولا يزال في بدايته.
إشكالية في الخضروات من الباكورات...
من جهته، قال بشير الزاوي رئيس الجامعة الوطنية للمهن والحرف ورئيس الغرفة الوطني للخضر والغلال بالتفصيل أن الإشكالية المتعلقة بارتفاع أسعار الخضروات والغلال تتمثل في الباكوروت التي يقع إنتاجها في البيوت المكيفة، مُشيرا إلى أنه في الموسم الفارط كانت الكميات المزروعة كبيرة ونظرا لتفشي فيروس كورونا وجد سواء الفلاحون أو التجار صعوبة في تسويق وترويج منتوجهم، وخوفا من تكرار نفس الإشكالية تم هذا الموسم إنتاج كميات أقل، إلى جانب أنه في الفترة الحالية الطقس ليس دافئا، وهو عامل غير ملائم لنضج الباكورات، لأنه من المفروض يقع تعرية البيوت المكيفة لكن بما أن الطقس بارد تم تأجيل ذلك في العديد من المناطق.
وذكر أنه من الطبيعي أن ترتفع الأسعار عندما تكون الكميات أقل، وتصبح التسعيرة لا تُلزم على مستوى المنتج أي الفلاح، مشيرا إلى وجود إشكالية أخرى في التوزيع بما أن الباكورات أغلبها في سيدي بوزيد والمناطق الساحلية، والفلاح عادة لا يقوم بعملية التوزيع بل التاجر في الغالب، فعندما يرفع الفلاح التسعيرة قليلا لتغطية تكلفة الإنتاج المرتفعة، يقع الترفيع أيضا عند حلقات التجميع والتوزيع وحتى عند تجار الجملة، حيث لا يتم الالتزام بالتسعيرة المُحدّدة منذ الحلقة الأولى.
منع تصدير بعض الخضراوات
وفي علاقة بقرار منع تصدير الخضروات والغلال بصفة وقتية، قال الزاوي أن السوق الليبية قبل هذا القرار كانت تستحوذ على أكثر 50 بالمائة من الخضراوت التونسية أي حوالي النصف، وهذا دون اعتبار عمليات التصدير غير القانونية أي التهريب، علما وأن قيمة صادرات تونس إلى ليبيا من الفواكه والخضر 39.9 مليون دينار مما يجعل ليبيا أول بلد من حيث صادرات تونس من هذه المنتوجات، مُشدّدا على أن أسعار الخضروات مع اقتراب نهاية شهر رمضان خاصة الأسبوع الأخير ستبدأ في الانخفاض بشكل تدريجي بسبب تغير الطقس ودفئه ومع إجراء منع التصدير، من المتوقّع أن تنخفض الأسعار مع بداية شهر ماي إلى 30 بالمائة أي أكثر من الربع.
عدم توريد اللحوم أثر على الأسعار...
وبخصوص اللحوم البيضاء والحمراء، أكد مُحدثنا أنه توجد إشكالية متعلقة بالتكلفة، مُبينا أنه تم التعود في السنوات الفارطة خلال شهر رمضان على توريد كميات من اللحوم الحمراء المُبردّة، لتغطية كميات النقص للمنتوج المحلي وفي إطار تعديل المخزون إلا أن هذا لم يحدث في رمضان الحالي، مُقرّا بالارتفاع الصاروخي في أسعار اللحوم الحمراء إذ وصلت إلى 30 دينارا للحم الضأن وبين 30 و31 وحتى 35 دينارا للحم البقري للكيلوغرام الواحد، لافتا إلى أن العجول الموجهة للتسمين والتي سيكون لها دور مهم في خفض الأسعار لم تجهز للآن، إذ أن مدة التسمين في حدود 6 أشهر على الأقل أي نصف سنة.
انفلات في أسعار البيض والبقات
أما عن البيض، فقد ذكر الزاوي أنه على عكس الفترة التي سبقت شهر رمضان والتي عرفت بالنقص الفادح لمادة البيض في الأسواق، فإنها حاليا متوفرة وبكميات معقولة تُلبّي الحاجيات، حيث وفرت وزارة التجارة مخزونا لشهر رمضان بـ 30 مليون بيضة، ووصفه بالمخزون "المعقول".
وبسؤالنا بأن وزارة التجارة قد حدّدت هوامش ربح قصوى عند التوزيع بـ 15 مليما للبيضة على مستوى البيع بالجملة و15 مليما للبيضة على مستوى البيع بالتفصيل واعتماد سعر أقصى للبيع للعموم في حدود 1100 مليم للأربع بيضات، إلا أن عددا من الباعة يقومون ببيعها بأكثر من 1200 مليم للأربع بيضات، أوضح الزاوي أن هذا يُعدّ تجاوزا ومخالفا للتراتيب القانونية المعمول بها.
أزمة البيض تكاد تتطابق تفاصيلها مع أزمة الخبز، إذ اصطفت طوابير طويلة خارج المخابز للظفر بالخبز، هذا ما تمت مراقبته، خلال الفترة القليلة التي سبقت شهر رمضان، ومخابز أخرى أغلقت أبوابها أمام الحرفاء بدعوى عدم وجود مادة "الفرينة" لصناعة الخبز، المشهد تواصل للأيام الأولى من الشهر المعظم، ويقول محمد بوعنان رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المخابز إن هذا الوضع تغير حاليا، وعاد النسق طبيعي للتزود بالخبز، خلافا للأيام الأولى من شهر رمضان وذلك أن لهفة المواطن في تلك الفترة هي التي تسببت بالأساس في فقدانه في وقت قياسيّ خاصة في ولايات تونس الكبرى، مع عامل الخوف لدى المواطن من الحرب الأوكرانية الروسية، إلى جانب عامل آخر وهو تنظيم شاحنات نقل القمح لإضراب بأسبوع قبل رمضان بـ 10 أيام، وهو ما خلق اضطرابا في التزود.
