تزداد الأوضاع الداخلية تأزّما مع تزايد خطورة المستجدات الدولية التي سترتب آثارا كارثية على كل اقتصاديات العالم في علاقة بارتفاع أسعار النفط والقمح، واليوم تجد أغلب اقتصاديات الدول الفقيرة على وجه الخصوص، والمستنزفة كليا جرّاء جائحة كورونا في مواجهة تحديات وإكراهات جديدة، بما قد يخلف أزمات اجتماعية واحتقانا ستكون له نتائج وخيمة على السلم الأهلي.
وتونس من بين الدول التي تعيش منذ سنوات على وقع وضعية اقتصادية صعبة ستزداد استفحالا وخطورة مع المستجدات الدولية التي تقود دول العالم إلى وضعية كارثية على جميع المستويات.. وحكومة نجلاء بودن الغارقة في البحث عن موارد لتعبئة ميزانية الدولة المثيرة للجدل، زادتها الأوضاع الدولية أعباء وتحديات جديدة خاصة مع قفز أسعار النفط والقمح، بالإضافة إلى عجز الحكومة عن تأمين حاجيات المواطنين من مواد استهلاكية حيوية .
حيث تتواصل معاناة المواطنين في البحث عن مواد غذائية أساسية كالسميد والفارينة والسكر والزيت المدعم الذي اختفى تماما من الأسواق.. وأمام هذا الوضع الاجتماعي المتردي تتجه الأنظار للمنظمة الشغيلة، الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو الذي عوّدنا بمواقف منددة بتردي الوضع الاجتماعي وانهيار القدرة الشرائية، ينتظر الجميع مواقف واضحة من هذه الأزمة الاجتماعية مع هيئته الجديدة وتجديد النقابيين الثقة في الأمين العام نور الدين الطبوبي الذي حاول في الأشهر الأخيرة أن تتراوح مواقف المنظمة بين شدّ وجذب دون إيصال الأمور إلى المواجهة أو الصدام المباشر .
ورغم بعض التصريحات النقابية الحادة أحيانا إلا أن علاقة الود بقيت موصولة بين الحكومة والاتحاد خاصة وان كليهما معنيان بمفاوضات صندوق النقد الدولي التي ازدادت صعوبة بالنسبة لتونس مع التطورات الأخيرة .
لكن هذا "الودّ الشكلي" بين الاتحاد والحكومة بات مهددا اليوم بالنسف مع تدهور الأوضاع الاجتماعية ولعل صمت المركزية النقابية على إضرابات في قطاعات حيوية وطويلة نسبيا عطلت مرافق حساسة في الدولة، هو إعلان صامت لتوتر شديد في العلاقة بين المنظمة الشغيلة وفريق نجلاء بودن قد يصل إلى تنفيذ إضراب عام احتجاجا على تعاطي الحكومة مع الملف الاجتماعي.. خاصة وان قرار الإضراب العام يتداول بين النقابيين.
منشور الحكومة وبداية فقدان الثقة
بعد أشهر من "الهدوء" في علاقة الاتحاد بالحكومة، كان المنشور عدد 20 الذي منع التفاوض المباشر مع النقابيين على مسؤولي الحكومة دون العودة إلى القصبة، سببا في توتّر العلاقة بشكل غير مسبوق حيث توعد الأمين العام المساعد والناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، في ديسمبر الماضي، الحكومة التونسية بشن سلسلة من الإضرابات ومقاضاتها دوليّا، إذا رفضت سحب المنشور رقم 20، الذي أصدرته مؤخرا. كما أشار الطاهري في تصريح أنه "في حال رفضت الحكومة سيكون هناك مساران لا ثالث لهما، أولا سيصبح الإضراب قاعدة، والحوار والمصالحة استثناء، وبالتالي الفوضى، وثانيا إذا استمر التعنت والرفض سنتوجه إلى المؤسسات الدولية للتحكيم في ما يتعلق بالعمل والنزاعات الشغلية، وعلى رأسها منظمة العمل الدولية".
ولعل عدم سحب المنشور يفسّر تصاعد وتيرة الإضرابات العمالية التي زادت في تأزيم وضعية المؤسسات العمومية.
تصاعد وتيرة الإضرابات
عديدة هي الإضرابات التي مست قطاعات حيوية وعطلت الخدمات بشكل كبير ومنها تواصل إضراب أعوان الصناديق الاجتماعية منذ يوم 22 فيفري المنقضي في تنفيذ إضراب مفتوح باستثناء تأمين الخدمات الاستعجالية، وذلك على خلفية ما اعتبروه "مماطلة" سلطة الإشراف في تفعيل عديد المكاسب القطاعية الخاصة بالأعوان. وقد أقر وزير الشؤون الاجتماعية وتبعا للإشكال الحاصل في الصناديق الاجتماعية وتعطل مصالح المواطنين بتعطل العمل في بعض المكاتب بسبب الإضراب غير القانوني حسب قوله وأفاد أن الوزارة ستقوم بتطبيق القانون وأنها لن تتسامح أبدا نظرا إلى تعطيل المرفق العام وبقاء مصير المرضى مجهولا نتيجة عدم حصولهم على بطاقات العلاج.
وإشكالية النظام الأساسي وتحيينه تنطبق أيضا على أعوان وإطارات المعهد الوطني للإحصاء الذي تعطلت فيه الخدمات لمدة تجاوزت الشهر ونصف، ولم يتمكن المعهد من نشر البيانات والمعطيات الاقتصادية لشهر فيفري، نظرا للمفعول المالي للمطالب ولتغيير النظام الأساسي إلى جانب المنشور عدد 20 الصادر عن الحكومة والذي يفرض عدم التفاوض أو إمضاء أي اتفاق إلا بإذن منها. وقد أكّد الكاتب العام للنقابة الأساسية لأعوان وموظفي المعهد الوطني للإحصاء مهدي هلالي أنّ الأعوان أوقفوا نشر نتائج الإحصائيات التي يجريها المعهد منذ دخولهم في الإضراب المفتوح عن العمل منذ أسابيع عدة، وقبل هاذين الإضرابين كان إضراب جامعة البريد حيث طالب الأعوان بنظام أساسي يضمن لهم الحدّ الأدنى من الحقوق المادية والاجتماعية والترتيبية، وفق ما جاء في نصّ البيان الذي أشار إلى أنّ هذه الحقوق لم تتم مراجعتها طيلة 20 سنة.
كما نفذت البلديات إضرابا استمر يوميا والمخابز نفذت إضرابا استمر ثلاثة أيام.. ومنذ أيام أفادت الجامعة العامة للنفط والمواد الكيميائية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، أن المجمع الكيميائي التونسي بجهات تونس وصفاقس وقابس وقفصة يشهد منذ ثلاثة أيام، "شللا تاما نتيجة احتجاجات واعتصامات العمال". وعبرت الجامعة العامة للنفط والمواد الكيميائية، في بيان لها، عن استغرابها من تصرف وزارة الإشراف "وكأن الأمر عادي" إزاء تعطل الإنتاج بجميع الوحدات ومن عدم مبادرة الطرف الإداري بالبحث عن حلول لذلك.. كما وضحت الجامعة أن دخول عمال المجمع الكيميائي التونسي في إضراب مفتوح يوم 24 فيفري، يأتي "ردا على تعنت الإدارة وسياستها الانتقامية في الاقتطاع من الأجور والتراجع عن الاتفاقيات"، حسب نص البيان.
وتنفيذ كل هذه الإضرابات يرجعها النقابيون إلى عدم التفاعل الإيجابي من سلطة الإشراف التي ترفض التفاوض وتهرب الوزراء من التعاطي مع المطالب النقابية.. وهذه السلوكيات الحكومية دفعت اليوم بالتوتر إلى ذروته بين الحكومة والاتحاد.. توتر من المرجح أن يشهد منعرجات خطيرة في الأيام القادمة مع مزيد تدهور الوضع الاجتماعي والانهيار الكامل للمقدرة الشرائية وافتقاد المواد الأساسية وقد يفضي هذا الاحتقان إلى إعلان إضراب عام سيكون الأول في مرحلة التدابير الاستثنائية التي تميزت خلالها مواقف اتحاد الشغل بالرصانة والسعي إلى فتح قنوات الحوار بين الرئيس وبقية القوى السياسية.. وهي مساع لم تجد إلى اليوم أدنى تفاعل من رئيس الجمهورية .
