إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

إشكاليات تواجه مشروع تنقيح قانون الجمعيات

* محكمة المحاسبات: لا تتوفّر معطيات شاملة ودقيقة حول حجم التمويلات الأجنبية التي استفادت بها الجمعيات

* رئيس مركز الكواكبي للتّحولات الديمقراطية: مقاربة أمنية في مشروع الحكومة لتنقيح قانون الجمعيات

تونس-الصباح

نشر في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، قـرار من رئيسة الحكومة مؤرخ في 10 فيفري 2022 يتعلق بضبط قائمة الجمعيات المنصوص عليها بالفصل 25 مكرر من الأمر عدد 5183 لسنة 2013 المؤرخ في 18 نوفمبر 2013 المتعلق بضبط معايير وإجراءات وشروط إسناد التمويل العمومي للجمعيات، أكد أنه وعملا بأحكام الفصل 25 مكرر من الأمر عدد 5183 لسنة 2013 المؤرخ في 18 نوفمبر 2013، تستثنى من تطبيق أحكام الأمر المذكور المنح والتمويلات والأجور المسندة للجمعيات التالية، وهي الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي، والاتحاد الوطني للمرأة التونسية، والاتحاد الوطني للمكفوفين، حيث سيجري العمل بأحكام هدا القرار  إلى غاية 31 ديسمبر 2022.

وهو ما يطرح مجددا ملف التمويل الأجنبي والتمويل العمومي للجمعيات في وقت  تسرّبت فيه  نسخة من مشروع تنقيح المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المنظم للجمعيات، اشتغلت عليها الإدارة العامّة للجمعيات في رئاسة الحكومة وعرضتها على الوزارات من أجل إبداء الرأي. مشروع وصفه موقع المفكّرة القانونية يهدّد بنسْف مكتسبات المرسوم، وإعادة الجمعيات إلى ماضِ خلناه قد ولّى بلا رجعة.

تعديل موازين القوى

ووفق نفس المصدر جاء المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المنظم للجمعيات وليد سياقه الثوري، مشحونا برغبة شديدة في القطع مع الاستبداد وتكريس الحريّات. فقد تمّت صياغته في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، أسوة بمراسيم أخرى كان النفسُ التحرّري قاسمَها المشترك. وساهم المرسوم في تحرير العمل الجمعياتي، فنشأت آلاف الجمعيات الجديدة التي لعبت، شأنها شأن المنظمات العريقة، دورا حاسما في تعديل موازين القوى خاصّة في مخاض كتابة الدستور.

وسعتْ الأغلبيات الحاكمة بعد 2014 إلى إضعاف هذه الدينامكية، والتراجع عن منسوب الحرّية الذي وضعه المرسوم، ليس فقط عبر ممارسة إداريّة تعطّل تكوين الجمعيات الجديدة باستعمال حِيَل وأساليب عديدة، كعدم إرجاع الإعلام بالبلوغ أو تعطيل النشر بالرائد الرسمي، ولكن أيضا عبر محاولات متكرّرة لتنقيح المرسوم. وحسب المفكّرة بدأت أولى المحاولات في سنة 2016 وتواصلت ليكون أخطرها مبادرة الوزير السابق المهدي بن غربيّة في سنة 2018.

تراوحت الأسباب الداعية للتنقيح بين الحاجة إلى إتمام المرسوم لاستيعاب مؤسسات النفع العام، وضرورة اعتماد منظومة إلكترونية لجمع المعطيات والبيانات المتعلقة بالجمعيات، كطريقة مقنّعة للتراجع عن نظام التصريح الذي ينظّم تكوين الجمعيات.

وقال رئيس مركز الكواكبي للتّحولات الديمقراطية، أمين غالي، في تصريح لإذاعة "موزاييك أف أم"، إن مشروع تنقيح قانون الجمعيات الذي أعدته الحكومة، تم إعداده في الكواليس، مرجّحا أن تكون مقاربته أمنية. وأضاف إن الحكومة تعمل على تنقيح هذا القانون بشكل غير علني وفي الكواليس، دون استشارة أي طرف، متابعا أنه تم توزيع مسودّة المشروع على الوزارات. وأشار بالمناسبة إلى أن الأرقام الرسمية تفيد بوجود 23 ألف جمعية في تونس أي جمعية لكل 500 ساكن، وفق قوله، معتبرا أنه رقم ضعيف مقارنة بالدول الديمقراطية.

وأضاف ''فعليا وعلى أرض الواقع هناك 5000 ألف جمعية وهو رقم ضعيف جدا..، ويبدو أن القانون الجديد الذي تعده الحكومة مقاربته أمنية ويطغى عليه التّدخل في المجتمع المدني..

