إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

طالب بعزل سعيد ومحاكمته عبّو.."المتناقض" من حليف الأمس إلى "عدوّ" اليوم



تونس – الصباح

 

مذاهب شتى ميزت القراءات التي تناولت خبر رفع القيادي السابق في التيار الديمقراطي والوزير السابق محمد عبو، قضية ضد رئيس الجمهورية قيس سعيد إثر قراره الأخير بحل المجلس الأعلى للقضاء، وذلك بعد أن كتب تدوينة في الغرض أرفقها بنشر الوثائق التي تؤكد ذلك على صفحته الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي، وهي شكاية وضعته في مرمى "النار والأضواء" من جديد نظرا لما أثارته من نقد واستهزاء وسخرية وصلت في بعض الأحيان إلى حد التهجم من قبل البعض الآخر من أنصار الرئيس أو مؤيديه في القرارات التي اتخذها في علاقة بمحاولاته لإصلاح المرفق القضائي. وذلك رغم ما كان يروج في مرحلة سابقة من تقارب في العلاقة والمنحى السياسي بين الطرفين قبل التحاق عبو بحكومة إلياس الفخفاخ ودعم حزبه وكتلته البرلمانية لحكومة الرئيس بعد انتخابات 2019 قبل استقالة هذا الأخير من الأمانة العامة للتيار الديمقراطي في مرحلة لاحقة.

لكن القاسم المشترك في جملة هذه المواقف والقراءات هو ما لخصه عميد المحامين إبراهيم بودربالة في تطرقه لهذه المسألة بقوله إن "كل شخص له الحرية التامة في رفع الشكاوى. لكن العمل السياسي طغى على وجود عبو المهني كمحام". ونزّل الشكاية في سياق العمل السياسي قائلا: "إن عبو يريد من خلال ذلك تحقيق أهداف سياسية لا غير".

فيما ذهب البعض الآخر في تفسيره لهذا الأمر إلى كون تلك الشكاية لا تعدو أن تكون سوى محاولة أخرى لمحمد عبو للاستثمار في الحدث عبر المراهنة على التعاطي مع الأحداث والمستجدات بشكل مختلف عن السائد والمألوف وذلك للتسويق "لاسمه" لدى الرأيين الخاص والعام كبديل سياسي فرد في صيغة "الجمع" ليكون بديلا قويا لحركة النهضة بالأساس في هذه المرحلة دون أن تنفرد وحدها بقيادة وتصدر المشهد العام والخاص، وتأكيد مواصلة تحركاته في سياق معارضة سعيد من جهة والتفرد بالمبادرة في تشديد التصعيد في الضغوط المسلطة على رئيس الجمهورية بما يتيح له قيادة المعارضة من موقعه كرجل سياسية وقانون من جهة أخرى.

ولعل ما يفسر اختلاف القراءات والمواقف مما أتاه عبو هو عدم استقرار مواقفه وسرعة تغييرها إلى حد أن البعض يصفها بـ"التضارب والتقلب" في المواقف التي لا تخلو من "انتهازية" سياسية ميزت المشهد السياسي بشكل واضح في سنوات ما بعد ثورة 2011 رغم أنها لم تكن غريبة على الواقع السياسي في العقود التي سبقتها.

ويكفي العودة إلى مواقف هذا الأخير تجاه مؤسسة الرئاسة وقيس سعيد تحديدا للتأكد من صدقية منحى التغيير في المواقف التي ميزت الرجل. فقد سبق أن دعا سعيد بعد احتدام الصراع بين قيادة الرئاسات الثلاث على الصلاحيات وتعذر الحوار والتواصل بينها، إلى تطبيق الفصل 80 وهو صاحب مقولة "هبّط الجيش والشعب معاك"، التي خاطب بها سعيد. ثم سبق أن وصف تعاطي سعيد مع الغنوشي ومشيشي في نفس مرحلة التصادم بعد أن شبه هؤلاء "عصابة كانت تحكم البلاد ولا تعترف بالدستور وسعيد "عطاهم" درس..".

ليعبر عن مساندته الصريحة للقرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية والتي بموجبها تم وضع حد لكومة مشيشي وتجميد عمل البرلمان.

ولكن سرعان ما بدأ موقفه يأخذ منحاه في الاتجاه المعاكس للمسار الاستثنائي بعد صدور المرسوم الرئاسي 117 في 22 سبتمبر الماضي معتبرا أن ذلك المرسوم بما يتيحه لرئيس الجمهورية من صلاحيات أوسع مما جاء به دستور 2014 يؤكد أن "سعيد تمادى وأصبح يبحث عن طموح شخصي".

ليعود إلى التعديل في موقفه في مرحلة لاحقة من خلال تأكيده أثناء حضوره في أحد البرامج الإذاعية الحوارية في بداية شهر أوت على "أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد قادر على تغيير البلاد وأن هناك 3 إجراءات على رئيس الدولة القيام بها لإنقاذ تونس لكن عندما يبتعد عن الشعبوية". ومن بين الإجراءات التي قدمها تحديد سقف للإجراءات الحالية (مثلا موفى ديسمبر القادم) ومقاومة الفساد إضافة إلى حل البرلمان من داخل الدستور وإجراء الانتخابات ثم عرض مقترحات اللجنة التي يريد إحداثها سعيد على البرلمان الجديد.

لكن وبعد استجابة سعيد لجانب من مطالب عبو وباقي مكونات المشهد السياسي إضافة إلى الاستجابة لانتظارات التونسيين بتقديم روزنامة تحدد أبرز محطات المرحلة الاستثنائية وتكشف في أبعادها عن جانب من مشروعه في المسار الإصلاحي للمنظومة القائمة التي لطالما طالب الجميع بتغييرها وإصلاحها، إلا أن عبو حافظ على موقعه في صف المعارضة. وهو تقريبا نفس موقف حزبه السابق الذي يتولى أمانته العامة غازي الشواشي ويؤكد أنه لم تعد له صلة به باعتباره اليوم سياسيا مستقلا.

لذلك يعتبر البعض أن تحركات ومحاولات عبو في الضغط على رئيس الجمهورية ومحاولة ضرب مشروعه السياسي، رغم تقاطع الطرفين في بعض الخطوط العريضة من بينها محاربة الفساد وتكريس دولة القانون والمؤسسات، إلا أنه لم يستطع الخروج عن دائرة خوض المعركة بالوكالة كغيره من الأحزاب والسياسيين المحسوبين على التيارات التقدمية والوسطية واليسارية وهي معركة تدور رحاها لفائدة خصوم سعيد وفي مقدمتهم حركة النهضة.

نزيهة الغضباني

طالب بعزل سعيد ومحاكمته  عبّو.."المتناقض" من حليف الأمس إلى "عدوّ" اليوم



تونس – الصباح

 

مذاهب شتى ميزت القراءات التي تناولت خبر رفع القيادي السابق في التيار الديمقراطي والوزير السابق محمد عبو، قضية ضد رئيس الجمهورية قيس سعيد إثر قراره الأخير بحل المجلس الأعلى للقضاء، وذلك بعد أن كتب تدوينة في الغرض أرفقها بنشر الوثائق التي تؤكد ذلك على صفحته الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي، وهي شكاية وضعته في مرمى "النار والأضواء" من جديد نظرا لما أثارته من نقد واستهزاء وسخرية وصلت في بعض الأحيان إلى حد التهجم من قبل البعض الآخر من أنصار الرئيس أو مؤيديه في القرارات التي اتخذها في علاقة بمحاولاته لإصلاح المرفق القضائي. وذلك رغم ما كان يروج في مرحلة سابقة من تقارب في العلاقة والمنحى السياسي بين الطرفين قبل التحاق عبو بحكومة إلياس الفخفاخ ودعم حزبه وكتلته البرلمانية لحكومة الرئيس بعد انتخابات 2019 قبل استقالة هذا الأخير من الأمانة العامة للتيار الديمقراطي في مرحلة لاحقة.

لكن القاسم المشترك في جملة هذه المواقف والقراءات هو ما لخصه عميد المحامين إبراهيم بودربالة في تطرقه لهذه المسألة بقوله إن "كل شخص له الحرية التامة في رفع الشكاوى. لكن العمل السياسي طغى على وجود عبو المهني كمحام". ونزّل الشكاية في سياق العمل السياسي قائلا: "إن عبو يريد من خلال ذلك تحقيق أهداف سياسية لا غير".

فيما ذهب البعض الآخر في تفسيره لهذا الأمر إلى كون تلك الشكاية لا تعدو أن تكون سوى محاولة أخرى لمحمد عبو للاستثمار في الحدث عبر المراهنة على التعاطي مع الأحداث والمستجدات بشكل مختلف عن السائد والمألوف وذلك للتسويق "لاسمه" لدى الرأيين الخاص والعام كبديل سياسي فرد في صيغة "الجمع" ليكون بديلا قويا لحركة النهضة بالأساس في هذه المرحلة دون أن تنفرد وحدها بقيادة وتصدر المشهد العام والخاص، وتأكيد مواصلة تحركاته في سياق معارضة سعيد من جهة والتفرد بالمبادرة في تشديد التصعيد في الضغوط المسلطة على رئيس الجمهورية بما يتيح له قيادة المعارضة من موقعه كرجل سياسية وقانون من جهة أخرى.

ولعل ما يفسر اختلاف القراءات والمواقف مما أتاه عبو هو عدم استقرار مواقفه وسرعة تغييرها إلى حد أن البعض يصفها بـ"التضارب والتقلب" في المواقف التي لا تخلو من "انتهازية" سياسية ميزت المشهد السياسي بشكل واضح في سنوات ما بعد ثورة 2011 رغم أنها لم تكن غريبة على الواقع السياسي في العقود التي سبقتها.

ويكفي العودة إلى مواقف هذا الأخير تجاه مؤسسة الرئاسة وقيس سعيد تحديدا للتأكد من صدقية منحى التغيير في المواقف التي ميزت الرجل. فقد سبق أن دعا سعيد بعد احتدام الصراع بين قيادة الرئاسات الثلاث على الصلاحيات وتعذر الحوار والتواصل بينها، إلى تطبيق الفصل 80 وهو صاحب مقولة "هبّط الجيش والشعب معاك"، التي خاطب بها سعيد. ثم سبق أن وصف تعاطي سعيد مع الغنوشي ومشيشي في نفس مرحلة التصادم بعد أن شبه هؤلاء "عصابة كانت تحكم البلاد ولا تعترف بالدستور وسعيد "عطاهم" درس..".

ليعبر عن مساندته الصريحة للقرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية والتي بموجبها تم وضع حد لكومة مشيشي وتجميد عمل البرلمان.

ولكن سرعان ما بدأ موقفه يأخذ منحاه في الاتجاه المعاكس للمسار الاستثنائي بعد صدور المرسوم الرئاسي 117 في 22 سبتمبر الماضي معتبرا أن ذلك المرسوم بما يتيحه لرئيس الجمهورية من صلاحيات أوسع مما جاء به دستور 2014 يؤكد أن "سعيد تمادى وأصبح يبحث عن طموح شخصي".

ليعود إلى التعديل في موقفه في مرحلة لاحقة من خلال تأكيده أثناء حضوره في أحد البرامج الإذاعية الحوارية في بداية شهر أوت على "أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد قادر على تغيير البلاد وأن هناك 3 إجراءات على رئيس الدولة القيام بها لإنقاذ تونس لكن عندما يبتعد عن الشعبوية". ومن بين الإجراءات التي قدمها تحديد سقف للإجراءات الحالية (مثلا موفى ديسمبر القادم) ومقاومة الفساد إضافة إلى حل البرلمان من داخل الدستور وإجراء الانتخابات ثم عرض مقترحات اللجنة التي يريد إحداثها سعيد على البرلمان الجديد.

لكن وبعد استجابة سعيد لجانب من مطالب عبو وباقي مكونات المشهد السياسي إضافة إلى الاستجابة لانتظارات التونسيين بتقديم روزنامة تحدد أبرز محطات المرحلة الاستثنائية وتكشف في أبعادها عن جانب من مشروعه في المسار الإصلاحي للمنظومة القائمة التي لطالما طالب الجميع بتغييرها وإصلاحها، إلا أن عبو حافظ على موقعه في صف المعارضة. وهو تقريبا نفس موقف حزبه السابق الذي يتولى أمانته العامة غازي الشواشي ويؤكد أنه لم تعد له صلة به باعتباره اليوم سياسيا مستقلا.

لذلك يعتبر البعض أن تحركات ومحاولات عبو في الضغط على رئيس الجمهورية ومحاولة ضرب مشروعه السياسي، رغم تقاطع الطرفين في بعض الخطوط العريضة من بينها محاربة الفساد وتكريس دولة القانون والمؤسسات، إلا أنه لم يستطع الخروج عن دائرة خوض المعركة بالوكالة كغيره من الأحزاب والسياسيين المحسوبين على التيارات التقدمية والوسطية واليسارية وهي معركة تدور رحاها لفائدة خصوم سعيد وفي مقدمتهم حركة النهضة.

نزيهة الغضباني

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews