خلافا لما كان عليه الحال قبيل ظهور جائحة كورونا، أصبحت متاجر بيع قطع غيار السيارات وإكسسواراتها الكائنة بشارع الهادي شاكر وشارع الشاذلي قلالة وبقية الأنهج المحاذية الواقعة في قلب العاصمة، تعاني من كساد كبير. ويعود السبب حسب قول عدد من التجار إلى ارتفاع الأسعار الناجم بالأساس عن تدهور قيمة الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية، وذلك إضافة إلى تردي المقدرة الشرائية لأصحاب السيارات والأهم من ذلك لانتشار السوق الموازية التي تروج نفس السلع بأسعار بخسة نظرا إلى أن هذه السلع مقلدة، مهربة، أو مسروقة..
فمع بزوغ الشمس، يسرع تجار قطع غيار السيارات وتوابعها كل يوم نحو محلاتهم التي يعرضون فيها كل ما يحتاجه زبائنهم لتغيير ما تعطب في سياراتهم أو لتشبيبها وتزيينها، وهي قطع اقتنوها من المزودين تجار الجملة بعد أن تم توريدها من أوروبا وتركيا والصين والهند وغيرها من البلدان. وكانت سلعهم في الماضي وخاصة قبل ظهور الجائحة تشهد رواجا كبيرا، لكن منذ سنتين تراجعت المبيعات بشكل رهيب ووجد الكثير منهم أنفسهم في ضائقة مالية وفي إشكاليات عويصة مع البنوك.
وفي هذا السياق أشار علي بوسعادة تاجر قطع غيار بالتفصيل إلى أنه بعد أزمة كورونا وجد الكثير من التجار أنفسهم في مشاكل كبيرة جراء الركود الذي شهده القطاع. وبين أن البنوك لم تكن متعاونة معهم وحتى عندما صدر مرسوم 2020 فإن البنوك لم تستجب، ويقصد محدثنا مرسوم رئيس الحكومة عدد 6 لسنة 2020 المؤرخ في 16 أفريل 2020 المتعلق بسن إجراءات جبائية ومالية للتخفيف من حدّة تداعيات انتشار فيروس كورونا "كوفيد 19 الذي تم اتخاذه في عهد حكومة الياس الفخفاخ.. وبين بوسعادة أن تراجع سعر الدينار والتضخم الذي تعيشه البلاد جعل أسعار قطع الغيار ترتفع بشكل ملحوظ وهو ما أدى إلى هروب الحرفاء، وفي نفس الوقت، أدى إلى إنعاش السوق الموازية. وقال إن من ينشطون في السوق الموازية لا يدفعون معاليم الجباية والانخراط في الصناديق الاجتماعية ولا يدفعون معاليم كراء المحلات واستهلاك الماء والكهرباء ولكنهم يحققون من نشاطهم أرابحا طائلة.
وأشار التاجر وقد بدا على وجهه شيء من الإرهاق وكثير من الضجر إلى أنه إضافة إلى منافسة السوق الموازية التي تبيع السلع المقلدة والمهربة وحتى المسروقة، يواجه تجار بيع قطع غيار السيارات صعوبة في توفير الكميات الكافية من قطع غيار الماركات الجديدة التي دخلت الأسواق خلال السنوات السبع الأخيرة، وفسر أنه في الماضي كانت المعاملات تتم مع شركات فرنسية وألمانية لكن اليوم هناك سلع من كوريا والهند واليابان والحال أنه لا توجد قطع غيار بالكمية الكافية وحتى أن وجدت فإن أسعارها مرتفعة جدا نظرا لارتفاع كلفة النقل.. وذكر أنه رغم هذا المشكل العويص فإن هناك بنوكا تشترط على الحريف الراغب في اقتناء سيارة بواسطة قرض أن يقتني واحدة من الماركات الجديدة..