أبرز التنقيحات

وتحدث في هذا الإطار عن أبرز التنقيحات التي تضمنها مشروع القانون، قائلا '' نواجه مشاكل في الجمعيات على غرار جميع القطاعات والمطلوب هو الإصلاح ومعاقبة المتجاوزين لا نسف القطاع ككل.. فالجمعيات تخضع لجميع قوانين الدولة، لا فقط للقانون الذي ينظم عملها، وكل من يخل بالقوانين يجب معاقبته..'، وبين بالمناسبة تمسكه بالمرسوم 88 المنظم لعملهم، قائلا ''نحن متشبثون بهذا المرسوم.. فهذا قانون مطابق للمعايير الدولية ويضمن حرية تأسيس الجمعيات.. كما يُعد من بين أحسن 20 قانون جمعيات في العالم..''

وأضاف '' لكن اليوم وبهذه التنقيحات تم تمكين الإدارة من سلطة تقديرية في تكوين الجمعيات.. ففي الوقت السابق تتم معاقبة الجمعيات بالتدرج.. وإذا لم تتدارك خطأها تتم إحالتها على القضاء ثم يتم حلها، أما اليوم فإن الإدارة تقوم بتوجيه تنبيه في مرحلة أولى ثم يتم مباشرة غلق الجمعية.. أي من التنبيه إلى قرار الحل مباشرة مع إلغاء قرار التعليق..'

الجمعيات وتمويل الإرهاب

كما تحدث رئيس مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية عن تمويل الجمعيات، مؤكدا أن التمويل الأجنبي حق أممي على غرار الشركات والوزارات، و'لكلنا ناخذوا في تمويل أجنبي'، وفق تعبيره. وفي علاقة بتمويل الإرهاب، أشار إلى أن لجنة مكافحة الإرهاب اكتشفت خلال السنوات الأخيرة تورّط ثلاث جمعيات في هذا الغرض، معتبرا أنه رقم جيّد جدا وأن الجسم الجمعياتي ليس مريضا..''

كما بيّن أن التنقيح الجديد للقانون يُحجر على رؤساء الجمعيات الترشح لأي انتخابات، موضحا '' يعني أنا شديت جمعية مش من حقي لثلاث سنوات بعد مسؤوليتي في الجمعية أني نكون عضو مجلس بلدي! يعني عوض تشجيع العمل المدني نعاقبوه!''

عدد الجمعيات

كما أكدت محكمة المحاسبات في تقريرها السنوي العام الثاني والثلاثون، أن الإطار القانوني المنظّم للجمعيات شهد مراجعة جوهرية منذ سنة 2011 من خلال إصدار المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرّخ في 24 سبتمبر 2011 والمتعلق بتنظيم الجمعيات، وذلك في اتجاه تكريس حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها تدعيما لدور مؤسسات المجتمع المدني وتطويرها والمحافظة على استقلاليتها. وتعلّقت أهم الأحكام التي أتى بها المرسوم باعتماد نظام التصريح لتأسيس الجمعيات وبحرية قبولها للتبرعات والهبات والوصايا، وطنية كانت أو أجنبية، والتصرّف فيها وبتحميلها التزامات قصد إضفاء الشفافية على تصرفها. واستثنى المرسوم عدد 88 لسنة 2011 من أحكامه الجمعيات التي تخضع لأنظمة قانونية خاصة.

وشهدت الفترة الممتدة من 2011 إلى 2020 إحداث أكثر من 13 ألف جمعية جديدة بلغت ذروتها خلال سنتي 2011 و2012 بإحداث على التوالي 2088 و2868 جمعية ليرتفع بذلك عدد الجمعيات بتاريخ 10 مارس 2020 إلى 23320 جمعية حسب المعطيات المتوفرة لدى مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات. وتمثّل الجمعيات المتواجدة بولايات تونس الكبرى حوالي 32% من العدد الجملي للجمعيات، وفق نفس التقرير.

