إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ارتفاع "صاروخي" في الأسعار.. نقص في الأدوية والمواد.. وضغوطات التونسي يتخبط في دوامة الأزمات..ويعاني "الويلات" / مختص في علم الاجتماع: نعيش في تونس مرحلة العنف البارد

تونس-الصباح

تكبّل حياة التونسي اليوم أزمات عديدة.. أزمة مالية حادة جراء الارتفاع المشط في الأسعار وتأخر صرف الرواتب في بعض القطاعات، هذه الرواتب التي بات معظمها غير قادر على مجابهة واستيعاب حجم الزيادة المهولة في مختلف المواد الاستهلاكية.. أزمة اقتصادية وسياسية خانقة لا تلوح مطلقا بوادر انفراجها.. علاوة على أزمات وإشكاليات أخرى من قبيل النقص الحاد حاليا في بعض المواد الاستهلاكية وفي الأدوية الحياتية هذا دون التغافل عن معضلة الغلاء الفاحش في الأسعار الذي طال جميع المجالات دون استثناء.. كلها عوامل جعلت غالبية الشعب التونسي وعلى حد توصيف البعض "مدبرم".. وهو طرح يجد  صداه  في ظل الاقبال  الكبير على العيادات النفسية..

من هذا المنطلق ساهمت الأزمات السالفة الذكر بشكل كبير في أن يعاني التونسي "الويلات" فالمناخ العام والذي يسوده التوتر والتشنج على جميع الأصعدة خاصة  سياسيا واقتصاديا كان له عميق الأثر في أن يعزّز نسبة التشاؤم لدى التونسيين والتي بلغت معدلات قياسية حيث كشف "البارومتر السياسي" لمؤسسة "سيغما كونساي" لشهر ماي الماضي والذي أنجزته بالتعاون مع صحيفة المغرب تواصل الارتفاع الكبير لنسبة التشاؤم لدى التونسيين المستقرة في حدود 90 بالمائة. وتعتبر هذه النسبة الأرفع منذ إنشاء هذا البارومتر الشهري في جانفي 2015.

وأوضحت نتائج البارومتر أنّ ثلاثة أرباع المستجوبين (75,7 بالمائة) غير راضين بالمرة عن الطريقة التي تسيّر بها البلاد مقابل1 بالمائة فقط راضين تماما. ويعتبر 73 بالمائة من المستجوبين أنّ الوضع المالي لأسرهم أسوأ مما كان عليه العام الماضي.

وبخصوص الأولويات التي ينبغي على الحكومة الاشتغال عليها، فكانت النهوض بالقطاع الصحي أوّلا (47 بالمائة) ثم مكافحة البطالة والنهوض بالتعليم ثانيا (40 بالمائة)، في حين تدحرجت مكافحة الفساد من المرتبة الأولى السنة الماضية الى 12 في المائة وفق هذا البارومتر، بما يؤشر إلى القول بان التونسي يتطلع في الوقت الراهن الى قرارات سريعة وجريئة تحسن من مقدرته الشرائية ومن واقعه الاجتماعي إجمالا وهو الذي سئم الجدل والصراعات العقيمة بين مختلف الفاعلين السياسيين ومع ذلك تصر الأطراف الماسكة بزمام الأمور على أن تكون أوكد الأولويات في إشارة إلى الجانب الاجتماعي –والذي ما فتئ يتدحرج من السيئ إلى الأسوإ من سنة إلى أخرى -  آخر الاهتمامات   

وبالتوازي مع ارتفاع نسبة التشاؤم في صفوف التونسيين فقد ارتفعت في السنتين الأخيرتين نسبة الإقبال على العيادات النفسية الخاصة وتؤكد في هذا الخصوص منى (سكرتيرة احد الأطباء النفسانيين) في تصريح لـ "الصباح"  أن حجم الإقبال على العيادة قد ارتفع بأكثر من40 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية موضحة أن غالبية  المرضى يعانون من الاكتئاب علما أن الأستاذ في الطب النفسي بمستشفى الرازي فتحي ناصف كان قد أورد في معرض تصريحاته الإعلامية أن نسبة الإقبال على العيادات الخارجية بالمؤسسة الإستشفائية ونسبة المقيمين قد سجلت ارتفاعا يتراوح بين 10و15بالمائة في السنوات الأخيرة..

وفسر الدكتور فتحي ناصف إن من أكثر الأمراض النفسية التي يشكو منها التونسيون هو مرض الرعب ومرض الاكتئاب.