كساد لا مثيل له
الصادق الطرابلسي صاحب محل بيع قطع غيار السيارات أشار بدوره إلى أنه لم يعرف منذ شروعه في ممارسة هذا النشاط سنة 1978 مثل هذا الركود الذي يعاني منه اليوم، وذكر أن أغلب محلات بيع قطع غيار السيارات تضررت كثيرا خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد ظهور أزمة كوفيد 19، بل أصبحت المحلات شبه مقفرة والحال أنه من المروض أن القطاع يشتغل 24 ساعة على 24 بالنظر إلى أسطول السيارات الكبير الموجود في البلاد. وأضاف محدثنا أنه سبق أن مرت تونس بكثير من الأزمات الاقتصادية والسياسية لكن قطاع بيع قطع غيار السيارات لم يتضرر بالشكل الذي حصل خلال السنتين الماضيتين.. وذكر أنه فضلا عن كورونا، فقد تسبب تدهور قيمة الدينار في إلحاق مضرة كبيرة بالتجار، وفسر أن القطعة التي يكون سعر بيعها في أوروبا بمائة أورو، تصل للحريف في تونس بسعر يتراوح بين أربعمائة أو خمسمائة دينار وذلك بسبب ارتفاع كلفة النقل والمعاليم الديوانية. وأشار الطرابلسي إلى أن التجار ليس لهم أي ذنب في تراجع قيمة الدينار لكنهم تضرروا من تبعاته كثيرا.
وإضافة إلى تراجع قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية، بين الصادق الطرابلسي أن قطاع بيع قطع غيار السيارات مثل بقية القطاعات الأخرى يعاني من المنافسة غير الشريفة للتجارة الموازية.. وذكر أن من يذهب يوم الأحد إلى سوق السيارات الواقع في مدينة المروج بالعاصمة يتأكد من صحة كلامه، ففي سوق السيارات ينتصب كل يوم أحد، عشرات الباعة الذين ينشطون في السوق الموازية ويعرضون على الزوار شتى قطع الغيار دون حسيب أو رقيب، فلا أحد يسألهم أين هي "الباتيندة"؟ أو من أين جاؤوا بتلك السلع؟ ومن سمح لهم بالانتصاب هناك؟ فهناك منهم من يأتي إلى السوق بسيارة كبيرة وقد غصت بقطع الغيار المهربة من ليبيا والجزائر والسلع المقلدة ويبيعونها للحرفاء بأبخس الأثمان، فهناك قطع يبلغ سعرها الحقيقي مائة دينار لكنهم يبيعونها بخمسين وأربعين دينارا وذلك لأن البضاعة مقلدة أو مهربة. وفسر أنه في ظل غياب المراقبة فإن المستهلك هو المتضرر الأكبر من عمليات الغش لأن تلك القطع سرعان ما تتعطب، وليس هذا فقط بل تتسبب أحيانا في إلحاق ضرر فادح بالسيارة.
وأشار محدثنا إلى أنه يتفهم مشكلة العاطلين عن العمل ويدرك أن البطالة هي التي دفعت بالكثير منهم إلى النشاط في السوق الموازية لكن على الدولة التي لم توفر لهم التشغيل أن تعمل على تنظيم القطاع الموازي وبهذه الكيفية تحقق المساواة في الجباية وفي نفس الوقت تؤمن المراقبة وتتصدى للدخلاء الذين التهموا القطاع.
وشدد الطرابلسي على أن المطلوب من الدولة تطبيق القانون بصرامة فبهذه الكيفية يتم القضاء على الدخلاء، وكل من يريد ممارسة نشاط بيع قطع الغيار ما عليه سوى الالتزام بالضوابط والشروط والحصول على باتيندا والقيام بواجباته الجبائية.
