بعد أن تأكد إغلاق كل خطوط التمويل المالي للميزانية في البلاد وعجز الدولة عن إقناع الدول الصديقة والشقيقة والجهات المانحة للمساهمة في إنقاذ ما تبقى من اقتصاد يعرج، تدخل تونس المربع الأخير قبل الانطلاق في مفاوضات معمقة مع صندوق النقد الدولي.
مفاوضات وضع الصندوق أبرز شروطها السياسية والاقتصادية أهمها تجميد الأجور ورفع الدعم تدريجيا والتفويت في بعض المؤسسات العمومية والتحكم في كتلة الأجور وغيرها من الإملاءات الأخرى.
وإذ تبدو الحكومة متحفزة للانطلاق في هكذا مفاوضات درءا لآي أخطار اقتصادية محتملة من مزيد ارتفاع في الأسعار وانزلاق الدينار مقابل العملات الأجنبية من أورو ودولار والتضخم.. فان حكومة بودن اصطدمت بموقف الاتحاد العام التونسي للشغل الرافض لهكذا إملاءات بما من شانها أن تنهي الطبقة الاجتماعية المتوسطة التي كثيرا ما كانت محل فخر لسياسات الدولة منذ أواخر القرن الماضي.
وعبرت المنظمة خلال اجتماع الهيئة الإدارية الأخيرة يوم 4 جانفي الماضي عن استنكارها لما يكتنف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي "من غموض وسرية وتعتيم وغياب لأيّ صيغة تشاركية داخلية وندعو إلى الشفافية وحقّ النفاذ إلى المعلومة وإشراك المنظّمات الوطنية وسائر مكوّنات المجتمع المدني في تسطير مسار هذه المفاوضات بما يضمن وضوحها ونديتها وحفاظها على مصلحة الشعب والوطن والإسراع بتدقيق لتجربة المفاوضات السابقة قبل الخوض في جولة جديدة ونعلن رفضنا لأيّ مفاوضة لم نسهم في إعداد أهدافها وبرامجها ووسائلها ومآلاتها."
وقد استجابت الحكومة لمطلب الاتحاد بتشريكه في التفاوض وذلك بعد أن سجل الأمين العام للمنظمة نورالدين الطبوبي مشاركته في اجتماع بقصر الحكومة بالقصبة أمس إلى جانب كل من رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزيرة المالية سهام البوغديري ومحافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي ولجنة ممثلة عن كل من البنك المركزي ووزارة المالية.
ويأتي هذا اللقاء من اجل إيجاد صيغة للتوافق حول انطلاق عملية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وهي فرصة قد تتيح للبلاد تجاوز أزمتها المالية الخانقة وإيجاد طريق سالك نحو الإفلات من المنعرج المالي والاقتصادي الخطير .
وإذ يبدو حضور الطبوبي هذا الاجتماع فرصة لتثبيت موقف المنظمة الرافض لأي مساس بقوت التونسيين
وتأكيد المطالب الاجتماعية الملحّة والاستحقاقات الاقتصادية الضرورية في ظل ارتفاع لهيب الأسعار وضعف المقدرة الشرائية للمواطن فان حضور الأمين العام قد يكون أيضا فخا من شأنه أن ينهي حرص الاتحاد على المحافظة على عدد من المؤسسات الوطنية في إطار سعي الدولة وبرنامجها المتجدد للتفويت فيها لفائدة الخواص.
بداية حضور الاتحاد والتحضير المشترك للانطلاق في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي قد يدفع بمنظمة حشاد للتنازل وغض النظر عن الخطوط الحمراء والتراجع مرغما عن "لاءاته الثلاث" التي كثيرا ما رفعها الأمين العام نفسه أو بقية أعضاء المكتب التنفيذي حيث لا مجال للتفويت دفي المؤسسات العمومية، لا لتجميد الأجور ولا لرفع الدعم.
وتدرك المنظمة اشغيلة أن دخولها كشريك في المفاوضات قد يحملها المسؤولية لاحقا، ففي حال القبول بالتمشي التفاوضي لصندوق النقد الدولي فان الاتحاد سيكون أمام خسارة ميدانية على اعتبار أن مخرجات المفاوضات كثيرا ما تكون في خدمة رأس المال على حساب الفئات الهشة والمستضعفة .
أما في حال فكّر الاتحاد في التراجع فإنه سيصبح متهما بتعطيل وإفشال مسار التفاوض والوصول إلى حل ينهي الأزمة الاقتصادية الحاصلة .
ويذكر أن المحادثات بين بلادنا والصندوق النقد الدولي قد توقفت منذ شهر جويلية الماضي بعد إقالة حكومة هشام المشيشي وتعليق أشغال البرلمان وتولي الرئيس قيس سعيد للسلطة التنفيذية والتشريعية بمقتضى المرسوم 117 لسنة 2021 والذي يصفه خصوه "بالانقلاب" على السلطة.
وقد عاد الحديث عن استئناف المفاوضات بعد أن قدم سعيد يوم 13ديسمبر الماضي ما اصطلح على تسميته بخريطة طريق حدد من خلالها سقفا زمنيا واضحا لإنهاء المرحلة الاستثنائية وخاصة الدعوة لانجاز مواعيد للاستفتاء والانتخابات التشريعية.
وإذ لا تبدو الجهات المانحة مقتنعة بخريطة الطريق المقترحة من الرئيس والتي يصفها البعض بأنها "خريطة في اتجاه واحد" وهو ما كشفه التقرير الأخير لمجموعة الأزمات الدولية والتي صنفت تونس ضمن الـ10 بلدان التي قد تواجه صراعات مميتة أو حالات طوارئ إنسانية أو أزمات أخرى ترى المجموعة انه يمكن للاتحاد الأوروبي المساعدة على إنقاذها وإعادة الاستقرار فيها.
وأكدت المجموعة في تقريرها حول قائمة المراقبة لسنة 2022 أن الاقتصاد المتعثر في تونس بدأ يقوض الثقة في السلطة السياسية.
وذكرت المجموعة بأنه في غضون ذلك يدور حديث في الكونغرس الأمريكي حول ربط المساعدات المالية والعسكرية لتونس بما تتوصل إليه وزارة الخارجية الأمريكية في ما يتعلق بدور الجيش في ما وصفته بانتهاكات بعد 25 جويلية وبأنه لم تتم الإجابة بعد عن هذا السؤال منبهة إلى أنه في صورة تمرير تشريع بهذا المعنى وقطعت واشنطن المساعدة قد يكون بالفعل هناك اضطراب داخل القوات المسلحة بالإضافة إلى مزيد من الاضطرابات في الشارع.
واعتبرت أنه يمكن أن يكون لكل هذه العوامل تأثير كرة الثلج وأن يدفع ذلك بالرئيس قيس سعيد إلى التمادي في ما أسمته بالخطاب الشعبوي لتوجيه إحباط مؤيديه الذين يتوقعون منه "تطهير" مؤسسات الدولة .
ونبهت من أن ترفيع الرئيس قيس سعيد من الخطاب الشعبوي لصرف الانتباه عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية قد يثير ردود فعل لا يمكن السيطرة عليها بين السكان مثل المظاهرات أمام السفارات والوفود الأجنبية للبلاد وأعمال عنف أخرى لاسيما إذا أزعج سعيد موازين القوى المحلية باسم محاربة الفساد وبهدف تعزيز نفوذ أنصاره في مناطق معينة.
خليل الحناشي
تونس-الصباح
بعد أن تأكد إغلاق كل خطوط التمويل المالي للميزانية في البلاد وعجز الدولة عن إقناع الدول الصديقة والشقيقة والجهات المانحة للمساهمة في إنقاذ ما تبقى من اقتصاد يعرج، تدخل تونس المربع الأخير قبل الانطلاق في مفاوضات معمقة مع صندوق النقد الدولي.
مفاوضات وضع الصندوق أبرز شروطها السياسية والاقتصادية أهمها تجميد الأجور ورفع الدعم تدريجيا والتفويت في بعض المؤسسات العمومية والتحكم في كتلة الأجور وغيرها من الإملاءات الأخرى.
وإذ تبدو الحكومة متحفزة للانطلاق في هكذا مفاوضات درءا لآي أخطار اقتصادية محتملة من مزيد ارتفاع في الأسعار وانزلاق الدينار مقابل العملات الأجنبية من أورو ودولار والتضخم.. فان حكومة بودن اصطدمت بموقف الاتحاد العام التونسي للشغل الرافض لهكذا إملاءات بما من شانها أن تنهي الطبقة الاجتماعية المتوسطة التي كثيرا ما كانت محل فخر لسياسات الدولة منذ أواخر القرن الماضي.
وعبرت المنظمة خلال اجتماع الهيئة الإدارية الأخيرة يوم 4 جانفي الماضي عن استنكارها لما يكتنف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي "من غموض وسرية وتعتيم وغياب لأيّ صيغة تشاركية داخلية وندعو إلى الشفافية وحقّ النفاذ إلى المعلومة وإشراك المنظّمات الوطنية وسائر مكوّنات المجتمع المدني في تسطير مسار هذه المفاوضات بما يضمن وضوحها ونديتها وحفاظها على مصلحة الشعب والوطن والإسراع بتدقيق لتجربة المفاوضات السابقة قبل الخوض في جولة جديدة ونعلن رفضنا لأيّ مفاوضة لم نسهم في إعداد أهدافها وبرامجها ووسائلها ومآلاتها."
وقد استجابت الحكومة لمطلب الاتحاد بتشريكه في التفاوض وذلك بعد أن سجل الأمين العام للمنظمة نورالدين الطبوبي مشاركته في اجتماع بقصر الحكومة بالقصبة أمس إلى جانب كل من رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزيرة المالية سهام البوغديري ومحافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي ولجنة ممثلة عن كل من البنك المركزي ووزارة المالية.
ويأتي هذا اللقاء من اجل إيجاد صيغة للتوافق حول انطلاق عملية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وهي فرصة قد تتيح للبلاد تجاوز أزمتها المالية الخانقة وإيجاد طريق سالك نحو الإفلات من المنعرج المالي والاقتصادي الخطير .
وإذ يبدو حضور الطبوبي هذا الاجتماع فرصة لتثبيت موقف المنظمة الرافض لأي مساس بقوت التونسيين
وتأكيد المطالب الاجتماعية الملحّة والاستحقاقات الاقتصادية الضرورية في ظل ارتفاع لهيب الأسعار وضعف المقدرة الشرائية للمواطن فان حضور الأمين العام قد يكون أيضا فخا من شأنه أن ينهي حرص الاتحاد على المحافظة على عدد من المؤسسات الوطنية في إطار سعي الدولة وبرنامجها المتجدد للتفويت فيها لفائدة الخواص.
بداية حضور الاتحاد والتحضير المشترك للانطلاق في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي قد يدفع بمنظمة حشاد للتنازل وغض النظر عن الخطوط الحمراء والتراجع مرغما عن "لاءاته الثلاث" التي كثيرا ما رفعها الأمين العام نفسه أو بقية أعضاء المكتب التنفيذي حيث لا مجال للتفويت دفي المؤسسات العمومية، لا لتجميد الأجور ولا لرفع الدعم.
وتدرك المنظمة اشغيلة أن دخولها كشريك في المفاوضات قد يحملها المسؤولية لاحقا، ففي حال القبول بالتمشي التفاوضي لصندوق النقد الدولي فان الاتحاد سيكون أمام خسارة ميدانية على اعتبار أن مخرجات المفاوضات كثيرا ما تكون في خدمة رأس المال على حساب الفئات الهشة والمستضعفة .
أما في حال فكّر الاتحاد في التراجع فإنه سيصبح متهما بتعطيل وإفشال مسار التفاوض والوصول إلى حل ينهي الأزمة الاقتصادية الحاصلة .
ويذكر أن المحادثات بين بلادنا والصندوق النقد الدولي قد توقفت منذ شهر جويلية الماضي بعد إقالة حكومة هشام المشيشي وتعليق أشغال البرلمان وتولي الرئيس قيس سعيد للسلطة التنفيذية والتشريعية بمقتضى المرسوم 117 لسنة 2021 والذي يصفه خصوه "بالانقلاب" على السلطة.
وقد عاد الحديث عن استئناف المفاوضات بعد أن قدم سعيد يوم 13ديسمبر الماضي ما اصطلح على تسميته بخريطة طريق حدد من خلالها سقفا زمنيا واضحا لإنهاء المرحلة الاستثنائية وخاصة الدعوة لانجاز مواعيد للاستفتاء والانتخابات التشريعية.
وإذ لا تبدو الجهات المانحة مقتنعة بخريطة الطريق المقترحة من الرئيس والتي يصفها البعض بأنها "خريطة في اتجاه واحد" وهو ما كشفه التقرير الأخير لمجموعة الأزمات الدولية والتي صنفت تونس ضمن الـ10 بلدان التي قد تواجه صراعات مميتة أو حالات طوارئ إنسانية أو أزمات أخرى ترى المجموعة انه يمكن للاتحاد الأوروبي المساعدة على إنقاذها وإعادة الاستقرار فيها.
وأكدت المجموعة في تقريرها حول قائمة المراقبة لسنة 2022 أن الاقتصاد المتعثر في تونس بدأ يقوض الثقة في السلطة السياسية.
وذكرت المجموعة بأنه في غضون ذلك يدور حديث في الكونغرس الأمريكي حول ربط المساعدات المالية والعسكرية لتونس بما تتوصل إليه وزارة الخارجية الأمريكية في ما يتعلق بدور الجيش في ما وصفته بانتهاكات بعد 25 جويلية وبأنه لم تتم الإجابة بعد عن هذا السؤال منبهة إلى أنه في صورة تمرير تشريع بهذا المعنى وقطعت واشنطن المساعدة قد يكون بالفعل هناك اضطراب داخل القوات المسلحة بالإضافة إلى مزيد من الاضطرابات في الشارع.
واعتبرت أنه يمكن أن يكون لكل هذه العوامل تأثير كرة الثلج وأن يدفع ذلك بالرئيس قيس سعيد إلى التمادي في ما أسمته بالخطاب الشعبوي لتوجيه إحباط مؤيديه الذين يتوقعون منه "تطهير" مؤسسات الدولة .
ونبهت من أن ترفيع الرئيس قيس سعيد من الخطاب الشعبوي لصرف الانتباه عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية قد يثير ردود فعل لا يمكن السيطرة عليها بين السكان مثل المظاهرات أمام السفارات والوفود الأجنبية للبلاد وأعمال عنف أخرى لاسيما إذا أزعج سعيد موازين القوى المحلية باسم محاربة الفساد وبهدف تعزيز نفوذ أنصاره في مناطق معينة.