منية العرفاوي
تونس – الصباح
تزداد الأوضاع الداخلية تأزّما مع تزايد خطورة المستجدات الدولية التي سترتب آثارا كارثية على كل اقتصاديات العالم في علاقة بارتفاع أسعار النفط والقمح، واليوم تجد أغلب اقتصاديات الدول الفقيرة على وجه الخصوص، والمستنزفة كليا جرّاء جائحة كورونا في مواجهة تحديات وإكراهات جديدة، بما قد يخلف أزمات اجتماعية واحتقانا ستكون له نتائج وخيمة على السلم الأهلي.
وتونس من بين الدول التي تعيش منذ سنوات على وقع وضعية اقتصادية صعبة ستزداد استفحالا وخطورة مع المستجدات الدولية التي تقود دول العالم إلى وضعية كارثية على جميع المستويات.. وحكومة نجلاء بودن الغارقة في البحث عن موارد لتعبئة ميزانية الدولة المثيرة للجدل، زادتها الأوضاع الدولية أعباء وتحديات جديدة خاصة مع قفز أسعار النفط والقمح، بالإضافة إلى عجز الحكومة عن تأمين حاجيات المواطنين من مواد استهلاكية حيوية .
حيث تتواصل معاناة المواطنين في البحث عن مواد غذائية أساسية كالسميد والفارينة والسكر والزيت المدعم الذي اختفى تماما من الأسواق.. وأمام هذا الوضع الاجتماعي المتردي تتجه الأنظار للمنظمة الشغيلة، الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو الذي عوّدنا بمواقف منددة بتردي الوضع الاجتماعي وانهيار القدرة الشرائية، ينتظر الجميع مواقف واضحة من هذه الأزمة الاجتماعية مع هيئته الجديدة وتجديد النقابيين الثقة في الأمين العام نور الدين الطبوبي الذي حاول في الأشهر الأخيرة أن تتراوح مواقف المنظمة بين شدّ وجذب دون إيصال الأمور إلى المواجهة أو الصدام المباشر .
ورغم بعض التصريحات النقابية الحادة أحيانا إلا أن علاقة الود بقيت موصولة بين الحكومة والاتحاد خاصة وان كليهما معنيان بمفاوضات صندوق النقد الدولي التي ازدادت صعوبة بالنسبة لتونس مع التطورات الأخيرة .
لكن هذا "الودّ الشكلي" بين الاتحاد والحكومة بات مهددا اليوم بالنسف مع تدهور الأوضاع الاجتماعية ولعل صمت المركزية النقابية على إضرابات في قطاعات حيوية وطويلة نسبيا عطلت مرافق حساسة في الدولة، هو إعلان صامت لتوتر شديد في العلاقة بين المنظمة الشغيلة وفريق نجلاء بودن قد يصل إلى تنفيذ إضراب عام احتجاجا على تعاطي الحكومة مع الملف الاجتماعي.. خاصة وان قرار الإضراب العام يتداول بين النقابيين.
منشور الحكومة وبداية فقدان الثقة
بعد أشهر من "الهدوء" في علاقة الاتحاد بالحكومة، كان المنشور عدد 20 الذي منع التفاوض المباشر مع النقابيين على مسؤولي الحكومة دون العودة إلى القصبة، سببا في توتّر العلاقة بشكل غير مسبوق حيث توعد الأمين العام المساعد والناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، في ديسمبر الماضي، الحكومة التونسية بشن سلسلة من الإضرابات ومقاضاتها دوليّا، إذا رفضت سحب المنشور رقم 20، الذي أصدرته مؤخرا. كما أشار الطاهري في تصريح أنه "في حال رفضت الحكومة سيكون هناك مساران لا ثالث لهما، أولا سيصبح الإضراب قاعدة، والحوار والمصالحة استثناء، وبالتالي الفوضى، وثانيا إذا استمر التعنت والرفض سنتوجه إلى المؤسسات الدولية للتحكيم في ما يتعلق بالعمل والنزاعات الشغلية، وعلى رأسها منظمة العمل الدولية".
ولعل عدم سحب المنشور يفسّر تصاعد وتيرة الإضرابات العمالية التي زادت في تأزيم وضعية المؤسسات العمومية.