محدودية التنسيق

ومن أهم أبرز الملاحظات في التقرير،  نظام المعلومات، حيث لا تتوفّر معطيات شاملة ودقيقة حول حجم التمويلات الأجنبية التي استفادت بها الجمعيات حيث آلت أعمال محكمة المحاسبات إلى أنّ البيانات التي أفاد بها البنك المركزي التونسي بهذا الخصوص بعنوان سنتي 2017 و2018 والتي ترتفع على التوالي إلى 27,668 م.د وإلى 17,078 م.د لا تمثّل تباعا سوى 41% و22% من حجمها المحتسب حسب المعطيات المتوفرة لدى المحكمة والذي لا يقل على التوالي عن 68 م.د و78 م.د. وأدى ضعف متابعة برامج التعاون الدولي من قبل وزارة الشؤون الخارجية والوزارة المكلفة بالتعاون الدولي إضافة إلى محدودية التنسيق بينهما إلى عدم تحديد مبلغ التمويلات الأجنبية التي تحصلت عليها الجمعيات في إطار التعاون الدولي بالدقة اللازمة فضلا عن تشتت المعلومات المتوفرة في الغرض بين مصالح الوزارتين. كما لا تتوفر لدى وزارة الشؤون الخارجية بيانات بخصوص التمويلات التي تحصلت عليها الجمعيات في إطار اتفاقيات التعاون الدولي التي تولت الوزارة إبرامها على غرار المشاريع الممولة من جمهورية ألمانيا الاتحادية ومن الجمهورية التركية ومن دولة قطر.

ومن ناحية أخرى، لم تلتزم 566 جمعية بإعلام الكتابة العامة للحكومة بتلقيها تمويلات أجنبية المصدر ونشر التفاصيل المتعلقة بها بإحدى وسائل الإعلام. ولا تتوفر لدى الكتابة العامة للحكومة الآليات الضرورية للتفطن لكل المخالفات المرتكبة بهذا الخصوص وتسليط العقوبات المستوجبة وهو ما يثبته عدم علمها بتمويلات أجنبية للجمعيات لا تقل مبالغها عن 31,8 م.د. ولم تلتزم 10 جمعيات من بين 22 جمعية أجابت على الاستبيان بمسك سجل المساعدات والتبرعات والهبات فضلا عن أنّ الكتابة العامة للحكومة لم تتلق تقارير مراقبي الحسابات لما عدده تباعا 84 و88 جمعية من بين 93 جمعية و90 جمعية ثبت لمحكمة المحاسبات تجاوز تمويلاتها الأجنبية 100 أ.د خلال سنتي 2017 و2018 وذلك في غياب توفّر الآليات التي تمكّن الكتابة العامة للحكومة من التفطن إلى الإخلالات المذكورة، وفق نفس المصدر.

وفي علاقة بالحوكمة لم تلتزم لجان قيادة 4 برامج للتعاون الدولي بالدورية المحدّدة لاجتماعاتها. وكان على الوزارة المكلّفة بالتعاون الدولي باعتبارها المنسق الوطني لهذه البرامج أن تحرص على انعقاد هذه اللجان ضمانا لحسن تنفيذ البرامج. ولا تتضمن اتفاقيات التعاون الدولي ذات العلاقة بتمويل الجمعيات دائما آليات واضحة لمتابعتها مما انجر عنه عدم متابعة الجهات التونسية تنفيذ المشاريع الممولة في إطارها أو محدودية هذه المتابعة...

على صعيد آخر، لا يواكب نشاط مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات نسق تطور عدد الجمعيات وحاجياتها لتنمية قدراتها في استغلال فرص التمويل التي تتيحها برامج التعاون الدولي فضلا عن ضعف عدد الدورات التكوينية التي شملت الجمعيات الناشطة خارج ولايات تونس الكبرى. ويستدعي ذلك تمكين المركز من الوسائل الضرورية للقيام بمهامه على الوجه الأفضل...

حجم التمويل الأجنبي

وفي علاقة بالمعطيات المتوفرة حول حجم التمويل الأجنبي للجمعيات في إطار اتفاقيات التعاون الدولي، قصد ضبط حجم التمويلات الأجنبية التي تحصلت عليها الجمعيات خلال الفترة الممتدة من 2015 إلى 2019، تولت محكمة المحاسبات فحص البيانات ذات العلاقة المتحصل عليها من البنك المركزي التونسي والوزارتين المكلفتين بإبرام اتفاقيات التعاون الدولي والوزارات القطاعية المنتفعة بالبرامج، وبناء على المعطيات التي وفّرها البنك المركزي التونسي لمحكمة المحاسبات، تحصلت الجمعيات على حوالي 184 م.د في شكل مساعدات وهبات أجنبية خلال الفترة الممتدة من جانفي 2010 إلى موفى جويلية 2019. وارتفع مبلغ التمويلات الأجنبية للجمعيات من 1,8 م.د خلال سنة 2010 إلى 33,7 م.د خلال الأشهر السبع الأولى من سنة 2019. وخلال الفترة الممتدة من جانفي 2012 إلى موفى جويلية 2019 استأثرت 45 جمعية من بين 1385 جمعية انتفعت بتمويل أجنبي بما نسبته 56% من جملة التمويلات الأجنبية منها 41 جمعية متواجدة بولايات تونس الكبرى وهو ما يعكس تفاوت النسيج الجمعياتي بين الجهات فيما يتعلق بقدرته على استقطاب التمويلات الأجنبية وعلى تصميم المشاريع الجمعياتية وتنفيذها.

وفضلا عن ذلك، تعتبر البيانات التي وفرها البنك المركزي للمحكمة غير قابلة للاستغلال حيث لا تمكّن في غالب الأحيان من التعرف على الجمعية المنتفعة بالتمويل الأجنبي إذ يتم تسجيل اسم الجمعية في كل مرة بطريقة مختلفة أو يتم الاكتفاء بتسجيل جزء من اسمها أو الحروف الأولى منه بحيث تتطابق الأحرف المدرجة أحيانا مع تسمية أكثر من 50 جمعية على غرار تضمّن تسمية 316 و195 جمعية تباعا مفرد أمل ونور. كما شابت البيانات المذكورة أيضا صعوبة في التعرف على الجهة المموّلة بالرغم من أهمية هذه المعلومة في تحديد برنامج التعاون الدولي الذي تندرج في إطاره التمويلات المتحصل عليها من قبل الجمعيات.

وقد أفاد البنك المركزي بهذا الخصوص بأنّه دأب على دعوة البنوك لموافاته بالمعطيات المتعلقة بالتحويلات المتأتية من الخارج بعنوان الهبات والمساعدات والإعانات وإحالتها دون التصرف فيها إلى الكتابة العامة للحكومة استجابة لمراسلتها المؤرخة في 27 سبتمبر 2013 وذلك باعتبار أنّه لا يقوم بجمع هذه المعطيات لممارسة أي من صلاحياته المنصوص عليها بنظامه الأساسي. كما أشار إلى أنّ الوسطاء المقبولين يقومون في بعض الأحيان بمده ببيانات متعلقة بفترة منقضية فيتولى إرسالها مجددا إلى رئاسة الحكومة على غرار جزء من المعطيات المنقوصة المتعلقة بالفترة الممتدة من أفريل إلى ديسمبر 2018 والتي تم مد رئاسة الحكومة بها بتاريخ 17 فيفري 2020.

ولتفادي الإشكاليات المتعلقة باستغلال بيانات البنك المركزي، تولت الإدارة العامة للجمعيات والأحزاب السياسية خلال سنة 2018 التنسيق مع هياكل مراقبة الامتثال لما عدده 25 مؤسسة بنكية لمتابعة التدفقات المالية للجمعيات بصفة دقيقة ودورية، غير أنها لم تتلق المعطيات المطلوبة إلا من 15 بنكا فيما امتنعت بقية البنوك عن ذلك. وفي غياب آلية تجبر كل الأطراف المتدخلة على الالتزام بذلك لم تحرص البنوك على مدّ الإدارة العامة المذكورة بالمعطيات المطلوبة بصفة دورية. فعلى سبيل المثال، لم يتول أحد البنوك إلى موفى سنة 2019 مد الإدارة العامة إلا بالمعطيات المتعلقة بالثلاثية الثالثة لسنة 2018 واقتصرت البيانات التي وفرها بنكان آخران على السداسية الثانية لسنة 2018.

ورغم وقوف المحكمة على حصول 70 جمعية على تمويلات بقيمة 11,125 مليون دولار أمريكي خلال الفترة 2015-2019 في إطار التعاون التونسي الأمريكي، فإنّه لا يتوفر لدى الوزارتين المكلفتين بالشؤون الخارجية وبالتعاون الدولي معطيات حولها باستثناء إبرام الوزارة المكلفة بالتعاون الدولي اتفاقية تعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تغطي 5 سنوات بتاريخ 28 أوت 2019...، وفقا لتقرير محكمة المحاسبات.

ودعت اللائحة العامة للمؤتمر25 للاتحاد العام التونسي للشغل، نهاية الأسبوع الماضي إلى التمسك بمبدأ رفض التدخّل الأجنبي في الشأن الدّاخلي الوطني والمحافظة  على السيادة الوطنية من خلال  نتبنّى خارطة الطريق الآتية، وهي مراجعة النظام السياسي، وتنقيح القانون الانتخابي، ومراجعة قانون الجمعيات والأحزاب مع مراجعة مجلّة الجماعات المحلّية، ومراجعة القوانين المنظّمة للهيئات الدستورية وفي مقدّمتها الهيئة المستقلّة للانتخابات، مع  تفعيل دور الهيئات الرقابية وإحكام التنسيق بينها وبين كافّة المتدخّلين في العملية الانتخابية ووضع إطار قانوني لذلك.

 

صلاح الدين كريمي

إشكاليات تواجه مشروع تنقيح قانون الجمعيات

* محكمة المحاسبات: لا تتوفّر معطيات شاملة ودقيقة حول حجم التمويلات الأجنبية التي استفادت بها الجمعيات

* رئيس مركز الكواكبي للتّحولات الديمقراطية: مقاربة أمنية في مشروع الحكومة لتنقيح قانون الجمعيات

تونس-الصباح

نشر في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، قـرار من رئيسة الحكومة مؤرخ في 10 فيفري 2022 يتعلق بضبط قائمة الجمعيات المنصوص عليها بالفصل 25 مكرر من الأمر عدد 5183 لسنة 2013 المؤرخ في 18 نوفمبر 2013 المتعلق بضبط معايير وإجراءات وشروط إسناد التمويل العمومي للجمعيات، أكد أنه وعملا بأحكام الفصل 25 مكرر من الأمر عدد 5183 لسنة 2013 المؤرخ في 18 نوفمبر 2013، تستثنى من تطبيق أحكام الأمر المذكور المنح والتمويلات والأجور المسندة للجمعيات التالية، وهي الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي، والاتحاد الوطني للمرأة التونسية، والاتحاد الوطني للمكفوفين، حيث سيجري العمل بأحكام هدا القرار  إلى غاية 31 ديسمبر 2022.

وهو ما يطرح مجددا ملف التمويل الأجنبي والتمويل العمومي للجمعيات في وقت  تسرّبت فيه  نسخة من مشروع تنقيح المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المنظم للجمعيات، اشتغلت عليها الإدارة العامّة للجمعيات في رئاسة الحكومة وعرضتها على الوزارات من أجل إبداء الرأي. مشروع وصفه موقع المفكّرة القانونية يهدّد بنسْف مكتسبات المرسوم، وإعادة الجمعيات إلى ماضِ خلناه قد ولّى بلا رجعة.

تعديل موازين القوى

ووفق نفس المصدر جاء المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المنظم للجمعيات وليد سياقه الثوري، مشحونا برغبة شديدة في القطع مع الاستبداد وتكريس الحريّات. فقد تمّت صياغته في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، أسوة بمراسيم أخرى كان النفسُ التحرّري قاسمَها المشترك. وساهم المرسوم في تحرير العمل الجمعياتي، فنشأت آلاف الجمعيات الجديدة التي لعبت، شأنها شأن المنظمات العريقة، دورا حاسما في تعديل موازين القوى خاصّة في مخاض كتابة الدستور.

وسعتْ الأغلبيات الحاكمة بعد 2014 إلى إضعاف هذه الدينامكية، والتراجع عن منسوب الحرّية الذي وضعه المرسوم، ليس فقط عبر ممارسة إداريّة تعطّل تكوين الجمعيات الجديدة باستعمال حِيَل وأساليب عديدة، كعدم إرجاع الإعلام بالبلوغ أو تعطيل النشر بالرائد الرسمي، ولكن أيضا عبر محاولات متكرّرة لتنقيح المرسوم. وحسب المفكّرة بدأت أولى المحاولات في سنة 2016 وتواصلت ليكون أخطرها مبادرة الوزير السابق المهدي بن غربيّة في سنة 2018.

تراوحت الأسباب الداعية للتنقيح بين الحاجة إلى إتمام المرسوم لاستيعاب مؤسسات النفع العام، وضرورة اعتماد منظومة إلكترونية لجمع المعطيات والبيانات المتعلقة بالجمعيات، كطريقة مقنّعة للتراجع عن نظام التصريح الذي ينظّم تكوين الجمعيات.

وقال رئيس مركز الكواكبي للتّحولات الديمقراطية، أمين غالي، في تصريح لإذاعة "موزاييك أف أم"، إن مشروع تنقيح قانون الجمعيات الذي أعدته الحكومة، تم إعداده في الكواليس، مرجّحا أن تكون مقاربته أمنية. وأضاف إن الحكومة تعمل على تنقيح هذا القانون بشكل غير علني وفي الكواليس، دون استشارة أي طرف، متابعا أنه تم توزيع مسودّة المشروع على الوزارات. وأشار بالمناسبة إلى أن الأرقام الرسمية تفيد بوجود 23 ألف جمعية في تونس أي جمعية لكل 500 ساكن، وفق قوله، معتبرا أنه رقم ضعيف مقارنة بالدول الديمقراطية.

وأضاف ''فعليا وعلى أرض الواقع هناك 5000 ألف جمعية وهو رقم ضعيف جدا..، ويبدو أن القانون الجديد الذي تعده الحكومة مقاربته أمنية ويطغى عليه التّدخل في المجتمع المدني..