وكشف بوعنان أنّ استهلاك التونسي من الخبز يتراجع بـ 30% خلال شهر رمضان من كل سنة مقارنة ببقيّة أشهر السنة، أمر يجعل كميات الخبز "البايت" تصبح أكبر في رمضان.
وبما أن المسألة لا تتعلّق فقط بندرة توفر الخبز في الأيام الفارطة بل أيضا بانفلات أسعاره في العديد من المخابز حيث بلغ سعر "الباقات" الواحدة 250 مليما ويتواصل بيعها أيضا هذه الفترة رغم أن الخبز متوفر بشكل أفضل من الفترة السابقة، أجاب بوعنان أنه لا يوجد انفلات بالمفهوم الدقيق لـ"الانفلات" إذ أن من يبيع الخبز لا سيما "الباقات" بغير سعره الحقيقي هو الخبز المُنتج بالفرينة غير المدعمة، على أن الدولة على علم بذلك وتركت لصاحب المخبزة الحرية في تحديد السعر في هذه الحالة عند استعماله الفارينة غير المدعمة، وللمواطن كذلك الحرية التامة في شرائه بهذا السعر أو أقل من مخابز أخرى.
وشرح بوعنان أنه توجد في تونس 900 مخبزة عشوائية غير مُصنّفة ولا تحمل رخصة وهي المخابز المعنية ببيع الخبز أعلى من سعره المُتفق عليه، مُشيرا إلى أنهم دخلوا في منافسة غير شرعية، بما أنه في الأساس هذه المخابز مختصة في صنع وبيع مختلف أنواع المرطبات وفي والخبز الرفيع على غرار "النخالة والقمح" وغيرها من أنواع الخبز الرفيع، إلا أنها تدرج "الباقات" ضمن منتوجاتها لأنها الأكثر مبيعا مقارنة ببقية أنواع الخبز.
وتابع بالقول "هذه المخابز لا تشملنا ولا تعنينا، وقانونيا تقوم بعملية تحيّل على المواطن حتى أن وزن الباقات لديهم أقل وزنا من الباقات العادية بـ 70 غ، ويُمنع على من لا يحمل البطاقة المهنية صنع الباقات".
وأكد أنه يوجد في مختلف أنحاء الجمهورية 3500 مخبزة قانونية مُصنّفة.
الأسماك لمن استطاع إليها سبيلا...
ولأن أسعار الأسماك لمن استطاع إليها سبيلا، وهنا الحديث عن الأسماك دون اعتبار الجمبري و"القرنيط" و"السوبيا"، تطرقنا إلى الأسباب التي كانت وراء هذه الأسعار المشطة مع محمد قصد الله نائب رئيس الغرفة الوطنية لبيع الأسماك بالتفصيل وعضو المكتب التنفيذي في اتحاد الصناعة والتجارة الذي أكد أن هناك عوامل طبيعية ساهمت في انخفاض كبير في منتوج الأسماك، بما أن الرياح والأمطار تجعل الصياد يجد صعوبة في صيد السمك بكميات مناسبة، إذ أن فصل الربيع عُرف بتقلباته الجوية.
الزيادة في أسعار المحروقات أثرت على عمل الصيادين...
كما أن الزيادات في أسعار المحروقات للمرة الثالثة هذا العام، آخرها يوم الخميس 14 أفريل، ووصف نائب رئيس الغرفة الوطنية لبيع الأسماك الرفع في المحروقات بـ "المشكل الخطير الذي جعل العديد من الصيادين يخفّضون من عدد مرات الصيد، بالنظر إلى أن مركبا واحدا قد يحتاج أحيانا إلى ما قيمته 4 آلاف دينار من المازوت".
الأسعار المرتفعة للأسماك خلقت تذمّرا في صفوف المواطنين حتى أن ذلك انعكس على استهلاكها، حيث بات مُعدّل استهلاكها أقلّ بـ 30 بالمائة من رمضان الفارط.
اللحوم الحمراء: الجزار موجوع والمواطن مُتفرّج لا يشتري...
وقد لا يختلف وضع اللحوم الحمراء عن وضع الأسماك، إذ قال رئيس الغرفة الوطنية للقصّابين أحمد العميري أن المنتوج من اللحوم الحمراء غير كاف، مُشيرا إلى أن الأرقام التي قدمتها وزارة الفلاحة مغلوطة بخصوص أن المنتوج يغطي 98 بالمائة من الإنتاج، لافتا إلى أنه لو كان المنتوج وفيرا لنزلت الأسعار.
وذكر العميري أنه حاليا سعر الكيلوغرام من العلوش حلّق إلى ما بين 32 و33 دينارا، أسعار أدت إلى تراجع الاستهلاك حيث في رمضان الجاري يستهلك 30 بالمائة فقط من التونسيين اللحوم الحمراء، بينما كان في 2021 بين 50 و 55 بالمائة، وفي 2020، في حدود 70 بالمائة.
وتطرّق إلى أنهم قد نفذوا وقفة احتجاجية يوم 29 مارس الماضي، قبيل رمضان، أمام وزارة التجارة رفضا لبيع لحم الضأن بـ 30 دينارا، إلا أن ما راعهم أنها فاقت هذا السعر، كما أنهم توجّهوا بالغرض بنداء استغاثة منذ فترة قليلة إلى رئيس الجمهورية عبر موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" وتابع بالقول "اليوم الجزار موجوع والمواطن مُتفرّج يرى اللحوم ولا يشتريها".