الديبلوماسي السابق أحمد ونيس لـ"الصباح": لو كان بورقيبة بيننا لاختار التصويت في الصف الأمريكي.. إلا أن تمسكنا بالحياد في الجمعية العامة كان سيمنحنا احترام الجميع..
الأولوية ستكون لوقف إطلاق النار قبل تحديد توجهات النظام الدولي..
من حقنا أن نسأل عن ضمانات النظام الدولي بعد الأزمة في أوكرانيا
الحرص على العودة للقانون الدولي فقط لان الأمر يتعلق بأوروبا وشعب أوروبا
علوية القانون الدولي تغيب مع القضية الفلسطينية
ننتظر لنعرف مدى صمود شعب المبادئ مستقبلا أم أن مبادئ أخرى ستسود..
نتوقع مزيد الانقسامات داخل أوروبا بعد هذه الحرب
تونس الصباح
توقع السفير السابق في روسيا والهند ووزير الخارجية الأسبق احمد ونيس التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الروس وأوكرانيا خلال أيام، واعتبر الديبلوماسي المخضرم في حديث خص به "الصباح" بالتزامن مع دخول الحرب أمس في أوكرانيا يومها الثامن على التوالي أن هناك غايات ومكاسب حينية نهائية ولا عودة فيها بالنسبة لروسيا وتتعلق بالقرم وبجمهوريتي دونتسك ولوهانسك وكذلك مدينة ماريوبول الواقعة على بحر أزوف كما دفع ونيس إلى عدم الاستهانة بتحذيرات بوتين باللجوء إلى قوة الردع وخلص محدثنا إلى أن أوروبا ستكون الخاسر الأكبر في هذا الصراع.. وقال ونيس انه كان على تونس الحفاظ على الحياد والبقاء فوق كل الأطراف المتوغلة في المواجهة العسكرية، وخلص إلى أن تصويت تونس كان ضائعا ولا يقدم لها أي تقدير من العالم. وتساءل الديبلوماسي السابق عن توجهات النظام العالمي الجديد الذي لن يحمينا غدا والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال منحه هذا الضمان أو إعطائه صكا مفتوحا، وقدم أحمد ونيس خلال هذا اللقاء قراءته للنظام العالمي الجديد كما يتصوره في ظل الحرب في أوكرانيا. وقال "أنا أطرح من هذا المنطلق قضية ميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الأساسية للقانون الدولي وهل مازال هناك من موقع أو التزام ووفاء من جانب أمريكا وشركائنا الأوروبيين لهذه المسائل لأننا عندما نرى هذه الانتقائية في التصرفات والمواقف في التعاطي مع القضايا على الساحة الدولية فانه من حقنا أن نتساءل هل من ضمانات حول النظام الدولي بعد الأزمة في أوكرانيا؟ وفيما يلي نص الحديث:
كيف يقرأ السفير السابق في روسيا احمد ونيس موقف الدولة التونسية إزاء قرار الجمعية العامة بإدانة التدخل الروسي في أوكرانيا؟
-ما يمكنني قوله أنني كنت أفضل الحياد ولو أننا تمسكنا بالحياد لكان الجميع يحترمنا، هناك دول في منطقتنا احتفظوا بأصواتهم، نتذكر انه يوم الجمعة الماضي أصدرت وزارة الخارجية بيانا معقولا وحكيما في توجهاته حيث دعا بيان الخارجية إلى حل تفاوضي بين الفرقاء وإنهاء التهديد بالصدام العسكري وكان يفترض المواصلة في هذا الاتجاه والاحتفاظ بصوتنا ولو قمنا بذلك لاحترمنا الجميع. ولو كان بورقيبة بيننا اليوم لأمر بالتصويت في الصف الأمريكي ولكن وحسب تجربتي اعتبر اليوم أن الأمور تطورت كثيرا في الساحة الدولية اليوم عما كان سائدا وخاصة بعد حرب بوش على العراق وكذلك بعد سياسة ترامب وما صنعه في الجولان والقدس وتجميد المساعدات للفلسطينيين والانسحاب من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين وما رأيناه أن بايدن الذي خلف ترامب لم يتخل عن سياسات سلفه الانتقائية والانتهازية بل استمر في نفس الاتجاهات والتراجع الوحيد ربما كان بشان وكالة غوث اللاجئين، قناعتي كان علينا البقاء فوق كل الأطراف المتوغلة في المواجهة العسكرية وبالتالي اعتبر أن تصويت تونس كان ضائعا ولا يقدم لنا أي تقدير من العالم.
ولكن تونس بهذا الخيار تنتصر للشرعية الدولية ولا ننسى أن تونس تعرضت لهجوم قفصة من بلد مجاور وتعرضت قبل سنوات أيضا إلى عدوان إرهابي في بن قردان؟
-ولذلك أنا اطرح من هذا المنطلق قضية ميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الأساسية للقانون الدولي وهل مازال هناك من موقع أو التزام ووفاء من جانب أمريكا وشركائنا الأوروبيين لهذه المسائل لأننا عندما نرى هذه الانتقائية في التصرفات والمواقف في التعاطي مع القضايا على الساحة الدولية فانه من حقنا آن نتساءل هل من ضمانات حول النظام الدولي بعد الأزمة في أوكرانيا والواضح انه لا ضمانات، وحتى الدول التي كانت تعرف بالمحايدة ومنها سويسرا والسويد والنمسا وفنلندا دخلت المنظومة وأصبحت جزءا من العقوبات على روسيا بعد أن تخلت عن حيادها. فنحن ننتمي إلى منطقة تعاني من الاحتلال منذ عقود طويلة ولا نرى انفراجا لها وبالتالي فنحن نتساءل عن توجهات النظام العالمي الجديد الذي لن يحمينا غدا وبالتالي ليس لي أن امنحه هذا الضمان أو أعطيه صكا مفتوحا. هناك مسالة يتعين طرحها لماذا لا يقبل المجتمع الدولي نظاما دوليا يقوم على السلام وهذا ما كانت روسيا تطرحه منذ أكثر من عام حول أوكرانيا. مهم جدا الحديث عن علوية القانون الدولي ولكن ما نراه أن الإصرار على هذا القرار والحرص على العودة للقانون الدولي فقط لان الأمر يتعلق بأوروبا وشعب أوروبا وبمعالم أركان النظام المستقبلي الذي يريده الغرب ولكن علوية القانون الدولي تغيب مع القضية الفلسطينية فهل سيصمد شعب المبادئ مستقبلا أم أن مبادئ أخرى ستصمد؟ ما حدث في الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا هل سيعيد طرح خيار السلام مع إسرائيل من خلال اتفاق استراتيجي، اذكر جيدا عندما كنت نائب تونس في مجلس الأمن خلال مسيرة السلام أن الأمريكيين والإسرائيليين لم يقبلوا أبدا تفعيل هذه اللجنة وعندما أدركوا أن إسحاق رابين يمكن أن يقبل بحل السلام أقدموا على تصفيته لأنه كان موافقا على التفاوض مع المجموعة العربية.
بالعودة إلى الحرب في أوكرانيا إلى أين يتجه المشهد وكيف تنظر إلى السيناريو القادم؟
-اعتقد أن هناك أهدافا حينية وأخرى إستراتيجية بعيدة المدى والتوجه سيكون خلال الأيام القادمة وربما خلال أسبوع إلى وقف القتال لان الاستمرار في القتال لن يضيف لروسيا شيئا، فهناك غايات ومكاسب حينية نهائية ولا عودة فيها وتتعلق بالقرم وبجمهوريتي دونتسك ولوهانسك وكذلك مدينة ماريوبول الساحلية الجنوبية، فهي بالإضافة إلى أنها مركز صناعي مهم فان وجود الميناء الأوكراني الرئيسي فيها على بحر أزوف يمنحها مكانة إستراتيجية وسيسمح لروسيا بالتالي استغلالها للربط بين قواتها في شبه جزيرة القرم والقوات المتواجدة في المناطق الانفصالية في دونباست، وهذه المدينة تقع في ساحل بحر أزوف المطل على البحر الأسود حيث قوات الأطلسي ثم هي منطقة حيوية في تزويد روسيا بالمياه العذبة، وهو ما يعني أيضا أن هناك مكاسب أخرى قابلة للتراجع وتحسين فرص التفاوض مستقبل ولكن كل هذا يملي وقف إطلاق النار للوصول إلى الحل النهائي، وستبقى مسألة هيكلة الأمن الأوروبي ضمن اتفاقات الحل لنهائي الذي سيفضي إلى الاتفاق الاستراتيجي حول الأمن في الساحة الأوروبية، وهذا في اعتقادي ما يفترض المطالبة به في الساحة العربية ولكن الغرب يرفض هذا الأمر لشعوب المنطقة العربية و يرفضه أيضا لروسيا.
إلى أي مدى يمكن لروسيا بوتين المضي قدما في تنفيذ تهديداته؟
-ما نراه الآن أن الغرب أمريكا وأوروبا يتجهون إلى قلب المعادلة باعتماد منطق سلاح الاقتصاد وفي ذلك ردة فعل تضرب على وتر الاقتصاد وضرب خدمات نظام العولمة من معاملات بنكية وخدمات تكنولوجية والتحكم بذلك في منبع أو حنفية منظومة العولمة بأكملها، ويمكن أن ينجحوا في ذلك وسيكون لهذا التوجه عواقب مؤثرة ومهما كان النظام الاقتصادي البديل بين روسيا والصين وحتى إيران فانه لا يصل إلى مزايا نظام العولمة. هناك منطق ثان لا يدخل في منطق الاقتصاد وهو المنطق الاستراتيجي واللجوء إلى استعمال القوة ومن هنا يمكن القول أن الإنذار الصادر عن بوتين باستعمال قوة الردع لا يجب التعاطي معه بالخفة ولابد من اخذ مأخذ الجد وأعطي على ذلك مثال إسرائيل عندما لا تقبل خيارات حلفائها وتهدد باستعمال النووي. الخبراء يعرفون أن السلاح النووي والصواريخ الحاملة للنووي تفوق سرعتها خمس مرات سرعة الصوت ولا يمكن للصواريخ المضادة أن توقفها، روسيا يمكن أن تلجا إلى الرؤوس النووية الفتاكة ويمكن أن تلجا إلى هذا المنطق الاستراتيجي الذي استعملته إسرائيل وشركائها أمريكا وأوروبا لفرض خياراتهم وهدم الدول المحيطة بإسرائيل في لبنان وسوريا والعراق وهذا المنطق التدميري لا يطبقونه مع الشعوب العربية خلاصة القول أن روسيا لديها القدرة لفرض تفاق استراتيجي حول النظام الأمني.
ولكن أليس في هذا الخيار الانتحاري والمجنون نهاية الجميع إذا كانت الكلمة فيه للنووي؟
-اعتقد أن الحسابات محسوبة من جانب روسيا لكل الخيارات وفي حالة نشوب حالة حرب نووية لديها ما يكفي لهدم العدو والبقاء وهم يعرفون جيدا هذا الأمر وهذا ما يسمى بعقيدة التدمير المضمونةla doctrine de destruction assuree، وهذا ما أشار إليه بوتين عندما تحدث عن قوة الردع وحتى الآن فان استعمال درجات عمودية من سلم الأدوات العسكرية متواضع ولكن في حال احتاج إلى الذهاب ابعد من ذلك بإمكانه خنق العدو ولديه الإمكانيات وهو ليس في وضع العرب، وإذا كانت نيتهم الذهاب إلى الهدم فهو جاهز ليذهب خطوة ابعد من المنطق الاقتصادي الذي لجأوا إليه كما فعلوا من قبل في كوبا وفي إيران والعراق وسوريا.
هل اتضح النظام العالمي للقرن الواحد والعشرين اليوم؟
-بايدن حافظ على نفس توجهات وخيارات سلفه ترامب ولكن بدل التفرد بهذه الخيارات فقد اعتمد التعددية لفرضها وهو يستغل منظومة العولمة لفرض منطق العقوبات الاقتصادية الثقيلة. النظام العالمي تزعزع ودول محايدة خرجت منه والنظام العالمي الحالي خاضع لأحكام العولمة المسيرة وقد انتهى زمن نظام الحياد الذي اعتمدته تقليديا سويسرا والنمسا وفنلندا والسويد. حتى ألمانيا التي كان لها سقف محدد في استعمال سلاح الجيش منذ الحرب العالمية الثانية تحررت منه والمستشار شولتز فتح الباب أمام تسليح جيش المشاة دون سقف كذلك اليابان يتجه أكثر فأكثر للتحرر من قيود الدستور الذي فرض عليه بعد الحرب وليس مستبعدا أن تتجه هذه الأطراف إلى السلاح النووي.
ألا تعتبر أن أوروبا كانت الحلقة الأضعف قبل الأزمة في أوكرانيا وستكون أكثر ضعفا بعد هذه الأزمة وستبقى تحت المظلة الأمريكية رغم دعوات فرنسا بأهمية التأسيس لسياسة دفاعية أوروبية مشتركة؟
-منذ ديغول ظلت نظرية الدفاع الأوروبية طاغية في الحزب الديغولي إلى أن خرج ديغول من المنطقة العسكرية للناتو احتجاجا على الهيمنة الأمريكية على الحلف وانتقل المركز من باريس إلى بروكسيل، وظل منطق الدفاع الأوروبي مغروسا في فرنسا ومع الرؤساء الديغوليين ومعه إيزنهاور من اجل أن يكون الدفاع الأوروبي مستقلا وقويا إلى حد بعيد ولكن بريطانيا اختارت الخروج والانسحاب من الاتحاد الأوروبي وما رأيناه أن ماكرون عاد إلى هذا المنطق في عهد ترامب وتحدث عن دفاع أوروبي مشترك وأشار إلى أن الناتو في حالة مرض سريري، ولكن المشهد اليوم مختلف وأوروبا اليوم واقعة في التبعية مع من خلف ترامب رغم كل المؤاخذات لان هناك حالة حرب في قلب أوروبا فطأطأوا الرؤوس والسؤال هل يستمرون في هذا الوضع بعد الحرب؟ النظام الدولي الجديد سيضرب بقوة القطب الصيني الروسي المزاحم ونتوقع أن يقع انشقاق في الصف الأوروبي بعد الحرب، هناك مواجهة حربية تدور في الساحة الأوروبية والوسائل التي استعملها بايدن قبل هذه الحرب استهدفت أوروبا بالدرجة الأولى ونقصد بذلك اتفاقية aukus اوكيس والصفعة التي تلقتها فرنسا بعد إلغاء العقد الاستراتيجي بين فرنسا واستراليا موقع في 2016 بقيمة 38,6 مليار دولار لبناء 12 غواصة ديزل، واستبداله بحلف جديد بين أمريكا وبريطانيا وكندا واستراليا وهذا جزء من أركان النظام الجديد لإنهاء وتقزيم دور فرنسا والاتحاد الأوروبي. وهو أيضا ضربة من أمريكا للقلعة الأوروبية مهما كان دورها وطاقاتها انطلاقا مما يسمى بالحوار الرباعي للأمن ثاني أركان النظام العالمي المستقبلي وربما يكون في ذلك عنوانا لانفجار جديد ودافع للقطب الأوروبي لتوحيد كلمته الأمنية الإستراتيجية مستقبلا وليس الاقتصادية فقط.
اسيا العتروس
لا يجب التقليل أو الاستخفاف بتحذيرات بوتين..
الأولوية ستكون لوقف إطلاق النار قبل تحديد توجهات النظام الدولي..
من حقنا أن نسأل عن ضمانات النظام الدولي بعد الأزمة في أوكرانيا
الحرص على العودة للقانون الدولي فقط لان الأمر يتعلق بأوروبا وشعب أوروبا
علوية القانون الدولي تغيب مع القضية الفلسطينية
ننتظر لنعرف مدى صمود شعب المبادئ مستقبلا أم أن مبادئ أخرى ستسود..
نتوقع مزيد الانقسامات داخل أوروبا بعد هذه الحرب
تونس الصباح
توقع السفير السابق في روسيا والهند ووزير الخارجية الأسبق احمد ونيس التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الروس وأوكرانيا خلال أيام، واعتبر الديبلوماسي المخضرم في حديث خص به "الصباح" بالتزامن مع دخول الحرب أمس في أوكرانيا يومها الثامن على التوالي أن هناك غايات ومكاسب حينية نهائية ولا عودة فيها بالنسبة لروسيا وتتعلق بالقرم وبجمهوريتي دونتسك ولوهانسك وكذلك مدينة ماريوبول الواقعة على بحر أزوف كما دفع ونيس إلى عدم الاستهانة بتحذيرات بوتين باللجوء إلى قوة الردع وخلص محدثنا إلى أن أوروبا ستكون الخاسر الأكبر في هذا الصراع.. وقال ونيس انه كان على تونس الحفاظ على الحياد والبقاء فوق كل الأطراف المتوغلة في المواجهة العسكرية، وخلص إلى أن تصويت تونس كان ضائعا ولا يقدم لها أي تقدير من العالم. وتساءل الديبلوماسي السابق عن توجهات النظام العالمي الجديد الذي لن يحمينا غدا والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال منحه هذا الضمان أو إعطائه صكا مفتوحا، وقدم أحمد ونيس خلال هذا اللقاء قراءته للنظام العالمي الجديد كما يتصوره في ظل الحرب في أوكرانيا. وقال "أنا أطرح من هذا المنطلق قضية ميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الأساسية للقانون الدولي وهل مازال هناك من موقع أو التزام ووفاء من جانب أمريكا وشركائنا الأوروبيين لهذه المسائل لأننا عندما نرى هذه الانتقائية في التصرفات والمواقف في التعاطي مع القضايا على الساحة الدولية فانه من حقنا أن نتساءل هل من ضمانات حول النظام الدولي بعد الأزمة في أوكرانيا؟ وفيما يلي نص الحديث:
كيف يقرأ السفير السابق في روسيا احمد ونيس موقف الدولة التونسية إزاء قرار الجمعية العامة بإدانة التدخل الروسي في أوكرانيا؟
-ما يمكنني قوله أنني كنت أفضل الحياد ولو أننا تمسكنا بالحياد لكان الجميع يحترمنا، هناك دول في منطقتنا احتفظوا بأصواتهم، نتذكر انه يوم الجمعة الماضي أصدرت وزارة الخارجية بيانا معقولا وحكيما في توجهاته حيث دعا بيان الخارجية إلى حل تفاوضي بين الفرقاء وإنهاء التهديد بالصدام العسكري وكان يفترض المواصلة في هذا الاتجاه والاحتفاظ بصوتنا ولو قمنا بذلك لاحترمنا الجميع. ولو كان بورقيبة بيننا اليوم لأمر بالتصويت في الصف الأمريكي ولكن وحسب تجربتي اعتبر اليوم أن الأمور تطورت كثيرا في الساحة الدولية اليوم عما كان سائدا وخاصة بعد حرب بوش على العراق وكذلك بعد سياسة ترامب وما صنعه في الجولان والقدس وتجميد المساعدات للفلسطينيين والانسحاب من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين وما رأيناه أن بايدن الذي خلف ترامب لم يتخل عن سياسات سلفه الانتقائية والانتهازية بل استمر في نفس الاتجاهات والتراجع الوحيد ربما كان بشان وكالة غوث اللاجئين، قناعتي كان علينا البقاء فوق كل الأطراف المتوغلة في المواجهة العسكرية وبالتالي اعتبر أن تصويت تونس كان ضائعا ولا يقدم لنا أي تقدير من العالم.
ولكن تونس بهذا الخيار تنتصر للشرعية الدولية ولا ننسى أن تونس تعرضت لهجوم قفصة من بلد مجاور وتعرضت قبل سنوات أيضا إلى عدوان إرهابي في بن قردان؟
-ولذلك أنا اطرح من هذا المنطلق قضية ميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الأساسية للقانون الدولي وهل مازال هناك من موقع أو التزام ووفاء من جانب أمريكا وشركائنا الأوروبيين لهذه المسائل لأننا عندما نرى هذه الانتقائية في التصرفات والمواقف في التعاطي مع القضايا على الساحة الدولية فانه من حقنا آن نتساءل هل من ضمانات حول النظام الدولي بعد الأزمة في أوكرانيا والواضح انه لا ضمانات، وحتى الدول التي كانت تعرف بالمحايدة ومنها سويسرا والسويد والنمسا وفنلندا دخلت المنظومة وأصبحت جزءا من العقوبات على روسيا بعد أن تخلت عن حيادها. فنحن ننتمي إلى منطقة تعاني من الاحتلال منذ عقود طويلة ولا نرى انفراجا لها وبالتالي فنحن نتساءل عن توجهات النظام العالمي الجديد الذي لن يحمينا غدا وبالتالي ليس لي أن امنحه هذا الضمان أو أعطيه صكا مفتوحا. هناك مسالة يتعين طرحها لماذا لا يقبل المجتمع الدولي نظاما دوليا يقوم على السلام وهذا ما كانت روسيا تطرحه منذ أكثر من عام حول أوكرانيا. مهم جدا الحديث عن علوية القانون الدولي ولكن ما نراه أن الإصرار على هذا القرار والحرص على العودة للقانون الدولي فقط لان الأمر يتعلق بأوروبا وشعب أوروبا وبمعالم أركان النظام المستقبلي الذي يريده الغرب ولكن علوية القانون الدولي تغيب مع القضية الفلسطينية فهل سيصمد شعب المبادئ مستقبلا أم أن مبادئ أخرى ستصمد؟ ما حدث في الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا هل سيعيد طرح خيار السلام مع إسرائيل من خلال اتفاق استراتيجي، اذكر جيدا عندما كنت نائب تونس في مجلس الأمن خلال مسيرة السلام أن الأمريكيين والإسرائيليين لم يقبلوا أبدا تفعيل هذه اللجنة وعندما أدركوا أن إسحاق رابين يمكن أن يقبل بحل السلام أقدموا على تصفيته لأنه كان موافقا على التفاوض مع المجموعة العربية.
بالعودة إلى الحرب في أوكرانيا إلى أين يتجه المشهد وكيف تنظر إلى السيناريو القادم؟
-اعتقد أن هناك أهدافا حينية وأخرى إستراتيجية بعيدة المدى والتوجه سيكون خلال الأيام القادمة وربما خلال أسبوع إلى وقف القتال لان الاستمرار في القتال لن يضيف لروسيا شيئا، فهناك غايات ومكاسب حينية نهائية ولا عودة فيها وتتعلق بالقرم وبجمهوريتي دونتسك ولوهانسك وكذلك مدينة ماريوبول الساحلية الجنوبية، فهي بالإضافة إلى أنها مركز صناعي مهم فان وجود الميناء الأوكراني الرئيسي فيها على بحر أزوف يمنحها مكانة إستراتيجية وسيسمح لروسيا بالتالي استغلالها للربط بين قواتها في شبه جزيرة القرم والقوات المتواجدة في المناطق الانفصالية في دونباست، وهذه المدينة تقع في ساحل بحر أزوف المطل على البحر الأسود حيث قوات الأطلسي ثم هي منطقة حيوية في تزويد روسيا بالمياه العذبة، وهو ما يعني أيضا أن هناك مكاسب أخرى قابلة للتراجع وتحسين فرص التفاوض مستقبل ولكن كل هذا يملي وقف إطلاق النار للوصول إلى الحل النهائي، وستبقى مسألة هيكلة الأمن الأوروبي ضمن اتفاقات الحل لنهائي الذي سيفضي إلى الاتفاق الاستراتيجي حول الأمن في الساحة الأوروبية، وهذا في اعتقادي ما يفترض المطالبة به في الساحة العربية ولكن الغرب يرفض هذا الأمر لشعوب المنطقة العربية و يرفضه أيضا لروسيا.
إلى أي مدى يمكن لروسيا بوتين المضي قدما في تنفيذ تهديداته؟
-ما نراه الآن أن الغرب أمريكا وأوروبا يتجهون إلى قلب المعادلة باعتماد منطق سلاح الاقتصاد وفي ذلك ردة فعل تضرب على وتر الاقتصاد وضرب خدمات نظام العولمة من معاملات بنكية وخدمات تكنولوجية والتحكم بذلك في منبع أو حنفية منظومة العولمة بأكملها، ويمكن أن ينجحوا في ذلك وسيكون لهذا التوجه عواقب مؤثرة ومهما كان النظام الاقتصادي البديل بين روسيا والصين وحتى إيران فانه لا يصل إلى مزايا نظام العولمة. هناك منطق ثان لا يدخل في منطق الاقتصاد وهو المنطق الاستراتيجي واللجوء إلى استعمال القوة ومن هنا يمكن القول أن الإنذار الصادر عن بوتين باستعمال قوة الردع لا يجب التعاطي معه بالخفة ولابد من اخذ مأخذ الجد وأعطي على ذلك مثال إسرائيل عندما لا تقبل خيارات حلفائها وتهدد باستعمال النووي. الخبراء يعرفون أن السلاح النووي والصواريخ الحاملة للنووي تفوق سرعتها خمس مرات سرعة الصوت ولا يمكن للصواريخ المضادة أن توقفها، روسيا يمكن أن تلجا إلى الرؤوس النووية الفتاكة ويمكن أن تلجا إلى هذا المنطق الاستراتيجي الذي استعملته إسرائيل وشركائها أمريكا وأوروبا لفرض خياراتهم وهدم الدول المحيطة بإسرائيل في لبنان وسوريا والعراق وهذا المنطق التدميري لا يطبقونه مع الشعوب العربية خلاصة القول أن روسيا لديها القدرة لفرض تفاق استراتيجي حول النظام الأمني.
ولكن أليس في هذا الخيار الانتحاري والمجنون نهاية الجميع إذا كانت الكلمة فيه للنووي؟
-اعتقد أن الحسابات محسوبة من جانب روسيا لكل الخيارات وفي حالة نشوب حالة حرب نووية لديها ما يكفي لهدم العدو والبقاء وهم يعرفون جيدا هذا الأمر وهذا ما يسمى بعقيدة التدمير المضمونةla doctrine de destruction assuree، وهذا ما أشار إليه بوتين عندما تحدث عن قوة الردع وحتى الآن فان استعمال درجات عمودية من سلم الأدوات العسكرية متواضع ولكن في حال احتاج إلى الذهاب ابعد من ذلك بإمكانه خنق العدو ولديه الإمكانيات وهو ليس في وضع العرب، وإذا كانت نيتهم الذهاب إلى الهدم فهو جاهز ليذهب خطوة ابعد من المنطق الاقتصادي الذي لجأوا إليه كما فعلوا من قبل في كوبا وفي إيران والعراق وسوريا.
هل اتضح النظام العالمي للقرن الواحد والعشرين اليوم؟
-بايدن حافظ على نفس توجهات وخيارات سلفه ترامب ولكن بدل التفرد بهذه الخيارات فقد اعتمد التعددية لفرضها وهو يستغل منظومة العولمة لفرض منطق العقوبات الاقتصادية الثقيلة. النظام العالمي تزعزع ودول محايدة خرجت منه والنظام العالمي الحالي خاضع لأحكام العولمة المسيرة وقد انتهى زمن نظام الحياد الذي اعتمدته تقليديا سويسرا والنمسا وفنلندا والسويد. حتى ألمانيا التي كان لها سقف محدد في استعمال سلاح الجيش منذ الحرب العالمية الثانية تحررت منه والمستشار شولتز فتح الباب أمام تسليح جيش المشاة دون سقف كذلك اليابان يتجه أكثر فأكثر للتحرر من قيود الدستور الذي فرض عليه بعد الحرب وليس مستبعدا أن تتجه هذه الأطراف إلى السلاح النووي.
ألا تعتبر أن أوروبا كانت الحلقة الأضعف قبل الأزمة في أوكرانيا وستكون أكثر ضعفا بعد هذه الأزمة وستبقى تحت المظلة الأمريكية رغم دعوات فرنسا بأهمية التأسيس لسياسة دفاعية أوروبية مشتركة؟
-منذ ديغول ظلت نظرية الدفاع الأوروبية طاغية في الحزب الديغولي إلى أن خرج ديغول من المنطقة العسكرية للناتو احتجاجا على الهيمنة الأمريكية على الحلف وانتقل المركز من باريس إلى بروكسيل، وظل منطق الدفاع الأوروبي مغروسا في فرنسا ومع الرؤساء الديغوليين ومعه إيزنهاور من اجل أن يكون الدفاع الأوروبي مستقلا وقويا إلى حد بعيد ولكن بريطانيا اختارت الخروج والانسحاب من الاتحاد الأوروبي وما رأيناه أن ماكرون عاد إلى هذا المنطق في عهد ترامب وتحدث عن دفاع أوروبي مشترك وأشار إلى أن الناتو في حالة مرض سريري، ولكن المشهد اليوم مختلف وأوروبا اليوم واقعة في التبعية مع من خلف ترامب رغم كل المؤاخذات لان هناك حالة حرب في قلب أوروبا فطأطأوا الرؤوس والسؤال هل يستمرون في هذا الوضع بعد الحرب؟ النظام الدولي الجديد سيضرب بقوة القطب الصيني الروسي المزاحم ونتوقع أن يقع انشقاق في الصف الأوروبي بعد الحرب، هناك مواجهة حربية تدور في الساحة الأوروبية والوسائل التي استعملها بايدن قبل هذه الحرب استهدفت أوروبا بالدرجة الأولى ونقصد بذلك اتفاقية aukus اوكيس والصفعة التي تلقتها فرنسا بعد إلغاء العقد الاستراتيجي بين فرنسا واستراليا موقع في 2016 بقيمة 38,6 مليار دولار لبناء 12 غواصة ديزل، واستبداله بحلف جديد بين أمريكا وبريطانيا وكندا واستراليا وهذا جزء من أركان النظام الجديد لإنهاء وتقزيم دور فرنسا والاتحاد الأوروبي. وهو أيضا ضربة من أمريكا للقلعة الأوروبية مهما كان دورها وطاقاتها انطلاقا مما يسمى بالحوار الرباعي للأمن ثاني أركان النظام العالمي المستقبلي وربما يكون في ذلك عنوانا لانفجار جديد ودافع للقطب الأوروبي لتوحيد كلمته الأمنية الإستراتيجية مستقبلا وليس الاقتصادية فقط.