أبرز التنقيحات

وتحدث في هذا الإطار عن أبرز التنقيحات التي تضمنها مشروع القانون، قائلا '' نواجه مشاكل في الجمعيات على غرار جميع القطاعات والمطلوب هو الإصلاح ومعاقبة المتجاوزين لا نسف القطاع ككل.. فالجمعيات تخضع لجميع قوانين الدولة، لا فقط للقانون الذي ينظم عملها، وكل من يخل بالقوانين يجب معاقبته..'، وبين بالمناسبة تمسكه بالمرسوم 88 المنظم لعملهم، قائلا ''نحن متشبثون بهذا المرسوم.. فهذا قانون مطابق للمعايير الدولية ويضمن حرية تأسيس الجمعيات.. كما يُعد من بين أحسن 20 قانون جمعيات في العالم..''

وأضاف '' لكن اليوم وبهذه التنقيحات تم تمكين الإدارة من سلطة تقديرية في تكوين الجمعيات.. ففي الوقت السابق تتم معاقبة الجمعيات بالتدرج.. وإذا لم تتدارك خطأها تتم إحالتها على القضاء ثم يتم حلها، أما اليوم فإن الإدارة تقوم بتوجيه تنبيه في مرحلة أولى ثم يتم مباشرة غلق الجمعية.. أي من التنبيه إلى قرار الحل مباشرة مع إلغاء قرار التعليق..'

الجمعيات وتمويل الإرهاب

كما تحدث رئيس مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية عن تمويل الجمعيات، مؤكدا أن التمويل الأجنبي حق أممي على غرار الشركات والوزارات، و'لكلنا ناخذوا في تمويل أجنبي'، وفق تعبيره. وفي علاقة بتمويل الإرهاب، أشار إلى أن لجنة مكافحة الإرهاب اكتشفت خلال السنوات الأخيرة تورّط ثلاث جمعيات في هذا الغرض، معتبرا أنه رقم جيّد جدا وأن الجسم الجمعياتي ليس مريضا..''

كما بيّن أن التنقيح الجديد للقانون يُحجر على رؤساء الجمعيات الترشح لأي انتخابات، موضحا '' يعني أنا شديت جمعية مش من حقي لثلاث سنوات بعد مسؤوليتي في الجمعية أني نكون عضو مجلس بلدي! يعني عوض تشجيع العمل المدني نعاقبوه!''

عدد الجمعيات

كما أكدت محكمة المحاسبات في تقريرها السنوي العام الثاني والثلاثون، أن الإطار القانوني المنظّم للجمعيات شهد مراجعة جوهرية منذ سنة 2011 من خلال إصدار المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرّخ في 24 سبتمبر 2011 والمتعلق بتنظيم الجمعيات، وذلك في اتجاه تكريس حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها تدعيما لدور مؤسسات المجتمع المدني وتطويرها والمحافظة على استقلاليتها. وتعلّقت أهم الأحكام التي أتى بها المرسوم باعتماد نظام التصريح لتأسيس الجمعيات وبحرية قبولها للتبرعات والهبات والوصايا، وطنية كانت أو أجنبية، والتصرّف فيها وبتحميلها التزامات قصد إضفاء الشفافية على تصرفها. واستثنى المرسوم عدد 88 لسنة 2011 من أحكامه الجمعيات التي تخضع لأنظمة قانونية خاصة.

وشهدت الفترة الممتدة من 2011 إلى 2020 إحداث أكثر من 13 ألف جمعية جديدة بلغت ذروتها خلال سنتي 2011 و2012 بإحداث على التوالي 2088 و2868 جمعية ليرتفع بذلك عدد الجمعيات بتاريخ 10 مارس 2020 إلى 23320 جمعية حسب المعطيات المتوفرة لدى مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات. وتمثّل الجمعيات المتواجدة بولايات تونس الكبرى حوالي 32% من العدد الجملي للجمعيات، وفق نفس التقرير.

محدودية التنسيق

ومن أهم أبرز الملاحظات في التقرير،  نظام المعلومات، حيث لا تتوفّر معطيات شاملة ودقيقة حول حجم التمويلات الأجنبية التي استفادت بها الجمعيات حيث آلت أعمال محكمة المحاسبات إلى أنّ البيانات التي أفاد بها البنك المركزي التونسي بهذا الخصوص بعنوان سنتي 2017 و2018 والتي ترتفع على التوالي إلى 27,668 م.د وإلى 17,078 م.د لا تمثّل تباعا سوى 41% و22% من حجمها المحتسب حسب المعطيات المتوفرة لدى المحكمة والذي لا يقل على التوالي عن 68 م.د و78 م.د. وأدى ضعف متابعة برامج التعاون الدولي من قبل وزارة الشؤون الخارجية والوزارة المكلفة بالتعاون الدولي إضافة إلى محدودية التنسيق بينهما إلى عدم تحديد مبلغ التمويلات الأجنبية التي تحصلت عليها الجمعيات في إطار التعاون الدولي بالدقة اللازمة فضلا عن تشتت المعلومات المتوفرة في الغرض بين مصالح الوزارتين. كما لا تتوفر لدى وزارة الشؤون الخارجية بيانات بخصوص التمويلات التي تحصلت عليها الجمعيات في إطار اتفاقيات التعاون الدولي التي تولت الوزارة إبرامها على غرار المشاريع الممولة من جمهورية ألمانيا الاتحادية ومن الجمهورية التركية ومن دولة قطر.

ومن ناحية أخرى، لم تلتزم 566 جمعية بإعلام الكتابة العامة للحكومة بتلقيها تمويلات أجنبية المصدر ونشر التفاصيل المتعلقة بها بإحدى وسائل الإعلام. ولا تتوفر لدى الكتابة العامة للحكومة الآليات الضرورية للتفطن لكل المخالفات المرتكبة بهذا الخصوص وتسليط العقوبات المستوجبة وهو ما يثبته عدم علمها بتمويلات أجنبية للجمعيات لا تقل مبالغها عن 31,8 م.د. ولم تلتزم 10 جمعيات من بين 22 جمعية أجابت على الاستبيان بمسك سجل المساعدات والتبرعات والهبات فضلا عن أنّ الكتابة العامة للحكومة لم تتلق تقارير مراقبي الحسابات لما عدده تباعا 84 و88 جمعية من بين 93 جمعية و90 جمعية ثبت لمحكمة المحاسبات تجاوز تمويلاتها الأجنبية 100 أ.د خلال سنتي 2017 و2018 وذلك في غياب توفّر الآليات التي تمكّن الكتابة العامة للحكومة من التفطن إلى الإخلالات المذكورة، وفق نفس المصدر.

وفي علاقة بالحوكمة لم تلتزم لجان قيادة 4 برامج للتعاون الدولي بالدورية المحدّدة لاجتماعاتها. وكان على الوزارة المكلّفة بالتعاون الدولي باعتبارها المنسق الوطني لهذه البرامج أن تحرص على انعقاد هذه اللجان ضمانا لحسن تنفيذ البرامج. ولا تتضمن اتفاقيات التعاون الدولي ذات العلاقة بتمويل الجمعيات دائما آليات واضحة لمتابعتها مما انجر عنه عدم متابعة الجهات التونسية تنفيذ المشاريع الممولة في إطارها أو محدودية هذه المتابعة...

على صعيد آخر، لا يواكب نشاط مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات نسق تطور عدد الجمعيات وحاجياتها لتنمية قدراتها في استغلال فرص التمويل التي تتيحها برامج التعاون الدولي فضلا عن ضعف عدد الدورات التكوينية التي شملت الجمعيات الناشطة خارج ولايات تونس الكبرى. ويستدعي ذلك تمكين المركز من الوسائل الضرورية للقيام بمهامه على الوجه الأفضل...

حجم التمويل الأجنبي

وفي علاقة بالمعطيات المتوفرة حول حجم التمويل الأجنبي للجمعيات في إطار اتفاقيات التعاون الدولي، قصد ضبط حجم التمويلات الأجنبية التي تحصلت عليها الجمعيات خلال الفترة الممتدة من 2015 إلى 2019، تولت محكمة المحاسبات فحص البيانات ذات العلاقة المتحصل عليها من البنك المركزي التونسي والوزارتين المكلفتين بإبرام اتفاقيات التعاون الدولي والوزارات القطاعية المنتفعة بالبرامج، وبناء على المعطيات التي وفّرها البنك المركزي التونسي لمحكمة المحاسبات، تحصلت الجمعيات على حوالي 184 م.د في شكل مساعدات وهبات أجنبية خلال الفترة الممتدة من جانفي 2010 إلى موفى جويلية 2019. وارتفع مبلغ التمويلات الأجنبية للجمعيات من 1,8 م.د خلال سنة 2010 إلى 33,7 م.د خلال الأشهر السبع الأولى من سنة 2019. وخلال الفترة الممتدة من جانفي 2012 إلى موفى جويلية 2019 استأثرت 45 جمعية من بين 1385 جمعية انتفعت بتمويل أجنبي بما نسبته 56% من جملة التمويلات الأجنبية منها 41 جمعية متواجدة بولايات تونس الكبرى وهو ما يعكس تفاوت النسيج الجمعياتي بين الجهات فيما يتعلق بقدرته على استقطاب التمويلات الأجنبية وعلى تصميم المشاريع الجمعياتية وتنفيذها.

وفضلا عن ذلك، تعتبر البيانات التي وفرها البنك المركزي للمحكمة غير قابلة للاستغلال حيث لا تمكّن في غالب الأحيان من التعرف على الجمعية المنتفعة بالتمويل الأجنبي إذ يتم تسجيل اسم الجمعية في كل مرة بطريقة مختلفة أو يتم الاكتفاء بتسجيل جزء من اسمها أو الحروف الأولى منه بحيث تتطابق الأحرف المدرجة أحيانا مع تسمية أكثر من 50 جمعية على غرار تضمّن تسمية 316 و195 جمعية تباعا مفرد أمل ونور. كما شابت البيانات المذكورة أيضا صعوبة في التعرف على الجهة المموّلة بالرغم من أهمية هذه المعلومة في تحديد برنامج التعاون الدولي الذي تندرج في إطاره التمويلات المتحصل عليها من قبل الجمعيات.

وقد أفاد البنك المركزي بهذا الخصوص بأنّه دأب على دعوة البنوك لموافاته بالمعطيات المتعلقة بالتحويلات المتأتية من الخارج بعنوان الهبات والمساعدات والإعانات وإحالتها دون التصرف فيها إلى الكتابة العامة للحكومة استجابة لمراسلتها المؤرخة في 27 سبتمبر 2013 وذلك باعتبار أنّه لا يقوم بجمع هذه المعطيات لممارسة أي من صلاحياته المنصوص عليها بنظامه الأساسي. كما أشار إلى أنّ الوسطاء المقبولين يقومون في بعض الأحيان بمده ببيانات متعلقة بفترة منقضية فيتولى إرسالها مجددا إلى رئاسة الحكومة على غرار جزء من المعطيات المنقوصة المتعلقة بالفترة الممتدة من أفريل إلى ديسمبر 2018 والتي تم مد رئاسة الحكومة بها بتاريخ 17 فيفري 2020.

ولتفادي الإشكاليات المتعلقة باستغلال بيانات البنك المركزي، تولت الإدارة العامة للجمعيات والأحزاب السياسية خلال سنة 2018 التنسيق مع هياكل مراقبة الامتثال لما عدده 25 مؤسسة بنكية لمتابعة التدفقات المالية للجمعيات بصفة دقيقة ودورية، غير أنها لم تتلق المعطيات المطلوبة إلا من 15 بنكا فيما امتنعت بقية البنوك عن ذلك. وفي غياب آلية تجبر كل الأطراف المتدخلة على الالتزام بذلك لم تحرص البنوك على مدّ الإدارة العامة المذكورة بالمعطيات المطلوبة بصفة دورية. فعلى سبيل المثال، لم يتول أحد البنوك إلى موفى سنة 2019 مد الإدارة العامة إلا بالمعطيات المتعلقة بالثلاثية الثالثة لسنة 2018 واقتصرت البيانات التي وفرها بنكان آخران على السداسية الثانية لسنة 2018.

ورغم وقوف المحكمة على حصول 70 جمعية على تمويلات بقيمة 11,125 مليون دولار أمريكي خلال الفترة 2015-2019 في إطار التعاون التونسي الأمريكي، فإنّه لا يتوفر لدى الوزارتين المكلفتين بالشؤون الخارجية وبالتعاون الدولي معطيات حولها باستثناء إبرام الوزارة المكلفة بالتعاون الدولي اتفاقية تعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تغطي 5 سنوات بتاريخ 28 أوت 2019...، وفقا لتقرير محكمة المحاسبات.

ودعت اللائحة العامة للمؤتمر25 للاتحاد العام التونسي للشغل، نهاية الأسبوع الماضي إلى التمسك بمبدأ رفض التدخّل الأجنبي في الشأن الدّاخلي الوطني والمحافظة  على السيادة الوطنية من خلال  نتبنّى خارطة الطريق الآتية، وهي مراجعة النظام السياسي، وتنقيح القانون الانتخابي، ومراجعة قانون الجمعيات والأحزاب مع مراجعة مجلّة الجماعات المحلّية، ومراجعة القوانين المنظّمة للهيئات الدستورية وفي مقدّمتها الهيئة المستقلّة للانتخابات، مع  تفعيل دور الهيئات الرقابية وإحكام التنسيق بينها وبين كافّة المتدخّلين في العملية الانتخابية ووضع إطار قانوني لذلك.

 

صلاح الدين كريمي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews