لم تتراجع حدة الخطاب السياسي في بلادنا حيث حافظت على ذات تركيبتها القائمة على نفي الآخر وترذيله.
وقد اشتركت المعارضة كما السلطة في خطاب حاد قوامه التقسيم "نحن/هم " واتهامات "العمالة/الوطنية" والخيار /الأشرار" إلى جانب مصطلحات "الفقراء/الأغنياء".
وقد زادت هذه المصطلحات في نفور التونسيين من وضعهم العام في وقت انتظر فيه الجميع تغيير كبير على مستوى الخطاب بعد 25جويلية على اعتبار أن هذا الموعد جاء ليطرح نفسه بديلا عن سابقيه إلا انه غرق هو الآخر لا في شعبوية الخطاب فحسب بل في تأزيم العلاقات الاجتماعية بين المواطنين أنفسهم.
ويجمع السياسيون على أن خطابهم موجه لعموم الشعب التونسي إلا أن ذلك لم يعد صحيحا بعد أن انقسم الشعب إلى شعوب وذلك حسب طبيعة الخطاب الموجه لهم.
وبات واضحا أن الرئيس قيس سعيد لم يعد في مقدوره إقناع "شعب "المعارضة التي لا ترى في إجراءات 25/7 سوى انقلاب على الدستور والديمقراطية عموما.
كما أن "شعب" الرئيس لن يميل في اتجاه خطابات المعارضة وتحركاتها بعد أن اقتنع بواجهة التمشي لتصحيح المسار الذي افتتحه سعيد في جويلية الماضي.
الخطاب اليتيم
بكلمات متفائلة وخالية من التحريض والوعيد خاطب الرئيس قيس سعيد التونسيين يوم 9ديسمبر الماضي بكل هدوء ليدعوهم على غير العادة للوحدة والتضامن ونبذ الخلافات والاستعداد للبناء المشترك.
وكان هذا الخطاب الأول من نوعه منذ تولي الرئيس فترة حكمه سنة 2019 وخلال افتتحه اجتماع مجلس الأمن القومي وذلك سويعات قليلة بعد الحريق الذي اندلع بالمقر المركزي لحركة النهضة بالعاصمة.
لئن شكلت مدخلا عند البعض للتهدئة والتقليل من منسوب العنف الرمزي ولافتتاح حياة سياسية جديدة دون تشنج، فإنها مثلت للبعض الآخر تخوفا من أن تكون كلماته تلك مجرد انحناءة حتى تمر العاصفة في ظل الضغط العالي الداخلي والخارجي الذي تعيشه تونس منذ أكثر من سنتين لتزيد تأثيراته بعد إعلان الإجراءات الاستثنائية يوم 25 جويلية الماضي وانقسام الشعب بين قابل ورافض بشدة.
معجم الصدام
لم تكن انتقادات سعيد بعيدة عن ملاحظات الأكاديميين التونسيين فقد انتقد أستاذ الاتصال السياسي الصادق الحمامي سابقا خطاب الرئيس الذي أدلى به إثر زيارة غير معلنة لولاية سيدي بوزيد، شكلًا ومضمونًا.
وقال الحمامي، في تصريح للإذاعة الوطنية "أن الاتصال الرئاسي استقر على ما يمكن أن نسميه "الأسلوب الصدامي"، موضحًا أن الرئيس منذ أشهر اعتمد هذا الأسلوب بمعنى أنه يقدم نفسه في المشهدية كإنسان يصارع منافسين وأعداء ومناوئين وكأنه دائمًا يحارب في ساحة وغى"، حسب رأيه.
العيش المشترك.. الخطاب المفقود
على وقع الشتائم والتحريض المباشر في وسائل الإعلام، وهستيريا الكلاش السياسي، أصبح صوت البذاءة الأكثر وضوحا بل مدعاة للفخر أحيانا لتنتهي بذلك ادوار السياسيين وتعوضها السنة هتك الأعراض واستباحة كرامة الشخصيات الوطنية.
وبلغ خطاب التحريض أحيانا حد التشفي وتوزيع أمنيات الموت على الخصوم في إحالة مباشرة على أن الخطاب السياسي في تونس بلغ نقطة اللاعودة.
ولم يكن الأفراد وحدهم عناوين للشتم والتحريض حيث انتقلت عدوى سوء الخطاب الى النخب التي يفترض ان تلعب دور جدار صد لمنع سوء الخطاب لكنها انخرطت بدورها في لعبة السوء من خلال توظيف صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى عبر حضورها الإعلامي المباشر.
وقد تحولت الخطب إلى ساحة لحرب كلامية مفتوحة غرق معها الشارع السياسي في الفعل وردة الفعل وقد اعتبر الناشط السياسي مراد الحاجي ان الخطاب اثر على الأنصار بشكل لافت حيث "يطغى على الأنصار هوس غريب لتسميات تحيل على الحرب والحيوانات من السباع الضواري. فمن الجنرال إلى اللبة إلى الأسد إلى ”اللي معذبهم” يحفل المعجم بالعنف الذي يتقنّع في الاستعارات. وهي استعارات تختزل صورة البطل الباطش الذي يقضي على الخصوم ويمحقهم دلالة على جو الكراهية السائد والذي يختزل الرغبة في ممارسة العنف في عنف الخطاب."
من أزمة الخطاب إلى أزمة الحل
لم يكن الخطاب السياسي وحده عنوانا للازمة، بل ان طبيعته العنيفة نتيجة مباشرة لغياب التواصل لأي حوار أو التقاء بين مختلف الفواعل بعد أن احتمى كل منهم "بشعبه" ليتحول المشهد عموما إلى طوائف معزولة رغم نداءات الحوار العاجل والإنقاذ.
وعلى أهميتها في ضمان الاستقرار ومنع المد الشعبوي فقد عجزت حتى أطراف الحوار عن خلق نواة صلبة لإطلاق قواعد الحوار المؤسس.
خليل الحناشي
تونس-الصباح
لم تتراجع حدة الخطاب السياسي في بلادنا حيث حافظت على ذات تركيبتها القائمة على نفي الآخر وترذيله.
وقد اشتركت المعارضة كما السلطة في خطاب حاد قوامه التقسيم "نحن/هم " واتهامات "العمالة/الوطنية" والخيار /الأشرار" إلى جانب مصطلحات "الفقراء/الأغنياء".
وقد زادت هذه المصطلحات في نفور التونسيين من وضعهم العام في وقت انتظر فيه الجميع تغيير كبير على مستوى الخطاب بعد 25جويلية على اعتبار أن هذا الموعد جاء ليطرح نفسه بديلا عن سابقيه إلا انه غرق هو الآخر لا في شعبوية الخطاب فحسب بل في تأزيم العلاقات الاجتماعية بين المواطنين أنفسهم.
ويجمع السياسيون على أن خطابهم موجه لعموم الشعب التونسي إلا أن ذلك لم يعد صحيحا بعد أن انقسم الشعب إلى شعوب وذلك حسب طبيعة الخطاب الموجه لهم.
وبات واضحا أن الرئيس قيس سعيد لم يعد في مقدوره إقناع "شعب "المعارضة التي لا ترى في إجراءات 25/7 سوى انقلاب على الدستور والديمقراطية عموما.
كما أن "شعب" الرئيس لن يميل في اتجاه خطابات المعارضة وتحركاتها بعد أن اقتنع بواجهة التمشي لتصحيح المسار الذي افتتحه سعيد في جويلية الماضي.
الخطاب اليتيم
بكلمات متفائلة وخالية من التحريض والوعيد خاطب الرئيس قيس سعيد التونسيين يوم 9ديسمبر الماضي بكل هدوء ليدعوهم على غير العادة للوحدة والتضامن ونبذ الخلافات والاستعداد للبناء المشترك.
وكان هذا الخطاب الأول من نوعه منذ تولي الرئيس فترة حكمه سنة 2019 وخلال افتتحه اجتماع مجلس الأمن القومي وذلك سويعات قليلة بعد الحريق الذي اندلع بالمقر المركزي لحركة النهضة بالعاصمة.
لئن شكلت مدخلا عند البعض للتهدئة والتقليل من منسوب العنف الرمزي ولافتتاح حياة سياسية جديدة دون تشنج، فإنها مثلت للبعض الآخر تخوفا من أن تكون كلماته تلك مجرد انحناءة حتى تمر العاصفة في ظل الضغط العالي الداخلي والخارجي الذي تعيشه تونس منذ أكثر من سنتين لتزيد تأثيراته بعد إعلان الإجراءات الاستثنائية يوم 25 جويلية الماضي وانقسام الشعب بين قابل ورافض بشدة.
معجم الصدام
لم تكن انتقادات سعيد بعيدة عن ملاحظات الأكاديميين التونسيين فقد انتقد أستاذ الاتصال السياسي الصادق الحمامي سابقا خطاب الرئيس الذي أدلى به إثر زيارة غير معلنة لولاية سيدي بوزيد، شكلًا ومضمونًا.
وقال الحمامي، في تصريح للإذاعة الوطنية "أن الاتصال الرئاسي استقر على ما يمكن أن نسميه "الأسلوب الصدامي"، موضحًا أن الرئيس منذ أشهر اعتمد هذا الأسلوب بمعنى أنه يقدم نفسه في المشهدية كإنسان يصارع منافسين وأعداء ومناوئين وكأنه دائمًا يحارب في ساحة وغى"، حسب رأيه.
العيش المشترك.. الخطاب المفقود
على وقع الشتائم والتحريض المباشر في وسائل الإعلام، وهستيريا الكلاش السياسي، أصبح صوت البذاءة الأكثر وضوحا بل مدعاة للفخر أحيانا لتنتهي بذلك ادوار السياسيين وتعوضها السنة هتك الأعراض واستباحة كرامة الشخصيات الوطنية.
وبلغ خطاب التحريض أحيانا حد التشفي وتوزيع أمنيات الموت على الخصوم في إحالة مباشرة على أن الخطاب السياسي في تونس بلغ نقطة اللاعودة.
ولم يكن الأفراد وحدهم عناوين للشتم والتحريض حيث انتقلت عدوى سوء الخطاب الى النخب التي يفترض ان تلعب دور جدار صد لمنع سوء الخطاب لكنها انخرطت بدورها في لعبة السوء من خلال توظيف صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى عبر حضورها الإعلامي المباشر.
وقد تحولت الخطب إلى ساحة لحرب كلامية مفتوحة غرق معها الشارع السياسي في الفعل وردة الفعل وقد اعتبر الناشط السياسي مراد الحاجي ان الخطاب اثر على الأنصار بشكل لافت حيث "يطغى على الأنصار هوس غريب لتسميات تحيل على الحرب والحيوانات من السباع الضواري. فمن الجنرال إلى اللبة إلى الأسد إلى ”اللي معذبهم” يحفل المعجم بالعنف الذي يتقنّع في الاستعارات. وهي استعارات تختزل صورة البطل الباطش الذي يقضي على الخصوم ويمحقهم دلالة على جو الكراهية السائد والذي يختزل الرغبة في ممارسة العنف في عنف الخطاب."
من أزمة الخطاب إلى أزمة الحل
لم يكن الخطاب السياسي وحده عنوانا للازمة، بل ان طبيعته العنيفة نتيجة مباشرة لغياب التواصل لأي حوار أو التقاء بين مختلف الفواعل بعد أن احتمى كل منهم "بشعبه" ليتحول المشهد عموما إلى طوائف معزولة رغم نداءات الحوار العاجل والإنقاذ.
وعلى أهميتها في ضمان الاستقرار ومنع المد الشعبوي فقد عجزت حتى أطراف الحوار عن خلق نواة صلبة لإطلاق قواعد الحوار المؤسس.