وأشار إلى أن جميع قطع الغيار متوفر في المحلات الممتدة على طول شارع الهادي شاكر بالعاصمة لكن المبيعات تراجعت جراء تراجع المقدرة الشرائية لأصحاب السيارات وجراء منافسة البضائع المقلدة، وذكر أن المستهلك لا يستطيع التفطن إلى السلع المقلدة إلا بعد أن يكتوي منها، فالمتحيلون على حد تعبيره، لديهم دهاء كبير وقدرات رهيبة على جعل القطع المقلدة تشبه تماما القطع الأصلية فقد بلغ بهم المكر إلى درجة كتابة نفس الشيفرات بنفس البنط الموجود في علب القطع الأصلية التي تم توريدها من بلدان أوروبية بمبالغ باهظة.. وذكر أن الغش موجود حتى في مادة زيوت السيارات وقال إن إحدى الحريفات اقتنت زيتا مغشوشا من أحد الباعة الناشطين في السوق الموازية وهي لو لم تغيره في الوقت المناسب لكان محرك السيارة سيتعطب وستجد نفسها مضطرة إلى تغييره.. وأشار إلى أن التجار الذين يمارسون النشاط في إطار احترام القانون هم الذين شارفوا على الإفلاس وهم الذين يعانون من مشاكل مع البنوك، وحتى عندما يتعاملون مع مؤسسات الدولة فإن هذه الأخيرة لا تقوم بخلاصهم إلا إذا كانت وضعياتهم الجبائية سليمة مائة بالمائة،أما باعة الأسواق الموازية فإنهم عرفوا انتعاشة كبيرة فهم لا يدفعون الجباية ولا تقع مراقبتهم من قبل وزارة التجارة أو وزارة المالية ولا يدفعون معاليم كراء المحلات ومعاليم الاشتراك في الصناديق الاجتماعية أما البنوك فإنها تستقبلهم بحفاوة طالما أنهم يدخرون أموالهم لديها.. فعوضا عن سؤالهم من أين جاؤوا بكل تلك الأموال أو على الأقل تطلب منهم الاستظهار بـ "باتيندا" فإن البنوك تتعامل معهم وكأنهم ينشطون بصفة قانونية، وفي المقابل تجدها تغلق الأبواب في وجوه التجار الحقيقيين الذين ينشطون بصفة قانونية.
ركود كبير
لا يختلف لطفي الرياحي تاجر قطع غيار السيارات بالتفصيل عن بقية زملائه في الرأي، إذ أكد بدوره أن محله يعاني من ركود كبير ونقص في المبيعات وذلك منذ ظهور جائحة كورونا، وبين أنهم يفتحون محلاتهم منذ الصباح الباكر لكن لا يوجد حرفاء وأحيانا يمضي نصف يوم ولا يقبل عليه أي حريف نظرا لارتفاع أسعار المنتوجات وتراجع المقدرة الشرائية لأغلب العائلات التونسية مما أدى إلى استغنائها عن إصلاح السيارات. وذكر الرياحي أن غلق الحدود مع ليبيا والجزائر أدى بدوره إلى تراجع المبيعات لأن العائلات الليبية والجزائرية كانت من أبرز الحرفاء نظرا إلى جودة قطع الغيار المتوفرة في تونس من ناحية ولمهارة اليد العاملة من ناحية أخرى.
وأكد محدثنا أنه رغم الصعوبات التي مر بها خلال كورونا وخاصة خلال فترات الحجر الصحي فإنه لم يحصل على أي مساعدة من الدولة،وذكر أن قانون المالية لسنة 2022 مخيب للآمال لأنه لم يتضمن أي إجراء من شأنه أن ينعش قطاعهم، وأشار إلى أن نسبة الأداء على قطع الغيار الموردة مازالت مرتفعة جدا وهو ما أدى إلى عزوف الحرفاء، وقال إن المطلوب هو منح إعفاء من المعاليم الديوانية بالنسبة إلى السلع التي تشهد إقبالا كبيرا من طرف الحرفاء فبهذه الكيفية يمكن مقاومة حالة الركود التي أضحت عليها متاجر بيع قطع الغيار وفي نفس الوقت يتم تخفيف العبء على أصحاب السيارات.
وأشار الرياحي إلى معضلة السوق الموازية، وبين أن الدولة مطالبة بأن تلعب دورها في المراقبة وتطبيق القانون لأنه من غير المقبول أن يجد التجار الذين يقومون بواجباتهم الجبائية أنفسهم على حافة الإفلاس في حين ينعم غيرهم من الذين يبيعون السلع المقلدة والمهربة برغد العيش ولا يجدون من يراقبهم أو يحاسبهم..
ولاحظ عبد الكريم العوني تاجر قطع الغيار تراجعا كبيرا في المبيعات منذ ظهور أزمة كورونا، وفسر السبب بارتفاع الأسعار، وبين في هذا الصدد أن هناك قطع غيار تضاعفت أسعارها مرتين وثلاث مرات في وقت وجيز، ورغم ذلك فهي غير متوفرة بالكميات اللازمة فضلا عن تراجع الجودة، نظرا إلى أن المزودين أصبحوا يتجهون أكثر نحو اقتناء السلع التركية والصينية لأن أسعارها أفضل. أما الحرفاء فإن أغلبهم أصبحوا يقتنون حاجياتهم عن طريق شيكات وكثيرا ما تجدهم يطلبون تقسيط الثمن على ثلاثة وأربعة أقساط..
وبخصوص السيارات الجديدة، قال محدثنا إن هناك صعوبة في التزود بقطع الغيار الخاصة بها، نظرا لوجود احتكار، وذكر أن السوق الموازية أضرت كثيرا بتجار قطع الغيار، ففي السوق الموازية على حد قوله، يجد الحريف كل ما يطلبه من قطع الغيار لكنها تفتقر للجودة.. وأشار إلى أن المطلوب من الدولة، لإنقاذ القطاع، التخفيف من العبء الجبائي والتخفيض من المعاليم الديوانية ومن كلفة النقل وتوفير قطع غيار السيارات الجديدة لأنه من غير المقبول أن يظل الحريف ينتظر مدة ستة أشهر كاملة كي يحصل على قطعة غيار لسيارة اشتراها بعشرات الملايين..
الضروريات قبل الكماليات
على مقربة من محلات بيع قطع الغيار فتحت عشرات المحلات المخصصة لبيع "إكسسوارات السيارات" أبوابها في انتظار قدوم الحرفاء الذين طال غيابهم وفق تعبير التجار توفيق رمضان. وأشار توفيق إلى ضعف الإقبال على اقتناء كساء المقاعد والمقود وغيرها من الكماليات، وذكر أنه في ظل تراجع المقدرة الشرائية للتونسيين فإن هؤلاء أصبحوا يجدون صعوبة في توفير الضروريات فما بالك بالكماليات.. وبين أن السوق كانت تشهد بعض الحركية خلال فصل الصيف عند عودة المهاجرين لكن خلال السنتين الأخيرتين هناك ركود تام. وأضاف أن الأسعار ارتفعت لأن أغلب السلع موردة من الصين وتركيا، ولكن مقابل ارتفاع الأسعار فإن الجودة تراجعت مقارنة بالسابق، حيث كانت السلع تأتي من بلدان أوروبية وأساسا من إيطاليا.. وقال محدثنا إن السلع تونسية الصنع ذات جودة ممتازة وهي أفضل بكثير من السلع ذات المنشأ التركي أو الصيني لكن يبقى المشكل في السعر.. وأشار إلى أن السوق الموازية دمرت المحلات التي تنشط بصفة قانونية. وذكر أن سعر إكسسوارات السيارات يتراوح من 45 إلى 240 دينارا حسب النوعية والجودة ولكن رغم تنوع المعروضات فإن الإقبال ضعيف للغاية. وأشار إلى أن التجار تضرروا كثيرا من التجارة الموازية وكورونا والمطلوب من الدولة الرفق بحالهم والتخفيض في المعاليم الجبائية وكذلك العودة إلى الأسواق التقليدية أي الأسواق الأوروبية لأن سلعها أفضل من حيث الجودة من السلع التركية والصينية.
أسعار خيالية
ولما كنا بصدد الحديث مع أحد التجار.. وبعد انتظار طويل.. حل ركب أحد الحرفاء الذي جاء للعاصمة بحثا عن قطعة غيار لسياراته.. وقال هذا الأخير ويدعى شكري الكافي إن أسعار قطع الغيار أصبحت خيالية وذكر أن التونسي لم يعد بإمكانه اقتناء سيارة جديدة وهو مضطر إلى إصلاح سيارته كلما تعطبت لكن أسعار قطع الغيار لا تطاق. وبين أن الأسعار المتعامل بها في سوق السيارات بالمروج بدورها مشطة رغم أن السلع مقلدة وليست أصلية.
سعيدة بوهلال
تونس-الصباح
خلافا لما كان عليه الحال قبيل ظهور جائحة كورونا، أصبحت متاجر بيع قطع غيار السيارات وإكسسواراتها الكائنة بشارع الهادي شاكر وشارع الشاذلي قلالة وبقية الأنهج المحاذية الواقعة في قلب العاصمة، تعاني من كساد كبير. ويعود السبب حسب قول عدد من التجار إلى ارتفاع الأسعار الناجم بالأساس عن تدهور قيمة الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية، وذلك إضافة إلى تردي المقدرة الشرائية لأصحاب السيارات والأهم من ذلك لانتشار السوق الموازية التي تروج نفس السلع بأسعار بخسة نظرا إلى أن هذه السلع مقلدة، مهربة، أو مسروقة..
فمع بزوغ الشمس، يسرع تجار قطع غيار السيارات وتوابعها كل يوم نحو محلاتهم التي يعرضون فيها كل ما يحتاجه زبائنهم لتغيير ما تعطب في سياراتهم أو لتشبيبها وتزيينها، وهي قطع اقتنوها من المزودين تجار الجملة بعد أن تم توريدها من أوروبا وتركيا والصين والهند وغيرها من البلدان. وكانت سلعهم في الماضي وخاصة قبل ظهور الجائحة تشهد رواجا كبيرا، لكن منذ سنتين تراجعت المبيعات بشكل رهيب ووجد الكثير منهم أنفسهم في ضائقة مالية وفي إشكاليات عويصة مع البنوك.
وفي هذا السياق أشار علي بوسعادة تاجر قطع غيار بالتفصيل إلى أنه بعد أزمة كورونا وجد الكثير من التجار أنفسهم في مشاكل كبيرة جراء الركود الذي شهده القطاع. وبين أن البنوك لم تكن متعاونة معهم وحتى عندما صدر مرسوم 2020 فإن البنوك لم تستجب، ويقصد محدثنا مرسوم رئيس الحكومة عدد 6 لسنة 2020 المؤرخ في 16 أفريل 2020 المتعلق بسن إجراءات جبائية ومالية للتخفيف من حدّة تداعيات انتشار فيروس كورونا "كوفيد 19 الذي تم اتخاذه في عهد حكومة الياس الفخفاخ.. وبين بوسعادة أن تراجع سعر الدينار والتضخم الذي تعيشه البلاد جعل أسعار قطع الغيار ترتفع بشكل ملحوظ وهو ما أدى إلى هروب الحرفاء، وفي نفس الوقت، أدى إلى إنعاش السوق الموازية. وقال إن من ينشطون في السوق الموازية لا يدفعون معاليم الجباية والانخراط في الصناديق الاجتماعية ولا يدفعون معاليم كراء المحلات واستهلاك الماء والكهرباء ولكنهم يحققون من نشاطهم أرابحا طائلة.
وأشار التاجر وقد بدا على وجهه شيء من الإرهاق وكثير من الضجر إلى أنه إضافة إلى منافسة السوق الموازية التي تبيع السلع المقلدة والمهربة وحتى المسروقة، يواجه تجار بيع قطع غيار السيارات صعوبة في توفير الكميات الكافية من قطع غيار الماركات الجديدة التي دخلت الأسواق خلال السنوات السبع الأخيرة، وفسر أنه في الماضي كانت المعاملات تتم مع شركات فرنسية وألمانية لكن اليوم هناك سلع من كوريا والهند واليابان والحال أنه لا توجد قطع غيار بالكمية الكافية وحتى أن وجدت فإن أسعارها مرتفعة جدا نظرا لارتفاع كلفة النقل.. وذكر أنه رغم هذا المشكل العويص فإن هناك بنوكا تشترط على الحريف الراغب في اقتناء سيارة بواسطة قرض أن يقتني واحدة من الماركات الجديدة..
كساد لا مثيل له
الصادق الطرابلسي صاحب محل بيع قطع غيار السيارات أشار بدوره إلى أنه لم يعرف منذ شروعه في ممارسة هذا النشاط سنة 1978 مثل هذا الركود الذي يعاني منه اليوم، وذكر أن أغلب محلات بيع قطع غيار السيارات تضررت كثيرا خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد ظهور أزمة كوفيد 19، بل أصبحت المحلات شبه مقفرة والحال أنه من المروض أن القطاع يشتغل 24 ساعة على 24 بالنظر إلى أسطول السيارات الكبير الموجود في البلاد. وأضاف محدثنا أنه سبق أن مرت تونس بكثير من الأزمات الاقتصادية والسياسية لكن قطاع بيع قطع غيار السيارات لم يتضرر بالشكل الذي حصل خلال السنتين الماضيتين.. وذكر أنه فضلا عن كورونا، فقد تسبب تدهور قيمة الدينار في إلحاق مضرة كبيرة بالتجار، وفسر أن القطعة التي يكون سعر بيعها في أوروبا بمائة أورو، تصل للحريف في تونس بسعر يتراوح بين أربعمائة أو خمسمائة دينار وذلك بسبب ارتفاع كلفة النقل والمعاليم الديوانية. وأشار الطرابلسي إلى أن التجار ليس لهم أي ذنب في تراجع قيمة الدينار لكنهم تضرروا من تبعاته كثيرا.
وإضافة إلى تراجع قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية، بين الصادق الطرابلسي أن قطاع بيع قطع غيار السيارات مثل بقية القطاعات الأخرى يعاني من المنافسة غير الشريفة للتجارة الموازية.. وذكر أن من يذهب يوم الأحد إلى سوق السيارات الواقع في مدينة المروج بالعاصمة يتأكد من صحة كلامه، ففي سوق السيارات ينتصب كل يوم أحد، عشرات الباعة الذين ينشطون في السوق الموازية ويعرضون على الزوار شتى قطع الغيار دون حسيب أو رقيب، فلا أحد يسألهم أين هي "الباتيندة"؟ أو من أين جاؤوا بتلك السلع؟ ومن سمح لهم بالانتصاب هناك؟ فهناك منهم من يأتي إلى السوق بسيارة كبيرة وقد غصت بقطع الغيار المهربة من ليبيا والجزائر والسلع المقلدة ويبيعونها للحرفاء بأبخس الأثمان، فهناك قطع يبلغ سعرها الحقيقي مائة دينار لكنهم يبيعونها بخمسين وأربعين دينارا وذلك لأن البضاعة مقلدة أو مهربة. وفسر أنه في ظل غياب المراقبة فإن المستهلك هو المتضرر الأكبر من عمليات الغش لأن تلك القطع سرعان ما تتعطب، وليس هذا فقط بل تتسبب أحيانا في إلحاق ضرر فادح بالسيارة.
وأشار محدثنا إلى أنه يتفهم مشكلة العاطلين عن العمل ويدرك أن البطالة هي التي دفعت بالكثير منهم إلى النشاط في السوق الموازية لكن على الدولة التي لم توفر لهم التشغيل أن تعمل على تنظيم القطاع الموازي وبهذه الكيفية تحقق المساواة في الجباية وفي نفس الوقت تؤمن المراقبة وتتصدى للدخلاء الذين التهموا القطاع.
وشدد الطرابلسي على أن المطلوب من الدولة تطبيق القانون بصرامة فبهذه الكيفية يتم القضاء على الدخلاء، وكل من يريد ممارسة نشاط بيع قطع الغيار ما عليه سوى الالتزام بالضوابط والشروط والحصول على باتيندا والقيام بواجباته الجبائية.
وأشار إلى أن جميع قطع الغيار متوفر في المحلات الممتدة على طول شارع الهادي شاكر بالعاصمة لكن المبيعات تراجعت جراء تراجع المقدرة الشرائية لأصحاب السيارات وجراء منافسة البضائع المقلدة، وذكر أن المستهلك لا يستطيع التفطن إلى السلع المقلدة إلا بعد أن يكتوي منها، فالمتحيلون على حد تعبيره، لديهم دهاء كبير وقدرات رهيبة على جعل القطع المقلدة تشبه تماما القطع الأصلية فقد بلغ بهم المكر إلى درجة كتابة نفس الشيفرات بنفس البنط الموجود في علب القطع الأصلية التي تم توريدها من بلدان أوروبية بمبالغ باهظة.. وذكر أن الغش موجود حتى في مادة زيوت السيارات وقال إن إحدى الحريفات اقتنت زيتا مغشوشا من أحد الباعة الناشطين في السوق الموازية وهي لو لم تغيره في الوقت المناسب لكان محرك السيارة سيتعطب وستجد نفسها مضطرة إلى تغييره.. وأشار إلى أن التجار الذين يمارسون النشاط في إطار احترام القانون هم الذين شارفوا على الإفلاس وهم الذين يعانون من مشاكل مع البنوك، وحتى عندما يتعاملون مع مؤسسات الدولة فإن هذه الأخيرة لا تقوم بخلاصهم إلا إذا كانت وضعياتهم الجبائية سليمة مائة بالمائة،أما باعة الأسواق الموازية فإنهم عرفوا انتعاشة كبيرة فهم لا يدفعون الجباية ولا تقع مراقبتهم من قبل وزارة التجارة أو وزارة المالية ولا يدفعون معاليم كراء المحلات ومعاليم الاشتراك في الصناديق الاجتماعية أما البنوك فإنها تستقبلهم بحفاوة طالما أنهم يدخرون أموالهم لديها.. فعوضا عن سؤالهم من أين جاؤوا بكل تلك الأموال أو على الأقل تطلب منهم الاستظهار بـ "باتيندا" فإن البنوك تتعامل معهم وكأنهم ينشطون بصفة قانونية، وفي المقابل تجدها تغلق الأبواب في وجوه التجار الحقيقيين الذين ينشطون بصفة قانونية.
ركود كبير
لا يختلف لطفي الرياحي تاجر قطع غيار السيارات بالتفصيل عن بقية زملائه في الرأي، إذ أكد بدوره أن محله يعاني من ركود كبير ونقص في المبيعات وذلك منذ ظهور جائحة كورونا، وبين أنهم يفتحون محلاتهم منذ الصباح الباكر لكن لا يوجد حرفاء وأحيانا يمضي نصف يوم ولا يقبل عليه أي حريف نظرا لارتفاع أسعار المنتوجات وتراجع المقدرة الشرائية لأغلب العائلات التونسية مما أدى إلى استغنائها عن إصلاح السيارات. وذكر الرياحي أن غلق الحدود مع ليبيا والجزائر أدى بدوره إلى تراجع المبيعات لأن العائلات الليبية والجزائرية كانت من أبرز الحرفاء نظرا إلى جودة قطع الغيار المتوفرة في تونس من ناحية ولمهارة اليد العاملة من ناحية أخرى.
وأكد محدثنا أنه رغم الصعوبات التي مر بها خلال كورونا وخاصة خلال فترات الحجر الصحي فإنه لم يحصل على أي مساعدة من الدولة،وذكر أن قانون المالية لسنة 2022 مخيب للآمال لأنه لم يتضمن أي إجراء من شأنه أن ينعش قطاعهم، وأشار إلى أن نسبة الأداء على قطع الغيار الموردة مازالت مرتفعة جدا وهو ما أدى إلى عزوف الحرفاء، وقال إن المطلوب هو منح إعفاء من المعاليم الديوانية بالنسبة إلى السلع التي تشهد إقبالا كبيرا من طرف الحرفاء فبهذه الكيفية يمكن مقاومة حالة الركود التي أضحت عليها متاجر بيع قطع الغيار وفي نفس الوقت يتم تخفيف العبء على أصحاب السيارات.
وأشار الرياحي إلى معضلة السوق الموازية، وبين أن الدولة مطالبة بأن تلعب دورها في المراقبة وتطبيق القانون لأنه من غير المقبول أن يجد التجار الذين يقومون بواجباتهم الجبائية أنفسهم على حافة الإفلاس في حين ينعم غيرهم من الذين يبيعون السلع المقلدة والمهربة برغد العيش ولا يجدون من يراقبهم أو يحاسبهم..
ولاحظ عبد الكريم العوني تاجر قطع الغيار تراجعا كبيرا في المبيعات منذ ظهور أزمة كورونا، وفسر السبب بارتفاع الأسعار، وبين في هذا الصدد أن هناك قطع غيار تضاعفت أسعارها مرتين وثلاث مرات في وقت وجيز، ورغم ذلك فهي غير متوفرة بالكميات اللازمة فضلا عن تراجع الجودة، نظرا إلى أن المزودين أصبحوا يتجهون أكثر نحو اقتناء السلع التركية والصينية لأن أسعارها أفضل. أما الحرفاء فإن أغلبهم أصبحوا يقتنون حاجياتهم عن طريق شيكات وكثيرا ما تجدهم يطلبون تقسيط الثمن على ثلاثة وأربعة أقساط..
وبخصوص السيارات الجديدة، قال محدثنا إن هناك صعوبة في التزود بقطع الغيار الخاصة بها، نظرا لوجود احتكار، وذكر أن السوق الموازية أضرت كثيرا بتجار قطع الغيار، ففي السوق الموازية على حد قوله، يجد الحريف كل ما يطلبه من قطع الغيار لكنها تفتقر للجودة.. وأشار إلى أن المطلوب من الدولة، لإنقاذ القطاع، التخفيف من العبء الجبائي والتخفيض من المعاليم الديوانية ومن كلفة النقل وتوفير قطع غيار السيارات الجديدة لأنه من غير المقبول أن يظل الحريف ينتظر مدة ستة أشهر كاملة كي يحصل على قطعة غيار لسيارة اشتراها بعشرات الملايين..
الضروريات قبل الكماليات
على مقربة من محلات بيع قطع الغيار فتحت عشرات المحلات المخصصة لبيع "إكسسوارات السيارات" أبوابها في انتظار قدوم الحرفاء الذين طال غيابهم وفق تعبير التجار توفيق رمضان. وأشار توفيق إلى ضعف الإقبال على اقتناء كساء المقاعد والمقود وغيرها من الكماليات، وذكر أنه في ظل تراجع المقدرة الشرائية للتونسيين فإن هؤلاء أصبحوا يجدون صعوبة في توفير الضروريات فما بالك بالكماليات.. وبين أن السوق كانت تشهد بعض الحركية خلال فصل الصيف عند عودة المهاجرين لكن خلال السنتين الأخيرتين هناك ركود تام. وأضاف أن الأسعار ارتفعت لأن أغلب السلع موردة من الصين وتركيا، ولكن مقابل ارتفاع الأسعار فإن الجودة تراجعت مقارنة بالسابق، حيث كانت السلع تأتي من بلدان أوروبية وأساسا من إيطاليا.. وقال محدثنا إن السلع تونسية الصنع ذات جودة ممتازة وهي أفضل بكثير من السلع ذات المنشأ التركي أو الصيني لكن يبقى المشكل في السعر.. وأشار إلى أن السوق الموازية دمرت المحلات التي تنشط بصفة قانونية. وذكر أن سعر إكسسوارات السيارات يتراوح من 45 إلى 240 دينارا حسب النوعية والجودة ولكن رغم تنوع المعروضات فإن الإقبال ضعيف للغاية. وأشار إلى أن التجار تضرروا كثيرا من التجارة الموازية وكورونا والمطلوب من الدولة الرفق بحالهم والتخفيض في المعاليم الجبائية وكذلك العودة إلى الأسواق التقليدية أي الأسواق الأوروبية لأن سلعها أفضل من حيث الجودة من السلع التركية والصينية.
أسعار خيالية
ولما كنا بصدد الحديث مع أحد التجار.. وبعد انتظار طويل.. حل ركب أحد الحرفاء الذي جاء للعاصمة بحثا عن قطعة غيار لسياراته.. وقال هذا الأخير ويدعى شكري الكافي إن أسعار قطع الغيار أصبحت خيالية وذكر أن التونسي لم يعد بإمكانه اقتناء سيارة جديدة وهو مضطر إلى إصلاح سيارته كلما تعطبت لكن أسعار قطع الغيار لا تطاق. وبين أن الأسعار المتعامل بها في سوق السيارات بالمروج بدورها مشطة رغم أن السلع مقلدة وليست أصلية.