ارتفاع أسعار الشحن في منطقة البحر الأسود يهدد مخزون تونس من القمح
*عشرات الدول العربية مخزونها الاستراتيجي من القمح مهدد
تونس- الصباح
فجرت أزمة روسيا وأوكرانيا في الآونة الأخيرة أزمة اقتصادية عالمية جديدة، ووصلت ارتداداتها إلى تونس التي تعد من بين الدول التي تستورد 80٪ من حاجياتها من القمح من روسيا وأوكرانيا وبدرجة أقل من فرنسا ودول أوروبية أخرى، تزامنا مع ارتفاع جنوني في أسعار الشحن لتصل إلى مستويات قياسية، وتجاوزت أسعارها حاجز 500٪ نتيجة ارتفاع الطلب العالمي على السلع، مقابل نقص في البواخر والحاويات، وارتفاع أسعار الطاقة والتأمين على البواخر، ما أدى إلى وضعية تضخمية كبيرة جداً، مع توقعات بانعكاسات خانقة للاقتصاد التونسي الذي يعاني منذ سنوات.
وشهدت أسعار المنتجات ارتفاعا عالميا في الآونة الأخيرة متأثرة بعوامل عدة، أبرزها أزمة الطاقة في أوروبا والتغيرات المناخية، فضلا عن أزمة الشحن، الأمر الذي زاد من نسبة التضخم عالميا وأثر على مختلف الدول ومنها المنطقة العربية.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذر في وقت سابق من ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع ظهور بعض مؤشرات تؤكد ارتفاع معدلات التضخم، ومن المتوقع أن يواجه المستهلكون على مستوى العالم موجة جديدة من ارتفاعات الأسعار مثلما حدث خلال العام الماضي، حين ارتفعت الأسعار في النهاية مرة أخرى.
أزمة قمح للدول المستوردة
وسيؤثر الصعود القياسي في أسعار القمح نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية سلبا على قطاع الخبز في كثير من الدول العربية، وتوجد 9 دول عربية تستحوذ على 22.9% من المستوردات العالمية، وتشمل لائحة أكبر المستوردين مصر والجزائر والمغرب والعراق واليمن والسعودية والسودان والإمارات بالإضافة إلى تونس، ويتجاوز حجم واردات هذه الدول 40 مليون طن سنويا.
وسجلت واردات الحبوب في تونس خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الفارط ارتفاعا لتتجاوز حاجز 500 مليون دينار وذلك وفق بيانات رسمية صادرة عن المرصد الفلاحي، وأثر تراجع صادرات زيت الزيتون وارتفاع واردات الحبوب على الميزان التجاري للبلاد التونسية في الفترة الأخيرة، حيث شهد الميزان التجاري تراجعاً في قيمة العجز بنهاية الربع الأول من العام الجاري، بنسبة 12.45 بالمائة، على أساس سنوي.
وكشف المرصد أن وردات الحبوب مثلت 48.9 بالمائة من الواردات الغذائية لتونس مقابل 42.5 بالمائة خلال نفس الفترة من 2019، وتم تخصيص 1255.3 مليون دينار لشراء القمح أي 60.7 بالمائة من واردات البلاد متجهة للحبوب. وسجل معدل سعر توريد القمح الصلب ارتفاعا بنسبة 7.1 بالمائة في حين تراجع متوسط أسعار القمح اللين بنسبة 6.9 بالمائة. وأكدت بيانات المرصد الحديثة تسجيل ارتفاع في واردات الحبوب إلى جانب زيادة ملموسة في أسعار كل من القمح الصلب والزيوت النباتية والسكر.
تونس من أكثر البلدان المستوردة للحبوب
وحسب الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، فإن تونس من بين أكثر البلدان المستوردة للحبوب، وحاجياتنا من هذه المادة الحيوية تتراوح بين 30 و32 مليون قنطار سنويا، ولا تنتج تونس منها غير 10 مليون قنطار وفق معدل إنتاج المواسم الأخيرة، كما تستورد تونس اليوم قرابة 70% من حاجياتها من الحبوب و90% من حاجيات البلاد من مادة القمح اللين.
وفي ظل السوق العالمية المتقلبة والخاضعة لقانون العرض والطلب، ومع الارتفاع المسجل في الأسعار العالمية للحبوب، أصبح سعر قنطار من القمح المستورد يكلف الدولة أكثر من 110د في اتجاه تونس، في حين يكلف استيراده خزينة الدولة أكثر من 1600 مليون دينار سنويا تسددها تونس بالعملة الصعبة.
وأمام الأوضاع العالمية الصعبة، وخاصة منها ملف روسيا وأوكرانيا، بات من الضروري اليوم في تونس البحث بسرعة عن مصادر تموين جديدة من مادة القمح، خاصة وأن أمريكا وأوروبا تعتزمان توجيه عقوبات اقتصادية صارمة في محيط منطقة البحر الأسود، ما يعلق عملية الاستيراد أو يرفع من أسعارها إلى مستويات تستنزف ميزانية العديد من الدول وعلى رأسها تونس.
