* نائبة رئيس جمعية القضاة لـ "الصباح" : نرفض رفضا مطلقا حل المجلس
*رئيس جمعية القضاة الشبان لـ"الصباح" : سنتخذ قرارات موجعة
*رئيسة جمعية القاضيات لـ"الصباح" : الإعلان عن حل المجلس من مقر وزارة الداخلية فيه إعلان رسمي عن ان كل شيء بات بيد السلطة التنفيذية ووزارة الداخلية
* إغلاق المجلس الأعلى للقضاء لن يحول دون مواصلة عمله
*شكاية تشخص وضع القضاء بعد 25 جويلية
*هناك تحريض وتجييش الشعب على القضاة وعلى حل المجلس
*محاسبة القضاة تتم عن طريق التفقدية وليس عن طريق السلطة التنفيذية
*نحن باتجاه تركيز حكم فردي وإنهاء الدستور وتعليق جميع المؤسسات الديمقراطية
تونس-الصباح
أعلن الرئيس قيس سعيد خلال الليلة الفاصلة بين يومي 05 و06 فيفري الجاري عن حل المجلس الأعلى للقضاء في قرار مفاجئ أصدره من مقر وزارة الداخلية معتبرا أن المجلس أصبح من الماضي وفي خطوة ثانية قامت وحدات أمنية صباح أمس بمنع الموظفين والعاملين والإداريين من دخول مقر المجلس وإغلاق الأبواب بالسلاسل الحديدية..خطوة اعتبرها رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالخطيرة مؤكدا على أن "فرض سلطة الأمر الواقع وإغلاق المؤسسات بقوة البوليس سابقة في تاريخ تونس" محملا المسؤولية لوزارة الداخلية لأنها طبقت تعليمات سياسية وليست قانونية وفق تعبيره.
القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية سبقته انتقادات قوية وجهها سعيد لأداء المجلس وللقضاة بصفة عامه حتى أنه اعتبره وظيفة في الدولة وليس بسلطة كما انتقد بطء صدور الأحكام خاصة في قضايا الفساد المالي والإرهاب..
قرار غلق المجلس هز القضاة وتسارعت هياكل المهنة بإصدار البيانات المنددة بقرار الرئيس حيث اعتبرت جمعية القضاة التونسيين أن "ما أعلن عنه رئيس الجمهورية هو إنكار لدعائم النظام الديمقراطي من استقلال دستوري وقانوني وهيكلي ووظيفي للقضاء وهدم لمؤسساته الدستورية وتقويض لبنائه الدستوري ويشكّل تراجعا خطيرا وغير مسبوق عن المكتسبات الدستورية وسعي لإخضاع القضاء للسلطة التنفيذية في ظلّ نظام يجمع فيه رئيس الجمهورية بيده كل السلطات" وحذّرت من "العواقب الوخيمة لمناخات الترهيب والترويع والاستضعاف والمس من الاعتبار التي يعمل ضمنها القضاة اليوم على ضمان حقوق وحريات التونسيين والتونسيات" كما اعتبرت أن الإعلان عن حل المجلس من مقر وزارة الداخلية وما تضمنه من تحريض غير مسبوق على القضاة بتهديدهم "بالصواريخ التي ستضربهم في صميم صميمهم" معتبرين أن ذلك فيه دعوة مباشرة لاستباحة القضاة وتحريض مباشر على العنف عليهم والقول بأنّ "هؤلاء مكانهم ليس المكان الذي يجلسون فيه وإنّما المكان الذي يقف فيه المتهمون" وإعلانه في ساعة متأخرة من الليل ومن مقر وزارة الداخلية عن حلّ المجلس الأعلى للقضاء والدعوة للتظاهر أمامه وإعلانه "وضع مرسوم مؤقت ينظم عمل المجلس الأعلى للقضاء" وأنّ المجلس قد أصبح "في عداد الماضي من هذه اللحظة"..
القرار المفاجئ لرئيس الجمهورية دفع بالقضاة الى التعبير عن رفضهم لهذا القرار و"وأد لاستقلال القضاء واغتيالا لدولة القانون" وفق ما عبر عنه القاضي أحمد صواب وقالت القاضية سيدة القارشي رئيسة جمعية القاضيات في تصريح لـ"الصباح" إنهم مع دولة القانون والمؤسسات وهم مع المجلس كمؤسسة دستورية باعتباره يمثل ركيزة لدولة القانون والمؤسسات مشيرة الى أن كل خلل في المرفق القضائي يؤدي الى إضعاف القضاة وتركيعهم.
وأكدت القارشي على أن القضاء سلطة وليس وظيفة والمبدأ التفريق بين السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية معتبرة أن كل تدخل في السلطة القضائية يمس من القضاء واستقلاليته واستقلال القضاة مشددة على أنهم مع محاسبة الفاسدين وكل من أخل بواجبه وحاد عن النزاهة والحياد والاستقلالية ولكن الإصلاح لا يكون بمراسيم وإنما بقوانين أساسية مشددة على أنه وحتى في الظروف الاستثنائية لا يمكن بأي حال من الأحوال المس من الحريات ومن السلطة القضائية التي هي الضامن الوحيد لتلك الحريات.
وأشارت رئيسة جمعية القاضيات الى أنه ولئن كانت لديهم مؤاخذات على أداء المجلس ولكنهم ضد التحريض وتجييش الشعب على القضاة وعلى حل المجلس، مضيفة أن المجلس مكسب من مكتسبات دولة القانون والمؤسسات ولا يمكن التفريط فيه وحله وإنما إصلاحه وليس بمراسيم لأن ذلك يجعل القضاء والقضاة بيد وتحت إرادة منفردة..والإرادة المنفردة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون لصالح القضاء ولا القضاة ولا توفر الضمانات اللازمة لهما.
وأكدت القاضية سيدة القارشي أنهم سيسلكون كل السبل النضالية لإرساء استقلال القضاء والقضاة وحمايتهم الجسدية وحماية المحاكم.
واعتبرت أن الإعلان عن حل المجلس الأعلى للقضاء من مقر وزارة الداخلية فيه رمزية واضحة وإعلان رسمي عن أن كل شيء بات بيد السلطة التنفيذية ووزارة الداخلية، مضيفة أن رئيس الجمهورية اختار ذكرى اغتيال شكري بلعيد وتحول الى مقر وزارة الداخلية في توقيت متأخر فيه دلالة على أن الرئيس استغل التوقيت لتجييش الشعب ضد السلطة القضائية.
ورأت محدثتنا أنه إذا كانت هناك أخطاء وحياد عن النزاهة فالمحاسبة يجب أن لا تتم من قبل السلطة التنفيذية وإنما هناك تفقدية وهم يطالبون باستقلالها عن وزارة العدل واستقلال النيابة العمومية عن السلطة التنفيذية.
وأكدت القارشي على أنهم لا يريدون اليوم العودة الى النظام الديكتاتوري وجمع كل السلط بيد واحد والانفراد بالحكم.
وكانت جمعية القاضيات حذرت في بيان لها من عواقب ضرب مؤسسات الدولة بما هي دعامة للنظام الديمقراطي واعتبرت أن ما قام به رئيس الجمهورية رجوعا إلى الوراء بتجميع كافة السلطات والصلاحيات بيد السلطة التنفيذية مشددة على أن المجلس الأعلى للقضاء مكسب دستوري لا يمكن إصلاحه بمراسيم مخالفة لروح الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة التونسية.
وكذلك رفض إخضاع المسار الوظيفي والتأديبي للقضاة لإرادة منفردة لما في ذلك من عواقب وتداعيات خطيرة على مسار القضاة من جهة وعلى مسار العدالة برمتها من جهة أخرى.
ومن جهته صرح مراد المسعودي رئيس جمعية القضاة الشبان لـ"الصباح" أن إعلان رئيس الجمهورية عن حل المجلس الأعلى للقضاء من مقر وزارة الداخلية فيه استقواء وكأنه يتباهى بالأمن الجمهوري والجيش الوطني مؤكدا على أنهم سيتخذون قرارات موجعة قد تصل الى غلق المحاكم مشددا على أن إغلاق المجلس الأعلى للقضاء لن يحول دون مواصلة عمله.
وقال المسعودي إن الرئيس يسوق الى الرغبة في إصلاح القضاء والحال أنه يرغب في تأليب الشعب والسيطرة على القضاء.
وكانت جمعية القضاة الشبان عبرت في بيان أصدرته إبّان صدور قرار رئيس الجمهورية أكدت فيه على أنه "ولئن قام رئيس الجمهورية بحل البرلمان والحكومة مستندا إلى ما سماه بالظروف الاستثنائية التي لا وجود لها في الأصل وإلى أحكام الفصل 80 من الدستور الذي لا ينطبق على واقع الحال ، فانه لا يملك أي سند قانوني أو سلطة أو شرعية لحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب من القضاة وأنه يقوم بحل كافة السلطات بإرادة منفردة ودون استفتاء الشعب في الأمر سعيا لتكريس نظام كلياني يجمع بمقتضاه السلطات السياسية والقضائية بين يديه .
شكاية..
وأكدت جمعية القضاة على أنها تعتزم تحرير شكاية إلى المقرر الخاص باستقلال القضاة والمحامين تتضمن تشخيصا دقيقا لما آل إليه القضاء بعد 25جويلية2021، مع رصد كافة التجاوزات والانتهاكات المرتكبة منذ ذلك التاريخ الى الآن ؛ على غرار "منع القضاة من السفر وكيل التهم لهم دون إثبات وتشويههم والضغط عليهم وتوجيه قراراتهم تحت طائلة التهديد".
من جانبها أكدت عائشة بلحسن نائبة رئيس جمعية القضاة التونسيين في تصريح لـ "الصباح" بأن الجمعية بعد اطلاعها على خطاب رئيس الجمهورية في ساعة متأخرة من ليلة السبت من مقر وزارة الداخلية بما تحمله من رمزية لدى التونسيين وقد تضمن هذا الخطاب تحريضا كبيرا جدا على القضاة وتضمن عبارات فيها دعوة مباشرة للعنف أصدرت بيانا ذكرت فيه بأن خطاب التجييش والتحريض على القضاة وعلى المجلس الأعلى للقضاء الذي دأب عليها رئيس الجمهورية فيه إنكار تام للمبادئ الدستورية وللمعايير الدولية لاستقلال القضاء.
القضاء سلطة وليس وظيفة
وأضافت بأن موقف الجمعية واضح جدا مما أعلنه رئيس الجمهورية وعبروا عن رفضهم الشديد لكل محاولات المساس بالسلطة القضائية وبالمجلس الأعلى للقضاء لأنهم يعتبرونه هيئة دستورية ساهرة على حسن سير القضاء وهي الضامنة لاستقلالية السلطة القضائية وليس وظيفة القضاء وذكرت بان تمسكهم بالضمانات الدستورية وضمانات المعايير الدولية لاستقلالية السلطة القضائية أعلنوا عنه سابقا ومازالوا متمسكين بها.
وذكرت أن المحاسبة استحقاق لكنها تكون في الأطر والمسارات القانونية وتكون مؤسسة على ملفات وليس على منطق الفوضى والعنف، وأوضحت بلحسن بأنه بخلاف رفض جمعية القضاة التونسيين الشديد والمطلق لحل المجلس الأعلى للقضاء بقرار رئيس الجمهورية فقد عاينت الجمعية أمس على عين المكان وبالاتصال برئيس المجلس الأعلى للقضاء وأعضاء المجلس عاينت غلق مقر المجلس الأعلى للقضاء وإحاطته بالقوات الأمنية ومنع كل أعضاء المجلس وموظفيه من الولوج الى مبنى المجلس الأعلى للقضاء كما عاينت منع أعضاء المجلس من الدخول الى مقره.
وأضافت محدثتنا بأن الجمعية أعلنت منذ ليلة أمس الأول على توجهها لعموم القضاة في أقرب الآجال لاتخاذ الخطوات النضالية اللازمة لحماية استقلالية السلطة القضائية والمؤسسات القضائية وحرمة القضاة وسلامتهم الجسدية وحرمة المحاكم .
وقالت بلحسن "نحن نراها سلطة والدستور كرسها سلطة والمعايير الدولية كرستها سلطة وفي دولة القانون الفصل بين السلط يكون باحترام بعضها البعض وتركيز المؤسسات الكفيلة لاستقلالية السلط عن بعضها وفصل السلطات عن بعضها في النظام الديمقراطي".
اجتماع طارئ..
وأكدت بلحسن بأنه بعد معاينتهم لغلق مقر المجلس الأعلى للقضاء بالسلاسل الحديدية وتسييجه بالقوات الأمنية فان لهم اجتماع طارئ للمكتب التنفيذي لجمعية القضاة للتداول في هذه التطورات الخطيرة والخطيرة جدا وغير المسبوقة فهم يعتبرون بأن النظام الديمقراطي ودولة القانون مهددة بمثل هذه القرارات وهذه الخطوات غير المسبوقة في الأنظمة الديمقراطية التي تحترم استقلالية السلطة القضائية وهم تداولوا أمس في التحركات الممكنة ، وكما أعلنوا في بيانهم فإنهم سيرجعون للقضاة ويجتمعون بهم لاتخاذ القرارات المناسبة في إبّانها للرد على هذه القرارات الأخيرة .
تركيز حكم فردي
وفي ذات السياق ذكر القاضي عمر الوسلاتي في تصريح لـ" الصباح" بأنه بحل المجلس الأعلى للقضاء نحن باتجاه تركيز حكم فردي وإنهاء الدستور وتعليق جميع المؤسسات الديمقراطية فالقضاء أصبح بالتالي قضاء وظيفيا فسيقع استغلال حل المجلس للتسميات على مستوى الوظائف القضائية وبالتالي توجيه القضاء لخدمة النظام الجديد.
قضاء التعليمات
فبإعلان حل المجلس الأعلى للقضاء المؤسسة الدستورية الوحيدة تم إنهاء العمل بالدستور نهائيا وبالتالي أصبحنا خارجه باعتبار أنه تم فتح الباب للاشرعية فالوضع لم يعد يؤطره أي شيء فالقضاة "سيضعون الملفات وينتظرون التعليمات" وبالتالي لم يعد هناك حديث حول القضاء المستقل باعتبار أن رئيس الجمهورية سيتحكم في القضاة فهو سيعفيهم وسيقوم بنقلتهم ويمكنهم من الوظائف ، فمنظومة دستور 2014 انتهت فالباب الأول والثاني اللذان قال الرئيس إنهما غير معلقين بإعلان حل المجلس الأعلى للقضاء تم تجاوزهما فضمان الحقوق والحريات اللذين يتضمنهما الباب الثاني من الدستور لضمان قضاء مستقل وإذا أصبح لنا قضاء غير مستقل فلم يعد هناك باب أول وثان فلا يمكن الحديث عن قاض يضمن الحقوق والحريات فالقاضي سيقوم بوظيفة قضائية في مرفق قضائي إداري تابع للدولة وبالتالي يخضع للتعليمات مثل الداخلية ولا يخضع للقانون.
فبعد إعلان حل المجلس الأعلى للقضاء انتهى دستور 2014 وعلق الباب الأول والثاني من الدستور ، وأصبحت السلط كلها بما في ذلك القضائية تحت سلطة الرئيس مباشرة وما سيترتب عن ذلك من انهيار لكامل المنظومة القانونية والأمان القانوني في أجهزة الدولة.
وأكد الوسلاتي بأن حل المجلس الأعلى للقضاء في ذكرى اغتيال الشهيد شكري بلعيد ليس لأنه لم يقم بوظيفته أو لفساد أعضائه وليس لكشف حقيقة اغتيال الشهيد الرمز شكري بلعيد بل ان الربط مريب لطمس التاريخ بعملية حل المجلس الأعلى للقضاء، فالهدف الأساسي هو ضرب لمبدأ استقلال القضاء كسلطة تكشف الحقيقة وتحاسب الضالعين في الفساد والاغتيالات، وعبر تاريخنا فان أغلب الأنظمة قبل الثورة وبعدها وعلى اختلافها تعتبر أن القضاء وظيفة ولا يمكن أن يكون سلطة.
وأوضح الوسلاتي أن المجلس الأعلى للقضاء لم يكن هناك قبول بتركيزه منذ البداية فهو جسم غريب "مبتور"وجاء بعد أربع سنوات من اغتيال شكري بلعيد وبعد ثلاث سنوات من سن الدستور في 2014 وبعد صراع طويل الاعتراف بسلطة القضاء من خلاله بقطع النظر عن التقييم ، ولم يقع إحداث تفقدية شؤون القضاة المسؤولة عن مساءلة القضاة الفاسدين ومحاسبتهم بالملفات (التي تبقى اليوم بيد السلطة التنفيذية الى هذا التاريخ) ولم يقع سن قانون أساسي للقضاة وظل قانون 1967 المتحكم في إسناد الوظائف السامية للقضاة ليقع القطع مع الماضي واستهداف المجلس اليوم في ذكرى اغتيال شكري بلعيد إنما هو استهداف لنواة يمكن البناء معها وبواسطتها لقضاء مستقل نزيه خارج حسابات الأنظمة.
وأضاف الوسلاتي بأن القضاة إذا ما تمسكوا باستقلاليتهم في خصوص الملفات فإنهم سيدفعون "الفاتورة "غالية فإذا ما تمسك القاضي باستقلاله فسيتم اعتماد "كلوارات " مثل ما كان يفعل الرئيس الراحل بن علي فيتم تسمية قضاة موالين للنظام وبالتالي سيصبح هناك قضاة الشعب وقضاة الموالاة ، واستغرب الوسلاتي بأن لا تتم محاسبة القضاة "المتواطئين" الذين وجه لهم رئيس الجمهورية الاتهامات وإحالتهم على مجلس التأديب والتفقدية وبالتالي عزلهم باعتبار أنه لا مانع في ذلك .
إعداد :مفيدة القيزاني – فاطمة الجلاصي
* نائبة رئيس جمعية القضاة لـ "الصباح" : نرفض رفضا مطلقا حل المجلس
*رئيس جمعية القضاة الشبان لـ"الصباح" : سنتخذ قرارات موجعة
*رئيسة جمعية القاضيات لـ"الصباح" : الإعلان عن حل المجلس من مقر وزارة الداخلية فيه إعلان رسمي عن ان كل شيء بات بيد السلطة التنفيذية ووزارة الداخلية
* إغلاق المجلس الأعلى للقضاء لن يحول دون مواصلة عمله
*شكاية تشخص وضع القضاء بعد 25 جويلية
*هناك تحريض وتجييش الشعب على القضاة وعلى حل المجلس
*محاسبة القضاة تتم عن طريق التفقدية وليس عن طريق السلطة التنفيذية
*نحن باتجاه تركيز حكم فردي وإنهاء الدستور وتعليق جميع المؤسسات الديمقراطية
تونس-الصباح
أعلن الرئيس قيس سعيد خلال الليلة الفاصلة بين يومي 05 و06 فيفري الجاري عن حل المجلس الأعلى للقضاء في قرار مفاجئ أصدره من مقر وزارة الداخلية معتبرا أن المجلس أصبح من الماضي وفي خطوة ثانية قامت وحدات أمنية صباح أمس بمنع الموظفين والعاملين والإداريين من دخول مقر المجلس وإغلاق الأبواب بالسلاسل الحديدية..خطوة اعتبرها رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالخطيرة مؤكدا على أن "فرض سلطة الأمر الواقع وإغلاق المؤسسات بقوة البوليس سابقة في تاريخ تونس" محملا المسؤولية لوزارة الداخلية لأنها طبقت تعليمات سياسية وليست قانونية وفق تعبيره.
القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية سبقته انتقادات قوية وجهها سعيد لأداء المجلس وللقضاة بصفة عامه حتى أنه اعتبره وظيفة في الدولة وليس بسلطة كما انتقد بطء صدور الأحكام خاصة في قضايا الفساد المالي والإرهاب..
قرار غلق المجلس هز القضاة وتسارعت هياكل المهنة بإصدار البيانات المنددة بقرار الرئيس حيث اعتبرت جمعية القضاة التونسيين أن "ما أعلن عنه رئيس الجمهورية هو إنكار لدعائم النظام الديمقراطي من استقلال دستوري وقانوني وهيكلي ووظيفي للقضاء وهدم لمؤسساته الدستورية وتقويض لبنائه الدستوري ويشكّل تراجعا خطيرا وغير مسبوق عن المكتسبات الدستورية وسعي لإخضاع القضاء للسلطة التنفيذية في ظلّ نظام يجمع فيه رئيس الجمهورية بيده كل السلطات" وحذّرت من "العواقب الوخيمة لمناخات الترهيب والترويع والاستضعاف والمس من الاعتبار التي يعمل ضمنها القضاة اليوم على ضمان حقوق وحريات التونسيين والتونسيات" كما اعتبرت أن الإعلان عن حل المجلس من مقر وزارة الداخلية وما تضمنه من تحريض غير مسبوق على القضاة بتهديدهم "بالصواريخ التي ستضربهم في صميم صميمهم" معتبرين أن ذلك فيه دعوة مباشرة لاستباحة القضاة وتحريض مباشر على العنف عليهم والقول بأنّ "هؤلاء مكانهم ليس المكان الذي يجلسون فيه وإنّما المكان الذي يقف فيه المتهمون" وإعلانه في ساعة متأخرة من الليل ومن مقر وزارة الداخلية عن حلّ المجلس الأعلى للقضاء والدعوة للتظاهر أمامه وإعلانه "وضع مرسوم مؤقت ينظم عمل المجلس الأعلى للقضاء" وأنّ المجلس قد أصبح "في عداد الماضي من هذه اللحظة"..
القرار المفاجئ لرئيس الجمهورية دفع بالقضاة الى التعبير عن رفضهم لهذا القرار و"وأد لاستقلال القضاء واغتيالا لدولة القانون" وفق ما عبر عنه القاضي أحمد صواب وقالت القاضية سيدة القارشي رئيسة جمعية القاضيات في تصريح لـ"الصباح" إنهم مع دولة القانون والمؤسسات وهم مع المجلس كمؤسسة دستورية باعتباره يمثل ركيزة لدولة القانون والمؤسسات مشيرة الى أن كل خلل في المرفق القضائي يؤدي الى إضعاف القضاة وتركيعهم.
وأكدت القارشي على أن القضاء سلطة وليس وظيفة والمبدأ التفريق بين السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية معتبرة أن كل تدخل في السلطة القضائية يمس من القضاء واستقلاليته واستقلال القضاة مشددة على أنهم مع محاسبة الفاسدين وكل من أخل بواجبه وحاد عن النزاهة والحياد والاستقلالية ولكن الإصلاح لا يكون بمراسيم وإنما بقوانين أساسية مشددة على أنه وحتى في الظروف الاستثنائية لا يمكن بأي حال من الأحوال المس من الحريات ومن السلطة القضائية التي هي الضامن الوحيد لتلك الحريات.
وأشارت رئيسة جمعية القاضيات الى أنه ولئن كانت لديهم مؤاخذات على أداء المجلس ولكنهم ضد التحريض وتجييش الشعب على القضاة وعلى حل المجلس، مضيفة أن المجلس مكسب من مكتسبات دولة القانون والمؤسسات ولا يمكن التفريط فيه وحله وإنما إصلاحه وليس بمراسيم لأن ذلك يجعل القضاء والقضاة بيد وتحت إرادة منفردة..والإرادة المنفردة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون لصالح القضاء ولا القضاة ولا توفر الضمانات اللازمة لهما.
وأكدت القاضية سيدة القارشي أنهم سيسلكون كل السبل النضالية لإرساء استقلال القضاء والقضاة وحمايتهم الجسدية وحماية المحاكم.
واعتبرت أن الإعلان عن حل المجلس الأعلى للقضاء من مقر وزارة الداخلية فيه رمزية واضحة وإعلان رسمي عن أن كل شيء بات بيد السلطة التنفيذية ووزارة الداخلية، مضيفة أن رئيس الجمهورية اختار ذكرى اغتيال شكري بلعيد وتحول الى مقر وزارة الداخلية في توقيت متأخر فيه دلالة على أن الرئيس استغل التوقيت لتجييش الشعب ضد السلطة القضائية.
ورأت محدثتنا أنه إذا كانت هناك أخطاء وحياد عن النزاهة فالمحاسبة يجب أن لا تتم من قبل السلطة التنفيذية وإنما هناك تفقدية وهم يطالبون باستقلالها عن وزارة العدل واستقلال النيابة العمومية عن السلطة التنفيذية.
وأكدت القارشي على أنهم لا يريدون اليوم العودة الى النظام الديكتاتوري وجمع كل السلط بيد واحد والانفراد بالحكم.
وكانت جمعية القاضيات حذرت في بيان لها من عواقب ضرب مؤسسات الدولة بما هي دعامة للنظام الديمقراطي واعتبرت أن ما قام به رئيس الجمهورية رجوعا إلى الوراء بتجميع كافة السلطات والصلاحيات بيد السلطة التنفيذية مشددة على أن المجلس الأعلى للقضاء مكسب دستوري لا يمكن إصلاحه بمراسيم مخالفة لروح الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة التونسية.
وكذلك رفض إخضاع المسار الوظيفي والتأديبي للقضاة لإرادة منفردة لما في ذلك من عواقب وتداعيات خطيرة على مسار القضاة من جهة وعلى مسار العدالة برمتها من جهة أخرى.
ومن جهته صرح مراد المسعودي رئيس جمعية القضاة الشبان لـ"الصباح" أن إعلان رئيس الجمهورية عن حل المجلس الأعلى للقضاء من مقر وزارة الداخلية فيه استقواء وكأنه يتباهى بالأمن الجمهوري والجيش الوطني مؤكدا على أنهم سيتخذون قرارات موجعة قد تصل الى غلق المحاكم مشددا على أن إغلاق المجلس الأعلى للقضاء لن يحول دون مواصلة عمله.
وقال المسعودي إن الرئيس يسوق الى الرغبة في إصلاح القضاء والحال أنه يرغب في تأليب الشعب والسيطرة على القضاء.
وكانت جمعية القضاة الشبان عبرت في بيان أصدرته إبّان صدور قرار رئيس الجمهورية أكدت فيه على أنه "ولئن قام رئيس الجمهورية بحل البرلمان والحكومة مستندا إلى ما سماه بالظروف الاستثنائية التي لا وجود لها في الأصل وإلى أحكام الفصل 80 من الدستور الذي لا ينطبق على واقع الحال ، فانه لا يملك أي سند قانوني أو سلطة أو شرعية لحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب من القضاة وأنه يقوم بحل كافة السلطات بإرادة منفردة ودون استفتاء الشعب في الأمر سعيا لتكريس نظام كلياني يجمع بمقتضاه السلطات السياسية والقضائية بين يديه .
شكاية..
وأكدت جمعية القضاة على أنها تعتزم تحرير شكاية إلى المقرر الخاص باستقلال القضاة والمحامين تتضمن تشخيصا دقيقا لما آل إليه القضاء بعد 25جويلية2021، مع رصد كافة التجاوزات والانتهاكات المرتكبة منذ ذلك التاريخ الى الآن ؛ على غرار "منع القضاة من السفر وكيل التهم لهم دون إثبات وتشويههم والضغط عليهم وتوجيه قراراتهم تحت طائلة التهديد".
من جانبها أكدت عائشة بلحسن نائبة رئيس جمعية القضاة التونسيين في تصريح لـ "الصباح" بأن الجمعية بعد اطلاعها على خطاب رئيس الجمهورية في ساعة متأخرة من ليلة السبت من مقر وزارة الداخلية بما تحمله من رمزية لدى التونسيين وقد تضمن هذا الخطاب تحريضا كبيرا جدا على القضاة وتضمن عبارات فيها دعوة مباشرة للعنف أصدرت بيانا ذكرت فيه بأن خطاب التجييش والتحريض على القضاة وعلى المجلس الأعلى للقضاء الذي دأب عليها رئيس الجمهورية فيه إنكار تام للمبادئ الدستورية وللمعايير الدولية لاستقلال القضاء.
القضاء سلطة وليس وظيفة
وأضافت بأن موقف الجمعية واضح جدا مما أعلنه رئيس الجمهورية وعبروا عن رفضهم الشديد لكل محاولات المساس بالسلطة القضائية وبالمجلس الأعلى للقضاء لأنهم يعتبرونه هيئة دستورية ساهرة على حسن سير القضاء وهي الضامنة لاستقلالية السلطة القضائية وليس وظيفة القضاء وذكرت بان تمسكهم بالضمانات الدستورية وضمانات المعايير الدولية لاستقلالية السلطة القضائية أعلنوا عنه سابقا ومازالوا متمسكين بها.
وذكرت أن المحاسبة استحقاق لكنها تكون في الأطر والمسارات القانونية وتكون مؤسسة على ملفات وليس على منطق الفوضى والعنف، وأوضحت بلحسن بأنه بخلاف رفض جمعية القضاة التونسيين الشديد والمطلق لحل المجلس الأعلى للقضاء بقرار رئيس الجمهورية فقد عاينت الجمعية أمس على عين المكان وبالاتصال برئيس المجلس الأعلى للقضاء وأعضاء المجلس عاينت غلق مقر المجلس الأعلى للقضاء وإحاطته بالقوات الأمنية ومنع كل أعضاء المجلس وموظفيه من الولوج الى مبنى المجلس الأعلى للقضاء كما عاينت منع أعضاء المجلس من الدخول الى مقره.
وأضافت محدثتنا بأن الجمعية أعلنت منذ ليلة أمس الأول على توجهها لعموم القضاة في أقرب الآجال لاتخاذ الخطوات النضالية اللازمة لحماية استقلالية السلطة القضائية والمؤسسات القضائية وحرمة القضاة وسلامتهم الجسدية وحرمة المحاكم .
وقالت بلحسن "نحن نراها سلطة والدستور كرسها سلطة والمعايير الدولية كرستها سلطة وفي دولة القانون الفصل بين السلط يكون باحترام بعضها البعض وتركيز المؤسسات الكفيلة لاستقلالية السلط عن بعضها وفصل السلطات عن بعضها في النظام الديمقراطي".
اجتماع طارئ..
وأكدت بلحسن بأنه بعد معاينتهم لغلق مقر المجلس الأعلى للقضاء بالسلاسل الحديدية وتسييجه بالقوات الأمنية فان لهم اجتماع طارئ للمكتب التنفيذي لجمعية القضاة للتداول في هذه التطورات الخطيرة والخطيرة جدا وغير المسبوقة فهم يعتبرون بأن النظام الديمقراطي ودولة القانون مهددة بمثل هذه القرارات وهذه الخطوات غير المسبوقة في الأنظمة الديمقراطية التي تحترم استقلالية السلطة القضائية وهم تداولوا أمس في التحركات الممكنة ، وكما أعلنوا في بيانهم فإنهم سيرجعون للقضاة ويجتمعون بهم لاتخاذ القرارات المناسبة في إبّانها للرد على هذه القرارات الأخيرة .
تركيز حكم فردي
وفي ذات السياق ذكر القاضي عمر الوسلاتي في تصريح لـ" الصباح" بأنه بحل المجلس الأعلى للقضاء نحن باتجاه تركيز حكم فردي وإنهاء الدستور وتعليق جميع المؤسسات الديمقراطية فالقضاء أصبح بالتالي قضاء وظيفيا فسيقع استغلال حل المجلس للتسميات على مستوى الوظائف القضائية وبالتالي توجيه القضاء لخدمة النظام الجديد.
قضاء التعليمات
فبإعلان حل المجلس الأعلى للقضاء المؤسسة الدستورية الوحيدة تم إنهاء العمل بالدستور نهائيا وبالتالي أصبحنا خارجه باعتبار أنه تم فتح الباب للاشرعية فالوضع لم يعد يؤطره أي شيء فالقضاة "سيضعون الملفات وينتظرون التعليمات" وبالتالي لم يعد هناك حديث حول القضاء المستقل باعتبار أن رئيس الجمهورية سيتحكم في القضاة فهو سيعفيهم وسيقوم بنقلتهم ويمكنهم من الوظائف ، فمنظومة دستور 2014 انتهت فالباب الأول والثاني اللذان قال الرئيس إنهما غير معلقين بإعلان حل المجلس الأعلى للقضاء تم تجاوزهما فضمان الحقوق والحريات اللذين يتضمنهما الباب الثاني من الدستور لضمان قضاء مستقل وإذا أصبح لنا قضاء غير مستقل فلم يعد هناك باب أول وثان فلا يمكن الحديث عن قاض يضمن الحقوق والحريات فالقاضي سيقوم بوظيفة قضائية في مرفق قضائي إداري تابع للدولة وبالتالي يخضع للتعليمات مثل الداخلية ولا يخضع للقانون.
فبعد إعلان حل المجلس الأعلى للقضاء انتهى دستور 2014 وعلق الباب الأول والثاني من الدستور ، وأصبحت السلط كلها بما في ذلك القضائية تحت سلطة الرئيس مباشرة وما سيترتب عن ذلك من انهيار لكامل المنظومة القانونية والأمان القانوني في أجهزة الدولة.
وأكد الوسلاتي بأن حل المجلس الأعلى للقضاء في ذكرى اغتيال الشهيد شكري بلعيد ليس لأنه لم يقم بوظيفته أو لفساد أعضائه وليس لكشف حقيقة اغتيال الشهيد الرمز شكري بلعيد بل ان الربط مريب لطمس التاريخ بعملية حل المجلس الأعلى للقضاء، فالهدف الأساسي هو ضرب لمبدأ استقلال القضاء كسلطة تكشف الحقيقة وتحاسب الضالعين في الفساد والاغتيالات، وعبر تاريخنا فان أغلب الأنظمة قبل الثورة وبعدها وعلى اختلافها تعتبر أن القضاء وظيفة ولا يمكن أن يكون سلطة.
وأوضح الوسلاتي أن المجلس الأعلى للقضاء لم يكن هناك قبول بتركيزه منذ البداية فهو جسم غريب "مبتور"وجاء بعد أربع سنوات من اغتيال شكري بلعيد وبعد ثلاث سنوات من سن الدستور في 2014 وبعد صراع طويل الاعتراف بسلطة القضاء من خلاله بقطع النظر عن التقييم ، ولم يقع إحداث تفقدية شؤون القضاة المسؤولة عن مساءلة القضاة الفاسدين ومحاسبتهم بالملفات (التي تبقى اليوم بيد السلطة التنفيذية الى هذا التاريخ) ولم يقع سن قانون أساسي للقضاة وظل قانون 1967 المتحكم في إسناد الوظائف السامية للقضاة ليقع القطع مع الماضي واستهداف المجلس اليوم في ذكرى اغتيال شكري بلعيد إنما هو استهداف لنواة يمكن البناء معها وبواسطتها لقضاء مستقل نزيه خارج حسابات الأنظمة.
وأضاف الوسلاتي بأن القضاة إذا ما تمسكوا باستقلاليتهم في خصوص الملفات فإنهم سيدفعون "الفاتورة "غالية فإذا ما تمسك القاضي باستقلاله فسيتم اعتماد "كلوارات " مثل ما كان يفعل الرئيس الراحل بن علي فيتم تسمية قضاة موالين للنظام وبالتالي سيصبح هناك قضاة الشعب وقضاة الموالاة ، واستغرب الوسلاتي بأن لا تتم محاسبة القضاة "المتواطئين" الذين وجه لهم رئيس الجمهورية الاتهامات وإحالتهم على مجلس التأديب والتفقدية وبالتالي عزلهم باعتبار أنه لا مانع في ذلك .