من جهة أخرى وعلاوة على هذا الارتفاع المفزع في نسبة التشاؤم فان أكثر ما زاد الطين بلة هو "قلة ذات اليد" جراء الارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الاستهلاكية التي فاقت حدتها جميع الخطوط الحمراء، كلها عوامل وفرت أرضية خصبة للتشنج والتوتر الذي يقابله ارتفاع معدلات العنف والانتحار والجريمة...

في تفاعله مع هذا الطرح يشير المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين في تصريح لـ "الصباح" أن هذه الظواهر في إشارة الى تزايد إقبال التونسي على العيادات النفسية وارتفاع معدلات العنف هي نتيجة تراكمات، مؤكدا أن هذه التراكمات لم تصل بعد الى مرحلة الانفجار والعنف الخطير. وفسر محدثنا أن ثورة 2011 مثلت لحظة فارقة في تاريخ تونس موضحا أنه في بعض الأوقات تتحول الثورات إلى حروب أهلية وهذا ما يحسب لتونس حيث لم تتحول الصراعات الى فوضى عارمة او مشاهد دموية.

واعتبر عز الدين أننا نعيش في تونس مرحلة العنف البارد  حيث لم نصل بعد إلى مرحلة التصفية الجسدية، مشيرا الى انه بعد تاريخ 25 جويلية كانت هنالك أزمة سياسية خانقة تترجمها صراعات حول الصلاحيات هذا بالتوازي مع حصول شرخ سياسي وإداري، بالتوازي مع الشرخ الاجتماعي والأزمة الاقتصادية الخانقة التي عمقت من حدتها جائحة كورونا خاصة وان القطاع الخاص يعتبر من أكثر المتضررين من جائحة كورونا.

وأضاف محدثنا أن تونس خلال هذه الفترة وبعد أزمة كورونا عرفت أزمة اقتصادية وسياسية خانقة مؤكدا في هذا الخصوص أن الأزمة التي تعيشها تونس هي بالأساس أزمة اقتصادية واجتماعية خاصة أن الثورات تساهم بشكل أو بآخر في الترفيع من سقف الانتظارات والحال أن الواقع الاجتماعي لم يتحسن بعد الثورة حيث ارتفعت معدلات البطالة في صفوف خريجي الجامعات هذا بالتوازي مع وجود أزمة على مستوى التشغيل والاستثمار.

هذه الوضعية جعلت التونسي من وجهة نظر المختص في علم الاجتماع يعيش أزمة إحباط كبيرة بما أن الانتظارات كبيرة والانجازات صغيرة وهو ما أدى الى تغذية الحقد والكراهية والتي برزت من خلال سلوكيات غير منضبطة  تعرف بحالة اللايقين الاجتماعي. وفسّر في هذا الجانب محدثنا انه في حال كانت سلوكيات الأفراد دون ضوابط أخلاقية فان ذلك من شانه أن يفرز جملة من السلوكيات تتلخص في ارتفاع معدلات الجريمة وحالات الانتحار مشيرا في هذا الصدد إلى أن السلوكيات الخطيرة سواء من جرائم أو حالات عنف تسجل لدى المراهقين في المدارس نظرا لغياب مفهوم التنشئة الاجتماعية.

وللخروج من عنق الزجاجة دعا المختص في علم الاجتماع الطبقة السياسية الى إيجاد حل للناشئة من خلال بلورة مشروع وطني يجمع كل التونسيين يقوم على تجاوز جميع الفوارق الاجتماعية من خلال ضبط منوال تنموي عال يضمن التوزيع العادل للثروات وخاصة يقدم فسحة من الأمل للشباب الذي أضحت أقصى طموحاته حاليا "الحرقة" هذا بالتوازي مع ايلاء الكفاءات التونسية المكانة التي تستحقها حتى يتسنى إيقاف نزيف هجرة الأدمغة.

في هذا الخضم وحتى لا تخسر تونس مزيدا من الكفاءات الشابة خاصة في المجال الطبي الذي يهاجر اليوم بكثافة سواء الى دول الخليج أو باقي الدول الأوروبية وبما أن البعض مازال يحدوه الامل بان واقعه الاجتماعي سيتحسن بعد تاريخ 25 جويلية فان صناع القرار مطالبون بهدنة من كل الصراعات والتجاذبات السياسية التي لن تزيد المواطن إلا اصرارا على "الحرقة" والالتفات الى مسائل تهمه بدرجة اولى على غرار الاحتكار في بعض المواد الأساسية والنقص الحاد سواء في الأدوية الحياتية أو في بعض المواد الغذائية هذا مع التفكير في ضبط استراتيجية فعالة يتسنى بمقتضاها كبح جماح الأسعار قبل ان تتطور "حالة الاحتقان والغليان.." إلى ما لا يحمد عقباه.

منال حرزي

ارتفاع "صاروخي" في الأسعار.. نقص في الأدوية والمواد.. وضغوطات التونسي يتخبط في دوامة الأزمات..ويعاني "الويلات" / مختص في علم الاجتماع: نعيش في تونس مرحلة العنف البارد

تونس-الصباح

تكبّل حياة التونسي اليوم أزمات عديدة.. أزمة مالية حادة جراء الارتفاع المشط في الأسعار وتأخر صرف الرواتب في بعض القطاعات، هذه الرواتب التي بات معظمها غير قادر على مجابهة واستيعاب حجم الزيادة المهولة في مختلف المواد الاستهلاكية.. أزمة اقتصادية وسياسية خانقة لا تلوح مطلقا بوادر انفراجها.. علاوة على أزمات وإشكاليات أخرى من قبيل النقص الحاد حاليا في بعض المواد الاستهلاكية وفي الأدوية الحياتية هذا دون التغافل عن معضلة الغلاء الفاحش في الأسعار الذي طال جميع المجالات دون استثناء.. كلها عوامل جعلت غالبية الشعب التونسي وعلى حد توصيف البعض "مدبرم".. وهو طرح يجد  صداه  في ظل الاقبال  الكبير على العيادات النفسية..

من هذا المنطلق ساهمت الأزمات السالفة الذكر بشكل كبير في أن يعاني التونسي "الويلات" فالمناخ العام والذي يسوده التوتر والتشنج على جميع الأصعدة خاصة  سياسيا واقتصاديا كان له عميق الأثر في أن يعزّز نسبة التشاؤم لدى التونسيين والتي بلغت معدلات قياسية حيث كشف "البارومتر السياسي" لمؤسسة "سيغما كونساي" لشهر ماي الماضي والذي أنجزته بالتعاون مع صحيفة المغرب تواصل الارتفاع الكبير لنسبة التشاؤم لدى التونسيين المستقرة في حدود 90 بالمائة. وتعتبر هذه النسبة الأرفع منذ إنشاء هذا البارومتر الشهري في جانفي 2015.

وأوضحت نتائج البارومتر أنّ ثلاثة أرباع المستجوبين (75,7 بالمائة) غير راضين بالمرة عن الطريقة التي تسيّر بها البلاد مقابل1 بالمائة فقط راضين تماما. ويعتبر 73 بالمائة من المستجوبين أنّ الوضع المالي لأسرهم أسوأ مما كان عليه العام الماضي.

وبخصوص الأولويات التي ينبغي على الحكومة الاشتغال عليها، فكانت النهوض بالقطاع الصحي أوّلا (47 بالمائة) ثم مكافحة البطالة والنهوض بالتعليم ثانيا (40 بالمائة)، في حين تدحرجت مكافحة الفساد من المرتبة الأولى السنة الماضية الى 12 في المائة وفق هذا البارومتر، بما يؤشر إلى القول بان التونسي يتطلع في الوقت الراهن الى قرارات سريعة وجريئة تحسن من مقدرته الشرائية ومن واقعه الاجتماعي إجمالا وهو الذي سئم الجدل والصراعات العقيمة بين مختلف الفاعلين السياسيين ومع ذلك تصر الأطراف الماسكة بزمام الأمور على أن تكون أوكد الأولويات في إشارة إلى الجانب الاجتماعي –والذي ما فتئ يتدحرج من السيئ إلى الأسوإ من سنة إلى أخرى -  آخر الاهتمامات   

وبالتوازي مع ارتفاع نسبة التشاؤم في صفوف التونسيين فقد ارتفعت في السنتين الأخيرتين نسبة الإقبال على العيادات النفسية الخاصة وتؤكد في هذا الخصوص منى (سكرتيرة احد الأطباء النفسانيين) في تصريح لـ "الصباح"  أن حجم الإقبال على العيادة قد ارتفع بأكثر من40 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية موضحة أن غالبية  المرضى يعانون من الاكتئاب علما أن الأستاذ في الطب النفسي بمستشفى الرازي فتحي ناصف كان قد أورد في معرض تصريحاته الإعلامية أن نسبة الإقبال على العيادات الخارجية بالمؤسسة الإستشفائية ونسبة المقيمين قد سجلت ارتفاعا يتراوح بين 10و15بالمائة في السنوات الأخيرة..

وفسر الدكتور فتحي ناصف إن من أكثر الأمراض النفسية التي يشكو منها التونسيون هو مرض الرعب ومرض الاكتئاب.

من جهة أخرى وعلاوة على هذا الارتفاع المفزع في نسبة التشاؤم فان أكثر ما زاد الطين بلة هو "قلة ذات اليد" جراء الارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الاستهلاكية التي فاقت حدتها جميع الخطوط الحمراء، كلها عوامل وفرت أرضية خصبة للتشنج والتوتر الذي يقابله ارتفاع معدلات العنف والانتحار والجريمة...

في تفاعله مع هذا الطرح يشير المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين في تصريح لـ "الصباح" أن هذه الظواهر في إشارة الى تزايد إقبال التونسي على العيادات النفسية وارتفاع معدلات العنف هي نتيجة تراكمات، مؤكدا أن هذه التراكمات لم تصل بعد الى مرحلة الانفجار والعنف الخطير. وفسر محدثنا أن ثورة 2011 مثلت لحظة فارقة في تاريخ تونس موضحا أنه في بعض الأوقات تتحول الثورات إلى حروب أهلية وهذا ما يحسب لتونس حيث لم تتحول الصراعات الى فوضى عارمة او مشاهد دموية.

واعتبر عز الدين أننا نعيش في تونس مرحلة العنف البارد  حيث لم نصل بعد إلى مرحلة التصفية الجسدية، مشيرا الى انه بعد تاريخ 25 جويلية كانت هنالك أزمة سياسية خانقة تترجمها صراعات حول الصلاحيات هذا بالتوازي مع حصول شرخ سياسي وإداري، بالتوازي مع الشرخ الاجتماعي والأزمة الاقتصادية الخانقة التي عمقت من حدتها جائحة كورونا خاصة وان القطاع الخاص يعتبر من أكثر المتضررين من جائحة كورونا.

وأضاف محدثنا أن تونس خلال هذه الفترة وبعد أزمة كورونا عرفت أزمة اقتصادية وسياسية خانقة مؤكدا في هذا الخصوص أن الأزمة التي تعيشها تونس هي بالأساس أزمة اقتصادية واجتماعية خاصة أن الثورات تساهم بشكل أو بآخر في الترفيع من سقف الانتظارات والحال أن الواقع الاجتماعي لم يتحسن بعد الثورة حيث ارتفعت معدلات البطالة في صفوف خريجي الجامعات هذا بالتوازي مع وجود أزمة على مستوى التشغيل والاستثمار.

هذه الوضعية جعلت التونسي من وجهة نظر المختص في علم الاجتماع يعيش أزمة إحباط كبيرة بما أن الانتظارات كبيرة والانجازات صغيرة وهو ما أدى الى تغذية الحقد والكراهية والتي برزت من خلال سلوكيات غير منضبطة  تعرف بحالة اللايقين الاجتماعي. وفسّر في هذا الجانب محدثنا انه في حال كانت سلوكيات الأفراد دون ضوابط أخلاقية فان ذلك من شانه أن يفرز جملة من السلوكيات تتلخص في ارتفاع معدلات الجريمة وحالات الانتحار مشيرا في هذا الصدد إلى أن السلوكيات الخطيرة سواء من جرائم أو حالات عنف تسجل لدى المراهقين في المدارس نظرا لغياب مفهوم التنشئة الاجتماعية.

وللخروج من عنق الزجاجة دعا المختص في علم الاجتماع الطبقة السياسية الى إيجاد حل للناشئة من خلال بلورة مشروع وطني يجمع كل التونسيين يقوم على تجاوز جميع الفوارق الاجتماعية من خلال ضبط منوال تنموي عال يضمن التوزيع العادل للثروات وخاصة يقدم فسحة من الأمل للشباب الذي أضحت أقصى طموحاته حاليا "الحرقة" هذا بالتوازي مع ايلاء الكفاءات التونسية المكانة التي تستحقها حتى يتسنى إيقاف نزيف هجرة الأدمغة.

في هذا الخضم وحتى لا تخسر تونس مزيدا من الكفاءات الشابة خاصة في المجال الطبي الذي يهاجر اليوم بكثافة سواء الى دول الخليج أو باقي الدول الأوروبية وبما أن البعض مازال يحدوه الامل بان واقعه الاجتماعي سيتحسن بعد تاريخ 25 جويلية فان صناع القرار مطالبون بهدنة من كل الصراعات والتجاذبات السياسية التي لن تزيد المواطن إلا اصرارا على "الحرقة" والالتفات الى مسائل تهمه بدرجة اولى على غرار الاحتكار في بعض المواد الأساسية والنقص الحاد سواء في الأدوية الحياتية أو في بعض المواد الغذائية هذا مع التفكير في ضبط استراتيجية فعالة يتسنى بمقتضاها كبح جماح الأسعار قبل ان تتطور "حالة الاحتقان والغليان.." إلى ما لا يحمد عقباه.

منال حرزي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews