واحد على خمسة مواطنين بالغين في تونس ممن تجاوز سنهم 18 سنة دفع رشوة، هكذا تقول آخر الدراسات التي تناولت ظاهرة الرشوة أو ما يعبر عنه بالفساد الصغير في بلادنا، وبلغة العامة ظاهرة "افرح بيا.. مشي حويجة.. قهوتي.."، وغيرها من العبارات المتداولة لإبرام صفقة رشوة بين "راش" و"مرتش" في إداراتنا ومؤسساتنا وجل قطاعاتنا.
إحصائيات ودراسات محلية ودولية متواترة تتناول موضوع الفساد في تونس وتنذر بخراب وتقويض الثقة في الدولة ومؤسساتها لكنها تمر مرور الكرام بل لا نبالغ إذا ما اشرنا إلى أنها لا تثير انتباه احد عدا ربما المختصين والمتابعين عن قرب لموضوع الفساد.
ويعيش التونسيون اليوم في حالة تطبيع فريدة من نوعها مع الفساد والرشوة وسط حالة من الإنكار من ممثلي القطاعات المتصدرة لنسب انتشار هذه الظاهرة حيث يوجد القانون لكن يغيب أو تغيب المراقبة والردع.
أرقام صادمة لكن..
تتأخر كل القطاعات وتتراجع كل المؤشرات في البلاد اليوم لكن المجال الوحيد المزدهر والمنتعش هي "الرشوة" ومع كل دراسة جديدة تتناول الظاهرة يتأكد استفحالها في المجتمع بالنظر إلى الأرقام الصادمة والمفزعة والغريب أنه لا يقابلها أي رد فعل أو حالة استنفار من أي جهة كانت رسمية أو غير رسمية.
آخر هذه الإحصائيات تلك الصادرة في غضون الأسبوع الجاري عن الجمعية التونسية للمراقبين العموميين التي كشفت عن نتائج دراسة تحت عنوان ”الفساد الصغير في تونس” بمعنى "الفساد الإداري اليومي والمتعلق بالتعامل والمبالغ التي يدفعها المواطن للموظفين من أجل الحصول على خدمة أو تسهيل أو إعفاء"، وفق تعريف الجمعية.
حيث خلصت الدراسة إلى أن الوضـع في تونس "يتطلب دق ناقـوس الخطـر باعتبـار أن تجـاوز نسـبة الأشـخاص الذيـن دفعوا رشـوة خـلال سـنة واحدة 26% يحـوّل الفسـاد إلـى مشـكل حوكمـة خطيــر يســتوجب وضعــه ضمــن أوكــد الأولويــات فــي السياســات الإصلاحيــة للدولــة".
كما أشارت الدراسة إلى أن "الفساد لم يعد مجــرد ممارســات فرديــة والى انه تحول إلى مشــكل مجتمعــي أصبــح ينخــر أســس دولــة القانــون ويضــرب منظومــة الحوكمــة ويمــس الثقــة فــي الدولــة ومؤسســاتها".
بينت الدراسة أن 19% من مجموعة عدد المواطنين قاموا بدفع رشوة سنة 2020 (ما يعادل 1.5 مليون تونسي) وقد كان لجائحة كورنا مساهمة هامة في ارتفاع الرشوة تحت قاعدة مصائب قوم عند قوم فوائد ويتذكر الجميع الاستغلال الفاحش لحالة الفزع والهلع في صفوف التونسيين وسعيهم للحصول على أسرة إنعاش وأجهزة الأوكسجين وعلى المواد الغذائية وغيرها من الخدمات.
كما كشفت الدراسة أيضا أن 1 من بين 5 أشخاص سنهم أكثر من 18 سنة دفع رشوة سنة 2020. وأن 76% من الأشخاص الذين دفعوا رشاوى هم من الرجال مقابل 24% من النساء وتعد الفئة العمرية بين 26 و45 سنة أكثر من قامت بدفع رشوة.
وبلغت القيمة الجملية للرشاوى التي دفعت من قبل المواطنين حوالي 570 مليون دينار سنة 2020 وذلك في مختلف القطاعات، حيث شهد هذا المبلغ ارتفاعا بنسبة 21% مقارنة بسنة 2014 والذي قدر حينها بحوالي 450 مليون دينار.
وتوزعت أشكال الرشوة بين: رشوة(99%)محسوبية(93%) وجهويات (93%)، وتبادل الخدمات (90%) والهدايا(85%) والمحاباة (66%).
كل القطاعات معنية
كشفت دراسة الجمعية التونسية للمراقبين العموميين أن جل القطاعات سجلت حالات رشوة. حيث توزعت نسبة الفساد حسب القطاعات، باعتبار حالات الرشوة التي دفعت فعليا، بين قطاع الأمن الذي احتل المرتبة الأولى بنسبة (50%) ثم قطاع الصحة(20%) والجماعات المحلية (14%) والمؤسسات العمومية (10%) وقطاع التجهيز(6%) وقطاعات أخرى(7%).
وبعيدا عن ما تكشفه الدراسات فإن الواقع اليومي يؤكد أن ظاهرة الرشوة لا تستثنى أي قطاع في تونس مهما كانت حساسيته أو حصانته.
فقطاعات مثل الإعلام والقضاء ومهن العدالة بشكل عام والمؤسسات السيادية للدولة ليست محصنة ولا منزهة عن ظاهرة الرشوة وإن بأساليب وطرق مقنعة يعرفها القاصي والداني ويقر بها المنتسبون إلى هذه القطاعات أنفسهم.
ففي القضاء على سبيل الذكر يكفى فقط أن تكون ابن منطقة حدودية تنتشر فيها للأسف ظاهرة التهريب وتجارة "الزطلة" والمخدرات لتستمع وتعاين عديد الحالات لا سيما في صفوف الأولياء ممن يتورط أولادهم في قضايا مخدرات كيف يضطر هؤلاء لدفع أموال طائلة عبر التداين والاقتراض من البنوك لتقديم "رشوة" لتخفيف الأحكام على أبنائهم أو لخروجهم من السجن. وتوجد مسالك مختصة في مثل هذه القضايا ووسطاء ينشطون ومبالغ محددة للغرض وأيضا متحيلون قد يستغلون حرقة الأولياء.
حالة إنكار
المؤسف عند الحديث عن ظاهرة الرشوة التي تنخر كل القطاعات في البلاد، هو حالة الإنكار أو مبدإ أنصر آخاك ظالما أو مظلوما التي تعد الصفة المشتركة بين جل الهياكل الممثلة لهذه القطاعات. فتجد الاعتراف بالفساد والرشوة الذي ينخر هذه القطاعات ينتشر في صفوف منتسبيها وفي الدوائر الضيقة والمغلقة لكن ينكر الجميع أو يعتبرونه حالات معزولة عندما يصبح الحديث علنا وفي الأطر الرسمية والإعلامية.
يذكر بهذا الصدد أنه وتفاعلا مع ما ورد في دراسة الجمعية التونسية للمراقبين العموميين الأخيرة بشأن تصدر الأمن للقطاعات التي حصلت على رشوة، سارع الخبير الأمني علي الزرمديني في تصريح لـ"الصباح نيوز" إلى اعتبار الإحصائيات مبالغ فيها، مشيرا إلى أن "عملية تصنيف الأمنيين والديوانية في صدارة الفساد والرشوة هو أمر مبالغ فيه على اعتبار وان اغلب الدراسات العلمية والميدانية أثبتت أن اكبر قطاع فيه الرشوة هو هياكل التجهيز بالنظر إلى أن المبالغ المدفوعة في قطاع الطرقات والجسور هي مبالغ كبيرة ورهيبة جدا"، على حد تعبيره.
وتأتي تصريحات الزرمديني رغم أن دراسات سابقة تحدثت عن انتشار واسع لظاهرة الرشوة في قطاع الأمن ونذكر هنا الدراسة التي أعدتها الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات ونشرت نتائجها في ديسمبر الفارط، وأثبتت أن 52.3% من سائقي العربات لا يرفضون إعطاء الرشوة لتسوية المخالفات المرورية، مقابل 41.7% يبادر خلالها الأمني بطلب الرشوة مقابل تسوية المخالفة المرورية.
كما كشفت الدراسة أن 53% من المستجوبين يدفعون الرشوة المالية دون مناقشة، في المقابل43.7% يحاولون إقناع الشرطي بسحب المخالفة و2.7% يساومون الأمني على قيمة الرشوة.
وأضافت الدراسة، التي أعدتها الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات، أيضا أن 62% يُقدمون الرشوة بصفة علنية و29.5% بين أوراق العربة و6% في جيب الأمني.
دراسات أخرى سابقة
توجد أيضا دراسات أخرى تؤكد حالة التطبيع التونسية مع الرشوة فقد كشف مؤشر مخاطر الرشوة الذي تصدره مؤسسة “تريس”، أن تونس تحتل المرتبة 68 في مخاطر الرشوة التجارية خلال الفترة من 2020 إلى 2021، ويستند قياس هذا المؤشر على مجموعة من المعايير، تتعلق بمكافحة الرشوة في مجال الأعمال والتجارة، ومنها تفاعلات الأعمال مع الحكومة وردع وإنفاذ مكافحة الرشوة وشفافية الحكومة والخدمة المدنية والقدرة على رقابة المجتمع المدني، بما في ذلك دور وسائل الإعلام.
وفي ديسمبر 2019 أكدت منظمة الشفافية الدولية، في تقرير لها، أن 18 بالمائة من متلقي خدمات المصالح الحكومية في تونس دفعوا رشوة خلال 12 شهرا التي سبقت الإعلان عن النتائج.
واستندت المنظمة في تقريرها، إلى استطلاع للرأي استهدف أكثر من 6 آلاف مواطن تم استجوابهم حول الفساد وتجاربهم المباشرة مع الرشوة في 6 دول عربية من بينها تونس، وأكد أن 67 بالمائة من المستجوبين التونسيين يرون أن الفساد تفاقم.
كما أشار التقرير إلى أن 64 بالمائة من التونسيين الذين تم استجوابهم، في الاستطلاع، يقرّون أن أداء الحكومة في مجال مكافحة الفساد ضعيف.
الفاتورة مكلفة
تعد تكلفة انتشار ظاهرة الرشوة باهظة على الدولة وعلى المواطن حيث أقر الرئيس السابق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي طبيب، في تصريح إذاعي في ماي 2020، بان الفساد الصغير وهو ما يعرف بالعامية لدى التونسيين بـ"الرشوة" يكلف التونسي سنويا ما بين 400 و500 مليار، وفق تعبيره.
وأشار إلى أن 15 بالمائة من التونسيين حسب دراسة أجريت في الغرض يعتبرون "الرشوة" أمر عادي ويدفعها للحصول على خدمات إدارية أو لمنع تطبيق القانون عليه في حالة تجاوزه أو لحصول على خدمة كانت لغيره.
وأكد الطبيب انه من "حسن الحظ أن أغلبية التونسيين يعتبرون الرشوة فساد ويجب محاربته والتصدي له". في المقابل أكد على ضرورة الانتباه إلى البعض الآخر من التونسيين الذين يعتبرون أن التبليغ عن الفساد لا يقدم أي إضافة أو فائدة، وفق الدراسة المذكورة.
واحد على خمسة مواطنين بالغين في تونس ممن تجاوز سنهم 18 سنة دفع رشوة، هكذا تقول آخر الدراسات التي تناولت ظاهرة الرشوة أو ما يعبر عنه بالفساد الصغير في بلادنا، وبلغة العامة ظاهرة "افرح بيا.. مشي حويجة.. قهوتي.."، وغيرها من العبارات المتداولة لإبرام صفقة رشوة بين "راش" و"مرتش" في إداراتنا ومؤسساتنا وجل قطاعاتنا.
إحصائيات ودراسات محلية ودولية متواترة تتناول موضوع الفساد في تونس وتنذر بخراب وتقويض الثقة في الدولة ومؤسساتها لكنها تمر مرور الكرام بل لا نبالغ إذا ما اشرنا إلى أنها لا تثير انتباه احد عدا ربما المختصين والمتابعين عن قرب لموضوع الفساد.
ويعيش التونسيون اليوم في حالة تطبيع فريدة من نوعها مع الفساد والرشوة وسط حالة من الإنكار من ممثلي القطاعات المتصدرة لنسب انتشار هذه الظاهرة حيث يوجد القانون لكن يغيب أو تغيب المراقبة والردع.
أرقام صادمة لكن..
تتأخر كل القطاعات وتتراجع كل المؤشرات في البلاد اليوم لكن المجال الوحيد المزدهر والمنتعش هي "الرشوة" ومع كل دراسة جديدة تتناول الظاهرة يتأكد استفحالها في المجتمع بالنظر إلى الأرقام الصادمة والمفزعة والغريب أنه لا يقابلها أي رد فعل أو حالة استنفار من أي جهة كانت رسمية أو غير رسمية.
آخر هذه الإحصائيات تلك الصادرة في غضون الأسبوع الجاري عن الجمعية التونسية للمراقبين العموميين التي كشفت عن نتائج دراسة تحت عنوان ”الفساد الصغير في تونس” بمعنى "الفساد الإداري اليومي والمتعلق بالتعامل والمبالغ التي يدفعها المواطن للموظفين من أجل الحصول على خدمة أو تسهيل أو إعفاء"، وفق تعريف الجمعية.
حيث خلصت الدراسة إلى أن الوضـع في تونس "يتطلب دق ناقـوس الخطـر باعتبـار أن تجـاوز نسـبة الأشـخاص الذيـن دفعوا رشـوة خـلال سـنة واحدة 26% يحـوّل الفسـاد إلـى مشـكل حوكمـة خطيــر يســتوجب وضعــه ضمــن أوكــد الأولويــات فــي السياســات الإصلاحيــة للدولــة".
كما أشارت الدراسة إلى أن "الفساد لم يعد مجــرد ممارســات فرديــة والى انه تحول إلى مشــكل مجتمعــي أصبــح ينخــر أســس دولــة القانــون ويضــرب منظومــة الحوكمــة ويمــس الثقــة فــي الدولــة ومؤسســاتها".
بينت الدراسة أن 19% من مجموعة عدد المواطنين قاموا بدفع رشوة سنة 2020 (ما يعادل 1.5 مليون تونسي) وقد كان لجائحة كورنا مساهمة هامة في ارتفاع الرشوة تحت قاعدة مصائب قوم عند قوم فوائد ويتذكر الجميع الاستغلال الفاحش لحالة الفزع والهلع في صفوف التونسيين وسعيهم للحصول على أسرة إنعاش وأجهزة الأوكسجين وعلى المواد الغذائية وغيرها من الخدمات.
كما كشفت الدراسة أيضا أن 1 من بين 5 أشخاص سنهم أكثر من 18 سنة دفع رشوة سنة 2020. وأن 76% من الأشخاص الذين دفعوا رشاوى هم من الرجال مقابل 24% من النساء وتعد الفئة العمرية بين 26 و45 سنة أكثر من قامت بدفع رشوة.
وبلغت القيمة الجملية للرشاوى التي دفعت من قبل المواطنين حوالي 570 مليون دينار سنة 2020 وذلك في مختلف القطاعات، حيث شهد هذا المبلغ ارتفاعا بنسبة 21% مقارنة بسنة 2014 والذي قدر حينها بحوالي 450 مليون دينار.
وتوزعت أشكال الرشوة بين: رشوة(99%)محسوبية(93%) وجهويات (93%)، وتبادل الخدمات (90%) والهدايا(85%) والمحاباة (66%).
كل القطاعات معنية
كشفت دراسة الجمعية التونسية للمراقبين العموميين أن جل القطاعات سجلت حالات رشوة. حيث توزعت نسبة الفساد حسب القطاعات، باعتبار حالات الرشوة التي دفعت فعليا، بين قطاع الأمن الذي احتل المرتبة الأولى بنسبة (50%) ثم قطاع الصحة(20%) والجماعات المحلية (14%) والمؤسسات العمومية (10%) وقطاع التجهيز(6%) وقطاعات أخرى(7%).
وبعيدا عن ما تكشفه الدراسات فإن الواقع اليومي يؤكد أن ظاهرة الرشوة لا تستثنى أي قطاع في تونس مهما كانت حساسيته أو حصانته.
فقطاعات مثل الإعلام والقضاء ومهن العدالة بشكل عام والمؤسسات السيادية للدولة ليست محصنة ولا منزهة عن ظاهرة الرشوة وإن بأساليب وطرق مقنعة يعرفها القاصي والداني ويقر بها المنتسبون إلى هذه القطاعات أنفسهم.
ففي القضاء على سبيل الذكر يكفى فقط أن تكون ابن منطقة حدودية تنتشر فيها للأسف ظاهرة التهريب وتجارة "الزطلة" والمخدرات لتستمع وتعاين عديد الحالات لا سيما في صفوف الأولياء ممن يتورط أولادهم في قضايا مخدرات كيف يضطر هؤلاء لدفع أموال طائلة عبر التداين والاقتراض من البنوك لتقديم "رشوة" لتخفيف الأحكام على أبنائهم أو لخروجهم من السجن. وتوجد مسالك مختصة في مثل هذه القضايا ووسطاء ينشطون ومبالغ محددة للغرض وأيضا متحيلون قد يستغلون حرقة الأولياء.
حالة إنكار
المؤسف عند الحديث عن ظاهرة الرشوة التي تنخر كل القطاعات في البلاد، هو حالة الإنكار أو مبدإ أنصر آخاك ظالما أو مظلوما التي تعد الصفة المشتركة بين جل الهياكل الممثلة لهذه القطاعات. فتجد الاعتراف بالفساد والرشوة الذي ينخر هذه القطاعات ينتشر في صفوف منتسبيها وفي الدوائر الضيقة والمغلقة لكن ينكر الجميع أو يعتبرونه حالات معزولة عندما يصبح الحديث علنا وفي الأطر الرسمية والإعلامية.
يذكر بهذا الصدد أنه وتفاعلا مع ما ورد في دراسة الجمعية التونسية للمراقبين العموميين الأخيرة بشأن تصدر الأمن للقطاعات التي حصلت على رشوة، سارع الخبير الأمني علي الزرمديني في تصريح لـ"الصباح نيوز" إلى اعتبار الإحصائيات مبالغ فيها، مشيرا إلى أن "عملية تصنيف الأمنيين والديوانية في صدارة الفساد والرشوة هو أمر مبالغ فيه على اعتبار وان اغلب الدراسات العلمية والميدانية أثبتت أن اكبر قطاع فيه الرشوة هو هياكل التجهيز بالنظر إلى أن المبالغ المدفوعة في قطاع الطرقات والجسور هي مبالغ كبيرة ورهيبة جدا"، على حد تعبيره.
وتأتي تصريحات الزرمديني رغم أن دراسات سابقة تحدثت عن انتشار واسع لظاهرة الرشوة في قطاع الأمن ونذكر هنا الدراسة التي أعدتها الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات ونشرت نتائجها في ديسمبر الفارط، وأثبتت أن 52.3% من سائقي العربات لا يرفضون إعطاء الرشوة لتسوية المخالفات المرورية، مقابل 41.7% يبادر خلالها الأمني بطلب الرشوة مقابل تسوية المخالفة المرورية.
كما كشفت الدراسة أن 53% من المستجوبين يدفعون الرشوة المالية دون مناقشة، في المقابل43.7% يحاولون إقناع الشرطي بسحب المخالفة و2.7% يساومون الأمني على قيمة الرشوة.
وأضافت الدراسة، التي أعدتها الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات، أيضا أن 62% يُقدمون الرشوة بصفة علنية و29.5% بين أوراق العربة و6% في جيب الأمني.
دراسات أخرى سابقة
توجد أيضا دراسات أخرى تؤكد حالة التطبيع التونسية مع الرشوة فقد كشف مؤشر مخاطر الرشوة الذي تصدره مؤسسة “تريس”، أن تونس تحتل المرتبة 68 في مخاطر الرشوة التجارية خلال الفترة من 2020 إلى 2021، ويستند قياس هذا المؤشر على مجموعة من المعايير، تتعلق بمكافحة الرشوة في مجال الأعمال والتجارة، ومنها تفاعلات الأعمال مع الحكومة وردع وإنفاذ مكافحة الرشوة وشفافية الحكومة والخدمة المدنية والقدرة على رقابة المجتمع المدني، بما في ذلك دور وسائل الإعلام.
وفي ديسمبر 2019 أكدت منظمة الشفافية الدولية، في تقرير لها، أن 18 بالمائة من متلقي خدمات المصالح الحكومية في تونس دفعوا رشوة خلال 12 شهرا التي سبقت الإعلان عن النتائج.
واستندت المنظمة في تقريرها، إلى استطلاع للرأي استهدف أكثر من 6 آلاف مواطن تم استجوابهم حول الفساد وتجاربهم المباشرة مع الرشوة في 6 دول عربية من بينها تونس، وأكد أن 67 بالمائة من المستجوبين التونسيين يرون أن الفساد تفاقم.
كما أشار التقرير إلى أن 64 بالمائة من التونسيين الذين تم استجوابهم، في الاستطلاع، يقرّون أن أداء الحكومة في مجال مكافحة الفساد ضعيف.
الفاتورة مكلفة
تعد تكلفة انتشار ظاهرة الرشوة باهظة على الدولة وعلى المواطن حيث أقر الرئيس السابق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي طبيب، في تصريح إذاعي في ماي 2020، بان الفساد الصغير وهو ما يعرف بالعامية لدى التونسيين بـ"الرشوة" يكلف التونسي سنويا ما بين 400 و500 مليار، وفق تعبيره.
وأشار إلى أن 15 بالمائة من التونسيين حسب دراسة أجريت في الغرض يعتبرون "الرشوة" أمر عادي ويدفعها للحصول على خدمات إدارية أو لمنع تطبيق القانون عليه في حالة تجاوزه أو لحصول على خدمة كانت لغيره.
وأكد الطبيب انه من "حسن الحظ أن أغلبية التونسيين يعتبرون الرشوة فساد ويجب محاربته والتصدي له". في المقابل أكد على ضرورة الانتباه إلى البعض الآخر من التونسيين الذين يعتبرون أن التبليغ عن الفساد لا يقدم أي إضافة أو فائدة، وفق الدراسة المذكورة.