تصاعد وتيرة الإضرابات
عديدة هي الإضرابات التي مست قطاعات حيوية وعطلت الخدمات بشكل كبير ومنها تواصل إضراب أعوان الصناديق الاجتماعية منذ يوم 22 فيفري المنقضي في تنفيذ إضراب مفتوح باستثناء تأمين الخدمات الاستعجالية، وذلك على خلفية ما اعتبروه "مماطلة" سلطة الإشراف في تفعيل عديد المكاسب القطاعية الخاصة بالأعوان. وقد أقر وزير الشؤون الاجتماعية وتبعا للإشكال الحاصل في الصناديق الاجتماعية وتعطل مصالح المواطنين بتعطل العمل في بعض المكاتب بسبب الإضراب غير القانوني حسب قوله وأفاد أن الوزارة ستقوم بتطبيق القانون وأنها لن تتسامح أبدا نظرا إلى تعطيل المرفق العام وبقاء مصير المرضى مجهولا نتيجة عدم حصولهم على بطاقات العلاج.
وإشكالية النظام الأساسي وتحيينه تنطبق أيضا على أعوان وإطارات المعهد الوطني للإحصاء الذي تعطلت فيه الخدمات لمدة تجاوزت الشهر ونصف، ولم يتمكن المعهد من نشر البيانات والمعطيات الاقتصادية لشهر فيفري، نظرا للمفعول المالي للمطالب ولتغيير النظام الأساسي إلى جانب المنشور عدد 20 الصادر عن الحكومة والذي يفرض عدم التفاوض أو إمضاء أي اتفاق إلا بإذن منها. وقد أكّد الكاتب العام للنقابة الأساسية لأعوان وموظفي المعهد الوطني للإحصاء مهدي هلالي أنّ الأعوان أوقفوا نشر نتائج الإحصائيات التي يجريها المعهد منذ دخولهم في الإضراب المفتوح عن العمل منذ أسابيع عدة، وقبل هاذين الإضرابين كان إضراب جامعة البريد حيث طالب الأعوان بنظام أساسي يضمن لهم الحدّ الأدنى من الحقوق المادية والاجتماعية والترتيبية، وفق ما جاء في نصّ البيان الذي أشار إلى أنّ هذه الحقوق لم تتم مراجعتها طيلة 20 سنة.
كما نفذت البلديات إضرابا استمر يوميا والمخابز نفذت إضرابا استمر ثلاثة أيام.. ومنذ أيام أفادت الجامعة العامة للنفط والمواد الكيميائية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، أن المجمع الكيميائي التونسي بجهات تونس وصفاقس وقابس وقفصة يشهد منذ ثلاثة أيام، "شللا تاما نتيجة احتجاجات واعتصامات العمال". وعبرت الجامعة العامة للنفط والمواد الكيميائية، في بيان لها، عن استغرابها من تصرف وزارة الإشراف "وكأن الأمر عادي" إزاء تعطل الإنتاج بجميع الوحدات ومن عدم مبادرة الطرف الإداري بالبحث عن حلول لذلك.. كما وضحت الجامعة أن دخول عمال المجمع الكيميائي التونسي في إضراب مفتوح يوم 24 فيفري، يأتي "ردا على تعنت الإدارة وسياستها الانتقامية في الاقتطاع من الأجور والتراجع عن الاتفاقيات"، حسب نص البيان.
وتنفيذ كل هذه الإضرابات يرجعها النقابيون إلى عدم التفاعل الإيجابي من سلطة الإشراف التي ترفض التفاوض وتهرب الوزراء من التعاطي مع المطالب النقابية.. وهذه السلوكيات الحكومية دفعت اليوم بالتوتر إلى ذروته بين الحكومة والاتحاد.. توتر من المرجح أن يشهد منعرجات خطيرة في الأيام القادمة مع مزيد تدهور الوضع الاجتماعي والانهيار الكامل للمقدرة الشرائية وافتقاد المواد الأساسية وقد يفضي هذا الاحتقان إلى إعلان إضراب عام سيكون الأول في مرحلة التدابير الاستثنائية التي تميزت خلالها مواقف اتحاد الشغل بالرصانة والسعي إلى فتح قنوات الحوار بين الرئيس وبقية القوى السياسية.. وهي مساع لم تجد إلى اليوم أدنى تفاعل من رئيس الجمهورية .