دعم منظومة الإنتاج
ويطالب المهنيون في قطاع إنتاج الحبوب بضرورة دعم منظومة الإنتاج وتمكين الفلاح من بيع منتوجاته من الحبوب بأسعار تقارب الأسعار العالمية التي تستورد بها الدولة الحبوب من الخارج، مؤكدين أن الفلاح التونسي لا يحصل إلا على قرابة ثلثي الأسعار العالمية للحبوب عند بيع محصوله للدولة التونسية، كما يعتبر أهل القطاع أن الخيارات المتبعة في منظومة الحبوب الحالية لن تمكن البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وساهمت بشكل لافت في تقلص عدد الفلاحين وتراجع المساحات المخصصة لزراعة الحبوب.
ويرفع شبح الحرب بين روسيا وأوكرانيا وحلف الناتو وأمريكا من أسعار البذور الممتازة والأسمدة والمحروقات وقطع الغيار واليد العاملة، الأمر الذي سينعكس على كافة الدول المستوردة وعلى رأسها تونس التي ستتأثر بشكل كبير في تقليص مساحات الزراعات الكبرى وتراجع مخزونها من القمح، خاصة في ظل الأوضاع العالمية الحالية الصعبة، والتي تهدد الأمن الغذائي بشكل مباشر لمنطقة شمال إفريقيا.
وتعد أوكرانيا أكبر مصدر للذرة والشعير والقمح في العالم، وانعدامه له التأثير الأكبر على الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، في عام 2020، صدّرت أوكرانيا ما يقرب من 18 مليون طن من القمح من إجمالي محصول يبلغ 24 مليون طن، مما يجعلها خامس أكبر مصدر في العالم.
ومن أبرز العملاء، الصين والاتحاد الأوروبي، ولكن العالم النامي هو المكان الذي أصبح فيه القمح الأوكراني من أهم الواردات، ومن بين 14 دولة تعتمد على الواردات الأوكرانية لأكثر من 10% من استهلاكها من القمح، يواجه عدد كبير بالفعل منها انعدام الأمن الغذائي، وعلى سبيل المثال، يستورد اليمن وليبيا 22% و43% على التوالي من إجمالي استهلاكهما من القمح من أوكرانيا، في حين تعتمد تونس على حاجياتها من القمح من أوكرانيا وروسيا بنسبة 80٪.
سفيان المهداوي
ارتفاع أسعار الشحن في منطقة البحر الأسود يهدد مخزون تونس من القمح
*عشرات الدول العربية مخزونها الاستراتيجي من القمح مهدد
تونس- الصباح
فجرت أزمة روسيا وأوكرانيا في الآونة الأخيرة أزمة اقتصادية عالمية جديدة، ووصلت ارتداداتها إلى تونس التي تعد من بين الدول التي تستورد 80٪ من حاجياتها من القمح من روسيا وأوكرانيا وبدرجة أقل من فرنسا ودول أوروبية أخرى، تزامنا مع ارتفاع جنوني في أسعار الشحن لتصل إلى مستويات قياسية، وتجاوزت أسعارها حاجز 500٪ نتيجة ارتفاع الطلب العالمي على السلع، مقابل نقص في البواخر والحاويات، وارتفاع أسعار الطاقة والتأمين على البواخر، ما أدى إلى وضعية تضخمية كبيرة جداً، مع توقعات بانعكاسات خانقة للاقتصاد التونسي الذي يعاني منذ سنوات.
وشهدت أسعار المنتجات ارتفاعا عالميا في الآونة الأخيرة متأثرة بعوامل عدة، أبرزها أزمة الطاقة في أوروبا والتغيرات المناخية، فضلا عن أزمة الشحن، الأمر الذي زاد من نسبة التضخم عالميا وأثر على مختلف الدول ومنها المنطقة العربية.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذر في وقت سابق من ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع ظهور بعض مؤشرات تؤكد ارتفاع معدلات التضخم، ومن المتوقع أن يواجه المستهلكون على مستوى العالم موجة جديدة من ارتفاعات الأسعار مثلما حدث خلال العام الماضي، حين ارتفعت الأسعار في النهاية مرة أخرى.
أزمة قمح للدول المستوردة
وسيؤثر الصعود القياسي في أسعار القمح نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية سلبا على قطاع الخبز في كثير من الدول العربية، وتوجد 9 دول عربية تستحوذ على 22.9% من المستوردات العالمية، وتشمل لائحة أكبر المستوردين مصر والجزائر والمغرب والعراق واليمن والسعودية والسودان والإمارات بالإضافة إلى تونس، ويتجاوز حجم واردات هذه الدول 40 مليون طن سنويا.
وسجلت واردات الحبوب في تونس خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الفارط ارتفاعا لتتجاوز حاجز 500 مليون دينار وذلك وفق بيانات رسمية صادرة عن المرصد الفلاحي، وأثر تراجع صادرات زيت الزيتون وارتفاع واردات الحبوب على الميزان التجاري للبلاد التونسية في الفترة الأخيرة، حيث شهد الميزان التجاري تراجعاً في قيمة العجز بنهاية الربع الأول من العام الجاري، بنسبة 12.45 بالمائة، على أساس سنوي.
وكشف المرصد أن وردات الحبوب مثلت 48.9 بالمائة من الواردات الغذائية لتونس مقابل 42.5 بالمائة خلال نفس الفترة من 2019، وتم تخصيص 1255.3 مليون دينار لشراء القمح أي 60.7 بالمائة من واردات البلاد متجهة للحبوب. وسجل معدل سعر توريد القمح الصلب ارتفاعا بنسبة 7.1 بالمائة في حين تراجع متوسط أسعار القمح اللين بنسبة 6.9 بالمائة. وأكدت بيانات المرصد الحديثة تسجيل ارتفاع في واردات الحبوب إلى جانب زيادة ملموسة في أسعار كل من القمح الصلب والزيوت النباتية والسكر.
تونس من أكثر البلدان المستوردة للحبوب
وحسب الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، فإن تونس من بين أكثر البلدان المستوردة للحبوب، وحاجياتنا من هذه المادة الحيوية تتراوح بين 30 و32 مليون قنطار سنويا، ولا تنتج تونس منها غير 10 مليون قنطار وفق معدل إنتاج المواسم الأخيرة، كما تستورد تونس اليوم قرابة 70% من حاجياتها من الحبوب و90% من حاجيات البلاد من مادة القمح اللين.
وفي ظل السوق العالمية المتقلبة والخاضعة لقانون العرض والطلب، ومع الارتفاع المسجل في الأسعار العالمية للحبوب، أصبح سعر قنطار من القمح المستورد يكلف الدولة أكثر من 110د في اتجاه تونس، في حين يكلف استيراده خزينة الدولة أكثر من 1600 مليون دينار سنويا تسددها تونس بالعملة الصعبة.
وأمام الأوضاع العالمية الصعبة، وخاصة منها ملف روسيا وأوكرانيا، بات من الضروري اليوم في تونس البحث بسرعة عن مصادر تموين جديدة من مادة القمح، خاصة وأن أمريكا وأوروبا تعتزمان توجيه عقوبات اقتصادية صارمة في محيط منطقة البحر الأسود، ما يعلق عملية الاستيراد أو يرفع من أسعارها إلى مستويات تستنزف ميزانية العديد من الدول وعلى رأسها تونس.
دعم منظومة الإنتاج
ويطالب المهنيون في قطاع إنتاج الحبوب بضرورة دعم منظومة الإنتاج وتمكين الفلاح من بيع منتوجاته من الحبوب بأسعار تقارب الأسعار العالمية التي تستورد بها الدولة الحبوب من الخارج، مؤكدين أن الفلاح التونسي لا يحصل إلا على قرابة ثلثي الأسعار العالمية للحبوب عند بيع محصوله للدولة التونسية، كما يعتبر أهل القطاع أن الخيارات المتبعة في منظومة الحبوب الحالية لن تمكن البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وساهمت بشكل لافت في تقلص عدد الفلاحين وتراجع المساحات المخصصة لزراعة الحبوب.
ويرفع شبح الحرب بين روسيا وأوكرانيا وحلف الناتو وأمريكا من أسعار البذور الممتازة والأسمدة والمحروقات وقطع الغيار واليد العاملة، الأمر الذي سينعكس على كافة الدول المستوردة وعلى رأسها تونس التي ستتأثر بشكل كبير في تقليص مساحات الزراعات الكبرى وتراجع مخزونها من القمح، خاصة في ظل الأوضاع العالمية الحالية الصعبة، والتي تهدد الأمن الغذائي بشكل مباشر لمنطقة شمال إفريقيا.
وتعد أوكرانيا أكبر مصدر للذرة والشعير والقمح في العالم، وانعدامه له التأثير الأكبر على الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، في عام 2020، صدّرت أوكرانيا ما يقرب من 18 مليون طن من القمح من إجمالي محصول يبلغ 24 مليون طن، مما يجعلها خامس أكبر مصدر في العالم.
ومن أبرز العملاء، الصين والاتحاد الأوروبي، ولكن العالم النامي هو المكان الذي أصبح فيه القمح الأوكراني من أهم الواردات، ومن بين 14 دولة تعتمد على الواردات الأوكرانية لأكثر من 10% من استهلاكها من القمح، يواجه عدد كبير بالفعل منها انعدام الأمن الغذائي، وعلى سبيل المثال، يستورد اليمن وليبيا 22% و43% على التوالي من إجمالي استهلاكهما من القمح من أوكرانيا، في حين تعتمد تونس على حاجياتها من القمح من أوكرانيا وروسيا بنسبة 80٪.